نشرة “كنعان”، 3 فبراير 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6472

في هذا العدد:

تقويل وتقزيم الحكيم وأسطرة المطبعين: جزء من مشروع ضد العروبة، عادل سماره

السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية وجيو – سياسية (الجزء التاسع)، مسعد عربيد

  • نقد الموقف السوفييتي

✺ ✺ ✺

تقويل وتقزيم الحكيم وأسطرة المطبعين

جزء من مشروع ضد العروبة

عادل سماره https://kanaanonline.org/2023/02/03/%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%8a%d9%84-%d9%88%d8%aa%d9%82%d8%b2%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%8a%d9%85-%d9%88%d8%a3%d8%b3%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b7%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%ac/embed/#?secret=gtjJQUNb2J#?secret=3qV8Je47Hg

مجدداً تثير جريدة الأخبار/بيروت مشكلة مذكرات الحكيم، ناهيك عن ما أثير من حديث بين همس ونميمة وتشفي …الخ.

ومجدداً تُجانب الأخبار التعاطي مع المشكلة الحقيقية أي “كوفيد قطر للتطبيع”، كما تفعل كثيراً، لتكون كما قال لينين عن سلوكيات كهذه: “يدور كما يدور القط حول صحن من المرق الساخن”.

لذا تركز الأخبار كما غيرها على شخص عزمي بشارة مما يوحي، وأخشى أنه بقصد، بأن الرجل اسطورة. وهذه الأسطرة في حد ذاتها تماهٍ معه وخدمة له بوعي، وهو أقل من ذلك بكثير. وكثير جداً.

فلا الأخبار ولا عديد ممن لهم علاقة بالموضوع يجرؤون على قول الحقيقة بأن الرجل أداة جهاز معولم بدأ من الكيان ووصل الخليج وهناك تم تعميد الدور كأداة للثورة المضادة ضد العروبة كما قاعدة العيديد وقناة الجزيرة بل كل قطر والإمارات وغيرهن. ترى: هل العلة في فقدان الجرأة أم استدخال الهزيمة!  أم هزيمة منذ الأجنَّةِ فالولادة والرضاعة والفُطام؟

وهنا، أتحدى كل من كانت له علاقة بهذا الرجل: لماذا لم تتكلم! وخاصة سابقاً، وحتى اليوم.

هناك من يتمنطق بالكبرياء السياسية او الحزبية أو الأكاديمية أو النرجسية…الخ وبالتالي يعلو بنفسه عن المس “بالأعراض” السياسية فيقع في الطبطبة على حساب القضية.

وهناك من يلازمه الخجل والحرج كيف استخدمه بشارة وبذا وصل به الأمر أن لا يجرؤ على نقد ذاته، فأعلى ذاته على حق الأمة عليه فتعمد أن لا يقول ويكشف ما وقع فيه.

وهنا لا اشمل من يعبدونه مهما حصل وفعل لأن هؤلاء بلا عامود فقري ينطوون إلى الخلف كما للأمام أحد الأمثلة أن أكاديمي من ال 48 يُجاهر أنه مع التطبيع والاعتراف بالكيان قال لي ذات يوم:

“عزمي خرج لأنه يعاني الكلى ولذلك لا يتحمَّل السجن”! وبعيداً عن أن هذا القول يعني أن السجن للفقراء الذين لا تسجيل لتضحياتهم ولا لموتهم، ولكن، هل يُعقل أن بوسع عصفور أن يخرج من الكيان دون علم ورغبة الكيان، وعزمي ليس عصفورا يمكن أن يضعه رجل دين ضخم في ثنايا جلبابه ويُهرِّبه وهو ذاهب للتبطُّح على قنوات الشام! ومؤخرا برز مع جماعة ال 14 مليون و/أو وثيقة فلسطين …الخ المدعو والدَّعِيْ ع.أ.ص الذي يعدو بين امريكا وقطر ورام الله بدل “الصفا والمروة” داعياً للسلطان القطري بالنصر.

مذكرات الحكيم ليست المسألة:

ليس لي في مذكرات الحكيم شأناً ولا دراية ولا كلاماً، كما ان آخر عهدي به كان قبل حرب حزيران بيومين حيث قطعت الجامعة وعُدت إلى الوطن من بيروت بانتظار الحرب وما علينا القيام به وبقيت قيمته في نظري كما هي نظيفة عالية. ولم يتم أي تواصل سوى عام 1996 حين عرض عليَّ استلام مركز دراسات الغد وقلت له موافق بلا راتب ، ولكن سرقه البعض!

 وحين يتم تقزيم تاريخ الرجل إلى مسألة مالية وتعاقدات نشر وخلافاً بين البعض على بعض المال …الخ فهذه ثالثة الأثافي. فبوسع ورَّاق شبه أمِّيٍّ أن يطبع اي كتاب ويوزعه من المحيط إلى الخليج حتى ورقياً فما بالك إلكترونياً.

وفيما يخص الراحل د. خير الدين حسيب، فهو الذي طرد عزمي بشارة بعد أن كاد يُخدع به، وليس كما تقول الأخبار أن عزمي “بعد ما إصطدم بخير الدين حسيب” توقف عن محاولة اغتصاب مركز دراسات الوحدة العربية.

 عزمي يتسلل ولا يصطدم، بل حسيب هو الذي طرده. وكلمة يصطدم هي تضخيم له ربما بهدف الإبقاء على حبل ُسّرّي بين الأخبار وعزمي تماما كما تسمح البرجوازية بنقنقة النقابات الصفراء طالما لا تمس خط الإنتاج بالإضرابات. وإلا، لماذا لم تنشر الأخبار تشريحاً له كعضو كنيست على مدار ثلاثة عقود، وهي تزعم انها شديدة القومية! وبعد أن رفع السيف على عنق سوريا وفلسطين ووصل إلى استلام مشروع تخريب الثقافة العربية وأحاط نفسه بمآت مثقفي الطابور السادس كما احاط سلاطين آل عثمان أنفسهم بدرجات من الجواري: “جارية، قادين، إقبال، قيان …الخ”! وصار دور هؤلاء تخريب الأكاديميا في كل قطر عربي.

ويبدو أن ضغطا كبيرا ما حصل على الأخبار حتى اضطرت لنشر هذا المقال المؤدب والململَم فوجدت نفسها في وضع حرج فنشرت دفاعاً عن سمعتها! بينما فتحت …. لبُغاث يروجون عبارات ضد سوريا “كالاستبداد والبراميل المتفجرة…الخ” ويرفضون محور ا/ل/م/ق/و/م/ة ويرضعون في مدريد.

بعيداً عن دور عزمي السري والذي يمكن حتى لغبي او تافه أن يشكك فيه طالما لا توفر وثائقاً. أمَّا دوره العلني فبدأ منذ 1993 حينما اسس حزباً صهيونياً تم تسجيله بشكل رسمي. ومن حينها فإن كل من:

·       يعرفه،

·        وله في القومية وفلسطين

·        ومن عمل معه

وبقي على موقفه ولم يقل للناس ما حقيقة هذا الرجل فإن هؤلاء جميعاً قد خدموا المشروع المناط به سواء بوعي ورغبة أو نتيجة خبث وجبن وحفاظاً على سيرة تقطع راس الثقافة العربية كما تقطع داعش أعناق كل من ليس من طبيعتها.

هؤلاء تحديداً هم الذين أعطوا مشروعا ليس من صنعه غطاءً حتى استفحل. ولما استفحل تعمَّق مأزقهم فتلافَوْ التصدي له أو على الأقل نشر شهادات! يذكرني هذا بمن استأسدوا على عرفات بعد رحيله! هؤلاء ليسوا أمناء على التاريخ.

هناك قياديين من الشعبية حملوا عزمي ليخترق حركة أبناء البلد فيشقها ويجرها للسماح لأعضائها بالتصويت لبرلمان الكيان وكان ذلك لمرة واحدة، لكن هي التي أوصلت عزمي إلى الكنيست.

وهنا أذكر للراحل أحمد حسين رؤيته الواضحة لعزمي من تلافيف دماغه حتى تلافيف أمعائه. (سأورد هذا في كتاب إعداد عن معارك أحمد حسين الفكرية العروبية) .

كانت نتيجة دور هؤلاء القياديين وصوله للكنيست! عجيب. كيف لحركة ماركسية عروبية لم ترمي شخصا كهذا بمزيد من الأحذية والقطط الميتة وتسمح لبعضها بتقديسه! هنا التناقض الذي ينمُّ عن تخلف وهزيمة من الداخل.

ما الفرق بين هؤلاء وبين إدوارد سعيد الذي جاء إلى الناصرة ليلقي محاضرة عصماء لدعمه في انتخابات الكنيست؟ والمضحك أن سعيداً هاجم صادق جلال العظم حينها دون ذكر إسمه حيث كان العظم يُزايد على سعيد، هذا إلى أن تردى العظم إلى ما هو أدنى من سعيد في سباقهما إلى القاع! اللهم لا شماتة. ولست أدري هل جاء سعيداً إلى الناصرة من قرار رأسه أم جاء برسالة كالتي جاء بها لعرفات منذ 1969 كما ورد في كتابه بالإنجليزية “غزة أريحا أولا”.

كان موقفاً طريفاً حيث زار سعيدا جامعة بير زيت في مؤتمر لا اذكر عنوانه، وفي استراحة رأى بيدي عدداً من مجلة New Left Review وفيه مقال له عن الإرهاب، فطلب أخذ العدد، فقلت له، لو أنك لم تنادي بدعم عضو كنيست لقدمته لك دون أن تطلبه.

والأنكى من ذلك، أن من أدخلوا عزمي إلى الكنيست واصلوا انبهارهم به، فاي غطاء!

ولا أجد حرجاً في القول بأن ذلك الانبهار لا يُردُّ إلى تمُّيزٍ فيه ولكن إلى تخلِّف فيهم، الأمر الذي سهَّل مهمته وطغى على تحذيراتنا منه خطياً في مجلة كنعان الورقية منذ 1993 وحتى اليوم، أحمد حسين وأنا دون تنسيق بيننا. (أنظر كتابي: تحت خط 48: عزمي بشاره: وتخريب النخبة الثقافية)

ليس المهم من الذي حمله إلى دمشق وبيروت، هل هو هيكل، هل هم هؤلاء القياديين، بل المهم أنه دخل إلى هناك وإلى هناك وهو عضو كنيست!!! كيف قُبل؟ وماذا كان لنا أن نقول نحن من حينها وحتى اليوم؟ وقلنا وكتبنا ولا من يسمع!

أذكر أنني كتبت منذ أكثر من عشرين عاماً نقداً على استقباله في مركز دراسات الوحدة العربية بعدما قرأت خبراً في القدس العربي قبل أن تحتلها قطر بأنه دُعي من المركز لإلقاء إحدى قذائفه هناك. فرد على ذلك شخص أذكر اسمه ربيع، وربما ربيع ربيع بأن المركز دعاه كفيلسوف وليس كعضو كنيست! هنا يحضر المثل الشعبي: “كمن يضاجع الكلبة ويرفع ذنبها بعود”. لاحقاً فسَّر لي الراحل خيرالدين حسيب ملابسات تلك العلاقة وكيف أنه أنقذ الموقف قبيل حافة الاختراق. انتهى حسيب إلى موقف: “إذا لم نعد قادرين على تمويل ذاتنا فإغلاق المركز أشرف ليبقى تراثه نبراساً للأجيال وأحفظ قومياً من توريثه لأعداء الأمة”.

لا شك أن د. حسيب كاقتصادي يعرف قانون جريشام بأن: “العملة الرديئة تطرد الجيدة من السوق” أي المقصود أن ما سيبقى ويُرّوج له هو فقط ما يكتبه رقيق قطر وما أكثرهم/ن وأوسع إمكانيات “كوفيد قطر”!

مُضحك وكاريكاتوري أن تقرأ بين الفينة والأخرى مقالاً لكاتب ووزير لبناني سابق متأنق حيث يكتب في مقدمة المقال: “نُشر في جريدة القدس العربي”!!! يا للفخر.

واللافت وما يدعو للسخرية المُرَّة أن ارتفع “مقام” عزمي بعد عضوية الكنيست!

أمر مضحك وربُّ اللات والعُزَّى!

صار الرجل مؤهلاً ليفرض ما يرى بدل أن يُطرد على الأقل.

وبهذا يجدر السؤال: هل اخترق العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب أم هم/نَّ على جاهزية منذ الطفولة للاختراق فكانت مهمتهم حمل فايروس “كوفيد قطر” إلى الأمة! وتكون النتائج لمشغليه، وله الانتفاخ والتقعُّر بالكلام ليبدو فيلسوفاً مما سهَّل عليه تغطية دوره كحامل مشروع مخابراتي تطبيعي، ولهم المال. أمام المال هناك من به شبق فلا يشبع، تماما كالشبق الجنسي السالب.

لم يكن الرجل غبياً ولا مشغليه، ولذا، صار لا بد أن يخرج من الوطن المحتل الصغير إلى الفضاء العربي الأعمى فيبدو كمن أشعل شمعة في الظلام.

ولكي يُفرض مشروع مشغليه لا يحتاج سوى إلى عاملين:

·       خطاب قومي عالٍ، ولكن بنكهة الدين السياسي والنفط.

·       وشلال مالٍ لا ينضب من قطر.

وهنا انهال الذباب على الطبق، ذكوراً وإناثاً ونسذكوريات ومثليين وعشاق صهيونيات ومتساقطي يسار وحتى ناظمي قصائد رثاء “للشهيد/كيندي” …الخ وأنا أعرف الفلسطينيين/ات منهم واحدا واحدةً. فمنهم من كان يتسلل إلى القنصلية الأمريكية خوفا من المقاومة، ثم صار يُعلن أنه مدعو منها (كما أسرَّت م.ر التي عملت هناك)، ومنهم من كوفؤ بعشق مستوطِنة ليدرس في أمريكا ويعود ليؤسس قسم دراسات إسرائيلية في جامعة بير زيت ويُدخل كوفيد قطر إلى الجولان المحتل، ومنهم من عمل جاسوساً لكوفيد قطر في كنعان ثم لجأ هناك ومنهم من كان قشرة يسارية فصار جوهرا يمينيا ومنهم فيلسوف دمشق…الخ

للتعرُّف: أدخل إلى (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

المؤتمر الخامس للدراسات التاريخية: سبعون عاما على نكبة فلسطين الذاكرة والتاريخ

12-14 مايو/أيار 2018)

ولم يكن لهؤلاء تلك الجرأة على السقوط لولا غياب قوة المثال الثوري وتهالك قيادات الفصائل بمن فيها اليسارية، فغياب الرادع الوطني يُظهر الاغتسال بالنفط كما لو كان وضوءاً.

