شهادات وذكريات شخصية.. مقدمات قرار غزو لبنان وممارسات شارون وخداعه لرئيس وزرائه مناحيم بيجن

 شهادات وذكريات شخصية.. مقدمات قرار غزو لبنان وممارسات شارون وخداعه لرئيس وزرائه مناحيم بيجن

بسام ابو شريف

بسام ابو شريف
في مثل هذه الايام وقبل اربعين عاما كنت قد اصبحت مسئولا عما تسميه الجبهة الشعبية دائرة الفرع الخارجي وكانت هذه الدائرة هي المسئولة عن تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كل مكان من العالم باستثناء فلسطين المحتلة ولبنان والاردن وسوريا .
أي ان كانت مسئولياتي كعضو مكتب سياسي تتصل ببناء الجبهة الشعبية بكل الوسائل وكل الميادين لاعضائها الذين يقيمون في المهجر وفي الدول العربية وفي كل مكان .
وكان هذا الفرع مسئولا عن كل الطلبة الفلسطينيين الذين ينتمون للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كل مكان من العالم في الاتحاد السوفييتي او في البلدان الغربية اوروبا والولايات المتحدة ايضا كانت مهمات هذه الفرع ليست منصبة فقط على البناء التنظيمي والسياسي للاعضاء بل كانت مسئولة عن التدريب العسكري لهؤلاء الاعضاء ومسئولة عن القيام بالعمليات الخارجية التي كانت تنفذ تحت شعار وراء العدو في كل مكان وكانت ايضا هذه التنظيمات في الخارج مسئولة مسئولية كبيرة عن تمويل الجبهة الشعبية من خلال مؤسسات اقتصادية ومالية ومن خلال جمع التبرعات والقيام بالاحتفالات التي تدر مالا لتمويل العمل الفدائي ، كنت عمليا قد اصبحت مسئولا اقامة وتطوير الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كل مكان باستثناء الارض المحتلة التي كانت فرعا قائما بذاته والاردن ولبنان وسوريا .
من هنا كانت المهمة صعبة وشائكة وتحتاج الى جهد يستنزف من كل ساعة عمل ستين دقيقة عمل وكانت تحتم علي ان اطل وازور هذه التجمعات لابقيها منشدة للهدف الرئيسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو العمل في كل المجالات لتحرير الوطن وانتزاعه من انياب الصهيونية العنصرية الدموية .
واضيف هنا ان جزءا اساسيا وهاما من عمل هذا التنظيم الخارجي كان عملية التصدي الاعلامي الذي يحتاج الى دراية وخبرة وعلم في مواجهة الاعلام الصهيوني الذي كان يسسيطر وما زال على المؤسسات الثقافية ودور النشر والسينما والتلفزيون والاذاعات والوكالات الغربية بشكل كامل .
كان علينا ان نخترق هذا الحائط المصنوع من الصلب والاسمنت الذي وضع في مواجهة محاولات الفلسطينيين ايصال صوتهم للرأي العام العالمي .
كانت هذه المهمة بحد ذاتها ثقيلة وخطيرة وصعبة وتحتاج الى كل الدهاء والذكاء والى كل محاولات استخدام الوسائل الحديثة وربما استخدام الوسائل القديمة التي مكنتنا في كثير من الاحوال من كسر هذا الحائط واختراقه واثناء مسئوليتي عن هذه التنظيمات الخارجية قمت بزيارة عديد من البلدان التي يقيم فيها تجمعا كبيرا للاعضاء والكوادر خاصة في الدول الاشتراكية ودول عربية والولايات المتحدة ودول اوروبية وعلى رأسها انجلترا وفرنسا في تلك الاثناء كان تعداد التنظيم تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تلك البلدان خارج الارض المحتلة والاردن وسوريا ولبنان كان تعداده يفوق تعداد اعضاء الجبهة الشعبية في اي بقعة من البقاع التي ذكرناها كان هنالك الآلاف وهؤلاء خضعوا لتدريب عسكري وعادوا لمواقعهم سواء العمالية او الطلابية او التجارية ليكونوا جنودا احتياطا لمعارك قد تنشب بيننا وبين العدو الصهيوني ناهيك عن وجود عشرات من الكوادر الذين كانوا يتدربون في الكليات العسكرية ويأخذون دورات امنية خاصة وياخذون دورات للتدرب على اسلحة جديدة من اجل استخدامها في المعارك لاحقا .

وفي المركز كنت على رأس مجموعة من القياديين الذين يتابعون هذه التجمعات كل حسب مسئولياته وكان هناك دائرة عسكرية ودائرة مالية ودائرة اعلامية ودائرة تنظيمية ودوائر اخرى لا يجوز الحديث عنها وكانت القيادة تتتبع ما تفعله حكومة العدو وقواته المحتلة تتبعا دقيقا لان الذي يظن ان الوجود الفلسطيني في الولايات المتحدة مثلا هو بعيد عن خط المواجهة مخطيء كل الخطأ فالفلسطيني في الولايات المتحدة هو في خط المواجهة الاولى اذ تتركز في الولايات المتحدة التجمعات الصهيونية الضاغطة من اجل صنع قرار امريكي لا يخدم الا الصهيونية الدموية ويخدم الاحتلال ويخدم عمليات الظلم والبطش بالشعب الفلسطيني اذن تنظيمنا في الولايات المتحدة له مهام التصدي كخط اول للمواجهة مثله مثل تنظيم الارض المحتلة الذي يواجه قوات الاحتلال وجها لوجه ، وهكذا ينطبق الامر على كل التجمعات في كل مكان وكان هذا هو الشعار الذي قدت خلاله التنظيم الخارجي وحاولت حشد وتنظيم وتصعيد الجهوزية لهذا التنظيم بحيث يشعر كل فرد فيه في اي مكان كان بانه على جبهة القتال وجها لوجه امام العدو واقصد بذلك من كل الزوايا الاعلامية والثقافية والسياسية والتدريب العسكري والاستطلاع وكل انواع العمل الثوري المفروضة كواجب على كل مقاتل في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
اقول كنا في المكتب نتابع واقول بصراحة كنت انا اكثر الناس المتابعين لتحركات المسئولين الاسرائيليين ولتصريحاتهم ولتفكيرهم لدرجة انني كنت ارى امامي على الطاولة والخريطة كل خطوة ينوي العدو القيام بها واتوقعها توقعا قريبا في معظم الاحوال قريبا مما حصل فعلا في مثل هذه الايام كنت اراقب ما يفعله شارون كان واضحا ان مناحيم بيجن بدأ يفقد زمام السيطرة على عقله وبدأ يغطس في غيبوبات تبعده بعدا تاما عن التفكير السليم او حتى عن التفكير فكان كأن لا حول له ولا قوة في زمن كان وزير الحرب عنده ارئيل شارون الغول الوحشي الذي لا يفهم سوى الحقد والكراهية والعمل لقتل المدنيين والابرياء وارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني واغتيال قياداته ، كنت اعرف تاريخ شارون وانه كان يقضي ايامه يحلم ويتامل في اغتيال ياسر عرفات وجورج حبش كان بالنسبة له هذين القائدين هدفان مشروعان يمكنان اسرائيل من الشعور بالاطمئنان اذا ما غابا عن ساحة القتال وكان يخترع السيناريوهات ويخترع القصص من اجل اشعال معارك وهجمات تؤدي الى ارتكاب مجازر في لبنان وجنوبه وفي كل مكان يستطيع ، تتبعت شارون تتبعا دقيقا لدرجة انني كنت على اتصال هاتفي مع بعض الصحفيين في الارض المحتلة كي يعطوني معلومات ادق حول ما وصلني او حول ما افكر به ولاحظت ملاحظة لم ينتبه لها كثيرون لم يكن يظهر مناحيم بيجن عند اتخاذ قرارات حازمة وخطيرة بل الذي كان يظهر شارون وكان يظهر شارون في الصحافة ويتحدث بعد ان يدخل الى غرفة مناحيم بيجن ليختلي به وحده ثم يخرج ليقول للصحفيين قرر مناحيم بيجن اي انه كان يلبس مناحيم بيجن قرارات لم يتخذها مناحيم بيجن وبما ان بيجن كان في تلك الحالة الصحية غير الموزونة فقد كان شارون يتصرف دون ان يجرؤ احد في حكومة العدو من الشك في كلامه رغم انهم يشكون جدا في كلامه ، كان افاقا كاذبا مخادعا حتى على رئيس وزرائه كان يريد جر اسرائيل لمعارك وحروب ظنا منه ان الحرب وارتكاب المجازر هي الطريقة للقضاء على القضية الفلسطينية غير ملم وغير عارف بمسار الشعوب وتاريخ نضالها بان المجازر التي لا تفني الشعوب تقويها وتشد من عضدها وتجعلها مقاومة بشكل اكبر .

في مثل هذه الايام طار شارون لواشنطن فطلبت من تنظيمنا هناك ان يتتبع بدقة ماذا يرشح عن تلك اللقاءات التي سيجريها شارون وتابعت انا في المركز كل الوثائق ووكالات الانباء والصحف المشهورة والصحف غير المشهورة بما تنشره حول تلك الزيارة .
كان واضحا ان هدف الزيارة كان واحدا كان يريد اذنا بمهاجمة جنوب لبنان لتصفية المقاومة الفلسطينية وانه ابلغ الامريكان انه يمكنه تصفية المقاومة الفلسطينية خلال 48 ساعة واستنفرت انا واستنفرت معي المجموعة القيادية وطلبت من التنظيم في كل مكان الاستنفار استعدادا لما هو قادم وطلبت منهم التتبع الدقيق لكل ما يرشح عن اي صهيوني سواء كان دبلوماسيا او عسكريا او امنيا في اي بلد من البلدان حتى نعرف ماذا يخطط العدو ولماذا هذا الاستنفار الاسرائيلي ولماذا هذه الاتصالات مع ريغن رئيس الولايات المتحدة .
كنت من الناس الذين اطلوا اطلالا مباشرا على تلك الرسائل التي كان رونالد ريغن قد ارسلها للرئيس ياسرعرفات قبل ان ينتخب مرة ثانية وكانت هذه الرسائل تنصب على نقطة واحدة كان ريغن يريد من الرئيس ياسر عرفات ان يخفف جهده المبذول للافراج عن الرهائن في السفارة الامريكية بطهران ذلك ان نجاح محاولات الافراج عن الرهائن في سفارة الولايات المتحدة بطهران سوف تعني ان جيمي كارتر سوف ينجح في الانتخابات اما تاخير ذلك فسيسلب كارتر ورقة هامة هي التي ستنجحه في الانتخابات وتكون المناسبة والفرصة سانحة لفوز رونالد ريغان ، كان رونالد ريغن قد ارسل شخصا من اصل فلسطيني ومن عائلة بسيسو وهو اميركي من بطانة رونالد ريغن ولا يسميه الا روني واجتمع في بيتي في الثالثة صباحا معي وطلب ان نرتب له لقاء مع ياسر عرفات لانه يحمل له رسالة من رونالد ريغن .
وفي حينها ابلغت الرئيس ياسر عرفات الذي حدد له موعدا في الثالثة صباحا بعد منتصف الليل في بيتي وحضرت انا الاجتماع ولم يكن احد حاضرا سوى ياسر عرفات والرجل الاميركي بسيسو وبسام ابو شريف وطرح بسيسو هذا العرض وقال ان الرئيس ريغن سوف يفتح ابواب البيت الابيض لكم في حال التعاون في هذا الامر فضحك هنا الرئيس ياسر عرفات وقال له اريد هذا الكلام مكتوبا وموقعا ومختوما لاننا لا نصدق الاقوال اريد رسالة رسمية مختومة وموقعة من رونالد ريغن حتى نبدأ بالحديث حول هذا الامر وتناول الرئيس ياسر عرفات الدفتر الصغير من جيبه ودون تلك الملاحظات . كان رونالد ريغن يريد مساعدة ياسر عرفات لتكثير الجهود للافراج عن الرهائن الاميركيين في السفارة الامريكية بطهران مقابل فتح ابواب البيت الابيض لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما يفوز ريغن بالانتخابات .
وكالعادة كانوا يكذبون وكذبوا وسيكذبون غادر بسيسو بيروت ليعود بعد اسبوع حاملا تلك الرسالة وبصحبته رجل امريكي من اصول لبنانية اسمه بوب وكان من رجال ريغن المقربين وبحث الامر وكان علي سلامة قد بدأ تلك المحاولات سابقا محاولات العمل للافراج عن الرهائن مقابل مكتب سياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ولم اعد اتابع هذا الامر لانني كنت اسلط كل التفكير والتركيز على كل ما يفعله شارون وليس على ما يفعله ريغن الذي قام باعطاء الضوء الاخضر للغزو لاحقا رغم كل وعوده .
كاتب وسياسي فلسطيني

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *