هل تقف “إسرائيل” خلف التّفجير الضّخم في ميناء بندر عبّاس الإيراني؟ وما علاقته بالجولة الثالثة مِن المُفاوضات النوويّة في مسقط؟

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
من غير المُستَبعد أن يكون الانفجار الضّخم الذي استهدف ميناء بندر عبّاس الإيراني الأضخم، وأدّى إلى مقتل 14 شخصا وإصابة أكثر من 750 آخرين من العاملين فيه جاء نتيجة عُدوان إسرائيلي، فليس من قبيل الصُّدفة تزامنه مع بدء الجولة الثالثة من المُفاوضات النوويّة الأمريكيّة- الإيرانيّة في العاصمة العُمانيّة مسقط اليوم التي انعقدت على مُستوى الخُبراء وتمخّضت عن اتّفاقٍ حول القضايا المَطروحة على جدول الأعمال.
ad
دولة الاحتلال الإسرائيلي التي فُوجئت ببدء هذه المُفاوضات ومن وراء ظهر حُكومتها ورئيسها بنيامين نتنياهو لا تُريد لها النّجاح لها بأيّ شكلٍ من الأشكال، لأنّها تُريد جرّ الولايات المتحدة إلى اللّجوء للخِيار العسكري وتفكيك المُنشآت النوويّة الإيرانيّة كُلِّيًّا، وتفكيك المنظومة الإنتاجيّة الصّاروخيّة، ووقف الدّعم العسكري الإيراني لأذرع المُقاومة في غزة ولبنان واليمن والعِراق.
صحيح أنّ المتحدّث الإيراني باسم إدارة الأزَمات قال إنّ الانفجار الضّخم في الميناء جاء نتيجة سُوء تخزين لموادٍ كيماويّة في حاويات في الميناء، ولكنّه لم يستعبد الاحتِمالات الأُخرى دون أن يُسمّيها، وخاصة العُدوان الإسرائيلي ما يجعلنا نتّهم “إسرائيل” بالوقوف خلف هذا العُدوان، أنّها استهدفت الميناء نفسه بعدّة هجمات مُماثلة في الأعوام الماضية، وأعلنت السّلطات الإيرانيّة أنّ إسرائيل كانت خلف هُجوم في شباط (فبراير) عام 2004 على خُطوط أنابيب الغاز الإيرانيّة، وفي عام 2020 تعرّضت أجهزة الكمبيوتر في ميناء الشهيد رجائي لهُجومٍ إلكترونيّ، أكّدت صحيفة “واشنطن بوست” أنّ المُخابرات الإسرائيليّة تقف خلفه، ولا يُمكن في هذه العُجالة أن ننسى عمليّات الاغتيال التي نفّذتها عناصر تابعة للموساد الإسرائيلي واستهدفت عُلماء ذرّة إيرانيين، والإشارة إلى تقارير عديدة لمّحت إلى وقوف الموساد خلف عمليّة اغتيال الرئيس الإيراني السّابق إبراهيم رئيسي بإسقاط طائرته بعد عودته من زيارةٍ رسميّة لأذربيجان.
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو عمّا إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب على علمٍ بعمليّات التّخريب العُدوانيّة الإسرائيليّة أمْ لا، فالرئيس ترامب لم يُوقف تهديداته بهُجومٍ ساحق على إيران في حالِ فشل جولات المُفاوضات هذه، وأكّد أنّ “إسرائيل” ستكون شريكًا فيه.
أمريكا تُريد تغيير النّظام الإيراني على غِرار ما فعلت في سورية والعِراق وليبيا، من خِلال “ثورات” داخليّة ذات طابع عسكري مدعوم من الغرب، فهي تتحدّث عن حلّ الخِلافات بالوسائل السِّلميّة، ولكنّها لم تلتزم مُطلقًا بالاتّفاقات والحُلول عبر المُفاوضات، فتَفكيك الزعيم الليبي الشّهيد معمر القذافي لبرامجه النوويّة، وتسليم كُل ما لديه من أجهزة تخصيب لليورانيوم، ودفعه أكثر من 3 مِليارات دولار تعويضًا لضحايا طائرة لوكربي، لم تُطل في عُمره إلّا بضعة سنوات فقط.
الإيرانيّون دُهاة في فنّ التّفاوض، وأثبتوا هذه الحقيقة عندما تفاوضوا مع الدول السّت بزعامة أمريكا في فيينا لأكثر من عامٍ ونصف العام دون أن يُقدّموا تنازلًا واحدًا، وخرجوا منها برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 60 بالمئة، وهي العتبة الأقرب لإنتاجِ رؤوسٍ نوويّة، ولكنّ الحذر مطلوبٌ دائمًا، فأمس وصلت ثلاث طائرات شبح “إف 35” الأمريكيّة إلى تل أبيب، ولا نعتقد أنّها جاءت وأطقمها للتّمتّع بشمسِ فِلسطين المُحتلّة وجوّها الربيعيّ السّاحر.
هذا الانفجار الضّخم في ميناء بندر عباس إذا ما تأكّد أنّ دولة الاحتلال تقف خلفه، قد يكون “جرس إنذار” لقُرب العُدوان الإسرائيلي- الأمريكي، خاصة بعد أن تصاعدت الهجمات بالصّواريخ الباليستيّة البحريّة اليمنيّة على السُّفُن وحاملات الطّائرات والمُدمّرات الأمريكيّة في البحرين الأحمر والعربي، والأُخرى الفَرط صوتيّة إلى قلبِ يافا، وحالة الغضب الشّديد الذي باتَ واضحًا على وجه نتنياهو أثناء ردّه على بيان العميد يحيى سريع المتحدّث باسم الجيش اليمني، وقال فيه إنّ مُسيّرة يمنيّة تحمل اسم يافا ضربت أهدافًا “مُختارة” في المدينة المحتلّة.
نجاح المُفاوضات النوويّة الأمريكيّة الإيرانيّة أو فشلها هي التي ستُغيّر مِنطقة الشّرق الأوسط وخرائطها ووجهها ومُستقبلها وليس “إسرائيل” بنيامين نتنياهو.. والأيّام بيننا.