عبد الباري عطوان والثور الأبيض
الإنتشار العربي :دكتور محيي الدين عميمور
وحده، فيما أعرف، الأستاذ معن بشور الذي رفع صوته منددا بالحملات الصهيونية ضد الأستاذ عبد الباري عطوان، الذي يتعرض منذ مدة إلى حملات متزايدة الشراسة تستهدف إسكات صوته وخنق أفكاره، ليتأكد التعبير القائل بأننا أصبحنا اليوم فعلا في العهد الصهيوني، ويجعلنا نترحم على أيام محمد الخامس وجمال عبد الناصر وأحمد بن بله وهواري بو مدين وفيصل بن عبد العزيز وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وإسماعيل الأزهري وصدام حسين وصالح بن يوسف والمهدي بن بركة بل ومعمر القذافي والحبيب بو رقيبة….والقائمة تطول بما يُذكر ببيت الشعر المعروف: دعوْتُ على عمر فمات فسرّني… الخ.
عطوان لم يهاجم بلدا بعينه بما في ذلك بلد الكيان، لكنه كان يندد بما يندد به كل إنسان ذو ضمير حيّ، وحاول أن يفضح خداع العالم الغربي الذي يكيل بمكيالين، والذي يمارس النفاق السياسي في أسوأ صوره، والذي يتاجر بما لا يُتاجر به، وهكذا تحالفت ضد عطوان كل عناصر الشر العصري في عملية وقحة تسيئ لكل ما تدعي أنها تنتمي له وتلتحف به من تاريخ وقيم ومبادئ.
والعملية أخذت مؤخرا طابعا جماعيا بدا وكأنه إنزال نورماندي الشهير في منتصف الأربعينيات لغزو أوربا، فقد تحالفت فيه بقايا بالفور وشتات منظمة الجيش السرّي وأحفاد الهاغناه وشتيرن، وانضمت له أسراب الذباب الإلكتروني التي تنشطها مصالح التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني.
وأصبحت جريدة “الجويش كرويكل” و”الموساد” واذرع اعلامية صهيونية اخرى، التي أشار لها الأستاذ بشور هي حاملة لواء العداء ضد الصحفي العربي الكبير، وأرجو ألا تنضم لها بعض الصحف التي تستفيد من القيئ الجيولوجي، على حد تعبير وزير الخارجية السوري الأسبق الراحل إبراهيم ماخوس.
والغريب هنا ليس شراسة الهجوم في حد ذاتها ولكنها مسببات الهجوم المعلنة والتي تتراوح بين العداء للسامية وممارسة الإرهاب، ويتكفل الذباب الإلكتروني بادعاء المواقف العدائية ضد دول عربية بعينها أو بمواقف عطوان المتواطئة مع دول غير عربية بعينها، وكلها اتهامات باطلة، لمجرد أن الصحفي الكبير لا يندد إلا بما يؤكد العقل السليم على أنه يستحق أكثر من التنديد.
والأغرب هو أن عطوان لا يملك إلا صوته، وهو ليس مردوخ الشهير أو حتى حسنين هيكل، وكلاهما كان مؤسسة لها أذرع في كل مكان وفي كل اتجاه.
والأكثر غرابه هو أنني لم أعرف أن هناك إعلاميا عربيا ممن ترتفع عقائرهم بشعارات العروبة وبلاغيات الدفاع عن مقدسات الأمة، وخصوصا من ينتمون إلى مؤسسات إعلامية لها وجودها المؤثر على الساحة، حاول أن ينظم مع زملائه حملة مضادة للتضامن مع عبد الباري عطوان، أو حاول، وهذا أضعف الإيمان النضالي، أن يقول كلمة يتعاطف بها مع “الزوّالي” الذي بقي لنا من عصر “أمجاد يا عرب أمجاد”.
وهنا ندرك عمق التعبير الذي قاله يوما المناضل الجزائري عبد الحميد مهري من أننا في زمن الرداءة، وللرداءة أهلها.
ولست أحب أن أسمّي أحدا بعينه أو مؤسسة ما لكنني أقول ما قاله يوما ثور أحمر أو أسود…أكِلت يوم أكل الثور الأبيض.
هل أطمع في أن يضيف كل كاتب في رأي اليوم” إلى أول مقاله أو آخره عبارة:
“متضامن مع عبد الباري عطوان”
مفكر ووزير اعلام جزائري سابق