وفيما يتعلق بفلسطين كان ولا يزال شغله وشغل مشغليه:

·       التقاط متساقطي اليسار وخاصة من الشعبية ليعيشوا في كنفه ويقولوا فيه المديح ويتدربوا على دس السموم في الفكر العربي والثقافة العربية حتى أتقنوها. وهم بهذا يؤكدون كيف جرى تخريب كثير من اليسار بأموال الأنجزة الغربية ومن ثمَ النفطية ولا فرق.

·       وتخليق بديل ل م.ت.ف باسم “هيئة الدفاع عن الثوابت”.

وانضم له في هذا خلق كثير. ولم يكن أمامهم كذاباً كعادته بل صارحهم بوجوب التطبيع!!! وحين تغنجوا اعتكف فذهبوا إليه يطيبون خاطره وأصر على موقفه ثم أعتكف وعادوا يدارونه مجدداً، ثم اعتكف وغادرهم وانفرط العقد وبقي هو كما هو منافح عن “حق” الكيان في أرض كنعان! وبقيت 450 ألف دولار من ليبيا في بطنه. لك الرحمة يا عقيد كيف تفعلها! https://www.youtube.com/embed/za3WCpCogXY?version=3&rel=1&showsearch=0&showinfo=1&iv_load_policy=1&fs=1&hl=ar&autohide=2&start=785&wmode=transparent https://www.youtube.com/embed/ii3Owy8heWs?version=3&rel=1&showsearch=0&showinfo=1&iv_load_policy=1&fs=1&hl=ar&autohide=2&start=77&wmode=transparent

ولكنه لم يخرج من المولد بلا حمُّص، بل أنجب لاحقاً من كانوا قياديين في اليسار وفي الشعبية وإذ بهم يكتبون بلهفة وفخار لدولة واحدة تاركين ورائهم ما ادعوه من موقف عروبي والتزام ماركسي. وهذا يأخذنا إلى السؤال: ترى هل كان هؤلاء الذين أُحيطوا بهالة نضالية حقاً هكذا؟

لكن سقوطهم العلني الذي لا يوجد ما يبرره سوى أنهم “أبطال صفقات” ذاتية وحين يأتي موعد نحرهم يُساقون إلى المذبح.  وهكذا، بدل أن تدوس قلعة اليسار هذا المتصهين، اقتحم هو القلعة وأخذ الكثير منها عبيدا وقياناً! ببعض المال.

وحتى بعد الربيع الخريفي:

وحين كان لا بد لعزمي أن يُذبح أُمر بالوقوف العلني ضد سوريا، وهو أمر لا يرفضه ابداً لأن من يقف مع الكيان هو ضد سوريا بالضرورة، ومشروع تدمير سوريا يوجب بلا شك ويستحق ذبح الكثير من الخراف لا سيما وأن الثورة المضادة وخاصة قطيع الدين السياسي كانت على يقين بأن سوريا هالكة فألقت بقضها وقضيضها ضد سوريا. ما قيمة أداة إذا كان إحراقها يخدم تدمير وطن وشعب!

ولم يخذل الرجل مشغليه فعمل ضد سوريا وقال فيها أكثر مما قال مالكٌ في الخمر، وهو الذي كان “يبرطع” ما بين الشام وبيروت!  ويمدحهما متباهياً ويمدحونه بالمقابل، تماما كما كان يفعل يوسف القرضاوي الذي حين طُلب منه الارتداد ضد سوريا قرض اللجام وانطلق لسانه!

كنت بين الضحك والبكاء أن تستضيف قناة المنار عام 2013 هيثم مناع  أحد أبطال ثورة البروليتاريا/ضد الشام، كما أسماها سلامه كيله في زمن حياته الذي كان ضرراً مطلقاً للعروبة، ومما قاله مناع “كنا نذهب عند عزمي بشاره في قطر ” يقصد ليخطط لهم! فلا هو خجل ولا ضربته المذيعة بحذائها!

ومع ذلك، لم يلتقط من زكَّوا بشارة لسنين، فرصة تعريته وجاهزيته للحريق طالما انتقل من الوطن إلى قبيلة حمد وحمد حتى صار يقطر منه النفط! فلماذا؟

لقد كانت فرصة لهؤلاء للاستغفار من الأمة، حيث توفر كرسي اعتراف مريح. ومع ذلك لم يفعلوا! وهذا متروك لهم للإجابة وللناس كي تحكم. ولذا، حين نكتب اليوم فذلك كي لا يشعر هؤلاء بأن الأمة لا تنسى من خذلها وخاصة من كان في الصف! ولكي تعرف الأجيال الشابة أن هؤلاء كانوا ضد العروبة مهما تزركشوا ب:”مثقف، دكتور، مفكر، كاتب…الخ” وحبذا لو يتعظ بعضهم فينطق ولو متأخراً.

إرث الحكيم:

ما من قيمة قط في محاولة تشويه إرث الحكيم طباعة وورقاً ومالاً، فأي تقييم تافه للرجل؟ بل إن الانشغال في هذا الأمر هو نفسه طعن للحكيم.

إن الخطر على تراث الحكيم هم أولئك الذي يُعيدون قراءة تاريخ ومواقف وأقوال الحكيم فيحولونه إلى راهب متواضع وإلى مبتدئ سياسة ونضال وإلى حالة سائلة لا رافضة.

وللمفارقة أن من يقوم بهذا ليس عزمي بشارة، بل بعض من كانوا محسوبين على دائرة أقرب للحكيم.

الخطر هو ما كتب البعض بأن الحكيم لم يقصد الإصرار على حق العودة، وبأنه كان مستعداً لمنح بيته في اللد ليهودي!

والحديث عن بيته هو أمر مجازي لأن قصد هؤلاء أن الحكيم مع الاعتراف بالكيان وحتى منح فلسطين للكيان! لكن مناضل وقائد بحجم الحكيم بيته وطنه فكيف يتم التطاول عليه إلى هذا الحد!!!

ولكن في زمن السقوط والسباق إلى القاع وخُلو الساحة من قوة مثال أو سيف خالد المسلول، يغدو من الطبيعي أن يلجأ من تساقط إلى المخاتلة والخداع. وفي الحقيقة فإن طعنات هؤلاء تغور حتى ما وراء القلب.

لقد قصقصوا، وركَّبوا وأوَّلوا بأن الحكيم كان مع “دولة مع المستوطنين”.

وإذا قلنا إن هؤلاء هم هكذا، فلماذا كان ولا يزال الطير على رؤوس من يصمتوا اليوم عن هؤلاء وعن تفريخات أمثالهم الداعين لبدائل ل م.ت.ف أقل منها بفراسخ!!! إن فراغ الساحة من قوة مثال هي التي سمحت بالإيغال في دم القضية والأمة فلم يعودوا يردّوا ُ ألسنتهم إلى حلوقهم.

هذه الهجمة لن تتوقف، والهجوم ضد الحكيم هو فصل اساسي من مشروع تقويض الثقافة والرفض العربيين. إن الباب مفتوح على مصراعيه للصراع بيننا وبينهم. فطوبى لمن يتصدى لمشروعهم هذا. طوبى لجيوب ا/ل/م/ق/ا/و/م/ة لأنها تؤسس للانطلاق من جديد.

أخيراً، حينما رحل الحكيم طُلب من خمسة اشخاص كتابة شهادات عن الحكيم كي تُنشر في كتاب، وكنت واحداً منهم. لكن لم يتم اي نشر، فنشرت ورقتي في كتابي “ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة/ الفصل السابع”.

✺ ✺ ✺

السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية وجيو – سياسية

الجزء التاسع: نقد الموقف السوفييتي

مسعد عربيد https://kanaanonline.org/2023/02/03/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d9%81%d9%8a%d9%8a%d8%aa-%d9%88%d8%aa%d9%82%d8%b3%d9%8a%d9%85-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d8%a5%d8%b6%d8%a7%d8%a1%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%83%d8%a7%d8%b1-9/embed/#?secret=pvk1tWAtOu#?secret=6mKw9WP5Ob

بدون الخوض في إشكاليات النقد التي تشوب الخطاب السياسي والإعلامي العربي، نرى أن نقد الموقف السوفييتي من قرار تقسيم فلسطين لا يحتمل التردد والاحجام، بل يتطلب مراجعة نقدية وجذرية. ومن الناحية الثانية، فإن منطق العزوف عن هذا النقد، بغض النظر عن الدوافع والأسباب، لا ينفي ضرورة نقد الذات وتحملنا، أنظمةً وشعوباً، مسؤولية ما حلّ بنا من ويلات وكوارث.

في ضرورة النقد

▪️ تنبع ضرورة نقد الموقف السوفييتي من قرار تقسيم فلسطين من عدة عوامل كنا قد أشرنا إليها في مستهل هذه الدراسة، ومن أهمها:

أ) الآثار الجسيمة التي خلّفها هذا القرار على مجمل تلك المرحلة من تاريخنا ومستقبل فلسطين والمشرق العربي وزرع الكيان الصهيوني في قلبه.

ب) كون الاتحاد السوفييتي صاحب أول ثورة اشتراكية في التاريخ الحديث، والتزامها الأيديولوجي بالماركسية – اللينينية ودعمها لكفاح الشعوب المستعمَرة من أجل استقلالها، بالإضافة إلى جسامة التضحيات البشرية والمادية التي قدّمتها الشعوب السوفييتية لإنقاذ العالم من جرائم النازية والفاشية.

ج) ولا يقل أهمية عن هذا، ما خلّفه الموقف السوفييتي من آثارٍ على مجمل الحركة الشيوعية والعمالية العربية والعالمية، تلك الآثار التي لا تزال تثقل كاهل هذه الحركة وتشتت قواها وتياراتها في العديد من النزاعات والخلافات.

إن النظر إلى الموقف السوفييتي، من منظور هذه العوامل يضيء على سياسات الاتحاد السوفييتي وجسامة الخطأ الذي وقع فيه، كما وقعت فيه أحزابنا التي التزمت بموقفهم التزاماً أعمى ومنافٍ لمصالح شعوبنا، وهو ما يؤكد على ضرورة نقده.

▪️ ليس من المنطقي الافتراض أن السوفييت الذي درسوا المسألة اليهودية في الاتحاد السوفييتي وفي العالم، وتابعوا تطوراتها عن كثب، أنهم لم يكونوا يعون حقيقة وجوهر المشروع الصهيوني. بل يجوز لنا أن نخلص إلى أن الاتحاد السوفييتي كان ملماً بهذه الحقائق ولكنه، وفقاً لمصالحه ورؤيته الإستراتيجية في تلك المرحلة، قرر دعم قرار تقسيم فلسطين والاعتراف بالكيان الصهيوني.

من اللافت أن هذا الموقف جاء في عصر انتصار السوفييت والعالم على النازية والفاشية، وبداية انفتاح صفحة جديدة في تاريخ الشعوب ونهوض حركات التحرر الوطني في العالم الثالث خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وهو ما يثير التساؤل حول تورط بعض صانعي القرار السوفييتي ومستشاريه في النظر إلى الصهيونية ك “حركة تحرر وطني للشعب اليهودي” وأنها تناضل من “أجل إقامة دولته وحقه في تقرير مصيره”. وهو ما يشير إلى خللٍ جذري في الموقف الأيديولوجي والسياسي السوفييتي من الصهيونية وشرعنه الاستعمار الاستيطاني، من جهة، ويتناقض مع دعم ومساندة الشعوب المستعمَرة، من جهة أخرى.

نقد السوفييت والنقد الذاتي

▪️ في نقدنا للموقف السوفييتي، لا نقصد إعفاء القوى والأطراف الفلسطينية والعربية من مسؤوليتها، فهي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية في تحرير فلسطين ومقاومة الكيان الاستيطاني الصهيوني. كما إننا لا نقصد إنكار عناصر الضعف الذاتية والموضوعية في مواقف هذه القوى، وعجزها عن الدفاع عن الحقوق العربية في خضم التطورات الدولية المعقدة التي تلت الحرب العالمية الثانية.

▪️ من الضروري بدايةً التذكير بأن فهم الموقف الفلسطينية والعربية من الكيان الصهيوني، وخاصةً مواقف الأنظمة العربية القُطرية التابعة، لا يتسنى خارج فهم قرارات اتفاقية سايكس-بيكو (1916) ووعد بلفور (1917) وما خلفاه من تداعيات وتبعات على أوضاع المشرق العربي ومجمل الوطن العربي. فهذان القراران إستراتيجيان في فهم التزامن والترابط بين الكيان الصهيوني من جهة، ونشأة الأنظمة العربية القُطْرية بعد تجزئة المشرق العربي لتكون تابعة للإمبريالية ومؤتمرة بإملاءاتها من جهة أخرى. وهو تزامن وترابط جاء ليخدم استراتيجية ومصالح الإمبريالية. فالكيانات القُطرية العربية التي أنشأها الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الأولى، قامت من أجل تكريس تجزئة الأمة العربية وحماية حكّامها وأنظمتها، فهي لا تقاتل إلاّ من اجل الحفاظ على بقائها حماية عروشها وبقائها، لا من أجل تحرير فلسطين. بعبارة أخرى، فإن الكيان الصهيوني والكيانات العربية القُطرية مرتبطون بالمخططات والمصالح والإملاءات الإمبريالية في بلادنا، وهو ما يفسر عدم خوض هذه الأنظمة الكفاح ضد الكيان الصهيوني وأجل تحرير فلسطين.

هذا ما تأكده وقائع القرن المنصرم، ومَنْ يدري فربما هناك من الوقائع والمخططات والاتفاقيات التي ما زالت سرية ولم يتم الكشف عنها. ولكن هذه العوامل التي تضيء على وظيفة الكيان الصهيوني والكيانات القُطرية العربية، لا تجيز الاستهانة بموقف الاتحاد السوفييتي الكارثي، ولا تعفيه من تبعات سياساته التي أسهمت في منح “الشرعية” لقرار تقسيم فلسطين والاعتراف بالمستعمرة الاستيطانية الصهيونية على حساب شعبٍ آخر. بل ربما يجوز لنا أن نذهب إلى ما هو أبعد: إذ هناك مَنْ يقول إن قرار تقسيم فلسطين قدّم للصهيونية أكثر ما قدمه وعد بلفور، بمعنى أن الأخير طرح مشروع “وطن قومي” لليهود، أمّا الأول فمنحهم “دولة”.

(1)

الموقف السوفييتي بين الأيديولوجيا والبراغماتية

على الرغم من موقف الاتحاد السوفييتي من الحركة الصهيونية منذ الثورة البلشفية لعام 1917، ومعاداته لها فكرةً وحركةً ومشروعاً، نرى أن الموقف السوفييتي انقلب حين أيد منح الحركة الصهيونية “دولة يهودية” في فلسطين (قرار التقسيم) والاعتراف بالكيان الصهيوني فور قيامه في مايو 1948. وبغض النظر عن الأسباب والذرائع السياسية والتاريخية والإنسانية و”الاشتراكية” التي طرحها السوفييت في تفسير دعمهم لقرار التقسيم، فإن هذا الموقف، بالمدلول العملي، يعني توظيف فلسطين وشعبها لخدمة المصالح الاستراتيجية السوفييتية. فمن الواضح أن الاتحاد السوفييتي كان يتلمس في تلك الآونة دوره الجديد كقوة عظمى في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي الصراع المحتدم في فلسطين والمشرق العربي.

فهل كان الموقف السوفييتي تعبيراً عن براغماتية أم انقلاباً في الأيديولوجيا السوفييتية؟ أم كلاهما؟ وما الذي حدا بالاتحاد السوفييتي لتأييد قيام دولة “إسرائيل” والاعتراف بحقها في الوجود؟

لعل ما ورد على لسان أندريه غروميكو يقدم بعض الإجابة على هذا السؤال: “بالنسبة لنا هناك دائما منطق واحد في السياسة الخارجية وهو منطق ما هو الأفضل للاتحاد السوفييتي”. هنا تتجلى البراغماتية السوفييتية في قراءتها لقرار تقسيم فلسطين، وهي قراءة قاصرة ومستندة إلى المصالح السوفييتية الآنية.

أما فياتشيسلاف مولوتوف، وزير الخارجية السوفييتي من عام 1946 إلى 1949، أي إبّان فترة التصويت على قرار التقسيم، فيسعفنا في فهم المنطق السوفييتي حين يميّز بين “الموقف من الصهيونية” و “حق الشعب اليهودي في دولته”، فيقول: “أن تكون ضد الصهيونية والبرجوازية شيء، وأن تكون ضد الشعب اليهودي شيء آخر … لطالما ناضل اليهود من أجل دولتهم تحت العلم الصهيوني. كنا طبعا ضد الصهيونية. لكن رفض حق شعب ما في إقامة دولة سيعني اضطهاده.”[1] وهنا تكمن المفارقة: أن يقوم الاتحاد السوفييتي – الذي طالما اعتبر نفسه معادياً للصهيونية – بدعم كيان صهيوني استعماري استيطاني على أرض شعبٍ آخر.

أمّا الوجه الآخر للبراغماتية السوفييتية، فقد انكشف في خمسينيات القرن العشرين، حين أدرك الاتحاد السوفييتي ارتباط الكيان الصهيوني العضوي بالإمبريالية الغربية وعدم جدوى المراهنة عليه، فلجأ (السوفييت) حينها إلى التحالف مع العرب.

(2)

تقسيم فلسطين بين “شعبيها”

لقد استند الاتحاد السوفييتي في تشخيصه للواقع القائم آنذاك في فلسطين إلى مقولة إن “سكان فلسطين يتألفون من شعبين، يهودي وعربي”، وأن “لكل شعب منهما جذور تاريخية في فلسطين”، وهو موقف أقل ما يقال فيه:

أ) أنه فهم تحريفي ينافي حقائق التاريخ، وانحياز للجانب الخاطئ من التاريخ، وتسليم بالبروباغندا الصهيونية وادعاءاتها التوراتية الكاذبة (أرض الميعاد، شعب الله المختار، الوعد الإلهي)، ما يثير سؤالاً أعمق: كيف للماركسي والشيوعي أن يصدق مثل هذه الادعاءات الغيبية و”الوعود الإلهية”؟

ب) كما أن هذا الموقف يتناقض مع الخطّ الأيديولوجي والسياسي السوفييتي في مكافحة الصهيونية ومعاداتها، وهو الموقف الذي تميز به الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية على مدى العقود.

ج) ويناقض الموقف السوفييتي الداعم، منذ الثورة البلشفية، لكفاح الشعوب المستعمَرَة من أجل التحرير والاستقلال.

ألم يكن حرياً بالخبراء و”العلماء” السوفييت أن ينقبوا في التاريخ ليدركوا أن الجماعات اليهودية – التي لملمت مهاجريها من أكثر من مئة بلدٍ وقومية ودفعت بهم إلى فلسطين – قد شكّلت بالفعل الكتلة البشرية للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين!

ولكن هل حقاً أن السوفييت لم يدركوا هذه الحقائق، أم أنهم انساقوا وراء مصالحهم كدولة عظمى؟ وأن حقائق التاريخ لم تغير من موقفهم شيئاً، فرأوا في آلاف المستوطنين اليهود شعباً ذا “جذور تاريخية في فلسطين”، وأنه “يناضل من أجل تأسيس دولته” و”حقه في تقرير مصيره”؟

أليس هذا في أبسط المعايير تحريفاً للماركسية والشيوعية ووقوفها مع نضال الشعوب!

(3)  

سؤال “شرعية” الكيان الصهيوني

▪️ مركزية الاعتراف بالكيان

صحيح أن الاتحاد السوفييتي لم يعر اهتماماً كبيراً للموقف الفلسطيني والعربي من حيث الموافقة أو الرفض لقرار التقسيم، وصحيح أيضاً أنه كان يدرك أن الاستعمار البريطاني سوف ينسحب من فلسطين وأن الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة كانت متأهبة لإعلان “دولتها المستقلة” في ظل اختلالٍ كبير لموازين القوى فلسطينياً وعربياً ودولياً. ولكن كيف كان للسوفييت، الذين نادوا بحق الشعوب المضطَهدة في الكفاح من أجل حريتها واستقلالها وتقرير مصيرها، أن يبرروا منح “الشرعية” لكيان استيطاني على حساب حق الشعب الفلسطيني في وطنه وأرضه!

الآن، وبعد مرور ما يزيد عن قرن من الزمن على اتفاقية سايكس – بيكو ووعد بلفور واتفاقية فيصل – ڤايتسمان[2]، وسبعة عقود على قيام الكيان الصهيوني، وعلى ضوء هرولة الأنظمة العربية للتطبيع مع هذا الكيان، [مصر (كامب دافيد 1979)، وم.ت.ف. (اتفاقيات أوسلو 1993)، والأردن (اتفاقية وادي عربة 1994)]، وصولاً إلى كافة الأنظمة العربية المطبّعة مع هذا الكيان، بعد كل هذا وعلى الرغم منه، فإن التجربة التاريخية الطويلة تثبت أن مسألة الاعتراف بالكيان الصهيوني وشرعيته، ليست مسألة تكتيكية عابرة، أو خاضعة لمصالح آنية، بل هي مركزية في الصراع العربي – الصهيوني ومشروع الهيمنة الصهيونية – الإمبريالية على الوطن العربي، ولا تقل أهميةً وتأثيراً في الأوضاع الإقليمية والدولية. فالحقيقة الناصعة هي أن الشعوب العربية ومعها العديد من شعوب العالم وقواه التقدمية لا تزال ترفض شرعية هذا الكيان والتطبيع معه.

ولكن، بالإضافة إلى الموقف والتشخيص السوفييتيين الخاطئين، وسياسية الاتحاد السوفييتي البراغماتية في تحقيق مصالحه، هناك أبعاد وتداعيات أخرى نجمت عن موقفه الاتحاد السوفييتي من فلسطين وشعبها وغيره من الشعوب العربية، نناقش بعضها في الفقرات التالية.

▪️ “الحق اليهودي التاريخي” في فلسطين

لقد أسهب السوفييت، على لسان ممثلهم في الأمم المتحدة أندريه غروميكو، في الحديث عن معاناة اليهود وعذاباتهم وضرورة “التعويض” عنها، وعن “الحق اليهودي التاريخي” و”الحقوق الأزلية لليهود في فلسطين”. وفي هذا الصدد، لا يصعب على مَنْ يتمعن في هذه المواقف أن يلمس المنطق الإمبريالي الغربي ذاته الذي يقرّ بمنطق الاستيلاء على أراضي الشعوب الأخرى واستيطانها، كما كان الحال في نشوء المستوطنات الأوروبية البيضاء في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلاند على سبيل المثال. أي أن المنطق السوفييتي، بغضّ الطرف عن العوامل والادعاءات الأيديولوجية والتاريخية وحتى الإنسانية والأخلاقية، كان يتوافق مع منطق الإمبريالية الغربية، وذلك من حيث دعمه لقرار تقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية على أرضها سعياً وراء استخدام هذا الكيان لمصالح الاتحاد السوفييتي أو كي يكون حليفاً له في المستقبل.

فمنطق غروميكو في حديثه عن ارتباط “الشعب اليهودي” التاريخي بفلسطين، يستند إلى ذرائع طالما استخدمها (ولا يزال) الخطاب الإمبريالي والعنصري الأوروبي الأبيض: أي أنه يقر ب ويبرر تعويض اليهود عن معاناتهم في أوروبا والجرائم النازية بمنحهم الحق في إقامة وطن لهم في فلسطين. بعبارة أخرى، يتم الإقرار بالمسؤولية الأخلاقية عن معاناة اليهود من الجرائم النازية في أوروبا، أما تعويضهم عنها فيكون على حساب الشعب الفلسطيني.

▪️ منح “الشرعية” للهجرة والاستيطان الصهيوني في فلسطين

تأتي القرارات الدولية، بغض النظر عن صياغتها اللغوية الأنيقة، تعبيراً عن موازين القوى، وهو ما يُعبر عنه في خطاب السياسة والإعلام ب “الشرعية الدولية” أو شرعية وقانونية قرارات الأمم المتحدة. وعليه، فحتى لو عمد المرء إلى استخدام منطق وحجة “الشرعية الدولية”، فإن السوفييت وخبراءهم في القانون الدولي يدركون، كغيرهم من الدول الكبرى التي دعمت قرار تقسيم فلسطين، أن موقفهم يخالف القانون الدولي.

لقد مَنَح قرار التقسيم “الشرعية” لهجرة مئات الآلاف من اليهود الصهاينة من شتى بقاع العالم إلى فلسطين التي كانت آنذاك واقعة تحت الاحتلال البريطاني (1918-1948)، ما يجعل هذه الهجرة مخالفة للقانون الدولي الذي يحرّم أي تغييرات ديمغرافية يجريها الاحتلال الأجنبي والاستعمار في البلدان المستعمَرة.

أمّا غروميكو فقد استخدم تبريراً ومنطقاً يدّعي أن قضية فلسطين لا تمس مصالح اليهود في فلسطين وحدها وإنما تمس أيضاً مصالح اليهود في شتى أنحاء العالم. وهو تبرير يتناقض مع الموقف اللينيني من إطلاق صفة الأمة أو الشعب على اليهود يمثل موقفاً رجعياً، وأن التمسك بالقومية اليهودية يتعارض مع مصالح البروليتاريا اليهودية. وقد ذهب غروميكو إلى الأبعد حين دعم اقتراحاً يمنح الوكالة اليهودية حقاً استثنائياً يتيح لهم الاشتراك في مناقشات ومداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

▪️ انتهاك حقوق السكان العرب الأصليين

إن منح الشرعية للكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، هو مخالفة قانونية وإنسانية وأخلاقية للحقوق الطبيعية والشرعية بحق سكان البلاد الأصليين، وهي “شرعية” لا تُمنح للكيان الصهيوني في اقتلاع الشعب الفلسطيني واستيطان وطنه، لأنها (شرعية) تقوم على المساواة والمماثلة بين أصحاب الأرض الأصليين والغزاة المستوطنين.

يقول رأي إنه إذا صحّ القول إن الموقف السوفييتي من قرار تقسيم فلسطين مهَّد ل “شرعية” دولة “إسرائيل” ووفر “الأساس القانوني” لها، فإنه تَعاملَ بالمثل مع عرب فلسطين ووفر لهم أيضاً “الأساس القانوني” لإنشاء دولة عربية في فلسطين. وذه حجة واهية للأسباب التي أتينا عليها، ولا تبرر للسوفييت تأييدهم في إقامة مستعمرة استيطانية في فلسطين، ولا تبرر موقفهم من قضية فلسطين وشعبها واستيطان وطنه، لأنها تستند في الجوهر إلى المماثلة بين المستوطنين اليهود الغزاة والسكان العرب الأصليين. وقد أكد غروميكو هذا التوجه في أكثر من مناسبة بقوله ما مفاده إن ان السوفييت يعتقدون أن قرار تقسيم فلسطين يتطابق مع المصالح القومية الأساسية لكل من اليهود والعرب، وأن الاتحاد السوفييتي لا يمكنه إلاّ أن يؤيد طموحات أي دولة وأي شعب في نضاله ضد الاستعمار والاضطهاد الأجنبي مهما كان وزن هذا الشعب صغيراً في الشؤون الدولية.

ليس من المنطقي ولا من المعقول قبول هذه الحجة. فهل يُعقل أن السوفييت الذين يدعمون “نضال أي شعب يناضل ضد التبعية الأجنبية”، لم يروا في المشروع الصهيوني مشروعاً استعمارياً استيطانياً لفلسطين ويجافي حقوق شعبها!

▪️ تجاهل حق العودة للاجئين الفلسطينيين

لقد تجاهل السوفييت حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.

– قدّم فولك برنادوت، وسيط الأمم المتحدة، بعد قيام الكيان الصهيوني (1948)، مشروعاً تضمن بين بنوده منح العرب حق العودة إلى أراضيهم التي استولى عليها الكيان، ولكن السوفييت أيدوا الاعتراض الصهيوني على هذا المشروع وفضّلوا أن “يُمنح اليهود الفرصة للتوصل إلى اتفاق مع العرب في هذا الشأن في سياق مفاوضات السلام”. أنظر ملحق مشروع برنادوت.

– في ديسمبر 1948 صوت الاتحاد السوفيتي ضد قرار الجمعية العامة رقم 194 الذي يضمن “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين، (في حين صوتت الولايات المتحدة لصالح).

(4)

السوفييت والقضايا العربية: جهل أم تجاهل؟

▪️ لا نقصد بقولنا الجهل أو التجاهل أن السوفييت لم يدرسوا المسألة الفلسطينية أو المشروع الصهيوني – الإمبريالي في فلسطين. فلا شك أنهم درسوا هذا المشروع كاستعمار استيطاني لفلسطين وخطورته كمدخل للهيمنة على شعوب وقدرات الوطن العربي، ولكن هذا لم ينعكس في إدراكهم لأسباب عجز العرب آنذاك عن التصدي للغزوة الصهيونية وفهمهم لآثار حالة التخلف والتجزئة التي ابتلت بها الشعوب العربية على ضعف قدراتهم عن هذه المواجهة، ولم يثني السوفييت عن اتّباع مصالحهم في تلك الفترة. وهنا لا تسعفنا الحجة التي تدّعي بأن هدف السوفييت كان البحث عن حلفاء جدد في المنطقة وتشكيل “نواة اشتراكية”، وأنهم لم يجدوا بين الفلسطينيين والعرب مثل هذا الحليف.

▪️ ينعكس موقف السوفييت في جهلهم أو تجاهلهم لتاريخ وأوضاع الشعوب العربية في تلك الآونة.

– فقد تسبب الاحتلال العثماني خلال قرونه الأربعة في تدمير كافة مقوماتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي تخلف تطوره وتقدمه. ثم جاء الاستعمار الأوروبي الذي تلا العثماني ليكرس تجزئة بلادنا وتبعية الأنظمة الحاكمة للقوى الإمبريالية.

– هكذا تكاتف هذا العاملان على فقدان قدرة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على مقاومة الاستيطان الصهيوني والاحتلال الأجنبي، وتحديداً في ظل تجزئة الوطن العربي إلى قُطريات وأنظمة حاكمة تابعة للإمبريالية الغربية ومرتبطة بسياساتها ومصالحها.

▪️ لا يقتصر هذا الجهل أو التجاهل على الموقف السوفييتي من قرار تقسيم فلسطين، بل يطال نظرة السوفييت إلى العرب، وهنا ينبغي إمعان النظر في أطروحات ستالين “والعلماء السوفييت” حول العرب ك “أمة في طور التكوين” أي عدم نضوجها كأمة بسبب غياب الوحدة الاقتصادية ووحدة السوق.

▪️ يتضح في الموقف السوفييتي أيضاً جهلهم بأهمية فلسطين عربياً وعالمياً ومركزيتها لدى الشعوب العربية كقضية وطنٍ محتل وشعب يكافح من أجل تحريره. ويبدو أن السوفييت، كما أوضحنا، قد غلّبوا مصالحهم الإستراتيجية والسياسية ومصالحهم ك “دولة” على حساب موقفهم ك “ثورة” وتجربة اشتراكية. وعندها لم يأبهوا بأن مثل هذه السياسة ستهدد مصالحهم مستقبلاً، وقد تؤدي إلى فقدان تعاطف عشرات الملايين من العرب، وسيكون لها آثاراً سلبية على حضور الاتحاد السوفييتي بين الجماهير العربية والشيوعيين العرب.

▪️ خلاصة القول، إن المنطق يجرنا إلى الاستنتاج التالي: بأن السوفييت عجزوا عن فهم أسباب تخلف المجتمعات العربية، وسقطوا في فخ العنصرية الأوروبية في نظرتهم إلى الفلسطينيين والعرب ك “متخلفين”، ولم يدركوا أن من أهم أسباب تخلف العرب يكمن في قرونٍ طويلة من الاحتلال والاستعمار وتدمير المقومات الأساسية للمجتمعات العربية، وما خلفته من تجزئة البلدان العربية وتبعية الأنظمة والطبقات الحاكمة.

▪️ بصرف عن دور الحركة الصهيونية ونفوذها داخل الاتحاد السوفييتي وإمكاناتها السياسية والإعلامية، ودون إنكار ذلك أو التقليل منه، فإن سؤالنا هو: كيف تأتى (ومن أين) للسوفييت وعلمائهم، أو لأي قوة أخرى، أن يتجاهلوا العرب وتاريخهم العريق كأحدي الأمم القديمة، رغم التخلف الذي تسبب به الاحتلال العثماني والاستعمار الأوروبي؟ وربما بوسعنا أن نسوق السؤال على سبيل المقارن، النحو التالي: هل كان بمقدور السوفييت تجاهل الأمة الصينية أو الهندية، على سبيل المثال؟

(5)

حق تقرير المصير

يكمن أحد جذور الخطأ السوفييتي في موقفه من تقسيم فلسطين في تفسير مبدأ تقرير المصير كما طرحه لينين. فموقف لينين في دعم كفاح الشعوب المستعمَرة وحقها في تقرير مصيرها واضح وجلي. ولا يقل موقف البلاشفة من اليهود والمسألة اليهودية والصهيونية وضوحاً. هذا بالإضافة إلى أن القانون الدولي، إن جاز لنا أن نناقش الحجة من هذا المنظور، يجعل حق تقرير المصير حصراً على الشعب الأصلي الذي كان يسكن فلسطين لقرون طويلة وليس للمستوطنين الذي غزوها في ظل تآمر وتواطؤ الاستعمار البريطاني ودعمه للهجرة اليهودية. إضافة إلى أن ميثاق هيئة الأمم المتحدة لا يعطي الجمعية العامة أو مجلس الأمن حق تقرير المصير بعد تقسيم البلدان المستعمَرة ومنح المستوطنين الصهاينة “دولة” يقررون فيها مصيرهم السياسي “والقومي”.

أ) السوفييت ودعم حق “تقرير المصير اليهودي”

لقد شكّل ادعاء الحركة الصهيونية، ولاحقاً الكيان الصهيوني، بما يُسمى حق “تقرير المصير اليهودي”، أساساً للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين ولإنكار حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ولكن هذا الادعاء يتناقض مع وقائع التاريخ، وليس في السجل التاريخي للحركة الصهيونية، ما يثبت الدعوة إلى هذا “الحق” أو استخدامه. فأيديولوجيو الحركة الصهيونية، لم يطرحوا “حق تقرير المصير لليهود” في إطار مشروعهم في استيطان فلسطين، ولكنهم سعوا بدلاً من ذلك إلى نزع الشرعية عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وصولاً إلى إقرار الكيان الصهيوني ل”قانون الدولة القومية” لعام 2018.[3]

وفي هذا الصدد نشير إلى أطروحة جوزيف مسعد التي تقول “من المهم أن نلاحظ في هذا الصدد أنه على عكس الاستخدام الأحدث والمتزايد من قبل الصهاينة لمفهوم تقرير المصير اليهودي، لا كتابات هرتسل ولا المؤتمر الصهيوني الأول لعام 1897 ولا وعد بلفور لعام 1917 ولا الانتداب على فلسطين لعام 1922، استخدمت لغة “الحقوق”، ناهيك عن حق تقرير المصير. أمّا برنامج بِلتمور الصهيوني لعام 1942، فقد تحدث عن حق اليهود في “الهجرة والاستيطان في فلسطين” ولكن ليس حق تقرير المصير. وحتى ما يُسمى “إعلان الاستقلال” الصهيوني لعام 1948 عند قيام الكيان الصهيوني، فقد ذكر، كما هو الحال في برنامج بِلتمور، الحق اليهودي في فلسطين، لكنه لم يذكر حق اليهود في تقرير المصير على الإطلاق.”[4]

ب) السوفييت وإنكار حق تقرير المصير للفلسطينيين

لم يولي السوفييت اهتماماً لمطالبة الشعب الفلسطيني بحقهم في أرضهم وتقرير مصيرهم عليها. فعلى خلاف الادعاءات الصهيونية، أصرّ الشعب الفلسطيني تاريخياً على المطالبة بحقه في فلسطين وفي تقرير مصيره عليها. لذلك نرى أن الصهاينة عمدوا دوماً إلى نزع الشرعية عن حق الفلسطينيين الأصليين في ذلك، مثلهم مثل المستعمرات الاستيطانية البيضاء التي أنكرت أن سكّان البلدان المستعمَرة يشكلون “شعباً” أو “أمة” وأنها يتمتعون بالحق في تقرير مصيرهم.

على النقيض من الغياب الملحوظ لمطالبة الصهاينة بالحق في تقرير المصير في الوثائق الصهيونية، فإن هذا الحق كان دوماً مطلباً رئيسياً للفلسطينيين، وهي حقيقة معروفة باعتراف الصهاينة أنفسهم. ففي عام 1924، أشار دافيد بن غوريون صراحةً: “للجالية العربية في الوطن حق تقرير المصير والحكم الذاتي.. الاستقلال الوطني الذي نطالب به لأنفسنا نطالب به للعرب أيضاً. لكننا لا نعترف بحقهم في حكم البلاد إلى الحد الذي لا يبنون فيه البلد ولا يزال ينتظر مَنْ سيعمل عليه. ليس لديهم أي حق أو مطالبة بمنع أو السيطرة على بناء البلد، وترميم أنقاضها، وإنتاج مواردها، وتوسيع مساحتها المزروعة، وتطوير ثقافتها، ونمو مجتمعها الكادح”.[5]

(6)

استثمار المحرقة

أ) من بين الحجج التي استخدمها السوفييت لتبرير منح المستوطنين الصهاينة “دولة” في فلسطين، كانت حجة تعويض اليهود عن الاضطهاد الذي تعرضوا له في المجتمعات الأوروبية من جرّاء المحرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية. بعبارة أخرى، يتوجب على الشعب الفلسطيني أن يدفع وطنه وأرضه ثمناً لجرائم النازية. وفي هذا تناسى السوفييت ما يعرفونه، من أن الحركة الصهيونية كانت قد أعلنت صراحةً عن مشروعها ومخططاتها لاستيطان فلسطين بعقود طويلة قبل المحرقة النازية ومنذ مؤتمرها التأسيسي عام 1897.

ب) كذلك تناسى السوفييت علاقة الحركة الصهيونية بالنازية الألمانية والفاشية الإيطالية وتواطؤها معهما من أجل الدفع بالمهاجرين اليهود إلى فلسطين هرباً من جرائم النازية.[6] (انظر ملحق: “الصهيونية والنازية”). فالادعاءات الصهيونية عن معاناة وعذابات اليهود في فترة ما بين الحربين، لم تصرف الحركة الصهيونية عن هدفها الرئيسي، ألا وهو تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين. بل على العكس، عملت الحركة الصهيونية “مع كل الأطراف، بمن فيهم النازيون أنفسهم، على توظيف تلك العذابات كي يجد أصحابها في النهاية أن طريق النجاة الوحيد المفتوح أمامهم ينتهي في القدس، لا في أيّ مكان آخر”.[7]

من الجليّ أنّ الحركة الصهيونية كانت تخشى دائماً من أيّ حلّ لمسألة اللاجئين اليهود لا يدعو ولا يعمل على هجرتهم إلى فلسطين، إذ إنه في حال قبول دول أخرى (مثل بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة) للاجئين اليهود من ألمانيا أو بولندا، فما الداعي عندها لوجود دولة يهودية في فلسطين؟ ولذلك بذلت الأذرع الصهيونيّة جهوداً هائلة لدى حكومات الغرب طوال فترة الحكم النازي لمنع قبول اللاجئين اليهود، واعتبرت «مؤتمر ايفيان» في عام 1938 الذي دعا إليه الرئيس الأميركيّ فرانكلين روزفلت لمناقشة أوضاع اللاجئين اليهود، بمثابة تهديد حاسم للمشروع الصهيوني. وفي تأكيده على تواطؤ الحركة الصهيونية، يقول توني غرينستاين في كتابه “الصهيونيّة أثناء الهولوكوست”، إنّ مؤتمر بِلتمور الصهيوني (مايو 1942)، الذي صيغت فيه للمرة الأولى المطالبة باعتراف العالم بدولة يهوديّة في فلسطين، لم يرد فيه أيّ ذكر لمحنة يهود أوروبا، لا الضحايا، ولا اللاجئين. ولم يُطرح الموضوع أصلاً للنقاش.[8]

في هذا السياق، نسوق اقتباساً مشهوراً عن بن غوريون من 9 كانون الأول (ديسمبر) 1938، قاله في خطاب ألقاه أمام “حزب عمال أرض إسرائيل” بعد شهر على “ليلة الكريستال”، وهي مذبحة نازية في ألمانيا قُتل فيها ما يقرب من 100 يهودي وأُحرق كل كنيس يهودي في البلاد تقريباً وتم نقل ثلاثين ألف يهودي إلى معسكرات الاعتقال. جاء في هذا الاقتباس: “إذا كنتُ أعرف أنه سيكون من الممكن إنقاذ جميع الأطفال اليهود في ألمانيا من خلال إحضارهم إلى إنكلترا، ونصفهم فقط عن طريق نقلهم إلى أرض إسرائيل، فسأختار البديل الثاني، لأننا يجب أن نفكّر ليس فقط بحياة هؤلاء الأطفال، ولكن بالأهم: تاريخ شعب إسرائيل”. “تصفيق.”[9]

(7)

وهم “إسرائيل الاشتراكية”

ذكرنا في أكثر من مكان أن السوفييت نظروا إلى شعوبنا على أنها شعوب متخلفة، وإلى اليهود الصهاينة على أنهم “متقدمون” و”تقدميون” ومرشحون لنشر الأفكار الاشتراكية وبناء مجتمع اشتراكي في الكيان الصهيوني، ولم يعنيهم أن يقوم هذا الكيان على احتلال واستيطان وطن شعبٍ آخر. وتشير الدلائل إلى أن هذه النظرة كانت في خلفية الرؤية السوفييتية لإستراتيجيتها ومصالحها، ما يؤكد أن السياسة السوفييتية وقعت في التوهم بإمكانية زرع دولة تتبنى الأفكار الاشتراكية في المشرق العربي، ولم يروا في هذه الدولة كياناً استيطانياً وظيفياً مرتبطاً بالمصالح الإمبريالية.ويبدو أنه كان على السوفييت الانتظار حتى مطلع خمسينيات القرن العشرين، كي يتبدد هذا الوهم في بناء “إسرائيل الاشتراكية”، حين اتضح لهم تحالف الكيان الصهيوني الناشئ مع الغرب الإمبريالي، وأنه مكون عضوي في الإمبريالية الغربية وكيان وظيفي في خدمتها كقاعدة متقدمة لمشروع المهيمنة الإمبريالية على مقدرات الوطن العربي. ثم جاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وما تلاه من تطورات لتلقي المزيد من الضوء على ارتباط الكيان الصهيوني بالإمبريالية الغربية. وهنا ينبري السؤال التالي: هل احتاجت القيادة السوفييتية في عهد ستالين وبعده لكل هذا الانتظار ليدركوا حقيقة المشروع الصهيوني؟ أمّا الإجابة فتظل برسم الاتحاد السوفييتي والأحزاب الشيوعية العربية.

(8)

الموقف السوفييتي ومشروع الهيمنة الإمبريالية

شهدت سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية ولادة الحرب الباردة واحتدام الخلافات بين المعسكرين: الاشتراكي والرأسمالي، ما أسس لعقود قادمة من الصراع بينهما. وعليه، ومن منظور الصراع بين هذين المعسكرين، فإن الموقف السوفييتي من قرار تقسيم فلسطين والاعتراف بالكيان الصهيوني الذي رافق هذه التطورات، يعبّر عن الإخفاق في فهم العلاقة العضوية والوظيفية بين الكيان الصهيوني والإمبريالية ومشروعها في الهيمنة على الوطن العربي وعلى العالم، وتحديداً العلاقة بين الصهيونية والإمبريالية الأميركية التي خلفت الاستعمار البريطاني لفلسطين بعد انسحاب قواته من فلسطين يوم 14 مايو 1948.

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
https://kanaanonline.org

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *