وقف اطلاق النار في سورية؟ ما هي فرص النجاح والفشل؟ ولماذا تساورنا الشكوك وما هي أسبابنا؟

 وقف اطلاق النار في سورية؟ ما هي فرص النجاح والفشل؟ ولماذا تساورنا الشكوك وما هي أسبابنا؟

عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان
لا شك ان التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في الازمة الحالية الأخطر التي تواجه “سورية الجديدة” جاءت خطوة جيدة لحقن الدماء، ووقف الصدامات الطائفية في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، والسماح بعودة قوات الأمن التابعة للدولة المركزية في دمشق حاليا، ولكن فرص النجاح والثبات تبدو محدودة، وموضع شكوك، رغم تعهد “معظم” الأطراف بالالتزام بها وخاصة تجمع عشائر الجنوب القوة المسلحة الصاعدة في الجنوب السوري “المحتل”.


هناك عدة نقاط رئيسية لا بد من التوقف عندها تؤكد هذه الشكوك بفرص النجاح وترجح احتمالات الفشل:
أولا: الدولة الراعية، او بالأحرى الضاغطة، للتوصل الى هذا الاتفاق هي الولايات المتحدة الامريكية، وتجاوبا مع تدخل سعودي تركي قطري يخشى على مصالحة من العواقب، ووصول ألسنة الخطر اليه، ولكن جميع اتفاقات وقف اطلاق النار التي رعتها الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة في لبنان وقطاع غزة انهارت، بتواطؤ الدولة الراعية تدخلها ضد الطرف المنتهك عمدا وبغطرسة لها.
ثانيا: دولة الاحتلال الإسرائيلي قبلت بهذا الاتفاق “صوريا” لان نواياها الحقيقية هي إفشاله، لأنه يتعارض مع مخططاتها الرئيسية في تفكيك سورية ونشر الفوضى فيها، ولهذا اوعزت للشيخ حكمت الهجري “دميتها” في السويداء الذي يستظل بإعلامها، ويجاهر بطلب دعمها وضم السويداء اليها برفض الاتفاق فورا، واعلانه الاستمرار في القتال، وأوعز الى أنصاره، بإعدام عشرات الاسرى من القبائل العربية وتعليقهم على المشانق في وسط المدينة بمباركة إسرائيلية.
ثالثا: “إسرائيل” وبسبب “الجُبن” الرسمي العربي، اعترفت وعلى لسان بنيامين نتنياهو رئيس وزرائها بأنها هي التي أسقطت النظام الاسدي، مثلما أكدت انها تريد السيطرة الكاملة على جميع الجنوب السوري بعد نزع سلاحه، ولهذا سيكون القضاء على تجمع العشائر العربية المسلحة في المحافظات الجنوبية على قمة أولوياتها.
رابعا: النزعة الطائفية باتت هي المسيطرة على سورية الجديدة، والخلاف الدرزي والعشائري البدوي اعمق من ان تتم تسويته من خلال “وقف هش” لوقف الصدامات الدموية الأخيرة، صحيح ان هناك غالبية درزية يقودها الشيخ يوسف جربوع تصر بقوة على عروبة السويداء، واعتبارها مدينة سورية تشكل جزءا رئيسا من الدولة السورية، وتدعم وجود القوات العسكرية والأمنية فيها، ولكن الجناح الدرزي الآخر الذي يقوده الشيخ الهجري يحظى بدعم اسرائيلي مطلق بالمال والسلاح والخبرات والمعدات الحربية، وربما يكون زعيما، يفرش له السجاد الأحمر في عواصم عربية في الأيام المقبلة.
نتنياهو لن يحترم وقف اطلاق النار وسيستمر في مخططاته لتفتيت سورية تحت ذرائع متعددة، أبرزها الادعاء بحماية الأقليات، ولن يعير أمريكا ورعايتها أي اهتمام، وسيجد في نهاية المطاف الدعم المطلق له من قبلها باعتباره الحاكم المطلق لها، فالذي اخترق وقف اطلاق النار في لبنان اكثر من 4000 مرة، وما زال يحتفظ بالتلال الخمسة في جنوبه، ويقصف بعلبك والهرمل، والضاحية وقتما شاء، ويغتال ويقتل العشرات من اللبنانيين أسبوعيا في طول لبنان وعرضه، فلماذا يحترم الاتفاق الحالي في سورية رغم انخراط حكومتها في مفاوضات مباشرة معه، واستعدادها للتطبيع والانضمام الى منظومة السلام الابراهيمي؟
السؤال الأهم هو كيف سيكون هناك سلام بين “سورية الجديدة” ودولة الاحتلال بعد قصف الطائرات الاسرائيلي لمحيط القصر الجمهوري ومقر وزارة الدفاع، ورئاسة اركان الجيش السوري؟


“إسرائيل” تريد تفكيك جميع الدول العربية، واضعافها، وإرغامها على الدخول والانتماء الى الشرق الأوسط الجديد بزعامتها، ومن المؤسف والمؤلم ان نتنياهو كان مصيبا عندما قال ان هذا هو الوقت المناسب الذي لن يتكرر لقيام إسرائيل الكبرى التاريخية، فمن يمنعه من تحقيق ذلك، وجميع هذه القيادات العربية، باستثناء اليمن، وفصائل المقاومة في قطاع غزة، لا تستطيع إدخال رغيف خبز لإنقاذ حياة طفل جائع في غزة، او حماية المسجد الأقصى، القبلة الإسلامية الأولى من اقتحامات سموتريتش وبن غفير، او حتى وصفه بمجرم حرب يتزعم حرب الإبادة.
سورية التي نعرفها اختفت، وما تواجهه من إذلال وتفكيك الآن هو حجر منظومة الدومينو الأول في امه عربية إسلامية متآكلة وتتبنى استراتيجية الإذعان ودفع الجزية تحت ذريعة النأي بالنفس، والانهيار والتفكيك في طريقه السريع اليها، الواحدة بعد الأخرى، اللهم الا اذا تفجر ربيع عربي واسلامي حقيقي يجرف هذا الانهيار والهوان.. وربما هذا من أحلام اليقظة، ومن حقنا ان نحلم نحن احفاد هذه الامة التي غير أبطالها التاريخ.. والأيام بيننا.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *