كيف سيثأر اليمن قيادة وشعبا لدماء رئيس وزرائه الشهيد الرهوي ورفاقه؟ ولماذا نجزم بأن نتنياهو ارتكب اكبر خطأ في حياته السياسية بفتح الجبهة اليمنية؟ ونذكره بما جاء بمذكرات الجنرال عبد الله فليبي مستشار الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة؟

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
عندما يعقد مجلس الوزراء الإسرائيلي اجتماعه الأسبوعي المقرر اليوم الاحد في مكان سري محصن جيدا خوفا من رد يمني على عملية اغتيال الشهيد احمد غالب الرهوي رئيس الوزراء ومجموعة من وفاقه بغارة جوية إسرائيلية، فهذا يكشف حالة الرعب التي تعيشها دولة الاحتلال وحتى قبل ان يبدأ الانتقام والثأر الذي بات حتميا وموسعا.
الخطأ الأكبر الذي ارتكبته حكومة بنيامين نتنياهو هو الغارات المتكررة التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على اهداف في صنعاء ومدن يمنية أخرى، في اعتراف مباشر بحجم الألم الذي تعانيه من جراء الهجمات الصاروخية الباليستية والمسيّرات على مدى 22 شهرا من الحرب على قطاع غزة التي وصلت الى العمق الإسرائيلي، وأحدثت خسائر مادية وبشرية ومعنوية هائلة جدا افقدت العدو صوابه واعصابه.
اليمن أصبح دولة مواجهة، واليمني لا يمكن ان يتردد في الانتقام والثأر لضحاياه، فهذه من شيمه، ويصبح هذا الانتقام مضاعفا عدة مرات عندما يكون المعتدي إسرائيليا، وهذا يعني ان الصواريخ اليمنية لن تتوقف حتى لو توقف العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة في قطاع غزة، فالثأر لدماء الشهداء “مقدس” ولن يتوقف حتى يتحقق ويشفي الغليل.
ما لا يعرفه الإسرائيليون، قادة ومستوطنون، ان المقاتل اليمني هو الأشجع من بين اقرانه في العالمين العربي والإسلامي، ولا ينام على ضيم حتى يثأر لدماء شهدائه، ولهذا تحول اليمن الى مقبرة الإمبراطورية والغزاة على مر التاريخ، ودولة الاحتلال الإسرائيلي لن تكون استثناء، ولهذا عندما يتوعد السيد مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى لحركة “انصار الله” بالانتقام لدماء، وارواح، رئيس مجلس الوزراء الرهوي ورفاقه، ويؤكد في خطابه الذي القاه بعد المجزرة انه “يعاهد الله العزيز، واسر الشهداء، والجرحى، بأننا سنأخذ بالثأر، وسنصنع من عمق الجراح النصر، وما حصل عليه العدو هو ضربة حظ”، فإن على الإسرائيليين بناء العديد من الملاجئ هربا من الصواريخ، وحفر المزيد من القبور لدفن الاعداد الكبيرة من القتلى من جراء الضربات القادمة.
لجوء نتنياهو وحكومته الى الاغتيالات “الاستعراضية” التي تستهدف مدنيين سعيا لتحقيق انتصارات “وهمية” لن يحقق أي من أهدافه، بل ما سيحدث هو العكس تماما، وخاصة عندما يكون اليمنيون هم الهدف والضحايا، والدليل ان جميع الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت صنعاء والحديدة ومدن يمنية أخرى لم تؤثر مطلقا بالمينيين حكومة وشعبا، بل زادتهم تصميم وصلابة على القتال، وتوسيع الحرب والهجمات على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، واغلاقه كليا في وجههم وتجارتهم، علاوة على قصف العمق الإسرائيلي بالصواريخ الفرط صوتية والمجهزة بالرؤوس الانشطارية التي هزت الكيان الصهيوني وارعبته.
فاذا كانت الولايات المتحدة الامريكية الدولة الأعظم في العالم قد رفعت رايات الاستسلام في البحر الأحمر بعد ان اعطبت الصواريخ اليمنية حاملات طائراتها وسفنها الحربية، واستنجدت بالوسطاء للتدخل للوصول الى اتفاق وقف اطلاق الصواريخ اليمنية، فان دولة الاحتلال الإسرائيلي ليست أقوى من أمريكا، ولن تؤدي غاراتها “البهلوانية” الى وقف الصواريخ اليمنية الا بعد رفع رايات الاستسلام والاعتراف بالهزيمة، فاغتيال ابطال المقاومة في القطاع لم يؤد الى ضعفها، بل ازدادها قوة وصلابة وصمودا، وتصعيد حجم الخسائر في صفوف العدو.
الصاروخ اليمني الفرط صوتي المزود برأس انشطاري الذي يحمل اسم “فلسطين 2” هو الذي أرعب الإسرائيليين وفض مضاجع قياداتهم، لانه شكل صدمة عسكرية ومعنوية لهم، بسبب اختراقه كل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ووصوله الى أهدافه، وتوسيع دائرة المعركة من خلال الصواريخ والقذائف المتفجرة التي انتشرت فيها، وأوقعت بالتالي خسائر بشرية، ومادية، ومعنوية عالية جدا، وهذا ما يفسر عقد اجتماعات الحكومة الإسرائيلية ومجلس حربها في أماكن سرية تحت الأرض على عمق أكثر من مئة متر، وعلينا ان نتذكر دائما ان “إسرائيل” لا تعلن اعداد قتلاها وحجم خسائرها.
عندما يخرج ملايين اليمنيين الى الشوارع في العاصمة صنعاء ومعظم المدن اليمنية الأخرى كل يوم جمعة في مظاهرات تضامن ودعم لأهلهم الذين يواجهون حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة، فإن هؤلاء سيخرجون الآن في مهمة مزدوجة، قديمة متصاعدة، وهي الثأر لدماء الشهيد احمد غالب الرهوي ورفاقه وكل اليمنيين الذين استشهدوا في الغارات الإسرائيلية الأخيرة.
كان يجب على نتنياهو وجنرالاته، العودة الى مذكرات الجنرال البريطاني “المتأسلم” عبد الله فليبي (جون فليبي) الذي عمل مستشارا للملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، وخاصة الفصل الذي تحدث فيه عن طلب الأخير من ابنيه الاميرين سعود وفيصل بالعودة فورا ووقف توغلهم وجيشهم في الأراضي اليمنية تجنبا للهزيمة والخسارة، وقال قولته الشهيرة “اليمن مقبرة الامبراطوريات”.
صدق السيد مهدي المشاط عندما خاطب قادة “إسرائيل” في خطابه امس السبت قائلا “تنتظركم أيام سوداء مما جنته أيدي حكومتكم القذرة الغادرة”، وترجمة هذا الكلام عمليا المزيد من الصواريخ والمسيّرات والعمليات العسكرية في البحرين الأبيض والاحمر “والعمق الإسرائيلي”، وربما في أماكن أخرى في المنطقة والعالم، ومثلما فوجئت إسرائيل بالصاروخ “فلسطين 2” الفرط صوتي والمزود بالرأس الانشطاري الذي لا تملكه الا الدول العظمة (بات اليمن احداها) ستفاجأ بصواريخ أخرى ربما أكثر ايلاما وقريبا جدا.. والأيام بيننا.