قتل ملايين السوريين بالعقوبات والحصار جريمة حرب
الإنتشار العربي :كمال خلف
الاحد الماضي اقتحم محتجون مبنى محافظة السويداء جنوب سورية احتجاجا على تردي الوضع المعيشي والنقص الحاد في المواد الضرورية. واحرق المحتجون مبنى المحافظة بما فيه من اثاث وملفا . الوضع المعيشي في عموم سورية يزداد سوء ووصل الى مرحلة لا يمكن ان يحتملها البشر. لكن لطالما سجلنا مرارا اعتراضا على حرق وتخريب مؤسسات الدولة، لانها تضر بشكل مباشر بحياة ومصالح المواطنين، وإعادة اعمارها سيكون من جيوب السوريين ومن لقمة عيشهم. فضلا عن ان تخريب وحرق المنشآت العامة لا يحل الازمة المعيشية بل يعقدها.
هناك غضب وتململ لدى السوريين من الأداء الحكومي، وعدم تمكن الفريق الحكومي من تأمين اساسيات الحياة. اليوم في سورية تنعدم سبل الحياة كافة. لا كهرباء للمنازل او المنشآت، ولا وسائط نقل تعمل بسبب شح الوقود، ولا وقود للتدفئة ببرد الشتاء، مع ارتفاع كبير بالأسعار مقابل انخفاض حاد في دخل الفرد.
وسواء كان الأداء الحكومي مقبولا ام فاشلا . فان منشأ الازمة المعيشية الخانقة في سورية هو الحصار الظالم والعقوبات القاسية التي تفرضها الولايات المتحدة وشركاؤها الاوربيون على سورية .
هذه العقوبات التي تقول تلك الدول انها تفرضها على النظام من اجل الشعب السوري. وهذه سردية اقل ما يقال فيها انها “كاذبة”. لان الشعب السوري هو الذي يئن اليوم من وطأة العقوبات الظالمة . فرض عقوبات على ملايين البشر من اجل اهداف سياسية عمل غير أخلاقي وغير انساني، بل هو اجرام دولي وجريمة حرب بكل معنى الكلمة.
الولايات المتحدة كانت المايسترو الذي وزع الأدوار في الحرب التي دمرت سورية وشردت شعبها، وسمحت بإدخال السلاح والجماعات الإرهابية العابرة للحدود من اجل هدف واحد هو اسقاط النظام. وعندما فشلت توجهت للانتقام والعقاب الجماعي ، والمؤسف ان الدول العربية التي من المؤكد انها تتعاطف مع الشعب السوري في محنته، لا تجرؤ على التمرد ومد يد العون لإشقائهم السوريين بسبب التهديدات الامريكية.
قتلت الولايات المتحدة وشركاؤها اكثر من مليون عراقي خلال الحصار والعقوبات عام 1990 قبل غزوها وتدميرها للعراق. فهل ننتظر موت مليون سوري اليوم من الجوع والمرض ، والى متى نظل تحت سيف القتل الأمريكي بالغزو المباشر او بدعم القتلة المحتلين لفلسطين او بالحصار والتجويع والموت البطيء.
القول اليوم ان النظام هو المشكلة واذا رحل ينتهي القتل الامريكي عن طريق الخنق و الحصار، هو قول يخاصم الحقيقة ، لأننا جميعا نعرف ان النظام اذا رحل غدا وجاء نظام اخر يحتضن القضية الفلسطينية ويدعم المقاومة ويرفض التصالح مع إسرائيل ، فان سياسية العقاب الجماعي سوف تستمر. الولايات المتحدة تنتقم من الشعب السوري لان في وجدانه حب والتزام بالقضية الفلسطينية ،ولان هذا الشعب وقيادته ترفض التطبيع و التنازل عن شبر واحد من ارض الجولان السوري المحتل، ولان هذا الشعب السوري مازال يؤمن بالعروبة. أمريكا لن تسمح بان يعيش الشعب السوري حياة طبيعية الا اذا كان على رأسه نظام تابع وخاضع لها ومتسامح مع إسرائيل سارقة الأرض ومحتلة المقدسات والموغلة بدماء السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والعرب.
لا يجب ان يسمح للقراصنة الدوليين ان يحرموا شعب من لقمة عيشه بذريعة ان النظام السياسي لا يعجبهم. هذه مسؤولية جماعية لكافة الدول المناهضة اليوم للهيمنة الامريكية على العالم. عليكم ان تثبتوا فعليا ان العالم يتغير، وان ثمة قوى باتت شريكة في النظام الدولي ، وان تقوموا بشكل جماعي منسق بكسر الحصار والانطلاق لاعادة اعمار سورية وإعادة دورة الاقتصاد للبلاد رغما عن انف القرصان الساكن في البيت الأبيض، وماذا عساه فاعل ذاك الهارب بجيشه امس من أفغانستان.
المسؤولية الثانية تقع على عاتق الشعوب العربية الشقيقة لشعب سورية والمنظمات والنقابات والهيئات المدنية العربية ، عليكم مسؤولية امام الله والتاريخ بالضغط على انظمتكم بكل الاشكال سواء بالاعتصامات او التظاهرات التضامنية او الندوات، وخيارات التحركات المدنية واشكالها كثيرة. وعليكم دوما ان تضعوا في حسبانكم مقولة “اكلت يوم اكل الثور الأبيض”. لا يجوز الصمت والتجاهل تجاه شعب قدم للامة العربية كل ما يستطيع.
المسؤولية الثالثة تقع على وسائل الاعلام العربية والعالمية ، هناك جريمة إبادة جماعية تحصل على ارض سورية ، هناك شعب محروم من ابسط مقومات الحياة لا يجد قوت عياله ، هناك شعب يحاصر دون ذنب. وعلى كل وسائل الاعلام خاصة العربية تسليط الضوء حيال هذه الإجراءات الغير إنسانية.
المسؤولية الرابعة على المنظمات الحقوقية الدولية، البائسة. أقول لكم ان ازدواجية المعايير لديكم مشينة، وانتم اثبتم انكم أدوات في يد الولايات المتحدة، انتم تتحركون فقط في المكان الذي يخدم السياسات الامريكية ، قرفنا منكم و من تقاريركم المنحازة. هناك شعوب تذبح في فلسطين وسورية ولبنان. كونوا مرة واحدة مع الانسان دون تمييز.
المسؤولية الرابعة تقع في الداخل السوري، لا يجوز ان يبقى مسؤول فاسد او متقاعس او عاجز او فاشل في مكانه والشعب يعاني من الفقر والعوز. سورية ولادة للشرفاء والاكفاء والاذكياء والمخلصين. السوريون مبدعون وخلاقون وقادرون على تجاوز الازمة والتخفيف من اعبائها.
هم أبناء حضارة ضاربة في عمق التاريخ لا تفنيها حرب، ولا تكسرها ازمة.
أيها السوريين لقد فاض فضلكم على الامة، انتم شعب طيب وصبور، انتم شعب يحمل محبة لكل ما هو عربي، انتم شعب موفور الكرامة، ولابد لهذا الليل ان ينجلي، وتعود الشام شمس امتنا التي لا تغطيها الغرابي.
كاتب واعلامي فلسطيني