دولة فلسطينية لله يا محسنين!

 دولة فلسطينية لله يا محسنين!

عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان
الحديث المتصاعد حاليا عن الاعتراف بقيام دولة فلسطينية غطى على حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة، واضفى “شرعية” على المطالبات والشروط الإسرائيلية بنزع سلاح المقاومة، واعتباره العقبة في الوصول الى هذه الدولة، وليس دولة الاحتلال الإسرائيلي التي حولت القطاع الى مقبرة مفتوحة، بقتلها أكثر من 60 الف شهيد حتى الآن، وإصابة 150 الفا آخرين، وتدمير البنية التحتية بشكل كامل و85 بالمئة من المنازل.
هناك أربعة مواقف لا بد من التوقف عندها تؤكد النوايا الحقيقية نحو هذا التحرك للاعتراف بهذه الدولة الوهمي والقديم المخادع المتجدد.
الأول: اعلان كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني بأن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطينية في أيلول (سبتمبر) المقبل، الا اذا اتخذت “إسرائيل” إجراءات معينة مثل تحسين الأوضاع في قطاع غزة، وهذا يعني ان المسألة ليست قناعة ومبدأ، وانما مساومة لا أكثر ولا أقل.
الثاني: تأجيل هذا الاعتراف بالدولة الوهمية الى أيلول (سبتمبر) المقبل، وليس الآن، مما يعني إعطاء “إسرائيل” أكثر من شهر لإنجاز مهمتها في إبادة مليونين من اهل القطاع جوعا او بالرصاص، وتهجيرهم بالإكراه الى سيناء او دول أخرى بعيدا جدا عن فلسطين مثل ليبيا واندونيسيا واثيوبيا.
الثالث: اتفاق الدول التي شاركت في مؤتمر حل الدولتين في نيويورك للتمهيد لقيام هذه الدولة على ربط قيامها بنزع سلاح المقاومة، أي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتسليمه الى “السلطة الفلسطينية”، وكان لافتا ان ست دول عربية وافقت على هذه الخطوة من بينها مصر والمملكة العربية السعودية وقطر.
الرابع: معارضة ترامب رئيس الدولة التي تتزعم “العالم الحر” لقيام هذه الدولة ولو على الورق، باعتبارها “مكافأة” لحركة “حماس”، وهذا يعني ان “الفيتو” الأمريكي جاهز جنبا الى جنب مع عصا أمريكا الغليظة، وسيكون بعض حلفائها العرب اول المتراجعين والمطيعين.


لم تجرؤ أي دول من تلك التي لوحت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على تجريم دولة الاحتلال، والمطالبة بفرض العقوبات عليها، أسوة بروسيا وكوريا الشمالية، وأفغانستان، والعراق، وليبيا، وايران، والأخطر من ذلك ان بعض هذه الدول مثل بريطانيا وفرنسا لن تتوقف عن تزويدها لإسرائيل بالذخائر والصواريخ والأسلحة الحديثة المتطورة التي تستخدمها في حرب الإبادة والتجويع في القطاع المنكوب لإفناء أهله.
22 شهرا والمفاوضات مستمرة في القاهرة والدوحة برعاية أمريكية لم تنجح مطلقا في منع حرب الإبادة او فتح المعابر لدخول المساعدات الغذائية والأدوية، او منع قصف المستشفيات، فهل هؤلاء يمكن ان يقيموا دولة فلسطينية، وأين في قطاع غزة المدمر، ام الضفة الغربية التي شرّع الكنيست الإسرائيلي ضمها رسميا، بعد ضمها عمليا.
نستغرب هذا “الاحتفال” بإعلان بعض الدول عن عزمها بـ”الاعتراف” بالدولة الفلسطينية، وكأنها تفاحة أرشميدس التي ستغير الكون، وستحل كل قضايا العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديدا، وربما يفيد التذكير بالمثل الشعبي الذي يقول “الجنازة حارة والميت كلب”، ونسوق بعض النقاط:
أولا: وعد بلفور البريطاني الذي أعطى اليهود الحق في بناء كيانهم على الأرض الفلسطينية اكد على احترام وعدم التعدي على حقوق الشعب الفلسطيني.
ثانيا: قرار التقسيم رقم 181 الذي صدر عن الأمم المتحدة 1947 أكد على قيام دولة للفلسطينيين جنبا الى جنب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ثالثا: قرار 242 الاممي الصادر عن مجلس الامن بعد حرب الأيام الستة عام 1967 أيضا أكد على قيام الدولة الفلسطينية واعترفت به منظمة التحرير الفلسطينية.
رابعا: اتفاقات أوسلو التي جرى توقيعها في حديقة البيت التبيض في أيلول (سبتمبر) عام 1993، وفاز رعاتها وموقعوها فلسطينيين كانوا او إسرائيليين او امريكان بجائزة نوبل للسلام، الم تنص على قيام دولة فلسطينية؟
خامسا: ألم تضع اللجنة الرباعية الدولية التي تشكلت عام 2002 خريطة طريق لقيام الدولة الفلسطينية، وضمت هذه اللجنة الأمم المتحدة وروسيا أمريكا الاتحاد الأوروبي لوقف الانتفاضة الفلسطينية المسلحة التي هزت الكيان، فأين هي وأين خريطة طريقها؟
سادسا: ألم تعترف 142 دولة بما فيها فرنسا بالدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية والقطاع اثناء اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، فما هو الجديد اليوم.
سابعا: ألم تأت إدارة باراك أوباما وبدعم من توني بلير بالدكتور سلام فياض كرئيس لوزراء السلطة عام 2007 لإعداد البنى التحتية للدولة الفلسطينية التي أكد الرئيس الأمريكي انها ستقام بعد عامين وانطلاقا من الجمعية العام للأمم المتحدة؟


هذه الفورة العالمية المسرحية التي تتصدرها بعض الدول الأوروبية خصوصا وتتمحور حول “وعد” بالاعتراف بدولة فلسطينية، تأتي لإنقاذ إسرائيل من حملة الكراهية الضخمة والمتصاعدة ضدها في العالم بأسره، والغربي على وجه الخصوص، بعد فشلها في تحقيق أي من اهداف عدوانها على قطاع غزة، وأبرزها الافراج عن الرهائن الاسرى، والقضاء على المقاومة بزعامة حماس في القطاع، وتهجير أبنائه.
من المؤلم ان السلطة في رام الله التي أقدمت على أبشع خيانة في التاريخ، الحديث منه والقديم، بتحولها الى أداة لخدمة الاحتلال للأرض الفلسطينية، هي من أكثر المتحمسين لهذا الاعتراف الوهمي بالدولة، وتتجاهل حقيقة دامغة انها تتفاوض منذ 32 عاما مع إسرائيل لتطبيق اتفاقات أوسلو، بينما كانت دولة الاحتلال تبتلع الضفة الغربية، وتوطّن 850 الف مستوطن فيها مكافأة لها على “تعاونها”، وتستكمل عملية ضمها بقرار تشريعي من الكنيست.
انها خدعة كبيرة اسمها الاعتراف، الشفهي، والورقي، والتخديري بدولة فلسطينية، ومن منّ؟ من الذين يزودون إسرائيل بالسلاح والمال، والبرامج النووية، وبدعم من بعض شهود الزور العرب.
نحن لا نشتري الوهم، ولا نريد لأمتنا ان تُلدغ من الجحر نفسه للمرة العاشرة دون ان تتعظ، ونسير على نهج الشاعر والمفكر الكبير معين بسيسو إبن غزة الذي قال في أحد قصائده ” أنت إن نطقت متْ وأنت إن سكت متْ قلها ومتْ!”.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *