هل إسرائيل وأوكرانيا وجهان لعملة واحدة؟!‏

 هل إسرائيل وأوكرانيا وجهان لعملة واحدة؟!‏

المحامي إبراهيم شعبان

تثير التقاطعات القائمة بين الكيانين الإسرائيلي والأوكراني كثيرا من الأسئلة وعلامات ‏الإستفهام من حيث الطبيعة والدور .

 فأوكرانيا كانت كلها إلى عهد قريب، جزءا لا يتجزأ من ‏الإتحاد السوفيتي والإمبراطورية القيصرية ، أو شكل الجزء الشرقي منها ( دونباس ) أرضا ‏روسية ناطقة باللغة الروسية ويطالب سكانه بضمه إلى الأراضي الروسية ويرفض حكم كييف ‏ومن اسماهم بالنازيين الأوكرانيين. 

وكانت فلسطين أرضا عربية تتبع الدولة العثمانية، ثم جزءا ‏من الدولة الأردنية، واليوم وعلى الورق شكلّت جزءا من الدولة الفلسطينية، وفي ذات الوقت ‏قابعة كلها تحت الإحتلال الإسرائيلي سواء كنا نتحدث عن الضفة الغربية و/أو قطاع غزة و/أو ‏القدس الشريف، لا فرق بين أيا منها. 

وتزعم السلطة الإسرائيلية بإسناد السيادة لها حصرا. وكلا ‏النظامين الحاكمين قائم على القوة العسكرية المسلحة وقانون الطوارىء والدعم الأمريكي ‏والغربي حصرا ويمجدهما أيّما تمجيد. بل يرفض النظامان العسكريان أي حق من حقوق ‏الإنسان لشعب الدونباس وللشعب الفلسطيني، ويقيمان نظام فصل عنصري في الإقليمين قائم ‏على التمييز العنصري وعدم المساواة بحجج مختلفة. 

ويرفضان اي حل سلمي ينهي هذا النزاع ‏الدامي، أو التقدم قدما لأي حل وسطي أو مجرد رؤيا لحل عادل، يعترف بحقوق الجانبين ‏يتضمن تنازلات متبادلة، وصولا لعدالة نسبية حقنا لدماء الفريقين وتحقيقا لأمن واستقرار تنزع ‏فتيل الإنفجار ولو مؤقتا، ويصران على مزيد من سفك الدماء في الجانب الآخر أملا في إذلاله ‏وسحق تطلعاته، نظرا لما تتمتعان به من دعم ومال وسلاح وإعلام من سيدة العالم فهما لاعبان ‏مرتزقان بالوكالة عن السيد الأمريكي !‏
صحيح أن الأوكرانيين هم شعب اصيل على الأرض الأوكرانية، وليس مثل الإسرائيليين ‏المهاجرين القادمين من اصقاع الأرض كافة، ولكن حظهم التعيس أو الجيد أوجدهم بقرب دولة ‏كبيرة وهامة مثل روسيا لها مصالحها وأخطارها، وأن جزءا هاما من الشعب الأوكراني ‏وبخاصة في ( لوغانسيك) هم روس قلبا وقالبا وتحتاج لموطىء قدم في المياه الدافئة وبخاصة ‏في شبه جزيرة القرم وأدوديسا وإلا فقد اسطوله دوره بشكل شبه نهائي.

 ومما زاد الطين بِلّة ‏اختيار الممثل والمطرب الشاب قليل التجربة والحنكة زيلنسكي الإسرائيلي اليهودي كرئيس ‏لدولة أوكرانيا ، وعدم تقديره الصحيح لعواقب الأمور، وعدم أخذ الأوضاع الجيوسياسية القائمة ‏بعين الإعتبار، وإصراره الغريب على الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتناسيه أزمة ‏الصواريخ في كوبا في بداية الستينيات من القرن الماضي، وتجاهله لدور الغاز والنفط ‏الروسيين في تزويد دول أوروبا بهما وأهميتهما، رغم النصائح المتكررة لكثير من سياسيي ‏العالم بإسقاط هذه الفكرة من حساباته حتى لا ترتد وبالا عليه، مثل نصيحة هنري كيسنجر ‏الداهية اليهودي الأمريكي. وإمعانا في سياسة التحدي للموقف الروسي والمعارض للإنضمام ‏لهذا الحلف، والإستفزاز الصارخ لسياستهم ومصالحهم، ورضوخا للمطالب الأمريكية المذلّة، ‏رفض اي حل سياسي مع الجارة القوية المرتبكة والمتوجسة خيفة امام تهديد حلف شمال ‏الإطلنطي. تماما كما فعلت القيادات الإسرائيلية المتعاقبة برفض جميع الحلول المعقولة ‏والمتسمة بالعدالة النسبية، والإصرار على مزيد من القوة المسلحة وسفك دماء الأبرياء، وسلب ‏المعالم الدينية والتعامل بفوقية مفترضة الدونية على المحتل.‏
خلاصة القول أن الدولتين المشوهتين اللتين نشأتا في غفلة من التاريخ الحديث، غدت كل ‏واحدة منهما قاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية، التي نأت بنفسها عن الصدام المباشر ‏والتهديد المباشر والقتال المباشر والإحتكاك المباشر مع روسيا الإتحادية، وبالمقابل غدتا تعجان ‏بأشكال الأسلحة الأمريكية وتنعمان بمليارات الورق الأمريكي الأخضر المطبوع الذي غدا ذهبا ‏بدون تغطية. واحدة منهما في قلب أوروبا بمحاذاة العدو الأكبر الدب الروسي لتستنزفه ‏وتحاصره وتغرقه في مشاكل لا أول لها ولا آخر وتقيد دوره العالمي، والثانية تؤمن أهم سلعة ‏استراتيجبة في العصر الحديث ألا وهو النفط وتحرس المنطقة من خصم مهووس أو انقلابي ‏مسكون بخصومة أمريكا وحبه لبلده ووطنه أكثر من أي مكان آخر حتى لو كانت أمريكا ‏وولاياتها الخمسين. وغدا خصمهما اللدود نتيجة لذلك، مشغولا بتضميد جراحه مهما كانت ‏صغيرة أو كبيرة ومهما كان اسمها.‏
حتى المسئولين والقادة في البلدين وكأنهما متبادلين ومن طينة واحدة، يعتمدون الطريقة ‏الغوبلزية في الإعلام ويقلبون الباطل إلى حقيقة لا أدل على ذلك من الأشرطة التي تنشر في ‏الجانبين لتزوير الحقائق وبخاصة قضايا المدنيين. بل إن بعض القادة الإسرائيليين هم من أصل ‏أوكراني مثل جابوتنسكي ألأب الروحي لحركة ” حيروت ” ومناحيم بيغن، وكثير من أفراد ‏القوى الأمنية الإسرائيلية انتظمت للعمل في اوكرانيا ضد الدب الروسي. ونشهد تعاونا وثيقا ‏خفيا بين الجانبين هذه الأيام. ‏
نبتتان شيطانيتان واحدة في أوروبا وأخرى في الشرق الأوسط قامتا على القهر والبطش ‏والعدوان، وإن اختلفتا بالتفاصيل، زرعتا بتشجيع أمريكي غربي، لحماية المصالح الأمريكية ‏وحروبها وتدخلاتها وعدم تهديدها في كل بقاع العالم، بل نفي أي دور لغيرها. وتقييد أو نفي ‏دور الشعوب الأخرى واستقلالها في مواردها وسياساتها عن الولايات المتحدة الأمريكية ‏وشركاتها الإحتكارية.ويقف على رأس هاتين النبتتين الشيطانتين دولة عملاقة تتحكم في مصير ‏العالم وأمواله واقتصادياته باسم الحرية السياسية والحرية الإقتصادية والحرية الإجتماعية ولا ‏أحد رادٌ لقضائها وكأنها رب معبود. حريات أدخلت كل مظاهر الإنحراف وجعلت منها سلوكا ‏مشروعا ومقبولا بل مطلوبا.‏
لو تم النظر في تدفقات الأموال والسلاح على هاتين النبتتين من الولايات المتحدة الأمريكية، ‏لأصيب الناظر بالدهشة والعجب، فقد فتحت الخزائن الأمريكية ومخازن السلاح الأمريكي على ‏مصاريعها لتنتقل إلى هاتين الدولتين، مرة في عام 1973 حيث انتقلت الطائرات الأمريكية ‏لتفريغ السلاح الأمريكي إلى مطار العريش، ومرة حديثة حين فتحت كل الدول المجاورة ‏لأوكرانيا أبوابها وحدودها لتسهيل دخول السلاح الأمريكي بمختلف أنواعه بمختلف أشكاله.‏
اعتقد العالم لوهلة أن الحرب الباردة قد انتهت وتنفس الصعداء، وأن أوروبا عصية على ‏الحروب بعد مآسي الحرب العالمية الثانية، فجاء تفكك يوغسلافيا وبعدها جاءت القضية ‏الأوكرانية لتسفك الدماء البريئة وتحصد الإستقرار السياسي. ومثلها اقتلع شعب فلسطين من ‏وطنه في مؤامرة دولية لإنكار حقوقه جملة وتفصيلا.‏
غياب العقلية الحكيمة واستفزاز الدول التاريخية ومصالحها، وتحكم الأهواء والعنصرية ‏والنرجسية، والإفتتان بالقوة العسكرية والمالية، تغري باتخاذ خطوات متهورة بدلا من الإحتكام ‏للعقل والتنازلات المعقولة وبعد النظر. وهذا ما تقوم به أوكرانيا وإسرائيل وقياداتها هذه الأيام، ‏مستبعدة اي فريق آخر في الساحة وحقوقه التاريخية وعدم إبداء اي تنازل أو حل وسط ونسوا ‏أن ما لا يدرك كله لا يترك جلّه، وأن الأيام دُوَل !!! ‏ 

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *