هل الحرب الإقليمية باتت وشيكة؟

 هل الحرب الإقليمية باتت وشيكة؟

راسم عبيدات

جاء بالأمس السبت خطاب السنوار، زعيم حركة حماس في قطاع غزة منسجماً ومتناغماً ومتفقاً مع خطابات بقية قادة محور المقاومة في المنطقة من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإمام علي خامينئي إلى قائد حرس الثورة الإيراني الجنرال حسين سلامي إلى سماحة السيد حسن نصر الله والسيد عبدالله الحوثي زعيم أنصار الله اليمني وزياد النخالة أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، فجميعهم أجمعوا ان معركة القدس والأقصى قادمة، وأن علي الجميع شحذ الهمم والاستعداد لتلك المنازلة الكبرى، فعندما يقول سماحة السيد بأن شعار ومقولة نحتفظ لأنفسنا بالرد في الزمان والمكان المناسبين قد سقط إلى غير رجعة، كما قال سابقاً بأن زمن الهزائم قد ولى وهذا زمن الانتصارات، وسيكون هناك رد فوري على أي عدوان إسرائيلي، يستهدف دول وحركات محور المقاوم ة، وأن زوال الأماكن الدينية إسلامية ومسيحية في القدس “الأقصى” و” القيامة” يعني زوال دولة الاحتلال، وكذلك عندما يؤكد السنوار على أن سيف القدس لن يغمد وسيبقى مشرعاً حتى تحرير القدس والصلاة في الأقصى، وأن المعركة لم تنتهي مع نهاية شهر رمضان المبارك، بل ستبدأ مع سعي الاحتلال لفرض التقسيم الزماني في الأقصى، وعلى الشعب الفلسطيني أن يعد أسلحته لهذه المعركة والمواجهة من سلاح ناري الى فؤوس وسكاكين، وعندما تقول طهران بأن أي عدوان على أي وجودات لها في المنطقة، فهذا يعني من ضمن الردود قصف يطال عمق دولة الاحتلال، فهذه كلها مؤشرات على أن هناك منازلة كبرى في الطريق ليست بالبعيد، وسنفصل عنها في هذه المقالة.

يجمع قادة محور المقاومة على مركزية قضية القدس في الصراع مع المحتل، ولذلك أطلقوا على اسم حلفهم ومحورهم، “محور القدس”، القدس التي جعل لها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله الخميني قدس الله سره ورضوان الله عليه، يوماً خاصاً بها في الجمعة الأخيرة من كل شهر رمضان المبارك منذ 43 عاماً، في استشراف للمستقبل، ووضوح في الرؤيا السياسية قل نظيره، فيوم القدس الذي كان يجري الاحتفال به في العديد من البلدان العربية والإسلامية، بات اليوم يحتفل به الملايين في العواصم والمدن العربية والإسلامية، في رفع لمنسوب الوعي بأهمية قضية القدس ومركزيتها في الصراع مع المحتل، وبأنها ما زالت قبلة الشعوب العربية والإسلامية وبوصلتها، وهنا نخص بذلك اليمن وإيران.

هناك الكثير من المتغيرات والتطورات المتلاحقة والمتسارعة، وهناك الكثير من صواعق التفجير التي قد تدفع نحو انفجار المنطقة والإقليم، فالاحتلال بات يخشى من قيام حرب تترابط فيها الساحات الفلسطينية وساحات محور المقاومة، والأزمة الداخلية السياسية التي تعصف بحكومة الاحتلال… والصواعق التفجيرية للمنطقة والإقليم، منها ذكرى نكبة شعبنا الرابعة والسبعين “يوم العودة” وما يسمى بمسيرة الأعلام في ذكرة يوم ” توحيد القدس” استكمال احتلال القسم الشرقي من المدينة، وسعي المحتل لفرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى.. ولعل المناورات العسكرية الواسعة التي ستقوم بها دولة الاحتلال الشهر القادم وتستمر شهراً كاملاً بمشاركة لكل قطاعاتها العسكرية جوية وبرية وبحرية… والتي قد تدفع نحو نشوب حرب شاملة، كنتاج لسيطرة القوى ” الداعشية” الصهيونية على القرار السياسي في دولة الاحتلال، وتحكمها في بقاء وسقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية وأي حكومة قادمة.. ولعل المعادلات الجديدة التي تحدث عنها السيد في خطابه في ذكرى يوم القدس، بالرد على أي هجوم اسرائيلي بشكل فوري ومباشر، في أي استهداف اسرائيلي لأي قوة من قوى محور المقاومة.. يؤشر إلى زمن خوض إسرائيل لمعركة بين حربين قد ولى… المستقبل القريب، بات يحمل الكثير الكثير من العوامل التي تدفع نحو الحرب الشاملة.

