مقدمات في التنمية: اقتصاد الطبقة

 مقدمات في التنمية: اقتصاد الطبقة

د. عادل سماره

من دفتر المفاهيم

(التالية بعض من ورقة بعنوان “مقدمات في التنمية” نشرت في مجلة كنعان كنعان العدد 148 شباط 2012، ولاحقاً في نشرة كنعان الإلكترونية في الأعداد 2542، 2543، 2544 و2545

ملاحظة: على ضوء فشل أو إفشال إنتفاضة 1987 في الأرض المحتلة 1967 وعدم تضمينها بعداً تنمويا/إنتفاضة تنموية، وتكرار ذلك في لبنان الم.ق.ا.و.م.ة حيث غاب الاهتمام التنموي، أرى من المناسب الكتابة في هذا لا سيما وأن كثيرا من المثقفين الجيدين كانوا يمارسون التطريب لا النقد”.

اقتصاد الطبقة

تزعم البرجوازية دائماً أنها تمثل المجتمع بأسره، وهذا مأخوذ على أية حال من الزعم المشوه والتضليلي من قبل البرجوازية الأوروبية البيضاء (منذ دخلت الثورة الصناعية التي باضخم إنتاجها كان لا بد لها أن تحتل اسواق العالم). فكان لا بد لها أن تزعم أن أوروبا تمثل كل العالم وأن ما ينطبق عليها وفيها ينطبق على العالم بأسره. أليست البرجوازية في بلدان المحيط صدىً ونسخة مسودة للبرجوازية في المركز؟

ولكن الحقيقة وراء زعمها هذا معاكسة له. فالبرجوازية تمثل مصالحها وتُخضع مصالح الطبقات الشعبية لهذه المصالح، وكل هذا عبر عملية الاستغلال الاقتصادي الذي تتم تغطيته بخطاب بليغ عن الوطن والمصلحة القومية وتطوير الاقتصاد والنمو والتسابق مع الأمم الأخرى، والحرص على الاقتصاد وضرورة الاستقرار واحترام القانون والنظام وإطاعة أولي الأمر…الخ. وهذه جميعاً تلخص في مسالة مركزية هي مصلحة البرجوازية في الاستمرار في السلطة والملكية الخاصة.

ليس صحيحاً أن ما يسمى الاقتصاد الوطني هو لكل الناس. هو درجات من الملكية ودرجات من الاستغلال، وطالما هو درجات، فهو لا يعبِّر عن المساواة قط. وقد يكون قياس معدل النمو ومتوسط دخل الفرد هو أكثر اساليب التزييف في هذا المستوى، وهو نفسه إذا ما أحسننا قراءته يكشف لنا زيف وتزييف هذا الادعاء.

فحين يقولون أن متوسط دخل الفرد في مجتمع معين هو 10،000 دولار في السنة، فهذا يعني أن كل فرد يحصل بالتساوي على هذا المقدار. وفي حقيقة الأمر فإن نسبة من المجتمع قد لا تصل 5% من عدد السكان تحصل على الملايين، ونسبة تصل إلى 40% لا تحصل على أكثر من دولارين في اليوم. فهل اقتصاد هؤلاء وأولئك واحداُ؟؟

إن نفس الإحصائيات التي تتحدث عن متوسط دخل الفرد تقول كذلك أن نسبة الذين تحت خط الفقر هي 30 أو 40 بالمئة من المجتمع. كيف يحصل هذا؟ والأهم: كيف نقرأ هذا الرقم وذاك الرقم دون أن نرى التناقض بينهما؟ أن التقاط التناقض في هذا المثال هو التطبيق الفعلي للتفكير النقدي والنقد المشتبك.

ملخص القول أن الحديث العام عن الاقتصاد الوطني هو حديث وإقرار بالهيمنة الاقتصادية للبرجوازية. فلكل طبقة اقتصادها الذي هو احد اسس تسميتها طبقة.

إن قراءة دقيقة للمادية التاريخية وخاصة الصراع الطبقي تؤكد لنا أن الطبقات في صراع يقوم اساساً على تناقض المصالح المادية، على رفض الطبقات الشعبية لما يقع عليها من استغلال ومصادرة القيمة الزائدة، ويبين لنا، بأن المشروع السياسي للطبقات الشعبية هو تغيير الواقع واستعادة حقوقها في ما تنتجه قوة عملها. لا يكون هناك اقتصادا وطنيا عاما إلا في حالة استثنائية واخرى بعيدة:

• الحالة الاستثنائية وهي وقوع البلد أمام تحدي كيانها، وما يسميه البعض تهديد الهوية، أو تهديد الوجود كما هو حال الفلسطينيين. وهذا الأمر الذي طالما استغلته البرجوازيات الغربية الاستعمارية في مشروعها الاستعماري وهو تهديد مزعزم لأنها احتربت مع بعضها تنافساً على المشروع الاستعماري الذي لم يتوقف ولن يتوقف إلا بانهيار النظام الرأسمالي ونفيه.

• والحالة الإنسانية المتقدمة أي إلغاء الطبقات في النظام الاشتراكي كمقدمة إلى الشيوعية.

ومن هنا أهمية التنمية بالحماية الشعبية أي بناء اقتصاد الطبقات الشعبية وتحريره ولو تدريجيا من هيمنة اقتصاد الطبقة البرجوازية. وهذا لا يتأتى بدون مشروع تنموي.

اقتصاد الحزب

يبقى المشروع التنموي بما هو مشروع إنتاجي غير مستقر ولا ثابت ما لم يكن له حاملاً سياسياً منظماً. والحامل السياسي هو حامل اجتماعي اساساً، وهذا يلتقي مع المبدأ الأساسي للتنمية. إنه في تطوره الأعلى الحزب السياسي الشعبي الذي يمثل الأغلبية الشعبية والذي تبنيه هذه الأغلبية ليخدمها وتحميه تماماً بموجب مشروع التنمية بالحماية الشعبية. وهو المشروع الذي إن لم يأخذ فرصة التحقق وطنيا/قومياًُ يجب أن يأخذ فرصة التحقق حزبياً في اقتصاد الحزب. .

والحامل السياسي للتنمية ليس مجرد تراكم اعضاء ومراتبية. بل بنية متفاعلة تبادلياً أفقيا وعامودياً لأن التنمية عمل وإنتاج على اساس تعاوني في الحد الأدنى. وبهذه البنية وطبيعة هذه البنية يتكون اقتصاد الحزب السياسي الذي يتحول إلى خلية مجتمعية نموذجية تعتمد على ذاتها.

لن يكون الحزب السياسي مثالاً يُحتذى ما لم يكن قادراً على كفاية نفسه. فحينما يرتهن الحزب معيشياً للدولة أو المساعدات الأجنبية او تمويل الأنجزة لا يمكن أن يقيم تنمية حقيقية لأنه سيكون مرهوناً لتلك المصادر.

بما أن الحزب السياسي فريق/فرق من الناس لديها عقيدة ورؤية لليوم والمستقبل، فلا بد أن يكون له ذلك الانسجام الداخلي الذي يؤصل روح العمل والتضحية ومن ضمنها التنمية.

ليس غريباً أن التبعية الاقتصادية تقود إلى التبعية السياسية ومن ثم الفكرية والبرنامجية. وإذا كان هذا ينطبق على الدول والأفراد فهو منطبق لا محالة على الحركة السياسية. وما لم تعتمد الحركة السياسية على نفسها، فإنها لا شك سوف تُفرغ من شحنتها الثورية وانتمائها للتغيير وحمل مشروعه بالطبع.

_________

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *