الدكتورة حسناء نصر الحسين
استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس أوكرانيا زيلينسكي في المكتب البيضاوي على أمل الوصول إلى اتفاق يقضي بتوقيع اتفاقية المعادن النادرة في أوكرانيا وكان ترامب وعدة مسؤولين في البيت الأبيض خلال الأيام السابقة يؤكدون أن الاخير وافق على توقيع هذه الاتفاقية التي ستتم يوم الجمعة.
الا ان الاجتماع الذي استمر خمسون دقيقة كان كافيا ليعبر عن الخلافات الكبيرة واختلاف الرؤى بين طرفي الاجتماع، ترامب الذي يرى نفسه الداعم الأول لاوكرانيا في حربها مع روسيا وان لولا دعم بلاده العسكري والاستخباراتي لما صمدت أوكرانيا اسبوعين في حربها لمدة أسبوعين، أما زيلنسكي الذي أتى إلى واشنطن حاملاً معه الرؤى والمخاوف الغربية ومعبراً عنها عمل جاهدا على انتزاع ضمانات أمنية تسبق قبوله التوقيع على اتفاقية المعادن ، مما أدى إلى توتر فشلت الدبلوماسية السياسية أن تخفيه أمام المصالح الاستراتيجية الكبرى وهذا الخلاف وتضارب المصالح بين معسكرين اختار الرئيس ترامب أن يتموضع في هذه المفاوضات بجانب المعسكر الروسي في وجه المعسكر الغربي الذي ينظر اليه ترامب على انه معسكر مستهلك للمال الامريكي وانه بعد ثلاث سنوات من دعمه للحرب الاوكرانية مع روسيا فشل في تحقيق أي انتصارات على الروس بل روسيا منتصرة في هذه الحرب واستطاعت بسط نفوذها على مساحات واسعة من أوكرانيا، من هنا جاء حديث ترامب مع زيلنسكي بأنك لا تمتلك أي أوراق قوة ولست في موضع تستطيع فيه أن تطلب ضمانات أمنية او أن تلوح باستمرار الحرب.
من الواضح أن الرئيس ترامب استمر باجتماعه الثنائي مع زيلنسكي وهذا الاجتماع منقولا في بث مباشر رغم المشادات الكلامية، وكأن ترامب أراد استثمار غضب زيلنسكي وعدم قدرته على السيطرة على ردات فعله للرأي العام الأمريكي اولاً في محاولة منه لتعرية من سلفه ومن معه في الدولة العميقة لامريكا وفضح خياراتهم في هذه الحرب التي هددت العالم فعلا في أكثر من محطة نتيجة هذه السياسات الأمريكية الغربية بوقوع حرب عالمية ثالثة.
اما الهدف الثاني من استمرار نقل هذا الاجتماع نستطيع أن نستقرأه من مجرياته التي اتسمت بإذلال زيلنسكي المتبادل مابين ترامب ونائبه وفي هذا رسالة للغرب الذي خاض هذه الحرب ومستمر بها وما التصريحات الآتية من قبل وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي والقيادة السياسية لهذا الغرب وكلها تعبر عن وقوفها إلى جانب كييف وانها مستمرة بالدعم مع العلم ان الغرب يدرك تماما انه يستطيع إطالة أمدها لكنه لن يستطيع تغيير مجرياتها الميدانية دون دعم أمريكي ، هذا الدعم الذي سارع ترامب لايقافه وتخفيضه من خلال إيقاف شبكة الكهرباء الأمريكية في أوكرانيا وإيقاف عمل القمر الصناعي ستارلينك الذي يؤمن المعلومات الجوفضائية للجيش الاوكراني ، فور طرد زيلنسكي بعد أن رفض التوقيع على اتفاقية المعادن دون الوصول لاتفاقيات أمنية لاوكرانيا ليأتي الرد الامريكي وقع أو إرحل !
وهنا لا نستطيع الا ان نقول بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يراقب ما يحدث في المكتب البيضاوي من على شرفته ويقول الله ما أجمل هذا المنظر.
وفي الخلاصة :
دفعت أمريكا ومعها الغرب بكله للقيام بالكثير من الأعمال العدائية تجاه روسيا ونكث هذا الغرب في اتفاقية مينسك الموقعة عام ٢٠١٤م وجهدت هذه القوى لافتعال الأزمات المتعلقة بالأمن القومي الروسي وإنشاء المعامل البيولوجية على حدودها وعملت على إشعال الثورات الملونة التي جاءت بالمهرج زيلنسكي ليكون اليد الأمريكية الغربية التي تُضرب بها روسيا ليدفع الشعب الاوكراني أثمان عمالة رئيسه المهرج للغرب ليكون رئيساً ويحافظ على رئاسته ، والغرب اليوم وقع في فخ أفعاله مع وصول ترامب للبيت الأبيض والتغيير الكبير الحاصل في السياسة الخارجية الامريكية فهذا الرجل الذي بدأ أيامه الأولى بفتح الجبهات على الجميع محولاً كل حلفائه لدافعي ضرائب للخزانة الأمريكية ليبقى الحليف الأول من لديه صفقة .
أما بالنسبة لزيلنسكي سرعان ما خرجت أصوات من داخل مجلس النواب الاوكراني تطالب بعقد جلسة طارئة للبرلمان للمطالبة بعزله ولعل هذه الخواتيم الأكثر واقعية للمهرج الذي قاد بلده للدمار وأكثر الحاحا للداخل الاوكراني الذي قدم تضحيات كبيرة من خلال قبول قادته أن يرقصوا على خشبة مسرح زيلنسكي ، غير مدركين بأن خشبة مسرح المهرج تختلف عن خشبة مسرح النزاعات الدولية .
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق