كانت تسمى شيرين صارت تسمى فلسطين
سيذكر التاريخ أن ماذن القدس و كنائسها وأن مسلميها و مسيحييها و كل مكونات الشعب الفلسطيني المتدينيين و غير المتدينيين اجتموا حول ابنتهم شيرين ابو عاقلة وصلوا لروحها و اصروا على توديعها الوداع الاخير من المشفى الفرنسي الى القدس التي قالت عنها الشهيدة انها تريد ان تراها سعيدة …تماما كما سيذكر التاريخ أن شهيدة الاعلام و شهيدة الوطن حظيت بثلاث جنائز و كما اصر اهالي مخيم جنين البواسل على توديعها بما يليق بها فقد مر جثمانها بكل المحافظات و المدن الفلسطينية من بيت لحم مهد المسيح الشهيد الى القدس التي تصدى اهلها لكل محاولات الاحتلال حتى لا تكون جنازة الشهيدة جنازة شعبية ينحني لها الجميع وتتوحد أمامها الرايات و الفصائل…وسيسجل التاريخ أن شهيدة الكلمة كانت تسمى شيرين ابوعاقلة و باتت تسمى فلسطيني ..
طبعا كما كان متوقعا ما كان لارهاب الاحتلال الذي استهدف الشهيدة برصاصة قاتلة في الرأس أن يسمح بأن تتحول الى رمز وطني جامع و لكن نقول صراحة أننا و ان كنا ندرك جبن و بشاعة الاحتلال فاننا لم نتوقع أن يبلغ به الجبن درجة الخوف من جثمان الشهيدة المسجى الى مثواه الاخير و لم نكن نتوقع منه أن يقدم للعالم تلك الصورة البربرية و هو يهاجم مشيعي الجثمان ويستعمل الهراوات و يطلق الرصاص في كل الاتجاهات لترهيب الحضور ومنع المشيعين من المشاركة في الجنازة الى درجة كان التابوت يتأرجح ويوشك في كل مرة على السقوط ..ولولا ثبات الشباب الذي اصر على حمل الشهيدة التي كانت حتى اللحظات الاخيرة من اغتيالها ترابط على خط النار وتنقل الحدث للعالم ..
بالهراوات و الرصاص المطاطي و القمع حاصرت قوات الاحتلال جنازة شهيدة الصحافة و شهيدة القضية وحاولت منع رفعها على الايدي كما حاولت منع الشعارات و رفع الراية الفلسطينية وكتم كل الاصوات من التنديد بالجريمة و لكنها لم تجد غير الصمود والاصرار على توديع الراحلة في جنازة تليق بها و بمكانتها …
كثيرة هي الرسائل التي سيتعين الانتباه لها بعد هذه الجريمة الارهابية المروعة التي تضاف للسجل الدموي للاحتلال و حكومته التي بدأت تحاول الترويج لروايتها لتخفف من تداعيات الاثم الذي ارتكبته قواتها …و لعله من المهم الانتباه الى أن رصاصة واحدة اريد لها ان تفجر رأس الصحفية شيرين ابو عاقلة التي دأبت على نقل شهادتها الى العالم منذ اكثر من ربع قرن ,و هي رصاصة مدروسة أراد لها القناص أن تستهدف الذاكرة والوعي والصورة القادمة من فلسطين و أن تحذر زملاء و رفاق ابو عاقلة بأن هذه نهاية من يسعى لكشف الحقيقة للعالم …
و أما الرسالة التالية التي سيتعين التعاطي معها بجدية فهي الحفاظ على هذا الزخم و الحماس الاعلامي لملاحقة الاحتلال امام الجنائية الدولية و كشف عوراته امام الراي العام الدولي و اسقاط سياسة المكيالين التي يواصل اعتمادها ..فلا شيء اليوم يمكن أن يزعج أو يحرج سلطات الاحتلال الاسرائيلي مثل وجود سلطة رابعة فلسطينية و عربية تعيد القضية الفلسطينية الى صدر الاهتمامات و تتعاطى مع الاحداث بجدية و تستمر في تحقيق منعرج حاسم في المشهد الاعلامي العربي و عدم التفريط في دماء شهيدة الحرية الخالدة شيرين ابو عاقلة و من سبقها ايضا من الاعلاميين على طريق الشهادة …
لقد أصرت سلطات الاحتلال على ان تنقل شيرين ابو عاقلة منفردة في سيارة الموتى و لكن كان للفلسطيننين رأي اخر و هذا الدرس التالي الذي لا يقبل التفريط و قد حملت الصورة التي وقف خلالها مفتي القدس و رجال الكنيسة جنبا الى جنب أمام كنيسة الروم الكاثوليك انبل المعاني و اجمل الردود على فتاوي الجهل و التخلف و الفتنة و انتصرت لانسانية الانسان و لشيرين الفلسطينية قبل أن تكون مسلمة أو مسيحية حيث ارتفعت الحناجر بالتكبير واستقبلها المقدسيون بالهتافات والاعلام الفلسطينية وحملوا جثمانها و رفعوا صورها التي صادرها الاحتلال …
لا خلاف ان في تزامن الجريمة الارهابية مع حلول الذكرى الرابعة و السبعين للنكبة ما يمكن ان يعيد احياء الامل للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطينية ولكل الشعوب الحرة المناصرة له وقد وجب الاعتراف ان هذا الامل لم يمت يوما قد يتراجع و قد يخفت و لكنه سرعان ما يعود لان هناك على تلك الارض ما يستحق الحياة …سترقد شيرين بسلام في مقبرة صهيون ولا علاقة لهذا الاسم بالصهيونية البغيضة و هو اسم قديم لاحد جبال القدس ويقال ايضا انه اسم احد رفاق المسيح و معناه نحن شعب فلسطين الابي ..
الاكيد ان القضية الفلسطينية تمر بمنعرج حاسم و مرحلة لاستعادة الوعي و استرجاع البوصلة التائهة فلسطينيا و عربيا وسيكون لزاما عدم التفريط في اهمية اللحظة في كشف وملاحقة جرائم الاحتلال وقبل كل ذلك في الحفاظ على وحدة الصفوف والقطع مع البؤس و الانهيار السائد الذي رافق مختلف الشعوب العربية خلال العقود الماضية و انهك الاجيال المتعاقبة … رحم الله شيرين أبوعاقلة و يكفيها فخرا أنها تمنحنا اليوم بدمائها فرصة أن يتحدث العالم بأسرع عن حق الانسان الفلسطيني في الحياة و الحرية و الكرامة , تمنحنا بذلك بتضحياتها فرصة اعادة مراجعة و تحديد الاولويات وتصحيح الخيارات و هوما يعني أنه ليس من حق أي كان أن يخذل شهيدة الحرية و شهيدة القضية التي كانت شيرين ابوعاقلة و باتت تسمى صوت فلسطيني الذي لايجب أن يغيب
كاتبة تونسية