هل تتجاوز النخب الأردنية والفلسطينية نضالها اللغوي وتتحمل مسؤولياتها
الإنتشار العربي :فؤاد البطاينة
بصرف النظر عن زيف الكلام في القمم، ليس من أنظمة العرب من يعتبر القضية الفلسطينية أو يتعامل معها كقضية له، أو يستطيع تبنيها أو تغيير ميزان تراجعها على الاجندة الدولية. بل أصبح من هذه الأنظمة من يتبناها كقضية صهيونية. بالمقابل هناك مقاومة فلسطينية محاصرة وعشرة ملايين فلسطيني في الشتات وستة ملايين أردني في وطنهم في الأردن وجميع هؤلاء معنيين مباشرة بالقضية الفلسطينية قضية وطنية وجودية، وعلى نخبهم أصبحت تقع مسؤولية تغيير مسار الأنظمة العربية من ناحية ومسار أعدائنا وأصدقائنا من ناحية أخرى وتقديم الدعم الملموس والمحسوس إلى خمسة ملايين فلسطيني صامدين يقدمون دماءهم لإبقاء القضية حية لجانب المقاومة الغزية. وهذا يستوجب تخلي شعوبنا ونخبها الوطنية عن التمسك بالنضال اللغوي الفردي المشتت والفئوي السلبي الفاقد لوزنه.
لا نريد أن تكون قضيتنا المصيرية مجرد إلهام لابراز المواهب الفردية أو الفئوية والبطولات والمجد الشخصي. ولا نريد مقالات وصفية وتحليلية ومحاضرات وبيانات استنكارية بمعزل عن طرح الحلول والعمل الجماعي الممأسس المنتج الذي يصنع فرقاً للشعب الفلسطيني ومقاومته. هذا هو التحدي وليس الكلام المجمرك وغير المجمرك. لقد شبعنا وشبع العالم تعرية لأنظتنا وللإحتلال وممارساته بل يعرفها أكثر منا، بينما عدونا وأعوانه لا يرون فعلاً سياسيا فلسطينياً- عربياً ضاغطاً من خارج فلسطين. فالأفعال العدوانية عندما تقابل بالكلام المشتت فإنها تتعاظم وتتعززوتأخذ شرعية. وهذا ما نشهده، والتوعية إن لم تكن هادفة وتنتج ردة فعل فهي ملهاة وعبث.
والرسالة هنا لكل المفكرين والسياسيين والأكاديميين والاعلاميين من الفلسطينيين والأردنيين في الشتات وخاصة في أمريكا وأوروبا ومعهم أثرياءهم حصراً ليتحملوا مسؤولياتهم في المبادرة لبناء ومأسسة عملهم على كل صعد الدعم التي تحتاجها القضية الفلسطينية وشعبها المقاوم تحت الإحتلال في ظروف أمنية ومعيشية تشكل عارا علينا جميعاً. وإلا فالتقصير بحق الوطن خيانة.
وإلى الأردنيين أقول، إفقاركم وتجويعكم وإذلالكم وسيلة بموجب مخطط استراتيجي لإرضاخكم لهدف سياسي هو أن تعترفوا أو تفهموا بأن هذه الدولة وهذا الوطن ليس لكم. من منكم يصدق بأن أمريكا الحليف راعية الفساد والتي تفرض عليكم حصارا أقتصاديا وتحظر استخراج ثرواتكم من الأرض وتضع يدها على بلدكم وسياستيها الخارجية والداخلية لا تستطيع حل ولو مشكلة واحدة لكم ؟. يراهنون على طول صمتكم وتدجينكم وجر انتباهكم عن التحدي الحقيقي. وطنكم ودولتكم وهويتكم في خطر الافتراس الصهيو -أمريكي، ولن يكون معكم في الميدان أحد. إجعلو خطابكم دائماً سياسيا في مواجهة نهج المستعمرين
ألا بئست النخب والعقول والأحزاب التي تجهل أو تتغاضى عن الواقع الاحتلالي لبلدنا وترسخه بممارساتها السياسية التطبيعية مع مسرحيات النظام. كلها تعلم وتتصنع الجهل جبناً وخيانة. أبطال وطرزانات يزيد عددهم بقليل عن الماية مختبئين خلف أسماء جليلة وكبيرة لأحزاب وتنظيمات وهمية الكم والنوع يسطون عليها ويبتذلونها ويمسخونها، هم عقبة الشعب، هم عشق النظام الذي لا يريد سوى ضبط إيقاعهم.
إصنعوا للأردن الوطن والدولة والهوية فرصة البقاء، ولن تستطيعوا تحقيق ذلك ما لم تتركوا طريق التشرذم والبطولات الفردية والفئوية، وتوقفوا النفاق وترضَخوا لإرادة الشعب الأردني بتوحدكم ومأسستكم لمعارضة سياسية واحدة على أجندة واحدة هي الحالة الأردنية الإحتلالية الطابع والنهج على أنقاض شعب منهك. وحينها فقط ستولدوا لدى الشعب الثقة للوقوف العملي خلفكم، وتقنعوا أمريكا والنظام بأن هناك في الأردن شعب لا يمكنهم تجاوزه. فالبيئة السياسية والقانونية في الحالة الأردنية ونظامها السياسي الدكتاتوري لا يتسع إلا لنهجه السياسي المجرم بحق وطن وشعب وقضية.
جمهور قطاع النقل والشحن ليسوا قادة سياسيين وليس لديهم أحزاب ولا نقابة ولا يطرحون أنفسهم بديلا عنكم، لكنهم كانوا صادقين مع الله والوطن وأنفسهم حين تكاتفوا بعمل جماعي وأخذوا شرف المواجهة مع النظام وحكومته ومع الفاسدين والفساد المقنن بالعرف الدارج، أخذوا هذا الشرف للدفاع عن النفس والكرامة والحقوق من خلال إضرابهم الذي يدفعون ثمنه من جيوبهم وبطونهم الخاويتين ومن تعميق معاناتهم وفقرهم. هم الرجال الذين تتفرجون عليهم يا أمناء الأحزاب المحسوبة على الوطن والشعب والذين ينتفضون على معاناة الأردنيين يأساً منكم ومن سلوككم ومن مراميكم.
كفاكم منظرة واختباءً وراء البيانات دون تخطيها، ونتيجتها سقوط وطن وهوية، وكفاكم انعزالاً عن الإرادة الشعبية وخضوعا ونفاقاً للنظام، وانظروا وقلدوا ما يصنع مثال العمل الجماعي لسائقي الشاحنات من نجاحات وفرض حضور ولو على أجندة مطلبية. وإن استمريتم على شرذمة الفروسية الفردية الفاشلة وغير المنتجة، والإنتمات الأيدولوجية والمصالح الشخصية وعلى رفضكم العمل السياسي الجماعي الموحد في معارضة ممأسسة واحدة، فسيجد شعبنا نخبة صادقة أو ثقلاً يمثل ضميره وحضوره السياسي في مواجهة أمريكا ونهجها المفروض على بلدنا، وستضافون الى القائمة التي تستحقونها.
كاتب وباحث عربي اردني