لماذا لم يُفاجئنا إقدام نتنياهو على “تأديب” و”إذلال” وفد وزراء الخارجيّة العرب بمنعهم من دُخول رام الله؟ وكيف وصلنا كعرب إلى قاع القاع؟ ومَنْ المَسؤول؟

 لماذا لم يُفاجئنا إقدام نتنياهو على “تأديب” و”إذلال” وفد وزراء الخارجيّة العرب بمنعهم من دُخول رام الله؟ وكيف وصلنا كعرب إلى قاع القاع؟ ومَنْ المَسؤول؟

عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان
لم يُفاجئنا قرار سُلطة الاحتلال الإسرائيلي منع وصول أربعة وزراء خارجيّة عرب ثلاثة منهم من دُوَلٍ مُطبّعة، برئاسة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير خارجيّة السعوديّة، وعُضويّة السيّد أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربيّة إلى رام الله للقاء “الرئيس” الفِلسطيني محمود عبّاس، وتحت “ذريعة” “تنسيق” المَوقفين العربيّ والإسلاميّ قبل مُؤتمر سيعقد برئاسة كُل من فرنسا والسعوديّة في الأُمم المتحدة يوم 18 من شهر حزيران (يونيو) الحالي لبحث “حل الدّولتين”، ولكن ما فاجأنا هو ردّ الفِعل “المُعيب” للوزراء المُشاركين فيه وحُكوماتهم المُطبّعة خاصّة التي تُرفرف نجمة داوود في عواصمها، على هذه الإهانة، فقد جاءَ استِسلامًا منزوع الدّسم، ويُكرّر كلمات ممجوجة ومُملّة، حول انتهاك دولة الاحتلال للقوانين والاتّفاقات الدوليّة وخاصّة اتّفاق أوسلو سيء الذِّكر والسُّمعة.


نتنياهو أرادَ أنْ “يُؤدّب” وزراء الخارجيّة العرب وحُكوماتهم، ورئيس جامعتهم، ويُؤكّد لهم أنه غير مُهتم بهم وبخطوتهم التّطبيعيّة هذه، ولا بإقامة قنوات اتّصال مع دُولهم وحُكوماتهم، ولن تكون هُناك دولة فلسطينيّة، وأنّه هو “السيّد” الذي يحكم المِنطقة، ويُعيد رسم خرائط دُولها، ويَعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء من حُكّامها.
فكرة ذهاب هذا الوفد إلى رام الله في هذا التّوقيت الذي تتصاعد فيه حرب الإبادة وتتوسّع في قطاع غزة، مصحوبةً بالتّجويع، وحرق الأطفال وذويهم في خيامهم، يعني رفع رايات الاستِسلام، واستِجداء التّطبيع والرّضاء الإسرائيلي، فمدينة رام الله “عاصمة” دولة غير موجودة، حتّى على الورق، ورئيسها محمود عبّاس الذي لا يستطيع مُغادرة مكتبة إلّا بعد الحُصول على ضُوءٍ أخضر مِن مُجنّدة إسرائيليّة مُراهقة، ودليلنا أنّ هذه المُجنّدة المُراهقة، هي التي منعته من الذّهاب إلى العاصمة الأردنيّة عمّان، والاجتماع بالوفد ووزرائه فيها، وبالكاد سمحت له أنْ يُخاطبهم عبر الاتّصال المرئي، وبعد استِجداء ولعق الأحذية.
ثلاثة رؤساء أمريكيين (كلينتون، ترامب، بايدن) زاروا مُقاطعة عبّاس في رام الله، والمئات من وزراء الخارجيّة والسّفراء، وأن تتعمّد سُلطة الاحتلال منع هذا الوفد، فالهدف منه التّأكيد وبطريقةٍ مُتغطرسة أنّ تهويد الضفّة الغربيّة وضمّها قد تمّ رسميًّا، وإلقاء اتّفاق أوسلو ليس في سلّة المُهملات، بل صناديق القُمامة المُتعفّنة.
لم تجرؤ ثلاث دول مُطبّعة مُشاركة في هذا الوفد هي مِصر والبحرين والأردن، على الرّد بسحب حارسٍ واحد لسفارتها في تل أبيب، ولا نقول سفيرًا، أو قُنصلًا، واكتَفت بالشّكوى إلى “المُعلّم الأكبر” دونالد ترامب، وعقد الاجتماع “المُفبرك” في العاصمة الأردنيّة إنقاذًا لما تبقّى من ماءِ الوجه.
ترامب يحتقر كُل شيء اسمه عربي وإسلامي، ويُلبّي كُل مطالب نتنياهو حاكمه ورئيسه الفِعلي، ولم ولن يرفض له طلبًا، فكيف نتوقّع مِنه أن يكن أيّ احترام للنّواطير للعرب، وهو الذي تباهى بأنّه جمع منهم 5.1 تريليون دولار في أقل من ساعتين، ولم يَشكُرهُم بل “عايَرهم” بأنّ هذا المبلغ هو مُقابل حمايتهم، واستِمرار وجودهم وحُكوماتهم.
في الماضي العربي “الجميل والمُشرّف” عندما كانَ العرب عربًا، والمُسلمون مُسلمين، كانت دولة الاحتلال ترتعد خوفًا، وتستجدي أنْ تُصافح عربيًّا يقبل بالجُلوس معها في مُؤتمر أو حتّى ندوة، ثمّ تطوّر الأمر إلى مُصافحة، ومن ثمّ “اتّفاق سلام” تحت عُنوان الواقعيّة والعقلانيّة، والآن في زمن سلام أبراهام “المجيد” وبعد حرب الإبادة في غزة، وتدمير لبنان، ومُقاومته، وإسقاط الأنظمة في سورية، وليبيا، والعِراق، انقلبت الأوضاع، وبات “بقايا العرب” هُم الذين “يحكمون بها، ويطلبون ودّها، ويستجدون التّطبيع معها، وهي تتدلّل وتتمنّع، وتنظر إليهم باحتقارٍ ودونية، والاستثناء الوحيد هو اليمن وشعبه العظيم.


مَن يهن يَسهُل الهوان عليه، ولعلّ انحدار هذه الأُمّة إلى قاع القاع، قد يكون مُقدّمة لتغيير هذا الوضع المُؤسف والمُذِل، واجتثاث كُل هذه الأنظمة المُستسلمة فاقدة الإرادة، ودماء الحَياء في شرايينها، ونحنُ هُنا لا نحلم، ولا نُبالغ، فصاروخ فرط صوتي يمني واحد يدك تل أبيب ويُغلق مطارها، وعمليّة بُطوليّة واحدة للمُقاومة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة، وقريبًا في جنوب لبنان بإذنِ الله، كلّها مصدر ثقتنا وتفاؤلنا بهذه الأُمّة، وإرثها العقائديّ، وتاريخها الحافل بالانتِصارات والبُطولات والفُتوحات.
مَن يستجدون التّطبيع، ويهدرون ثروات الأُمّة وكرامتها، ويصطفّون مِثل تلاميذ الرّوضة أمام ترامب طالبين الرّضا والسّماح، ومُلبّيين كُلّ إملاءاته ومطالبه، هؤلاء لا يُمثّلوننا ولا أُمّتنا، ولا علاقة لهم بإرثنا التاريخيّ، وأيامهم باتت معدودة جدًّا، وقد يأتي الخير من باطِن الشّر.. والأيّام بيننا.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *