“غزة تطحن الجوع”.. خبز من معكرونة وعدس في غياب الطحين

 “غزة تطحن الجوع”.. خبز من معكرونة وعدس في غياب الطحين

غزة – منيب سعادة: فلسطين 24
في قطاع غزة المنكوب، لم يعد الخبز من ضروريات الحياة، بل أصبح حلمًا نادر المنال. ومع نفاد الطحين تمامًا من الأسواق والمراكز الإغاثية، اضطر السكان للبحث عن بدائل غير تقليدية لسد رمقهم، أبرزها طحن المعكرونة، الأرز، وحتى البقوليات مثل العدس والفاصولياء، لصناعة دقيق منزلي بوسائل بدائية.
لا وجود للدقيق.. والناس جاعوا
منذ أسابيع طويلة، لم توزع أي جهة إغاثية أو مؤسسة إنسانية طحينًا على سكان القطاع. حتى في مراكز الإيواء والمدارس التي تؤوي آلاف النازحين، أصبح الطحين ذكرى. تقول أم أحمد، نازحة من حي الشجاعية، : “منذ شهرين لم يدخل بيتنا طحين. كنا نتمنى كيس دقيق فاسد، لكن حتى هذا لم يعد موجودًا. نطحن الأرز والمعكرونة، ونعجنها بالماء والملح ونخبزها على الصاج”.
بدائل مفروضة بقوة الجوع
في ظل الحصار والإغلاق التام للمعابر، باتت المعكرونة والأرز وحتى العدس تُستخدم كمواد أولية لصناعة بديلٍ للدقيق. البعض يستخدم الحجارة لتكسير المعكرونة، وآخرون يعتمدون على الطواحين اليدوية البدائية أو الخلاطات التي تعمل أحيانًا بالطاقة الشمسية.
أبو محمد، وهو رب أسرة نازحة إلى أحد المدارس في خان يونس، يقول: “نشتري بقايا أرز مكسور إن وجد، أو نأخذ معكرونة منتهية الصلاحية من بعض المتاجر، نطحنها ونحاول صناعة أقراص نأكلها مع القليل من الزعتر أو الزيت إن توفر”.
لا مساعدات.. ولا بوادر انفراج
خلافًا لما يُشاع في بعض وسائل الإعلام، لا يتم توزيع مساعدات غذائية كافية، ولا يصل الدقيق إلى يد السكان. أغلب القوافل يتم تعطيلها عند المعابر أو يسمح بدخول كميات لا تُذكر، يتم توجيهها لمؤسسات محدودة أو احتجازها لفترات طويلة تؤدي إلى تلفها.
وفي هذا السياق، يقول أحد المتطوعين في العمل الإغاثي: “لا يوجد دقيق أصلًا. الناس تطحن كل ما يمكن طحنه. الجوع كسر الكرامة، والأطفال ينامون على بطون خاوية. نحن نشهد انهيارًا غذائيًا كاملاً”.
الجوع في غزة لم يعد عنوانًا صحفيًا.. بل حياة يومية
في ظل هذه الكارثة، تبدو غزة وكأنها تعيش مجاعة صامتة لا يتحدث عنها العالم. لا دقيق، لا خبز، لا غذاء. الناس ابتكروا حلولًا بدائية للبقاء على قيد الحياة، لكنها حلول محفوفة بالأمراض والمخاطر، حيث لا رقابة صحية ولا أدوات تعقيم ولا مقومات سلامة غذائية.
تختم أم حسن، وهي والدة لخمسة أطفال، حديثها بالقول: “نحن لا نبحث عن الراحة، فقط نريد أن نطعم أبناءنا. لو كان الطحين متوفرًا، لكنا اعتبرناه عيدا. أما الآن، فكل يوم يمر نعتبره معجزة”.
في غزة، لم يعد الحديث عن انعدام الأمن الغذائي مجرد توصيف لوضع إنساني صعب، بل تحوّل إلى حقيقة دامغة تعيشها الأمهات والآباء والأطفال كل يوم. الطحين اختفى، والمساعدات غائبة، والجوع أصبح سيد الموقف. في هذا الجزء من العالم، لا يُطلب من الناس أن يعيشوا بكرامة، بل فقط أن يبقوا أحياء، بأي وسيلة كانت.
وإن كان العالم لا يرى صرخات الأمعاء الخاوية ولا يسمع صوت الطحن اليدوي للمعكرونة بدل القمح، فإن غزة تقولها بصمت موجع: “نموت ببطء.. والجوع أقسى من القصف.”

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *