كيف استغلت إسرائيل تهمة “الإرهاب” لعقود من الزمن لخدمة مآربها الشخصية

واشنطن – سعيد عريقات
كتب جوش بول، المؤسس المشارك للجنة العمل السياسي “سياسة جديدة”، مقالاً نشره موقع ريسبونسيبل ستيتكرافت يوم الاثنين، بعنوان “كيف استغلت إسرائيل تهمة ’الإرهاب‘ لعقود من الزمن؟”،استهله قائلاً إن السمة المشتركة بين نشطاء حقوق الإنسان في تل أبيب وعمال الإغاثة الإنسانية في غزة وطلاب الجامعات في نيويورك، بحسب إسرائيل وشبكة نفوذها، هي مزاعم أن لهم جميعاً صلات بالإرهاب.
ورغم أن هذه الاتهامات غالباً ما تكون بلا أساس، بحسب الكاتب، فإنها تُستخدم في أحيان كثيرة لتشويه سمعة من يرفضون الانصياع لأوامر إسرائيل وتقويض مكانتهم.
ورغم أن هذا التكتيك شائع جداً اليوم، قد صادفه الكاتب لأول مرة أثناء خدمته مع منسق الأمن الأميركي في الضفة الغربية، عندما هدد نمط مماثل من الاتهامات والشكاوى من إسرائيل –كما هو موثق في تقرير لم يُكشف عنه سابقاً- بتدمير ما كان آنذاك عام 2008 “عملية سلام هشة في الضفة الغربية”. وغالباً ما يعمل منسق الأمن الأمريكي كوسيط غير رسمي بين قطاعي الأمن الإسرائيلي والفلسطيني. ورغم التقدم الكبير المحرز في توفير الأمن على الجانب الفلسطيني، كانت إسرائيل تماطل، مدعية انعدام الثقة في قوات الأمن الفلسطينية.
يقول الكاتب : “كانت الحجة الأساسية للإسرائيليين هي أن السلطة الفلسطينية لم تتخذ تحركات كافية ضد الأفراد الذين اتهمتهم إسرائيل بالإرهاب، وبالتالي لم تكن إسرائيل واثقة من الوفاء بالتزاماتها في المفاوضات –أي تقليص نقاط التفتيش ووجود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. وبذكائها المعهود في العلاقات العامة، جادلت إسرائيل، سراً وفي الصحافة، بأن نظام الأمن التابع للسلطة الفلسطينية ليس سوى “باب دوار”؛ إذ ستعتقل السلطة الفلسطينية من تزعم إسرائيل أنهم إرهابيون أو تربطهم صلات بالإرهابيين ثم تُفرج عنهم بسرعة”.
يشار إلى إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) آنذاك، ملتزمة بعملية المفاوضات بموجب خارطة الطريق للسلام، ولكن مع تهديد إسرائيل بوقف أي تقدم بناءً على مخاوفها، قررت الولايات المتحدة التدخل ومعالجة هذه المخاوف، وبصفة الكاتب مسؤولاً عن حوكمة قطاع الأمن الفلسطيني في مكتب المنسق الأمريكي، كُلف بقيادة دراسة حول مشكلة “الباب الدوار” المزعومة وأجرى مع زملائه، ومنهم ضابط شرطة بريطاني رفيع المستوى وضابط عسكري كندي، مراجعة شاملة لهذه الادعاءات وأعدوا تقريراً رسمياً عُرض على المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين ومجلس الأمن القومي الأميركي. ولم تُحقق تلك الدراسة، التي عُنونت رسمياً بـ”تقرير الباب الدوار في جنين”، نجاحاً يُذكر لأي من الأطراف المعنية. ورغم أن بعض السياق الذي تناولته الدراسة قد أصبح قديماً بعض الشيء، تظل بعض نتائجها الرئيسية ذات أهمية بالغة اليوم، بالنظر إلى الادعاءات التي أدت إلى إعداد التقرير والنمط الموازي الذي نراه اليوم، حيث تُوجِّه إسرائيل اتهامات بالإرهاب بحق أفراد ومنظمات تعتبرها خصوماً وتشتكي عندما لا تُتخذ تحركات بشأن هذه الاتهامات بما تراه إسرائيل كافياً، ثم تُوظِّف ادعاءاتها وشكاويها كجزء من استراتيجية علاقات عامة.
وقد خلص التقرير المذكور إلى وجود تحديات كثيرة على جميع الأطراف معالجتها. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني، خلص التقرير إلى أن “القانون الفلسطيني في بعض القضايا الحرجة غالباً ما يكون غامضاً ومتناقضاً أحياناً؛ فنظام العدالة الجنائية الفلسطيني مُثقل بالأعباء ويعاني من نقص الموارد”.
ولكن الأمر الأكثر صلة بالنمط الأوسع، والذي نراه اليوم، من اتهامات الحكومة الإسرائيلية ضعيفة المصدر وشكاوى الحكومة الإسرائيلية اللاحقة من التقاعس هو نتائج التقرير المتعلقة بنهج إسرائيل. إذ قال إن “العنصر الأخير الذي يجب مراعاته هنا هو الطريقة التي تنقل بها إسرائيل طلبات الاعتقال أو الاحتجاز أو غيرها من الإجراءات الأمنية إلى السلطة الفلسطينية، فالآلية الشائعة لذلك هي قيام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بتزويد عناصر من المؤسسة الأمنية الفلسطينية بـ’قوائم‘ بالأهداف (التي قد تكون أشخاصاً أو مؤسسات) و’الإجراءات المطلوبة‘، مثل الاعتقالات أو الإغلاق”.وتابع أن “هذه القوائم تفتقر عادة إلى أي دليل يثبت صحة الأهداف، وأظهرت المراجعات الفلسطينية للقوائم أن العديد منها غير دقيق أو قديم ويطلب، على سبيل المثال، احتجاز أشخاص متوفين؛ ولا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تعتقل الأشخاص وتحتجزهم إدارياً لمجرد أن إسرائيل تريد ذلك؛ فلديها إجراءات يجب عليها اتباعها، وهذه الإجراءات تتوافق، في معظمها، مع حقوق الإنسان الدولية وأفضل الممارسات القانونية”. وبالإضافة إلى التوصية باتخاذ خطوات لسد الفجوة بين أدلة الاستخبارات الإسرائيلية والحقائق الموثقة التي يمكن أن تفي بمعايير الأدلة، أوصى تقرير “الباب الدوار” بأن “على إسرائيل مراجعة ممارساتها الحالية في الاعتقال والاحتجاز بدقة لجعلها متوافقة مع القانون الدولي”، وهي توصية -كما قررت حكومة المملكة المتحدة في سبتمبر الماضي- لا تُطبّقها حتى يومنا هذا.
كما أشار التقرير أيضاً إلى مفارقة في تحديد إسرائيل للأهداف وشكاوى تقاعس أطراف ثالثة، نظراً لاستغلال نظام الاعتقال كأداة استخباراتية لخدمة المصالح الإسرائيلية: “فلا تُحاكم إسرائيل كل فلسطيني تعتقله ولا تحتجز لفترات طويلة كل فلسطيني تعتقله، بل تشكل الاعتقالات والاحتجازات جزءاً منتظماً من أنشطة جمع المعلومات الاستخبارية للحكومة الإسرائيلية، وغالباً ما يُعتقد أنها إجراءات استباقية أو رادعة أكثر منها رد فعل على تهديدات محددة؛ ولذلك، من منظور فلسطيني، غالباً ما يُنظر إلى إسرائيل، بغض النظر عن قانونية أفعالها في اعتقال واحتجاز الفلسطينيين، على أنها تتبع سياسة الباب الدوار”.
يقول الكاتب : “اليوم، نرى ادعاءات مماثلة تُستخدم ليس لعرقلة عملية السلام، بل لتقويض مصداقية أولئك الذين يُعربون عن قلقهم إزاء عنف إسرائيل بحق الفلسطينيين أو يحتجون عليه. ومن الأمثلة على ذلك إغلاق إسرائيل ست منظمات حقوق إنسان فلسطينية عام 2022 وسط مزاعم بأنها تعمل كواجهة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. فقد داهمت الحكومة الإسرائيلية مكاتب إحدى هذه المنظمات –الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- بعد يوم واحد من إبلاغ الولايات المتحدة إسرائيل بأنها وجدت تقرير الحركة عن اغتصاب طفل في مركز احتجاز إسرائيلي موثوقاً”.
وقد ردّت العديد من الحكومات الغربية بقطع جميع العلاقات مع هذه المنظمات، لتعيد تلك العلاقات بهدوء بعد عدة أشهر عندما فشلت إسرائيل في تقديم أي دليل دامغ على اتهاماتها. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق جهودها الأوسع لتقويض وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، عادت إسرائيل –وسط ضجة إعلامية كبيرة- لتتهم 108 من موظفي الأونروا في غزة بأنهم أعضاء في الجناح العسكري لحماس، كتائب عز الدين القسام. وحتى الآن، لم تتمكن إسرائيل من إثبات هذه الاتهامات، ورغم طلبات الأونروا بحسن نية أثناء إجرائها تحقيقاً، لم تقدم إسرائيل أي أدلة إضافية تدعم مزاعمها. والآن، واستمراراً لهذا النمط المثير للقلق والعبثي، شقت اتهامات مماثلة طريقها إلى النظام القانوني الأميركي.
وفي ملف قانوني قُدّم في أواخر آذار الماضي، اتهم ممثلو إسرائيل الأميركيون فرع جامعة كولومبيا لمنظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” بمعرفة مسبقة بهجوم حماس في 7 تشرين الأول 2025 . ويُعد هذا الاتهام –الذي يبدو أنه يستند إلى شهادة واحدة لأسير إسرائيلي حول ادعاء خاطفيه- غريباً بالنظر إلى أن حماس لم تُعطِ حتى إيران، راعيتها، تحذيراً تكتيكياً. فلماذا قد يُنبّه قادة حماس بعض طلاب الجامعات في نيويورك؟ وبغض النظر عن وجاهة الاتهام، فقد لحق الضرر بسمعة منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”.
ويختتم جوش بول، الذي استقال من وزارة الخارجية في شهر تشرين الأول 2023، احتجاجا على عدم انضباط الوزارة للقوانين الأميركية في إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، بالإشارة إلى أنه كما يُظهر العمل الذي أُجري في تقرير “الباب الدوار” فيما يتعلق بالادعاءات الإسرائيلية بالإرهاب، غالباً ما تكون الأدلة أقل مما يبدو. وفي المستقبل، ينبغي للمنظمات والأفراد الذين يواجهون ادعاءات إسرائيلية ضعيفة المصدر بصلاتهم بالإرهاب المطالبة بأدلة دامغة. وإذا لم تتمكن إسرائيل من تقديم هذه الأدلة أو لم ترغب في تقديمها، فيجب تجاهلها.
أكد البيت الأبيض بعد ظهر يوم الثلاثاء، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيزور المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة وقطر في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ توليه منصبه هذا العام.
وقالت كارولين ليفيت، الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض، إن الزيارة ستتم في الفترة من 13 إلى 16 أيار . وسيتوجه ترمب يوم الجمعة المقبل (25/4) إلى روما لحضور جنازة البابا فرانسيس، الذي توفي صباح الاثنين.