هل شكلت زيارة نانسي بيلوسي لتايوان خسارة للصين أمام الولايات المتحدة الأميركية؟
وصلت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، بعدما اكتنف الغموض زيارتها للجزيرة ، ضمن جولتها الآسيوية التي تزور فيها ماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة. وتأتي زيارة بيلوسي إلى تايوان بالرغم من التهديدات والتحذيرات الصينية، والتوتر المتصاعد بين البلدين، وتعد هذه الزيارة هي الأكبر لمسؤول أميركي بهذا المستوى منذ 25 عاماً. هذه الزيارة كانت مقررة في شهر إبريل / نيسان وألغيت بسبب إصابة بيلوسي بفيروس كورونا، ومن المحتمل أن تكون اصابة بيلوسي بالفيروس ذريعة لإلغاء الزيارة تجنباً لتوتير العلاقات مع الصين.
تعتبر الصين تايوان جزءاً من أراضيها وزيارة بيلوسي لها تشكل تدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية للصين وتهديداً كبيراً للسيادة الصينية. وأدانت الخارجية الصينية الزيارة ووصفتها بالخيانة الأميركية المتعمدة ” لمبدأ الصين الواحدة” ، وقالت أن الأميركيين يلعبون بالنار في قضية تايوان، مشيرة إلى أن الصين لن ترضخ أبداً لمثل هذه التحركات.
ورداً على الزيارة أعلن الجيش الصيني أنه سيقوم بتدريبات بحرية وجوية بالذخيرة الحية بالقرب من تايوان. وفي هذا الإطار أشارت وزارة الدفاع التايوانية أن المناورات الصينية تصل إلى حد الحصار البحري والجوي للجزيرة. كما أعلنت الصين وقف صادراتها من الرمال وبعض الأسماك والفاكهة إلى تايوان، وفرضت عقوبات على شركات تايوانية.
تحاول الولايات المتحدة الأميركية جرّ الصين إلى حرب مع تايوان، وإشعال الجبهة هناك كما فعلت في أوكرانيا، لذلك حاولت استفزاز الصين بهذه الزيارة فما كان من بكين إلا أن أطلقت التهديد والوعيد لثني بيلوسي عن المجيء لتايوان وحاولت منع الزيارة بعيداً عن أي عمل عسكري. وتسعى أميركا من وراء ذلك إلى إلهاء الصين بحرب تايوان وتدمير اقتصادها وفرض العقوبات عليها كي تبقى هي المهيمنة عالمياً ويبقى العالم ذو قطب واحد في ظل الحديث عن عالم متعدد الأقطاب وتغيير في موازين القوى وهو ما ترفضه الولايات المتحدة الأميركية ، كما تهدف إلى استعادة سمعتها أمام حلفائها بعد أن بدأت تفقد في السنوات الأخيرة مصداقيتها أمامهم من الانسحاب من أفغانستان إلى عدم التدخل عسكرياً في أوكرانيا، واقتصرت مساعدتها لكييف على إرسال الأسلحة، وبطبيعة الحال هذا ما كانت ستفعله مع تايوان في حال هجمت الصين عليها وبالتالي يزداد بيعها للأسلحة. ولكن الحرب الصينية التايوانية لو حصلت فإنها ستلحق أضراراً جمة بالاقتصاد الأميركي المنهار أصلاً فالصين من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية.
كما أن زيارة بيلوسي عدا أنها تشكل استفزازاً للصين، تهدف واشنطن إلى تقوية علاقاتها مع تايبيه لاسيما في موضوع الرقائق الالكترونية حيث تعد شركة تايوان لأشباه المواصلات TSMC أكبر شركة مصنعة لرقائق أشباه المواصلات في العالم، وتمثل أكثر من 50% من سوق المسابك العالمي، ومن بين عملائها شركة آبل، التي تعتمد على الرقائق التايوانية لأجهزة الآيفون. وتسعى الولايات المتحدة إلى حثّ الشركات التايوانية لأشباه المواصلات على بناء مصانع الرقائق الالكترونية في الولايات المتحدة لاسيما بعد إقرار قانون أشباه المواصلات.
لكن الصين لن تنجر إلى الحرب ضد تايوان فهي من جهة تدرك جيداً أن ذلك سيدمر اقتصادها فهي تسعى جاهدة لأن تصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم ، وستلحق الحرب ضرراً بمشروعها العالمي ” الحزام والطريق” التي صرفت عليه مليارات الدولارات ، ومن جهة أخرى لا تريد الصين أن تدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، ورأينا كيف أنها اتخذت موقف الحياد تقريباً من الحرب الروسية الأوكرانية.
تمتاز السياسة الصينية بالهدوء والحزم والعقلانية والصبر. والصين لن تقدم على أي خطوة غير مدروسة من كل الجوانب، وتأثيراتها على المستقبل البعيد، ومما لا شك فيه أن الصين تدرس منذ فترة طويلة كل الاحتمالات لإعادة تايوان إليها سلمياً أو عسكرياً لكنها تدرك جيداً أن الوقت الآن ليس مناسباً لإعادة تايوان الى البرّ الصيني، وما زالت تأمل في إعادة تايوان بالطرق السلمية إلا في حال قيامها بالتمرد وتهديد الأمن القومي الصيني عندها يكون الخيار العسكري السبيل لذلك.
ختاماً اعتقد أغلب العالم أمس أن الصين ظهرت بمظهر الخاسر واليائس والمحبط وأنها تهدد وتتوعد لكنها بالمقابل لا تفعل شيئاً على الأرض وأن أميركا انتصرت عليها ، ولكن مخطئ من يظن أن الصين هي الخاسرة وتبقى كل السيناريوهات والاحتمالات مطروحة، والأيام والأشهر القادمة ستظهر لنا تداعيات هذه الزيارة على الصين وأميركا وتايوان.
باحثة في الشأن الصيني