كنعان النشرة الإلكترونية السنة الثالثة والعشرون – العدد 6563
كنعان النشرة الإلكترونية
السنة الثالثة والعشرون – العدد 6563
12 حزيران (يونيو) 2023
في هذا العدد:
■ عادل سماره:
- يسارهم يميناً …هل تعرف حاييم هنجفي
- إحياء إمبراطورية رميماً…استثناء رسمي عربي
■ كلمة عبد الله حموده في تأبين المرحومة د. سلمى الخضراء الجيوسي
■ هل «اكتشف» كولومبوس أميركا حقّاً؟ سعيد محمد
■ الغرب يرفض السلام في أوكرانيا، تييري ميسان
✺ ✺ ✺
عادل سماره:
- يسارهم يميناً …هل تعرف حاييم هنجفي
- إحياء إمبراطورية رميماً…استثناء رسمي عربي
(1)
يسارهم يميناً …هل تعرف حاييم هنجفي
إن شئت معرفة مختصرة بعجز بنية عن توليد يسار تجدها في بنية المستوطنات الراسمالية البيضاء وخاصة الكيان وفي نطاق الحركات السياسية اليسارية حركة التروتسك تحديداً. حاييم هنجفي، كان من قادة أحد اربعة أجنحة في منظمة “ماتسبين” في الكيان لمعت في بداية ومنتصف السبعينات. وخاصة حينما كان اليسار الجديد، وضمنه التروتسك يلمع منافساً اليسار السوفييتي والماوية. ماتسبين أقامت علاقات مع اليسار في م.ت.ف بينما ركز الحزب الشيوعي راكاح علاقته مع الحزب الشيوعي (وكان مندمجا اردني فلسطيني) التيار السوفييتي. كانت أطروحة التروتسك “دولة اشتراكية في الشرق الأوسط”.شعار كان لامعا ومغرياً حينها وخاصة حين كنا ماركسيين حماسة لا عمقاً ، لندرك لاحقاً أن شعارهم يعني بقاء الكيان كما هو .
لعل اسوأ ما مر به جيلنا أننا عرفنا الفكر وخاصة الفكر متجلياً في السياسة ليس عبر تنظيم له رؤية واضحة ناضجة، بل كنا في خضم التجربة والخطأ، خبط عشواء حتى حتى كل بمفرده. مع بداية الثمانينات أخذت صورة ماتسبن في الوضوح التدريجي، أو أخذنا ننضج رؤية وتحليلاً. تمكن “اليسار” الصهيوني من إقامة وصل مع كثير من اليسار الفلسطيني وغير اليسار طبعاً. فاليمين اقام علاقات مع يسار ويمين الكيان.
في منتصف الثمانينات كان أحد قادة فرع ماتسبين في “تل أبيب” حايم هنجفي على تواصل مع فلسطينيين. وفي عام 1987 أجرى مقابلة مع الراحل محمود درويش في صحيفة “يديعوت أحرونوت/أخبار المساء” وفيها عبر درويش عن رغبة الفلسطينيين في السلام مع الكيان…الخ.
ترجمت ونشرت تلك المقابلة مجلة “المجلة” السعودية في لندن وكان رئيس تحريرها صالح القلاب من الأردن (لاحقاً أصبح وزير إعلام في الأردن).
التقط ناجي العلي المقابلة ورسم نقداً لها، شاركت أنا في ذلك وانتهى الأمر باغتيال ناجي العلي.
مع بداية التسعينات شاخت “ماتسبين” بفروعها الأربع وتفككت وخاصة الجناح التروتسكي حيث جرى تبادل الاتهامات بالتعاون مع مخابرات الكيان نفسه.
أخيراً، ها هو المغربي اليهودي حاييم هنجفي يزور المغرب هذه الأيام بصفته مستشار الأمن القومي للكيان.
في نقده للفيلسوف المثالي البريطاني الذي بدأ قسيساً وأصبح وجودياً ذاتياً أقرب للإلحاد لكنه لم يتغير فكتب فيه لينين: “وهكذا يعود القِسُّ قِسَّاً” ملاحظة: هذا الكتاب تكثيف لأطروحات ماتسبين.
(2)
إحياء إمبراطورية رميماً…استثناء رسمي عربي
حتى اليوم، لن تعد اية إمبراطورية للصعود بعد انهيارها، قد تأخذ الدولة القومية مكانها في بلدها الأم، اي اليونان مكان اليونان القديمة وإيطاليا مكان روما، وبريطانيا مكان إمبراطوريتها وفرنسا كذلك…الخ، لكن أن تعود أيّأً منها مجدداً وبنفس المعدات وفي عصر آخر، فهذا أمر مثير للسخرية الممتعة.
هذا ما يحاوله أردوغان لإعادة العثمانية التي بخلاف كافة الإمبراطوريات لم تولد حضارة بل كانت إمبراطورية حربية ومجتمع حربوي Warior Society ولأنها بقيت حتى انتقل العالم إلى الرأسمالية، فكان لها أن تتفكك وحتى أن تطلق النار على الإسلام الذي كان مبرر استعمارها للوطن العربي وبالتالي تمطيط عمرها فلا هي تعرَّبت ولا بقيت مقرا للخلافة التي اغتصبتها.
واليوم، يستعيد أردوغان ذلك الحلم العتيق فأين يمكن أن يتحقق!
بالمفهوم العلمي والتاريخي كلا. ولكن بمفهوم طبيعة الأنظمة العربية التي حولت هذه الأمة إلى 22 كيان يجري لجم تطوره وتخريبه والتي لعبت وستلعب دور إمبريالية على الأمة نفسها، فربما يتحول بعضها إلى مطية للعثماني فيحقق إمبراطورية ولو في أصغر منزلة عشرية.
قد يقول البعض بأن الصين تستعيد إمبراطوريتها.
هذا أمر قيد الزمن والتطورات، مع العلم أن المعدات التي تستخدمها الصين هي في روح العصر، كما أن الصين لم تكن إمبراطورية استعمارية بل مكتفية بذاتها علاوة على أن أيديولوجيتها الحالية ليست ذات توجه استعماري إمبراطوري. هل ستتغلب الاشتراكية على الراسمالية فيها؟ هذا ليس فقط ما سنراه: بل هذا ما يجب على الثلاثي الثوري الاشتراكي في العالم أن يتحالف من اجله، اي من أجل عالم اشتراكي وهي: الشيوعيون في الصين والغرب والمحيط. وبذا تتكرر أممية لا إمبراطورية.
هذا مع وجوب الانتباه بأن اي كاتب يمدح الصين وفقط هو خائن لوعيك، هو يكذب. لا بد من تقديم كامل الصورة للناس لأن الكاتب لا يكتب تهويماته ولا رسالة عشق لحبيبته.
✺ ✺ ✺
كلمة عبد الله حموده في تأبين المرحومة
الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي
ممثلاً عن لجنة التأبين
أسعدتم مساءً
تحوم روح الدكتورة سلمى فوق رؤوسنا في هذه القاعة لتقول لنا أن الإرادة تحقق الإنجازات الكبيرة وتسحق المستحيل. وهي أنجزت وحققت ما ترونه من كتب وموسوعات وأبحاث وترجمات وشعر.
الموت هو حقيقة الوجود الكبرى. يختلف الناس فيما بعده لا فيه، وهو يختبئ تحت الوسائد وفي أكمام الملابس، بل في التنفس، ولن يقهره أحد.
تستطيع الأمة أن تقهر الموت بالفن. وتتقدم طليعتها الموهوبة لتبدع لها نظام أمجادها ونظم كلماتها، وحيث يولد فنان تعرف الأمة أنها قهرت جيشاً من جيوش الموت.
تقول لنا الدكتورة سلمى: الفن هو خلود الأمة، لا يقهر الموت إلا الحجر والكلمة، والكلمة أطول عمراً من الحجر، وأصلب على الزمن وأقوى على مغالبته. كانت الدكتورة سلمى تدرك كل ذلك.
كلنا نعرف ونسمع عن الفنان العظيم بتهوفن ولكننا لا نعرف ولا نسمع عن الحاكم أيام بتهوفن.
وفي بلادنا نستذكر سيد درويش وناجي العلي والشهداء الثلاثة وابراهيم طوقان وابن رشد وخليل السكاكيني صاحب المنهاج الأهم في مجال التعليم، ونتذكر عز الدين القسام وفرحان السعدي وعبدالقادر الحسيني.
إن الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي تقول للذين يتحدثون عن العبودية في تاريخنا وينسون نظام العبودية عند اليونان والرومان. وينسون حكم الأباطرة والإقطاع والكهنة. ومن هنا نفهم هذا الإصرار من قبل الدكتورة سلمى على نقل الحضارة العربية إلى الغرب وبلغته لكي يفهم حضارتنا في عصرها كما هي متخذة من الأندلس مثالاً ملهماً. ومن هنا نستطيع أن نؤكد أنها كانت حارسة للثقافة العربية.
كما أنها تعرف دور الثقافة في المقاومة التي بدونها لن ننتصر. وتعرف دور العلم والكلمة في فهم تاريخ نضال الشعب الفلسطيني وأمته العربية منذ أكثر من مئة عام وهو يقاتل لمواجهة الغزو الاستعماري الصهيوني وضد التجزئة. ونعرف أن الأمة العربية لا مستقبل لها بدون القضاء على التشرذم العربي.
إيمانها بوحدة الثقافة العربية لا يتزعزع، ونعرف أن الكلمة مفتاح دخول العقل.
ولدت الدكتورة سلمى وفي يديها كتاب وقلم. ولذلك هي تؤمن بتحرير فلسطين وترفض الاتفاقات مع العدو والتبعية والقمع وتؤمن بالحرية.
كم نحن بحاجة إلى مثل الدكتورة سلمى، ولها أن تنام روحها بهدوء، وأن الأمة العربية والشعب الفلسطيني لن ينسوها.
إن أصحاب الأفكار العظيمة والمقاتلين لإعلاء القيم الإنسانية الكبرى لا يموتون من خلال أعمالهم بالشعر والغناء والأدب والفلسفة وبالسلاح أيضاً. هم يعيشون بيننا أجيال وراء أجيال. فهم مثل الأحجار الكريمة نادرة لذا فهي ثمينة وعالية القيمة. وهذه هي صفات الدكتورة سلمى.
كانت تؤمن أنه في لحظات الهبوط الوطني تغدو الثقافة ملاذاً لأن المثقف يصعب هزيمته ولأن ما يسطره القلم يصعب على السيف. وهي تؤمن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وبالسلاح المستند إلى الثقافة والوعي يتم الانتصار ويهزم الأعداء في الداخل والخارج.
إنها تؤمن أن الجيل الجديد سيكون ممثلاً لهذه القيم والانتصار على العدو حتمي.
وتحية للمرأة الفلسطينية والعربية التي تنجب المقاتلين الثوريين.
والمجد لكل من يعمل لتحرير فلسطين والوطن العربي من رجس الاحتلال والتبعية.
والسلام على من يحب الإنسان حتى الانتصار الكامل.
عبدالله حموده
عمان في 10/6/2023
✺ ✺ ✺
هل «اكتشف» كولومبوس أميركا حقّاً؟
سعيد محمد
18 شباط 2023
هل «اكتشف» كولومبوس أميركا؟ تبدأ كارولين دودز بينوك الصفحة الأولى من كتابها الشجاع حول وصول أبناء حضارات الأزتيك والمايا والتوتوناكس والإنويت وغيرها من سكان الأميركيتين الأصليين إلى أوروبا الحديثة، بالتنبيه إلى خطورة اختيارنا للكلمات والمصطلحات عند مقاربة الحدث التاريخي. السرديّة المغرقة في أورومركزيّتها التي تروي قصة كريستوفر كولومبوس وغيره من المستكشفين والمستعمرين والمستوطنين، تصف مثلاً وصول طلائع الغزاة الإسبان إلى «الأميركيتين» بـ «اكتشاف» أميركا عام 1492، كأنّ تلك البلاد الشاسعة كانت غير مأهولة بالسكّان. وراء فكرة «الاكتشاف» تلك، يكمن خيال ديبلوماسيّ مريض يعود تاريخه إلى «معاهدة توردسيلاس» عام 1494، التي قسمت «العالم الجديد» بين الإسبان والبرتغال، وسمحت للأوروبيين باستيطان الأراضي «المكتشفة» من دون أدنى إشارة إلى أصحابها الأصليّين.
تحطيم هذا التأطير التاريخيّ التقليديّ المنحاز في استعادة الحدث منطلق لا بدّ منه لفهم أبعاد حكاية سكان «أميركا» الأصليين الذين «اكتشفوا» أوروبا، كما يؤطرها عنوانها الفرعي لكتاب بينوك الجديد «على شواطئ متوحّشة» (On Savage Shores: How Indigenous Americans Discovered Europe- W&N, 2023)، وهم مئات الآلاف من أبناء الحضارات العريقة لما سمّي بـ «العالم الجديد» التي سافرت شرقاً، بعيداً عن أوطانها، بداية عام 1492. ولأن تلك مهمّة ضخمة سها عنها طويلاً التاريخ الأورومركزيّ، تركّز بينوك على أول 100 عام من ذلك التّبادل «المعكوس» بين أوروبا والأميركيتين، بخاصة على شخصيّات أولئك الذين ظهروا كغرائب إكزوتيكيّة: ملك برازيلي في بلاط العاهل الإنكليزيّ هنري الثامن؛ أميرة الإنكا، دونا فرانسيسكا بيزارو يوبانكي، التي عملت كسفيرة للسكان الأصليين؛ ودييغو دي توريس إي موياشوك، الذي أصبح مدافعاً في إسبانيا عن حقوق سكان الأميركيتين الأصليين في أواخر القرن السادس عشر.
مارتين غوتيريز ـــ «كريستوفر كولومبس كان بيدوفيلياً. ص 78 امرأة من السكان الأصليين» (طباعة كروموجينية ــــ 2018)
بالنسبة إلى مئات الآلاف من أبناء الأميركيتين الأصليين، فإنّ «الاكتشاف» ذهب في الاتجاه الآخر تماماً لرحلة كولومبوس. وعندما وصل هؤلاء إلى البرّ الأوروبيّ اكتشفوا مجتمعات اختلطت غرائبها مع وحشيتها، وثرواتها الباذخة مع تفاوتاتها الطبقيّة الحادّة، وصدمتهم من شدّة تعصبّها.
غالبيّة هؤلاء لم يعبروا المحيط الأطلسي نحو أوروبا بمحض إرادتهم. رغم أنّه كان – نظريّاً – لا يمكن استعباد أبناء الشعوب الأصلية وفق القانون إلا في ظل استثناءات معينة (مثلاً إذا كانوا من آكلي لحوم البشر، أو تم إنقاذهم من الاستعباد لدى غير المسيحيين، أو تم أسرهم في حرب «عادلة»)، إلا أن تفسير تلك الاستثناءات كان دائماً مرناً ورحباً. ويقدّر أنّ ما حوالى مليونين من سكان الأميركيتين الأصليين قد تم استعبادهم قبل عام 1600 منهم ما لا يقلّ عن 650 ألفاً إلى أوروبا. كولومبوس وحده استعبد ما بين 3000 و6000 رجل وامرأة وطفل من سكان الكاريبي. هناك كثير من العتمة التي تكتنف تفاصيل جرائم الاستعباد تلك، وبالكاد تجد عنها شذرات متفرقة هنا وهناك في سجلات أوروبا العصور الوسطى. يقول أحد المغامرين الغزاة مثلاً ألونسو دي أوجيدا في مذكراته في عام 1499 إنّه «حصل على بعض نساء «الهنود الحمر» ذوات جمال خارق». وفي سجلات رحلة كولومبوس الثانية وصف تفصيليّ لاغتصاب امرأة كاريبية حسناء من قبل صديقه المقرّب ميشيل دا كونيو.
بينوك واضحة وصريحة بشأن هذا التحدي في كتابة تاريخ ما «تغافل» عنه التاريخ. هذا يعني البحث عن إبر في أكوام من القش، والتعامل مع قصص غير مؤكدة أو تلميحات غير حاسمة، مع انحياز مخلّ في توثيق جوانب الحدث ومنهجيّة تأطيره. لكنّ روايتها المعاكسة لحكاية «الاكتشاف» التقليدية تسهم بمجملها في إعادة موضعة سكان الأميركيتين الأصليين في قلب الحدث التاريخيّ، وتنبهنا إلى الطرق المشوهة التي تشكلت بها صورتنا المغرقة في أورومركزيّتها عن الماضي.
::::
“الأخبار”
✺ ✺ ✺
الغرب يرفض السلام في أوكرانيا
بقلم تييري ميسان
ترجمة
Talal Baroudi
نيابة عن الصين، جاء لي هوي ليقترح على الغرب صنع السلام في أوكرانيا من خلال الاعتراف بأخطائهم. تحليله دقيق ومثبت، لكن الغربيين لم يستمعوا إليه، ويتابعون بلا هوادة السردية التي طوروها خلال الحرب الباردة: إنهم ديمقراطيون، في حين أن الآخرين، كل الآخرين، ليسوا كذلك. سيواصلون دعمهم لأوكرانيا، على الرغم من أن عدد جنود هذه الأخيرة يكاد ينفذ، وأن هزيمتها على الارض مُحقّقة.
شبكة فولتير | باريس (فرنسا) | 30 أيار (مايو) 2023
ربّما لا تعرفونه جيّداً، ولكنّ لي هوي هو أحد أهم الدبلوماسيين الصينيين. كان هو الذي جاء ليقترح على الغرب السلام في أوكرانيا. تم استقباله بلطف، لكن لم يستمع إليه أحد.
في الأسبوع الماضي أشرت إلى أنه وفق القانون الدولي، إن بيع الأسلحة يجعل البائع مسؤولا عن كيفية استخدامها [1]. لذلك، إذا قام الغرب بتسليح أوكرانيا، فيجب عليه التأكد من أن أوكرانيا ستستخدم السلاح فقط للدفاع عن نفسها وليس لمهاجمة الأراضي الروسية التي تعود لفترة ما قبل 2014. خلاف ذلك، سوف يذهبون، على الرغم من أنفسهم، إلى الحرب ضد موسكو.
والواقع أنهم حريصون دائما على ألا يصبحوا متحاربين. على سبيل المثال، قاموا أولا بإزالة بعض أنظمة الأسلحة من الطائرات التي وعدوا الأوكرانيين بها، قبل تسليمها لهم. وبالتالي، ليس لهؤلاء إمكانية إطلاق صواريخ جو-أرض من أوكرانيا على أهداف بعيدة داخل روسيا. ومع ذلك، في نهاية المطاف، يمكن للأوكرانيين تزويد أنفسهم بالمعدات اللازمة وتجهيز طائراتهم مرة أخرى.
إن اللعبة الصغيرة المتمثلة في تسليح أوكرانيا دون إعطائها الوسائل لمهاجمة موسكو تواجه الآن تحديا من قبل الدبلوماسية الصينية. ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال بعض جوانب هذه الاتصالات بينما تخفي جوهر الموقف الصيني [2].
لي هوي، الذي زار للتو كييف ووارسو وبرلين وباريس وبروكسل، تناول صلب المسألة: على أساس “المبادرة الأمنية الشاملة” و “خطة 12 نقطة للسلام في أوكرانيا”، التي نشرتها وزارة الخارجية الصينية في 24 فبراير، لاحظ لي هوي لمحاوريه الذين قابلوه أن:
روسيا محقة بموجب القانون الدولي في شنّ عمليتها العسكرية الخاصة ضد “القوميين الشموليين” الأوكرانيين. وهذا لا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة فحسب، بل إنه تطبيق مشروع ل “مسؤوليتها عن حماية” السكان الناطقين بالروسية.
انضمّ كلٌّ من شبه جزيرة القرم والدونباس وشرق نوفوروسيا بشكل شرعي إلى الاتحاد الروسي عن طريق الاستفتاء. لقد كان هؤلاء الأوكرانيون سابقاً شعبا مختلفا تماما عن الأوكرانيين الحاليّين لعدة قرون.
وشدد على أن روسيا ليست معفاة من المخالفات:
يجب على روسيا أن تحترم قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 16 مارس 2022 (أي المحكمة الداخلية للأمم المتحدة) الذي أمرها ب «تعليق» عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وهو ما كانت بطيئة في القيام به، لكنها تحترمه اليوم.
وأوضح بصبر أن الغربيين كانوا مخطئين للغاية:
إنشاء مستودعات أسلحة وقواعد عسكرية تابعة للناتو في الشرق في انتهاك لتوقيعهم على إعلان اسطنبول لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (2013)؛
تنظيم ودعم انقلاب في عام 2014 ضد السلطات الشرعية في أوكرانيا؛
عدم تنفيذ اتفاقيات مينسك، التي وقعتها ألمانيا وفرنسا (2014 و 2015) ثم صدق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛
اتخاذ تدابير قسرية انفرادية ضد روسيا في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة (1947).
وبقيامه بذلك، لم يشكك في الرواية الغربية بأكملها فحسب، بل في الطريقة التي يفكر بها محاوروه في هذا الصراع.
وأشار إليهم إلى أن الولايات المتحدة، على عكس ما تدعيه، لا تريد انتصار أوكرانيا، لأن ذلك يعني أن دولة صغيرة قادرة على هزيمة روسيا بينما لا تجرؤ الولايات المتحدة على مواجهتها. سيكون ذلك أسوأ إذلالٍ للأمريكيين.
قبل كل شيء، من الواضح للمراقبين الخارجيين أن الغرض من إرسال أسلحة مستعملة إلى أوكرانيا ليس هزيمة روسيا، ولكن لدفعها إلى الكشف عن الأسلحة الجديدة التي لديها. لم يراقب الغربيون بجدية الجيش الروسي في سوريا، حيث كانوا مشغولين جدا بتدمير الدولة السورية من قبل الجهاديين. عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين في عام 2018 أنه بلاده أصبحت تتقن الصواريخ الفرط صوتية وأسلحة الليزر والصواريخ التي تعمل بالطاقة النووية [3]، صرخ الغربيون أنّ ذلك هراء. اليوم باتوا يعرفون أنه كان يقول الحقيقة، لكنهم لا يعرفون خصائص هذه الأسلحة وما إذا كانت لديهم الوسائل لمواجهتها.
في الصراع الأوكراني، تُظهر موسكو صبرا كبيرا، بحيث أنها تفضّل تحمّل الخسائر على كشف أوراقها. الأسلحة الجديدة الوحيدة التي تم استخدامها هي، من ناحية، أنظمة التشويش على الأنظمة التابعة لحلف الناتو (تم اختبارها في مواقف حقيقية في البحر الأسود منذ عام 2014 [4]، في كالينينغراد، قبالة كوريا [5]، وفي الشرق الأوسط [6] )؛ ومن ناحية أخرى صواريخ كينجال التي تفوق سرعتها سرعة الصوت (تم اختبارها في ظروف حقيقية في أوكرانيا منذ مارس 2022). صحيح أن الأوكرانيين يدعون أنهم أسقطوا بعضها، لكن من الواضح أن الأمر ليس إلّأ كذبة وقحة. هذه الصواريخ لا تقهر حاليا، وأصبحت روسيا الآن تنتجها بالجُملة. ضربت هذه الصواريخ مخابئاً تحت الأرض في 9 مارس ودمروت للتو نظام باتريوت في 16 مايو.
لا أحد يعرف على وجه اليقين والدقة ما هي الأسلحة التي تمتلكها روسيا. لكن الجميع يدركون أنها أصبحت أقوى بكثير من الولايات المتحدة، التي لم تقم بتحسين ترسانتها بشكل عام منذ تفكك الاتحاد السوفيتي.
منذ الشحنة الأولى من الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، أعربت روسيا عن أسفها لكون هذا الفِعل لا يلعب دورا مهما على الأرض، باستثناء التسبب في المزيد من الدمار والإصابات. الغربيون لا يستمعون، مقتنعين مقدما بأن أي خطاب روسي هو مجرد دعاية. لو سعوا إلى الفهم، لكانوا فهموا أن ما يفعلونه لا علاقة له بالمبررات التي يقدمونها.
دعنا نعود إلى الموقف الصيني. يبدو أن لي هوي لم يذكر أبدا الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي رفعه الغرب إلى مستوى الأبطال. في الواقع، في حين أن الدعاية الغربية تُشخصن جميع اللاعبين، فإن الصينيين يرفضون القيام بذلك. بهذه الطريقة، يحافظ الصينيّون على رؤية أوضح للقوى المؤثرة.
وقال لي لمحاوريه إنه ليس لديهم سبب للانحياز إلى الموقف الأمريكي ويجب أن يظهروا استقلاليتهم. هذا بالضبط ما قاله لهم الرئيس فلاديمير بوتين في عام 2007 في مؤتمر ميونيخ للأمن [7]. حتى أن السيد لي غامر بإخبارهم أنهم إذا انفصلوا اقتصاديا عن واشنطن، فيمكنهم اللجوء إلى بكين.
بالنسبة للأوروبيين، كان هذا الخطاب المعقول غير مسموع نفسيا. كيف لا وهم لم يعترفوا بجرائم الولايات المتحدة على مدى ربع القرن الماضي وما زالوا ينكرونها. في الواقع، الأوروبيون ليسوا بحاجة كبيرة إلى واشنطن، لكنها تسيطر فكريا عليهم.
لذلك، لم يردّ الأوروبيون على الكلام الصيني، لكنهم أعلنوا بشكل غير مفاجئ أنهم لن ينفصلوا عن الولايات المتحدة، وأنهم يشترطون قبل أية مفاوضات أن تنسحب القوات الروسية من أوكرانيا؛ وأنهم يعتمدون على الصين لكي تضمن ألّا يتحوّل الصراع إلى حربٍ نووية.
هذا الامتناع الأخير يُظهر أن الأوروبيين لم يفهموا بعد لا موقف الروس ولا موقف الصينيين. لقد أوضح الرئيس بوتين مرارا وتكرارا أنه لن يستخدم الأسلحة النووية الاستراتيجية أولا. لذلك لا يوجد خطر روسي من شأنه إحداث هطذا تدهور. بالإضافة إلى ذلك، ترى الصين نفسها حليفة عسكرية لروسيا في حالة حدوث مواجهة عالمية، ولكن ليس في الصراعات التي لا تهمها، مثل أوكرانيا، كما أن الصين لا ترسل أية أسلحة إلى هناك. هذا التمييز بين الحلفاء الاستراتيجيين والتكتيكيين هو سمة من سمات العالم متعدد الأقطاب الذي تعمل موسكو وبكين على بنائه. كما لا يوجد أي شك في أن روسيا تشكل ائتلافاً لدعمها في أوكرانيا.
أسوء العميان هو شخص لا يريد أن يرى.
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org