هل يقبل القادة العرب أن يكونوا أقل من أي طفل فلسطيني في مواجهة ترامب؟ اما قمة تستعيد الهمم.. أو انغماس في القمامة

 هل يقبل القادة العرب أن يكونوا أقل من أي طفل فلسطيني في مواجهة ترامب؟ اما قمة تستعيد الهمم.. أو انغماس في القمامة

اسيا العتروس

اسيا العتروس
هل يمكن أن يكون القادة العرب أقل شأنا من تلط الطفلة الفلسطينية التي واجهت الرئيس الامريكي بسؤال عما اذا كان يقبل أن يتخلى عن بيته لان هناك من يريد الاستيلاء عليه بدلا منه، والاكيد أن ترامب لن يقبل بالتخلي عن بيته الفاخر ولكنه يقبل بمقايضة اهل غزة عن ارضهم لتحوليها الى منتجع يضيف عائداته الى أرصدته البنكية.. هناك أحداث ومحطات في تاريخ الامم والشعوب لا تحتمل رفاهية الخيار أو أنصاف الحلول أو التردد أن تأتي معجزة من السماء تنتصر للخير وتعيد الحق لاصحابة، ومن هذا المنطلق فان القمة العربية المرتقبة نهاية الشهر الحالي تجعل الدول المعنية أمام أقسى اختبار تواجهه منذ هزيمة ال67 بما يعني أن القرار الذي ستخرج به اما أن يعيدها الى مسار التاريخ الذي انفصلت عنه أو يدفع بها الى القاع لتلاحقها لعنة الاقدار.
نقول هذا الكلام ونحن نتابع المسرحية التي خرج بها علينا الرئيس الامريكي دونالد ترامب وقد اعتلى خشبة المسرح مع حليفه مجرم الحرب ناتنياهو و قد جعلا غزة واهلها في وضع الكبش و هما يستعدان لذبحه من الوريد الى الوريد.. وقد عاد ليكرر عرضه البائس حول غزة بلغة لا تخل من التكبر و الاحتقار وكأنه بصدد تغيير أثاث مكتبه، وقد كنا نعتقد أن الرجل واقع تحت تأثير بعض الادوية أو ما شابهها و لكنه عاد يمعن في الاستخفاف بكل العالم و بكل القوانين والمواثيق والحقوق الانسانية ..
ندرك جيدا أن دول الجوار مصر والاردن أساسا و هي المعنية بما يخطط له بشأن تهجير أهل غزة كانت قطعية في رفضها لهذا المخطط الذي كان جاهزا قبل حتى طوفان الاقصى تماما كما ندرك أن السعودية كانت واضحة في موقفها بشأن التطبيع و أقرت في كل المناسبات أنها لن تقبل بالتطبيع دون اعتراف بدولة فلسطينية وهذه أبسط حقوق الشعب الفلسطيني المشرد منذ عقود طويلة، ولكننا ندرك أيضا أننا في مواجهة نظام دولي يتجه أكثر وأكثر نحو مزيد التوحش ونحو فرض قانون الغاب وهيمنة القوي على الضعيف الذي تجسده الادارة الامريكية الراهنة بامتياز في اندفاعها الى القطع مع المنظمات الدولية التي تحتكم اليها الشعوب المستضعفة و الانسياق و هنا أصل الداء الى احياء العقلية الاحتلالية الاستعمارية التي تقوم على احلال شعب محل شعب اخر ..وهو ما يتكرر مع دعوات ترامب لشراء قناة بنما وغرونلاند لتمتد طموحاته الاحتلالية الشيطانية الى غزة ..
لسنا بصدد مناقشة ما اذا كانت أوهام ناتنياهو قابلة للتحقيق فهذه مسألة تتجاوز خط المستحيل طالما بقي على الارض فلسطيني واحد و هذا ما لا يدركه ترامب الذي يتوهم أنه بالامكان اقتناء كل ما يشتهيه و يشتهيه حليفه ناتنياهو ..و لكن الامر يتعلق بما هو أخطر من ذلك و هو الواقع العربي الذي بلغ درجة غير مسبوقة من التردي و الانهيار و قناعتنا أنه لو كان هناك موقف عربي رافض منذ بدابة الابادة في غزة على رفض ما يتعرض له أهل القطاع من تجويع وانهاك لما تجرأ ترامب على اهانة العرب جميعا واستصغارهم واحتقارهم، ولو أنه كان هناك موقف واضح ورافض لاستهداف المستشفيات والمدارس ولو كان هناك موقف واضح ورافض لتجويع الاطفال وحرمانهم من الطعام والدواء لما كان هذا الموقف.. ولو أن قوافل المساعدات الانسانية تمكنت من الوصول الى المحتاجين وقدمت لهم الخيم والمأوى والدواء والوقود لما كان هذا الموقف أيضا …خلاصة القول انه عندما هانت غزة على أهلها بدءا بالسلطة الفلسطينية و دول الجوار و الجامعة العربية و بقية الدول الاسلامية كان هذا الاسراف في العدوان وفي الابادة و في التجويع و العقاب الجماعي.
السؤال اليوم هل بالامكان التصدي لخطة ابتلاع غزة وتهجير أهلها؟
سيحاول نتنياهو مدعوما من ترامب منع وصول المساعدات الضرورية التي تحتاجها غزة وسيستمر التضييق على أهلها وخنقهم ودفعهم الى الهجرة بحثا عن فرصة للحياة اينما تكون.. وقد ينجحون في هذه الخطة في دفع بضع مات او بضع الاف من الغزاويين الى الهجرة لكن لا ولن ينجحوا في تهجير كل أهلها.
طوال حرب الابادة على غزة كان لنتنياهو كل أسباب القوة العسكرية والدعم المالي والعسكري وحتى الديبلوماسي لتدمير كل شيء في غزة وهذا أيضا ما يمكن أن ينجح فيه ترامب كما نجح فيه بايدن ان كان في جرائم القتل الجماعي للنساء و الاطفال والمرضى والتدمير والخراب نجاح ..الا أن حرب تهجير الفلسطينيين سلاح لا يملكون مقوماته ولا يستطيعون اليه سبيلا لسبب مهم لا يدركه تفكير ترامب والمحيطين به من مستشاري الحروب والدمار وهو أن جينات الفلسطيني اختلطت بملح الارض وهي جينات لا يمكن أن تنتعش وترتوي وتثمر الا في مكانها الطبيعي فلسطين.. ولا شك أن في مسيرة العودة الى شمال غزة رغم كل صور ومظاهر الدمار تؤكد هذه الحقيقة التي رآها العالم بأسره والتي سيكون من المهم أن يراها و يدرك مداها أصحاب المعالي في قمتهم المرتقبة.. هناك خياران لا ثالث لهما فاما استعادة العرب مكانهم بين الامم وانقاذ غزة من قرصنة القرن واعتبارها جزء من خارطة فلسطين او الانغماس في الحظيظ وابتلاع لعنة الماضي والحاضر والمستقبل.
لن تكون القمة العربية القادمة التي دعت لها مصر الاولى بعد طوفان الأقصى، فقد سبقتها أكثر من قمة عربية اسلامية وأكثر من لقاء تحت شعاركسر الحصار على غزة. واليوم وفيما يحاول أهالي غزة لملمة جراحهم بعد خمسة عشرة شهرا من الابادة الجماعية في ظل هدنة هشة مرشحة للانهيار في كل حين يحلو للرئيس الامريكي دونالد ترامب العائد الى البيت الابيض ان يواصل ابتزازه واستهزاءه لا بالدول العربية وحدها ولكن بكل العالم و هو يعرض غزة في المزاد العلني داعيا الى تهجير أهلها بين دول الجوار أو غيرها في انتظار أن ينتهي حليفه مجرم الحرب ناتنياهو من القضاء على كل عناصر المقاومة و يقدم غزة في سوق النخاسة لترامب كي يشتريها و يحولها الى منتجع سياحي.
غزة ليست للبيع واهلها هم اصحاب الارض ولا يريدون القدوم اليها سياحا، ولو شاء ترامب و أمثاله ان يقدموا خدماتهم لناتنياهو وامثاله أن يتبرعوا لهم بولاية من الولايات الامريكية الخمسين الشاسعة، فلا السعودية و لا الاردن و لا مصر وغيرها من الدول العربية تقبل وصاية من مهوس بصفقات البيع و الشراء.. بقي في البال سؤال هل يقبل القادة العرب أن يكون أقل من تلك الطفلة الفلسطينية التي وجهت لترامب رسالة واضحة ودقيقة تسأله فيها ان كان يقبل أن يأتي أحد ليطرده من بيته ويحل محله؟
نعن سيتعين على الدول العربية المطبعة أن تبادر بالافصاح عن موقفها الرافض لما يجري وتعلن التراجع عن خيار التطبيع المجاني الذي تحول الى جريمة في حق الشعوب.
صحفية وكاتبة تونسية

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *