دمج لبنان في سورية خطة أمريكية إسرائيلية تتسارع ومهندسها توم برّاك يضع الاساسات الأولى في الدوحة.. والتطبيع اللبناني المتسارع يترسخ كخطوة أولى نحو “سلام ابراهام”.. وما هي فرص النجاح والفشل؟
عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
لا نعتقد ان توماس برّاك المبعوث الأمريكي الى لبنان وسورية قد قرر الانضمام الى الحزب القومي السوري الاجتماعي الذي أسسه المرحوم انطون سعادة، الذي من أهم شعاراته قيام سورية الكبرى التي تضم لبنان وسورية وفلسطين والأردن باعتبارها كيانا واحدا، والأهم من ذلك حماسه الواضح ان تكون الخطوة الأولى على هذا الطريق هو دمج لبنان في “سورية (احمد الشرع)، لانهما يمثلان حضارة رائعة”.
السيد برّاك اللبناني الأصل فجّر هذه القنبلة في كلمته التي القاها يوم الجمعة في منتدى الدوحة الاستراتيجي، وهي ليست المرة الأولى التي يتحدث عن هذه الخطوة، مما يؤكد انها ليست زلة لسان، او عبارة عابرة، وانما هي خطة استراتيجية مدروسة بشكل جيد من قبل الإدارة الامريكية التي يتزعمها دونالد ترامب التي تؤمن ايمانا مطلقا، بنظرية السلام المفروض بالقوة، التي تعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو وليكوده على الخصوص على فرضها على منطقة الشرق الأوسط لتعزيز السلام الابراهيمي، وتمهيدا لقيام إسرائيل الكبرى.
إصرار السيد برّاك ورئيسه ترامب، على نزع سلاح “حزب الله” في لبنان، وحركة “حماس” في قطاع غزة، يأتي في إطار هذا المخطط، أي دمج لبنان في “سورية الجديدة” لان سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان، وربما لاحقا في اليمن، يقف صخرة ضخمة في طريق هذا المخطط، ولهذا يجب نزعه سواء بالمفاوضات (مصيدة أخرى)، او بالقوة والغارات، وفي أسرع وقت ممكن.
“الإنجاز” الأكبر الذي حققته الولايات المتحدة الامريكية، بتغيير النظام في سورية الذي يحتفل به الرئيس الشرع ومؤيدوه بالذكرى السنوية الأولى له اليوم يتمثل في التصريح الذي أدلى به السيد برّاك نفسه بعد اللقاء “التاريخي” الذي تم في البيت الأبيض بين الرئيس السوري المؤقت (الشرع) والرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي أعلن بعده برّاك “ان انضمام الشرع للتحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) جاء بعد موافقته على التعهد بمحاربة المنظمات الإرهابية في المنطقة وخاصة “حزب الله” في لبنان، وحركة “حماس في غزة والضفة الغربية.
دمج لبنان في سورية هو الاطار “الشرعي” المستقبلي لتغيير لبنان، وإلغاء صيغته وهويته، وتذويب تركيبته الحالية، السياسية والطائفية والاجتماعية الحالية، ولمصلحة حكم على أسس طائفية، مسيطرة بزعامة أحمد الشرع، وتحت الجناح الأمريكي الإسرائيلي، في إطار نظام أمني شرق اوسطي جديد وموسع يرفع علم “سلام ابراهام” الذي ستتوسطه نجمة داوود السداسية الزرقاء.
عدم التزام إسرائيل بإتفاق وقف إطلاق النار، واختراقها له أكثر من 7000 مرة حتى الآن، ومواصلة الغارات على لبنان، والحاضنة الشيعية لحزب الله على وجه الخصوص، في جنوب لبنان والهرمل والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، والتلويح بحرب شاملة تدميرية ضد لبنان، كلها أوراق ضغط على السلطات اللبنانية للرضوخ، ورفع الراية البيضاء استسلاما للإملاءات الامريكية الإسرائيلية، فإسرائيل تأخذ ولا تعطي، وتوقع اتفاقات من اجل خرقها، وتحتل أراضٍ للبقاء فيها، فلماذا تحتل خمس مناطق في جنوب لبنان، وهل استخرج لبنان نفطه وغازه بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وألم تحتل معظم الجنوب السوري وتسعى للمزيد؟
من المؤلم ان السلطة اللبنانية الحاكمة بدأت ترضخ لهذه الضغوط، والذريعة المعلنة هي تجنب اجتياح إسرائيلي جديد وشامل للبنان، والخطوة الأولى هي القبول بالمشاركة في لقاء رأس الناقورة والتفاوض “المباشر” مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في إطار ما يسمى “الميكانيزم”، أي لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، ودون اي استفتاء او مناقشة في البرلمان، ففي هذا اللقاء الأول قبل أسبوع برعاية أمريكية جرى الاتفاق على تفاهمات أمنية واقتصادية، وسيعقد اللقاء الثاني يوم 19 من شهر كانون الأول (ديسمبر) الحالي، ويقولون للشعب اللبناني انه ليس تطبيعا ولا اتفاق سلام، ويجد هذا التضليل من يدعمه ويروج له سياسيا واعلاميا.
اللافت ان السيدين نبيه بري رئيس البرلمان، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، اكدا في اجتماعهما الثنائي في مقر الرئيس بري امس الاحد انهما “يرفضان” التفاوض مع إسرائيل تحت النار”، وهذا يعني القبول به، وربما توسيعه اذا أوقفت إسرائيل قصفها لأهداف في مناطق لبنانية متعددة، ابتداء من الجنوب، ومرورا بالبقاع، وانتهاء بالضاحية الجنوبية، فالمشكلة ليست اللقاءات المباشرة او التطبيع العسكري والاقتصادي، وانما “القصف” فقط، فاذا توقف القصف كل شيء سيكون على ما يرام.
انه بداية التطبيع، وخطوة أولى على طريق انضمام لبنان، ومن بعده سورية، لسلام ابراهام بحيث تصبح دولة الاحتلال محاطة بسور من دول المواجهة المطبعة، بحيث يكتمل النصاب، وتتحول دول المواجهة “سابقا”، الى دول الحماية المستقبلية، بما يتيح المجال لقيادة دولة الاحتلال وامريكا للتفرغ للخطوة الثانية والاهم وهي إقامة دولة “إسرائيل الكبرى” فوق جميع الأراضي السورية واللبنانية والأردنية والفلسطينية، ومعظم العراق والشمال السعودي بما في ذلك مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولا ننس الشمال المصري وكل سيناء.
نحن نتحدث هنا عن مخطط إسرائيلي امريكي واضح المعالم، يجري تطبيقه على الأرض بالتقسيط الدموي في ظل انفراط سبحة الجيوش العربية الحبة تلو الأخرى، واستسلام معظم او جميع، الحكومات العربية، الواحدة تلو الأخرى، خوفا ورعبا من دولة الاحتلال وطائراتها وصواريخها، شكرا للمقاومة في غزة التي شذت عن هذه القاعدة، وحافظت على ما تبقى من كرامة الامه وما زالت، ولم تبخل مطلقا بتقديم التضحيات، انها الجمر تحت رماد الاستسلام والخنوع، ولن ترفع الرايات البيضاء.. والأيام بيننا.