يجمع قادة دولة الاحتلال بأن العمليات التي جرت وتجري في فلسطين سواء في الداخل الفلسطيني- 48 – أو في الضفة الغربية والقدس، هي نتاج لمعركة أو عملية ما يسمونه ب “حارس الأسوار”، عملية سيف السيف القدس، وبأن تلك العمليات الفردية من طعن ودهس وإطلاق نار، هي الأخطر على دولة الاحتلال، تلك الدولة القائمة على الجمع بين الأمن والاحتلال، فهذه العمليات من الصعب كشفها في مرحلة التهيئة والإعداد والتخطيط والتنفيذ، فلا يمكن رصدها أو استشعارها لا بالأدوات البشرية ولا بالوسائل التكنولوجية من أجهزة تجسس ورقابة وغيرها.

وهذه العمليات تحفر عميقاً في مستقبل دولة الاحتلال وجبهته الداخلية، التي بات المواطن “الإسرائيلي” يعيش حالة من فقدان الأمن الشخصي، ويتولد لديه شعور بعدم الثقة بجيش وأجهزة مخابراته غير القادرة على توفير الأمن له، وكذلك هذه العمليات تقول بأن ما يسمى بمنظومة الأمن الإسرائيلي التي بني عليها هالة كبيرة من القدرات “الخارقة”، هي منظومة هشة ومن السهولة اختراقها.

دولة الاحتلال باتت تشعر أنها تتعرض لخطر وجودي، وبأن مشروعها المتعلق بإقامة “إسرائيل” الكبرى أخذ في الانكفاء خلف الجدران والأسوار، وأن هذه الدولة أصبحت محاطة ب”غابة” من الصواريخ، وبأن الوقائع والمعطيات تفرض عليها خوض حرب على أكثر من جبهة في آن واحد، وهي التي على مدار صراعها مع العرب والفلسطينيين، تحرص على خوض معاركها وحروبها وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات معهم بشكل منفرد، اليوم لم يعد هذا ممكناً بعد أن رسم قادة محور المقاومة معادلاتهم واستراتيجياتهم الردعية والعسكرية، وهي تدرك بأن قادة هذا المحور يشكلون نواة صلبة وخطراً حقيقياً على وجود دولة الاحتلال، ولذلك خرجت صحافة الاحتلال ومحلليه العسكريين صباح هذا يدعون إلى اغتيال قائد حركة حماس في القطاع السنوار، وأن إطلاق سراحه خطأ لأنه ساهم في قلب معادلات فلسطينية وعربية وإقليمية.

قادة دولة الاحتلال هم يدركون بأن معركة “سيف القدس” في أيار من العام الماضي هشمت دولتهم سياسياً وعسكرياً، وأعادت ربط الساحات الفلسطينية قدس و 48 – وضفة وقطاع غزة، ويقر قادتهم بفشل مسيرة أوسلو، وهم يعرفون جيداً بأن خوض حرب مفتوحة عنوانها “القدس والأقصى” ستوحد ليس فقط الساحات الفلسطينية، بل ربما ستذهب في الوضع إلى حرب إقليمية تخشاها إسرائيل، فهي تدرك بأن أسلوبها التكتيكي الذي يعطيها التفوق ما يسمى بمعركة بين حربين، والقائم على الإنهاك المستمر للعدو باستخدام قوة عسكرية كبيرة، لم يعد ممكنا، وهي تعرف تماماً بانها غير قادرة على الذهاب لحرب شاملة قد تكلفها وجودها، وكذلك غير قادرة على دفع ثمن تسوية سياسية تستجيب للحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

دولة الاحتلال لأول مرة تواجه خطر وجودي، وهي تقر بأن القيود التي فرضت عليها في “غزوة” الأقصى، يوم الأحد 17/4/2022، والتي ارادت من خلال اقتحام جيشها وشرطتها للمسجد القبلي في تجاوز للخطوط الحمر، أن تقيس ردة فعل الشارع المقدسي خاصة والفلسطيني عامة، ومواقف المرابطين والمعتكفين والمصلين، لكي تستكمل وترسم مشروع التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، وتسمح للجماعات التلمودية بممارسة أخر طقوسها التلمودية والتوراتية في ساحات الأقصى، إدخال ما يعرف بقرابين الفصح وذبحها في الأقصى، ولكن الصمود الأسطوري والمقاومة الشرسة وتهديدات قادة المقاومة وأجنحتها العسكرية من القطاع، جعلت حكومة الاحتلال تتراجع عن الاستمرار في مخططها ومشروعه لإرضاء الجماعات التلمودية والتوراتية، ومنعت اقتحامها للأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان، وفرضت قيوداً على مسيرة اعلامها ومنعها من الوصول إلى ساحة باب العامود، وبهذا تكون كما قالت الصحافة الإسرائيلية، بأن حماس انتصرت في معركة الوعي، وهي لم تسيطر على الأقصى بالمعنى المادي، وصمود وثبات المرابطين والمعتكفين والمصلين في الأقصى، دفعت السنوار للقول بأن مناظر جنود الاحتلال وهم يقتحمون الأقصى يجب أن لا تتكرر.

حكومة بينت تعيش أزمة سياسية داخلية عميقة، ليس سببها فقط فقدان النصاب والشرعية في الكنيست، ولكن فقدانها لمنظومة الردع والاتهامات لها بأنها ضعيفة أمنياً أمام الفلسطينيين وإيران، وكذلك الخوف على سقوط الحكومة، بسبب تحكم “الداعشية” اليهودية في القرار السياسي الإسرائيلي، وتفكك وتفتت وتشظي الأحزاب الإسرائيلية الكبرى وضعف دورها في القرار السياسي، كل ذلك قد يدفع ببينت للقيام بعملية هروب للأمام والتصعيد والذهاب إلى حرب، وخاصة أن المتغيرات التي تحدث على مستوى العالم والإقليم والمنطقة، لا تجري رياحها بما تشتهي إسرائيل، فالمتغيرات الحاصلة نتيجة الحرب الروسية الأمريكية الأوروبية الغربية على أرض أوكرانيا، وما قد يتمخض عنها من المزيد في التراجع للمشروع الأمريكي وبروز عالم تعددية قطبية، والانشغال الأمريكي في الأزمة الأوكرانية، وتراجع الاهتمام بالملف النوي الإيراني مقلق، وقد يجعل إيران تتقدم كثيراً في برنامجها النووي نحو امتلاك القنبلة النووية، وحلف التطبيع العربي الرسمي، غير قادر على مساعدة إسرائيل وحمايتها وتوفير الأمن لها، ولذلك كل أجواء المنطقة المتلبدة والمتفجرة، تجعل دولة الاحتلال التي أعلنت عن القيام بأوسع مناورات عسكرية على الحدود الشمالية بمشاركة كل قطاعاتها العسكرية جوية وبرية وبحرية تقترب كثيراً من الانفجار، وخاصة إذا ما ارتكب بينت وحكومته حماقة في الأقصى أو القيام بعملية عسكرية تجاه قطاع غزة أو لبنان.

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *