كركوك في حالة غليان مجددًا.. لماذا ارتكب السوداني خطيئة تسليم مقر العمليّات المُشتركة للأكراد في المدينة؟ وهل قدّم ذريعة التدخّل “لتتريك” المدينة لأردوغان؟ وما هي فُرص نجاح الوِساطة في منْع الصّدام؟

الإنتشار العربي :الأزمة في كركوك تتصاعد وقد تتطوّر إلى مُواجهات عسكريّة إذا لم يتم تطويقها بسرعة بسبب تزايد احتمالات التدخّلات العسكريّة الخارجيّة، وخاصّةً من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان التي لا تُخفي بلاده ومُنذ عُقود أطماعها فيها باعتبارها والموصل أراضٍ تركيّة يجب أن تعود للوطن الأم، وجاءت تصريحات الرئيس أردوغان التي لوّح فيها بالتدخّل عسكريًّا لمنع “تكريد” كركوك التي يشمل التركمان أحد مُكوّناتها الرئيسيّة، أوضح الأدلّة في هذا الصّدد.
لم تصدر تصريحات عن مسؤولين عراقيين حتى الآن على الأقل، تشرح للعراقيين، لماذا يتحدّث الرئيس أردوغان عن كركوك وكأنها ولاية تركيّة، كما لم يفهم العراقيّون عبر منصّاتهم كيف لن يسمح أردوغان بزعزعة السّلام في المدينة المذكورة، ولماذا يتصدّر المشهد العراقي بالدعوة “إلى الابتعاد عن أي مُمارسات من شأنها تغيير التركيبة الديمغرافيّة لكركوك من أجل الحفاظ على السلام في المنطقة”، وبطبيعة الحال سيقف الرئيس أردوغان ضدّ أيّ قرار لصالح الحزب الكردستاني، ويميل لصالح التركمان بالأكثر قبل العرب، ولكن يقول نشطاء يبقى هذا شأن عراقي محلّي بحت، يستطيع فيه “العرب، التركمان، والأكراد الفصل فيه والتّحاور حوله.
الأزمة في كركوك العراقيّة، تعود لأزمة شهدتها الأخيرة، بين مُتظاهرين مُؤيّدين، وآخرين مُعارضين لتسليم مقر قيادة العمليّات المُشتركة هناك للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذه أزمة تحوّلت إلى مُواجهاتٍ دامية بين الفريقين، اضطرّت على إثرها أو دفعت المحكمة الاتحاديّة العراقيّة “إيقاف” قرار تسليم المقر الأمني للحزب الديمقراطي الكردستاني.
ويبدو أن ثمّة تحالف عربي- تركماني كان له الغلبة في إيقاف قرار حُكومة محمد شياع السوداني تسليم مبنى يتّخذه الجيش العراقي حاليّاً مقرًّا له، للأكراد، أو للحزب الكردستاني، في المُقابل لم تصمت قوى سياسيّة كرديّة عن تحريض أنصارها على تظاهرات العرب، والتركمان، وصل الأمر فيه إلى سُقوط ضحايا وجرحى.
وبالمنظور الحالي، تُعتبر كركوك منطقة مُتنازع عليها بين الأكراد إربيل، وبغداد، ولكن كركوك وفقاً للعراقيين الرافضين لتقسيم بلادهم، خرج منها الأكراد أو “الديمقراطي الكردستاني”، إثر حملة عسكريّة للقوّات العراقيّة، عام 2017، وهي حملة طبيعيّة جاءت ردًّا على تنظيم حكومة إقليم كردستان، استفتاءً شعبيّاً للانفصال عن العراق، وقيامها بإشراك مدينة كركوك في الاستفتاء، ومُنذ استعادة بغداد السيطرة على كركوك، نهاية 2017، يتولّى إدارة المُحافظة “مُحافظ عربي” هو راكان الجبوري، إلى جانب قيادة أمنيّة مُشتركة من مُختلف القوميّات بالمُحافظة، وتحت إشراف الجيش العراقي.
ورغم حالات التحريض على الرفض العربي التركماني تسليم المقر الأمني للأكراد، والمُظاهرات والمُظاهرات المُضادّة، تخفيف الجيش إجراءاته الأمنيّة التي فرضها على كركوك لمنع تجدد العنف، في حين أمرت الحكومة العراقيّة بإطلاق سراح الذين تم اعتقالهم يوم السبت الماضي، وأغلبهم من الناشطين الأكراد، كما أوقفت إجراءات تفتيش منازل المشتبه بهم، ضمن مساعي تهدئة الأوضاع في المدينة، المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل.
وبدأ رئيس تحالف “السيادة”، خميس الخنجر، أمس الأربعاء، وساطة لحل الأزمة في مدينة كركوك العراقيّة، أجرى فيها لقاءات مع ممثلي المكونات القومية الثلاث في المحافظة العرب والتركمان والأكراد، إثر الاحتجاجات التي شهدتها المدينة، السبت الماضي، وراح ضحيّتها 4 مُتظاهرين وأُصيب نحو 15 آخرين.
وتُطرح تساؤلات حول مدى قُدرة رئيس تحالف السيادة “الخنجر” وهو أكبر القوى السياسيّة السنيّة في العراق على منع تجدّد الاشتباكات، وعودة الهُدوء والاستقرار للمدينة، وكيف هو شكل الحل النهائي المقبول للقوى السياسيّة من العرب والتركمان، وهل عودة الحزب الكردستاني إلى كركوك هي المخرج للأزمة بالفعل، وبزعامة مسعود البارزاني، وكيف يُمكن منع الأطراف المُتنازعة من عدم تكرار التحريض، والنزول للشوارع وصولاً للاشتباك الدموي، فيما كان لافتاً بأن القوى الشيعيّة وتحديدًا الحشد الشعبي كان إلى جانب القوى السياسيّة العربيّة، والتركمانيّة لمنع عودة الأكراد للمُحافظة.
النائب السابق في البرلمان العراقي، والسياسي عن محافظة صلاح الدين، مشعان الجبوري، وصف مَهمّة أو وساطة الخنجر مثلاً بأنّها “شاقّة ومُعقّدة”، ويتصاعد فيها الصراع القومي بين العرب، والتركمان، والكُرد.
وظهر الموقف الكردي مُتصلّباً، وحادًّا، فبعد وقف تسليم الحكومة العراقيّة المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك، حيث علّق رئيس حُكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني نجل مسعود البارزاني، على القرار، وقال في تغريدة له على حسابه بمنصة “إكس” (تويتر سابقاً)، إن القرار بإيقاف إجراءات تسليم مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك “مهزلة”.
السؤال الأبرز لعلّه هو عن السبب الذي أشعل الأزمة من أساسها، ما الذي دفع حكومة السوداني الاتحاديّة أساساً، إلى إعطاء مقر العمليّات المُشتركة إلى الحزب الكردستاني، الأمر الذي يُعزيه البعض إلى الالتزام باتفاقيّات وحرص السوداني على تحسين علاقاته مع الكرد، وتساؤل آخر مطروح هل فشلت حكومة السوداني في تقييم مخاطر منحها المقر للأكراد لإرضائهم، أم أنها كانت تُدرك إمكانيّة اندلاع اشتباكات، وغامرت وقامرت بالخطوة كون المقر كان مقر الحزب الديمقراطي قبل العام 2017، لكن المبنى قبل العام 2017 وبعده اختلف، وجرى تطويره من قبل وزارة الدفاع العراقيّة، وهي مُلاحظات يُعبّر عنها العرب والتركمان الرافضين لتسليم المبنى للكرد، كما مخاوفهم من دخول قوّات البيشمركة لكركوك، الأمر الذي يُفسّر تدخّل أردوغان في الأزمة أيضاً، وتفهّمه كما يقول لمُعاناة التركمان كأقليّة من الحُكم الكردي.
وفي تداعيات الأزمة، أفادت الشرطة المحليّة، الخميس، بإلقاء القبض على شخصين بتهمة تدنيس العلم العراقي وذلك في محافظة كركوك، وأبلغ المصدر وكالة شفق نيوز، بأن قوة من جهاز الأمن الوطني ألقت القبض على شخصين في منطقة الشورجة بمحافظة كركوك، بتهمة قيامهما بتمزيق علم العراق والمشي عليه بأقدامهما أمام المُواطنين.
بكُلّ الأحوال، لا يُشكّك العراقيون في قُدرة أهل كركوك على التعايش بين العرب، والتركمان، والأكراد، فهؤلاء يستطيعون وضع حد لخلافاتهم مهما تعاظمت، ولكن تكمن المخاوف حال تجدّد الأزمة، وفشل الوِساطات، ووقوف التحريض السياسي خلف كُل طرف، وهُنا يتجلّى الموقف، وتظهر الحقائق، أي إعادة كركوك إلى ما قبل العام 2017، وعودتها إلى الفوضى، أو ضمّها بحُجّة اللإستقرار المُفتعل إلى إقليم كردستان، فيما يجري اتهام الولايات المتحدة الأمريكيّة في دعم الأكراد في أزمة كركوك، وهي التي ساعدت أساساً في إنشاء إقليمهم بالدعم العسكري، والاقتصادي للحركة الكرديّة.