هل اتّخذت “حماس” قرارًا استراتيجيًّا بنقل الهجمات المُسلّحة إلى أهدافٍ إسرائيليّة وأمريكيّة في الخارج سيرًا على نهجيّ وديع حداد وأيلول الأسود؟ ولماذا الآن؟ وما هي السّفارات والمطارات والمصالح المُستهدفة ومن المَسؤول؟

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
يبدو أنّ حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” وقيادة الجناح العسكري المُتشدّد فيها المُتواجد على جبهات المُواجهة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة تحديدًا، اتّخذت قرارًا بنقل الهجمات إلى السّفارات والمصالح الإسرائيليّة، وربّما الأمريكيّة والأوروبيّة أيضًا، إلى كُلّ بُقعَةٍ في العالم، والسّير على نهج المُقاومين الأوائل وخاصَّةً كتائب “أيلول الأسود” الفتحاويّة التي أسّسها وتزعّمها الشّهيد صلاح خلف (أبو إياد)، والذّراع الخارجي للجبهة الشعبيّة لتحرير فِلسطين بزعامة الشّهيد وديع حداد التي تجسّدت في خطف الطّائرات، وشن هجمات على مطارات أوروبيّة، ومُسابقات رياضيّة (أولمبياد ميونخ).
وما يُؤكّد ما نقوله آنفًا التّصريح المُفاجئ الذي أدلى به السيّد سامي أبو زهري أحد القيادات الشابّة والمتحدّث الرسمي السّابق باسم حركة “حماس” اليوم الاثنين الذي يُعتبر الأوّل من نوعه مُنذ تأسيسها، وقال فيه ونحنُ ننقل هُنا حرفيًّا “كُل مَن يستطيع حمل السّلاح في كُلّ مكانٍ في العالم عليه أن يتحرّك ضدّ خطّة الرئيس ترامب لتهجير الفِلسطينيين من قطاع غزة”.
وأضاف مُفصِّلًا “إزاء هذا المُخطّط الشّيطاني الذي يجمع بين المجازر والتّجويع فإنّ على كُل مَن يستطيع حمل السّلاح في العالم أن يتحرّك، فلا تدّخروا عبوّة، أو رصاصة أو سكّينًا، أو حجرًا، إلّا وتستخدموه، وليخرج الجميع عن صمته، كلّنا آثمون إنْ بقيت مصالح أمريكا والاحتلال الصّهيوني آمنة في ظِل ذبح وتجويع غزة”.
واختتم أبو زهري صرخته المُدوّية وغير المسبوقة هذه بقوله تعليقًا على دعوة نتنياهو لحماس بإلقاء السّلاح وخُروج قادتها من غزة بأنّ هدف هذه الحرب هو “تطبيق خطّة ترامب بالتّهجير في إطار مُخطّط أمريكي صُهيوني مُرتبط لتفريغ قطاع غزة من أهله”.
للوهلةِ الأولى يُمكن الاستنتاج بأنّ حركة “حماس” قد طفح كيلها، ولم تعد تُخيفها إلصاق تُهمة “الإرهاب” بها التي تجنّبتها مُنذ تأسيسها على يد الشيخ المُجاهد أحمد ياسين عام 1987 حيث التزمت دائمًا بأنْ تنحصر عمليّاتها العسكريّة في العُمُق الفِلسطيني المُحتل فقط.
الموقف الأمريكي والأوروبي المُنحاز والدّاعم إلى حرب الإبادة والمجازر المُتصاعدة ضدّ الأطفال والمدنيين في قطاع غزة، وتطوّرها إلى تجويع أبناء القطاع، وقطع الماء والكهرباء وكُل إمدادات الغذاء والدّواء لهم، وتدمير كُل المُستشفيات تقريبًا، وعدم التزام إسرائيل بتوقعيها على اتّفاقٍ لوقف إطلاق النٍار، كلّها عوامل أدّت إلى اللّجوء لتبنّي هذا النّهج بنقل الهجمات العسكريّة ضدّ مصالح أمريكيّة وإسرائيليّة في الخارج، حسب أقوال أحد المُقرّبين من حركة “حماس” ومن غير المُستبعد أن تسير أذرع أُخرى لمحور المُقاومة على النّهج نفسه مِثل “حزب الله” في لبنان، والحشد الشعبي في العِراق على خُطى حركة “أنصار الله” في اليمن بقصفها للسّفن وحاملات الطّائرات الأمريكيّة.
المُجاهد سامي أبو زهري، لا يُمكن أن يُطلق مِثل هذه التّصريحات المُفاجئة، وغير المسبوقة، في مضمونها ورسالتها، وفي هذا التّوقيت، دون أن تستند إلى استراتيجيّة أقدمت على اتّخاذها القيادة السياسيّة والعسكريّة الأعلى لحركة “حماس” في القطاع التي تجلس حاليًّا خلف مِقعد القيادة، وتخوض المعارك على الأرض، والأمر الآخَر المُؤكّد أنّ هذه النّقلة الاستراتيجيّة ليست وليدة السّاعة، ومن المُؤكّد أنّ خلايا نائمة جرى تفعيلها، وتحديد الأهداف لها، في أكثر من عاصمة ومكان في العالم.
القيادة الإسرائيليّة التي تخترق قرارات وقف إطلاق النّار في قطاع غزة، وجنوب لبنان وقعت عليها، تجر أمريكا ومصالحها إلى “حربٍ مُسلّحة” تُزعزع استِقرار العالم وأمنه، هي التي تتحمّل المسؤوليّة الأكبر في هذا الإطار باستِئنافها عمليّات القتل وحرب الإبادة مجددًا، ولم تجد من يردعها سواءً في الوطن العربي أو المُجتمع الدولي، الأمر الذي دفع “حماس” إلى هذا الخِيار ومن أوسع أبوابه ويكفي الإشارة إلى سُقوط 80 شهيدًا في قطاع غزة في الـ48 ساعة الماضية فقط، وأنّ مِئات الآلاف سيستشهدون جُوعًا في الأيّام العشرة القادمة إذا لم تصل المُساعدات الإنسانية.
حركة “حماس” لن تُوقف المُقاومة وتُلقي السّلاح، وتُغادر القطاع إلى الخارج مثلما يُطالبها الثّنائي الإجرامي ترامب ونتنياهو، ولا نستبعد أن تكون لجأت “مُكرَهةً” إلى خِيار شمشون، أي هدم المعبد فوق رأسها ورؤوس أعدائها، وليكن ما يكون.
إذا عُدنا إلى الوراء بضعة عقود، وبالتّحديد إلى أيّام المُقاومة الفِلسطينيّة الأولى، فإنّه اعتبارًا من اليوم قد نُشاهد وحدة ساحات جديدة، على الطّراز اليمني، تجعل من جميع السّفارات والمطارات والشّركات والتجمّعات السكّانيّة، الأمريكيّة والإسرائيليّة، هدفًا لهجماتٍ عسكريّة “استشهاديّة”، وهُناك الملايين من المُتطوّعين أو بعضهم، الذين يُمكن أن ينخرطوا تحت لوائها، من العرب والمُسلمين، والغاضبين على أمريكا وإسرائيل وجرائمهما التي تُهَدِّد أمن العالم واستِقراره ورخائه.
إنّها الفوضى المُسلّحة، التي يُريدها ترامب ونتنياهو على وشك أن تنفجر، وعليهما تحمّل المسؤوليّة كاملة.