ميشيل شحادة: دعم المقاومة واجب وطني وقومي وتقدمي وديني

 ميشيل شحادة: دعم المقاومة واجب وطني وقومي وتقدمي وديني

ميشيل شحادة

ميشيل شحادة
المثقفون العرب الاحرار من كتاب وصحفيين ونخب سياسية واجتماعية من جميع المشارب، مطالبون اليوم أكثر من اي وقت مضى بدعم محور المقاومة، الذي يخطو خطوات مصيرية ثابتة باتجاه هزيمة المشروع الصهيوامريكي الغربي، الذي ابتلت به شعوبنا العربية، وخاصة في فلسطين ولبنان، وسوريا، واليمن، والعراق لعهود طويلة. هذا المشروع الاستعماري بدأ بالتهاوي والترنح امام ضربات ابطال المقاومة الاشاوس، الذين سطروا اروع آيات الردع العسكرية والأمنية ضد العدو الصهيوني، الذي بات مرتبكا حائرا ومرعوبا من تزايد قوة محور المقاومة، الذي أصبح أكثر ثقة ومبادرة، يحقق الانتصارات اليومية على جميع الصعد، ويؤسس لعهد جديد لا وجود للهزائم فيه.
كان التجزيء دوما سلاح الأعداء الأكثر ضعضعة لنا، والأكثر مضاء في يدهم لإيقافنا من تحقيق الاستقلال والسيادة، ولمنعنا من الاستفادة من ثرواتنا الطبيعية من اجل نهضة شعوبنا ومجتمعاتنا العربية. فتصبح الوحدة الحقيقية المقاومة الصلبة هي الرد المناسب لهزيمة خططهم، ودحرهم عن بلادنا مقهورين، يجرون خيبات الامل كما فعل الفرنجة من قبلهم. والتجزئة ليست الانقسام القطري بموجب اتفاق سايكس بيكو المشؤوم فحسب، بل أيضا الانشقاقات والفتن الداخلية الدينية والاثنية والعرقية والأيديولوجية التي يثيرها الأعداء بيننا لتصبح نزيفا داخليا قاتلا، بالإضافة الى التزييف والتشويه الذي بات ينخر نخاع وعينا العربي وكينونتنا ومفاهيمنا وإدراكنا لنفسنا ولموقعنا في هذا العالم.
وفي قلب هذه الوحدة يقع الاتفاق الاستراتيجي على مركزية القضية الفلسطينية، واعتماد الكفاح المسلَّح وسيلة للوصول إلى التحرير الكامل، وإزالة الكيان الصهيوني بشكل نهائي من ارضنا. وترتكز هذه الوحدة على استراتيجية المقاومة المتشابكة، العابرة للأقطار والاثنيات والعرق والدين والايديولوجيا. استراتيجية متشربة من كل المنابع الفكرية الثورية الجذرية المقاومة، اليسارية، والقومية، والدينية المناهضة للإمبريالية والصهيونية. لذلك، على النخب المثقفة المشتبكة ان تضاعف من مجهودها وعطاءها لإغناء ثقافة المقاومة، وتحويلها الى حقل معرفي متكامل يعتمد العقل والعلم والتجربة وسيلةً، ونشر مفاهيمه وقيمه بين الجماهير. والتأكد من ان تصبح هذه الثقافة هي السردية السائدة، الكاسحة في اندفاعها الجارف، وهجومها الساحق، السرديات الغربية الليبرالية المخادعة، وجعل ثقافة المقاومة وممارستها نمط حياة يومي للأغلبية الساحقة من جماهير امتنا العربية.
اننا ندرك ان هذا ليس سهلا نتيجة لشراسة الهجوم التجزيئي/التفريقي الذي ينتهجه العدو، وللإمكانيات الضخمة التي يسخرها لذلك، ولطول الحقبة الزمنية التي عانت فيها جماهيرنا العربية، ولا زالت، من عنف هذه الهجمة على المفاهيم والوعي التحرري والسيادي العربي. ولكننا قادرين على ذلك، إذا ما حسمنا امرنا، واخذنا القرار السياسي بالتقدم، خصوصا في هذه المرحلة، التي يعاني فيها اعدائنا من أسباب الترهل والتراجع والارتباك، مقابل تصاعد القوى المناوئة لهم عالميا. بحيث نبدأ بتشكيل هوية مقاومة تتغلب على كل أسباب التجزئة، تجمع كل شرائح وفئات الشعب مهما كانت خلفيتهم، على عقيدة راسخة قوية مترابطة مع الروح، بالإيمان القاطع الذي لا يشوبه أي شك، في القدرة على هزيمة الكيان الصهيوني، وتفكيكه وازالته بشكل تام من منطقتنا العربية. وأيضا الى فهم ووعي وأدراك عميق لا يتزعزع، بان الصراع في جذوره هو صراع وجودي ضد المشروع الصهيوني الغربي لا مكان للمساومة فيه.
وتاريخنا مليء بالدروس بأن القيادات السياسية التي أصبح لديها شك بهاتين القضيتين انتهت في أحضان الأعداء، كما حصل لقيادات اوسلوا البائسة. فالإمبريالية الغربية، ووليدها الكيان الصهيوني الزائل، الذي تسعى الولايات المتحدة لجعله سيدًا مسيطرا على منطقتنا وشرطيًّا حاكما عليها، لا يفسحا مجالا للمساومة او التفاوض على استمرار هيمنتهما ومصالحهما وسيطرتهما، فالصراع معهما هو صراع وجودي، لن يكون به الا رابحا واحد، هما او نحن! فيصبح الاتحاد على هذا الأساس دفاعا عن النفس عن ومستقبل أبنائنا بالعيش بكرامة وعزة في وطننا العربي. والا بقينا مشتتين ضعفاء، مهمشين تابعين، نعاني من عقدة النقص والدونية، نجر خيبات الامل، نحاول الهجرة والرحيل عن اوطاننا المريضة، علنا نجد مكانا في الغربة الباردة لائقا بنا ونفشل، لأنه لا بديلا حقيقيا للإنسان الا العيش بكرامة في وطنه.
الشرط اللازم للنجاح الوحدة الجدلية بين القول والفعل، بين الفكر والممارسة، والتفاعل المستمر بينهما في ميدان المواجهة. فحركة الواقع لا تتوقف، تتغير وتتبدل باستمرار لا تمام لها او اكتمال. مهمة المثقف المشتبك هي اختبار الفكر والنظريات في ميادين المقاومة والمواجهة بشكل دائم. فالمعرفة ليست قضية جامدة بحتة، بل هي تطبيق وممارسة على الأرض بشكل جدلي، واختبار مدى صحة الأفكار والمفاهيم والمقولات، ومدى مناسبتها وصلاحيتها وفاعليتها لتحقيق الأهداف المرجوة في اللحظة التاريخية المعينة. فالعملية ليست لتفسير الواقع وفهمه وقولبته ووضعه على الرف، بل في تحويل الفهم الى ممارسة تصبح قوة مادية حقيقية فاعلة لتغيير هذا الواقع بالاتجاه المطلوب.

نحن نواجه مشروع استعماري قوي خطير يستهدف كل الامة العربية ومقاومتها. ومهمة “التشبيك” بين جميع التيارات اليسارية والقومية والدينية من اجل تحرير فلسطين، ومكافحة الامبريالية، أصبحت ضرورة قصوى لا تحتمل التأجيل. “التشبيك” مقابل التقوقع الأيديولوجي العدمي المنعزل عن الواقع والحياة الذي لا يخدم سوى الأعداء. “التشبيك” لتوحيد الجهود من اجل حسم التناقض التناحري الاساس ضد العدو الخارجي وادواته المحلية العميلة، وتجنب المعارك الهامشية الثانوية، التي تستنزف قوانا وطاقاتنا في عراكات عبثية بين أطراف الخندق الواحد، التي تختلف بالرؤية الأيديولوجية، لكنها تلتقي باستراتيجية مواجهة الاستعمار الخارجي. وفي عمق حساباتنا نأخذ في الحسبان مصالح الطبقات الشعبية المضطهدة من الزمر المسيطرة المرتبطة طبقيا وعضويا مع الاستعمار.
ان عالم اليوم يمر بمنعطفات مصيرية، بحيث يلوح في الأفق معالم نظام عالمي جديد لا يعتمد الأيديولوجيا، بل المصالح القومية. هذا لا يعني ان الأيديولوجيا باتت هامشية، بالعكس تماما، فهي في حالات الصراع الحاد تصبح أكثر الحاحية والزامية. ولكن الايدولوجيا التي لا تنسج تحالفات جبهوية مع القوى الأخرى، على برامج وطنية بعيدة عن الحسابات الضيقة، وتشتبك بقوة بتجميع الصفوف على أساس المقاومة والمواجهة الميدانية مع الأعداء، والتي تبقى اسيرة رؤيتها الضيقة المتكلسة خارج الواقع، تعادي وتقصي من لا يتوافق معها، تصبح عبئا على المقاومة. فهذه الأيديولوجيا تحمل في طياتها آفات مرضية خطيرة كالعدمية والانتهازية والطفولية والتطرف والنرجسية المقيتة، وكل أسباب الهزيمة والاستسلام والتجزئة.
ان محور المقاومة الذي يجهد لصد الهجمة الصهيوأمريكية الغربية الشرسة وافشال مخططاتها وبرامجها في الإقليم، هو عنصر اصيل في النضال العالمي للتحرر من الاستعمار الغربي واذنابه من الرجعية العربية، خصوصا الانظمة المطبعة مع العدو الصهيوني العنصري. هذا المحور اتى نتيجة طبيعية للمقاومة التاريخية لامتنا العربية، وامتدادا عضويا لتراثها الغني في مكافحة الاستعمار الأوروبي القديم، وحاليا بقيادة الامبريالية الامريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فأفكار المقاومة ومفاهيمها اليوم هي عصارة هذه التجربة التاريخية الطويلة، وحصيلة لتراث المواجهة مع هذا العدو الغربي الغاشم. هذه هي اللحظة المناسبة تاريخيا للبدء برص الصفوف وتوسيع حاضنات المقاومة الشعبية، والعمل على التموضع في المواقع الصحيحة، المتماشية مع حركة التاريخ، لحجز مكانا لائقا بنا في المستقبل. فيصبح دعم المقاومة واجبا وطنيا، وقوميا، ويساريا، ودينيا.
كاتب فلسطيني

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *