هل عزّزت حرب الإبادة والتّطهير العِرقي “التأنّي” السوري وعدم الرّد على الغارات الإسرائيليّة الاستفزازيّة؟ وماذا أجاب الرئيس الأسد على مبعوث سأله عن مدى استِعداده للمُشاركة فيها.. وما هي “الشّروط” التي طالب بتلبيتها مُسبَقًا؟
عبد الباري عطوان
خرج مطار دمشق الدولي عن الخدمة مُجَدَّدًا مساء أمس الأحد جرّاء تعرّضه لقصفٍ إسرائيليٍّ بعد ساعاتٍ من إكمال إصلاحه نتيجة عُدوانٍ إسرائيليٍّ سابق (قبل شهر)، واستِئناف عمله بشَكلٍ طبيعيّ، ولكنّ الطّيران الحربي الإسرائيلي، ومن يقفون خلفه في تل أبيب وواشنطن كانَ لهُم رأيٌ استِفزازيٌّ آخَر.
روسيا الحليف الاستراتيجي الرئيسي، وغير العربي والمُسلم لسورية، اكتفت كالعادة بالتّنديد بالهُجوم على المطار المدني، ووصفته على لسان السيّدة ماريا زاخاروفا بالاستِفزازيّ والخطير، وقد يُؤدّي إلى تفاقم التوتّر في المِنطقة المُشتعلة بالفِعل بسبب الحرب في قِطاع غزة.
إدانة السيّدة زاخاروفا الروتينيّة تأتي نسخة مُتطابقة مع كُل مثيلاتها التي وردت على لسانها أكثر من 350 مرّة بعد “العُدوانات” الإسرائيليّة المُماثلة على سورية مُنذ ما يَقرُب من 13 عامًا، دُونَ أيّ زيادة في الكلمات أو نقصان، والأمر لا يتطلّب أكثر من كبسة على “الكمبيوتر” لطباعة الإدانة السّابقة وقراءتها، ولم نسمع بالمُناسبة إدانة عربيّة واحدة، إلّا ما نَدَر.
من الطّبيعي، وكالعادة أيضًا، أن تتكرّر إدانات وهجمات وشتائم لسورية وحُكومتها، لأنها لم ترّد على العُدوان الإسرائيلي بالقدر نفسه، وتُبادر بقصف مطار تل أبيب وإخراجه من الخدمة، أي المُعاملة بالمِثل، ولكنّ الانتِقاد سَهْلٌ، وأصحابه ينقسمون إلى مُعسكرين:
- الأوّل، تأتي مُطالبته من مُنطلقٍ وطنيٍّ عربيٍّ إسلاميٍّ شريف، وانعِكاسات لحرقة في القلب، والشّعور بالإهانة من جرّاء تِكرار هذه الضّربات استِفزازًا للقِيادة السوريّة وجيشها، وأعضاء هذا المُعسكر وطنيّون وعُروبيّون، ويُثمّنون دور سورية التاريخي، ومُشاركتها في كُلّ الحُروب العربيّة ضدّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وتأتي مُطالباتهم بالرّد من مُنطلقِ الحِرص الوطنيّ الطّابع.
- الثاني: يَضُمّ هذا المُعسكر، أعدادًا كبيرةً من أعداء “النّظام”، المُرتبطين أو المُؤيّدين، بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، بالمشروع الأمريكي لتدمير سورية وتقسيمها، وإسقاط قِيادتها الحاكمة ثَأرًا لفشل مشروعهم المذكور آنفًا، واستِعادة الجيش العربي السوري ما يَقرُب من ثلاثة أرباع الأراضي السوريّة التي خرجت عن سُلطة حُكومته في دِمشق، فالرّد على هذه الغارات الاستِفزازيّة قد يُؤدّي إلى هُجومٍ إسرائيليٍّ كاسحٍ على حين غرّة، ويُدمّر الدّولة السوريّة على غِرار ما حدث في ليبيا والعِراق، خاصَّةً أن دُول عربيّة كُبرى اشتركت وموّلت المشروع المذكور، وأنفقت مِئات الملايين من الدّولارات.