سياسة ضبط النفس… ماذا يريد بوتين؟

 سياسة ضبط النفس… ماذا يريد بوتين؟

ليليان معروف

ليليان معروف
بينما روسيا بحدودها وشعبها تعيش حياة طبيعية جداً رغم كلّ ما فرض عليها من عقوبات أحادية الجانب, إلا أنّ الفارض عليها تلك العقوبات يعيشها بتبعاتها السياسية والاقتصادية, أزمات متلاحقة تلحق بالغرب وأمريكا تستدعي احتياطاتها من النفط.
يأخذ القيصر مكانه والكل يتحرك حوله, وبيده يزيح أحجار الدومينو من مكان إلى مكان آخر, و أحداث متسارعة والسحر الغربي ينقلب على الساحر, وبينما يعالج الاقتصاد الروسي ذاته نرى أنّ الاقتصاد الغربي يعيش أزمة الفقد, متاجر خالية الرفوف, تسابق لشراء المواد الغذائية, فقدان بعضها, وارتفاع كبير في الأسعار ساعد في زيادة التضخم في تلك البلاد التي لم تلحق أن تتعافى من تبعات كورونا لتسقط في هاوية الحرب الروسية الأوكرانية.
وتواصل العقوبات على روسيا فعلها بتأثير عكسي للهدف المناطة به, حيث بينت وكالة “بلومبرغ” في تقرير منذ يومين أنّه في حال لم يفرض المشترون الرئيسيون حظراً على مواد الطاقة الروسية، فإنّ موسكو ستحقق أرباحاً قياسية وتكسب أكثر من 321 مليار دولار.
وقالت إنّه “على الرغم من الضغط الخانق على الشؤون المالية الروسية من الخارج، تتوقع بلومبيرغ إيكونوميكس أن تكسب موسكو ما يقرب من 321 مليار دولار هذا العام من صادرات الطاقة، أي أكثر من الثلث مقارنةً بعام 2021, ويمكن لروسيا أيضا أن تتوقع فائضاً قياسياً يصل إلى 240 مليار دولار , اضافة لتوقع وزارة المالية الروسية امس عائدات بقيمة 798.4 مليار روبل في أبريل, اضافة للعائدات أنفة الذكر.
ويبدو أنّ تصريح وكالة بلومبرغ واقعي جداً خاصة بعد تصريح كبير الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي أمس جوزيب بوريل بأنّ الروبل الروسي يقاوم العقوبات جيدًا، وقد لا يتم قبول حظر على واردات الغاز الروسي بسبب موقف المجر.
وبخطوات حازمة عمل بوتين على اصدار قرارات مهمة ساهمت في تعافي الاقتصاد الروسي بشكل سريع وشبه تام من الضرر الموضعي الذي لحق به إثر العقوبات التي فرضت على روسيا, واحدى أهم القرارات وهي اصدار بوتين لمرسوم منذ اسبوع تقريباً يقضي بالدفع بالروبل مقابل الغاز للدول غير الصديقة, قرار أدى إلى استعادة الروبل لعافيته, ووضع الغرب في مأزق كبير وأمام طريق واحد لا ثاني له وذلك يعود لسببن:
أولاً إنّ الغرب عامةً وألمانيا خاصةً تعتمد في أربعين بالمئة من مستورداتها من الغاز على روسيا ولا بديل حالي ولا بعيد عن الغاز الروسي.
ثانياً يشتري الغرب وألمانيا تحديداً الغاز الروسي باليورو, وهي مضطرة الأن إلى شراء الروبل ليتنعموا بالدفء وإلا فسيأتي الشتاء قاس عليهم حيث قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك : “اذا لم نحصل على مزيد من الغاز للشتاء المقبل فلن يكون لدينا ما يكفي من الغاز لتدفئة جميع المنازل وتشغيل جميع الصناعات” وفقاً لوكالة أسوشيتد برس.

إضافة لذلك ساهم عامل آخر في استقرار العملة الروسية “الروبل “, وهو دعوة روسيا القيصر للدول الحليفة إلى التبادل التجاري معها بالروبل, ولاقت الفكرة استحساناً لدى الحليف الإيراني حيث أفاد نائب رئيس البنك المركزي الإيراني محسن كريمي في الأول من هذا الشهر, بأنّ إيران تريد إجراء عمليات تجارية مع روسيا بالعملة الوطنية للبلدين، مؤكداً وجود اتفاقات بهذا الشأن.
كما وافق “النيجيري” الإيراني في مقترح روسيا, وقال سفير نيجيريا لدى روسيا عبد الله شيخو منذ أيام أنّ ” بلاده مستعدة لبحث إمكانية التجارة مع روسيا بالعملة الوطنية” .
وتلا ذلك دعوة سفير سوريا في روسيا رياض حداد في الثالث من هذا الشهر إلى التخلي عن الدولار الأمريكي، وقال “إنّ سوريا مستعدة لبحث التسويات المتبادلة مع روسيا بالعملات الوطنية” في إشارة إلى دعوات سورية للتعامل بالروبل الروسي والليرة السورية, وبيّن حداد أنّ “سوريا أولّ من دعا العالم إلى التخلي عن هيمنة الدولار، لأنه الأداة الرئيسة في الهيمنة الأمريكية على النظام الاقتصادي العالمي”، ومنذ عام 2011 أضافت سوريا الروبل الروسي واليوان الصيني إلى محفظتها من النقد الأجنبي”.
كما أبدت عدة دول موافقتها المبدئية على مقترح روسيا بشأن الروبل, وهذا كله ساهم في عودة الروبل إلى مستوياته شبه الطبيعية , وهي ما يقارب 78 روبل مقابل الدولار بعد أن صعد في بداية الحرب قاطعاً حاجز المئة وعشرين روبل لدولار الواحد, ومعوضاً الأن كل الخسائر السابقة.
ومع عودة الروبل لطبيعته عادت الأسعار أيضاً إلى طبيعتها, في الوقت الذي لم يشعر به سكان روسيا بأي تغيير يذكر على الأسعار, على العكس من ذلك فقد طرحت المتاجر تخفيضات معتادة لكل الأصناف الغذائية وغير الغذائية .
وبهذا نجد أنّ العقوبات لم تلق بظلالها على الروس بل ألقت بظلالها على الطرف الفارض لها, لنجد أنّ السكان في الدول الأوروبية يتسابقون نحو المتاجر, ويعانون من نقص في بعض المواد وارتفاع في مواد أخرى.
ففي ألمانيا لاقت الأزمة الخانقة سبيلاً إليها, ولجأ السكان لتخزين الأطعمة, ما أضطر وزير التغذية الألماني جيم أوزدمير أن يناشد الألمان إلى عدم الخوف وتكوين مخزونات غير ضرورية بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع الأسعار, وتحدث أوزدمير لـ”إذاعة صوت ألمانيا قائلا إنه” ليس هناك داع لذلك لقد قمنا بتأمين الإمدادات”، مضيفا أن “ممثلو القطاع التجاري أكدوا أنّ الوضع لديهم تحت السيطرة، والإمدادات مضمونة” ليأتي تصريح وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر محاكياً للواقع ومناقضاً لكلام وزير التغذية حيث بينّ كريستيان أنّ الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى خسارة الرّخاء بالنسبة للجميع في بلاده, وقال في 3 من أبريل/نيسان أنّ “الحرب في أوكرانيا ستجعلنا جميعا أفقر، نظراً لأنه سيتعين علينا مثلاً دفع المزيد مقابل الطاقة المستورة” .
بينما صرحت الخبيرة الاقتصادية الغربية فيرونيكا غريم بأنّ “خطر دوامة الأجور والأسعار يزيد بشكل كبير”، فيما توقعت المحللة الألمانية كاتارينا أوترمول حدوث تضخم يبلغ معدله 6 بالمائة في المتوسط خلال هذا العام, بحسب وكالة الأنباء الألمانية .
وفي السياق ذاته حذّر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان في 21 مارس/أذار من أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا ستؤدي إلى مجاعة في بعض المناطق بالعالم، داعيًا أوروبا والأمم المتحدة للاستعداد لأزمة غذاء عالمية.
ولم تتوقف الأزمة عند الغذاء الذي يرجى سبب ارتفاعه إلى ارتفاع في أسعار موارد الطاقة, والذي أدى بدوره إلى التأثير السلبي في جميع مناحي الحياة, حيث سجلت دول الاتحاد الأوروبي ارتفاعاً في أسعار الطاقة قدره4.1٪ على أساس شهري في شباط/فبراير، بعد زيادة بنسبة 3.5٪ في يناير/كانون الثاني، حسب تقرير لمكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوربي “يوروستات”.
ولم يقتصر تأثير أزمة الطاقة على ارتفاع الأسعار بل طالت قطاع الصيد الأوروبي, وبحسب روسيا اليوم حذّر عضو البرلمان الأوروبي عن إسبانيا نيكولاس غونزاليس كاساريس في رسالة إلى المفوضية الأوروبية، من تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة على قطاع الصيد الأوروبي بشكل عام، والإسباني بشكل خاص, وقال أنّ ” المحروقات تشكل ما يصل إلى نصف نفقات صناعة الأسماك، وفي ظل تضاعف أسعار الوقود في أوروبا فإن قطاع صيد الأسماك يتأثر بشكل مباشر بأزمة أسعار الطاقة”, ونوه نيكولاس إلى أنّ الاستمرار في ازدياد أسعار الوقود يمكن أن يقوض الأمن الغذائي في بعض المناطق الأوروبية, في الوقت الذي أكدّ فيه أنّ الموارد السمكية هي حلقة وصل مهمة في الأمن الغذائي الأوروبي، وتؤثر تكلفة الوقود على سلاسل التوريد في مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية.
ويعد هذان السلاحان “الأمن الغذائي” و”الطاقة” من بين أقوى الأسلحة اللذين تواجه روسيا أعدائها فيهما, ويلي هذين السلاحين في الأهمية سلاح خفي و لم يصبح قيد الاستخدام بعد وهو “الذهب”, وهي التي تملك “روسيا” أكبر احتياطي للذهب في أوروبا إضافة إلى احتياطي النقد, وقالت وزارة المالية الروسية في منتصف الشهر الفائت أنّ روسيا أنتجت 346.42 طن من الذهب في 2021، ارتفاعاً من 340.17 طن في 2020 , مسجلة مستويات قياسية هي الأعلى على الإطلاق.
وبهذا الاحتياطي وحده تستطيع روسيا العيش لعقود, حيث يعد الذهب الملاذ الأفضل في الأوقات الصعبة، وإضافة لغنى روسيا باحتياطي الذهب, فهي مصدر هام للأسمدة, ولا غنى عنها به, هذا الأمر دفع الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات عن صادرات الأسمدة المعدنية من روسيا.
وبحسب موقع روسيا اليوم ونقلاً عن نوفوستي قال أوليغ سيروفاتكين المحلل البارز في شركة “أوتكريتيي انفستمنت” إنّ قرار السلطات الأمريكية رفع العقوبات عن الأسمدة الروسية هو إجراء مفهوم وقسري, من أجل تلافي النقص في هذه المنتجات وتجنب تأثير ذلك على القطاع الزراعي الأمريكي مبيناً أن استمرار العقوبات على روسيا سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار المنتجات الزراعية في العالم، ما سيؤدي إلى تسارع تضخم أسعار المواد الغذائية، وهي مشكلة عالمية.
ورجّح أوليغ أن يقوم الاتحاد الأوروبي بخفض الرسوم المفروضة عل

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *