خبايا وخفايا (أوسلو): ما علاقة رأس المال؟ هدف الكيان الرئيسيّ كسر المقاطعة العربيّة لتسببها بأضرارٍ اقتصاديّةٍ لإسرائيل ومنع تطوير اقتصادٍ فلسطينيٍّ… بعد الاتفاق ارتفعت نسبة البطالة بالمناطق الفلسطينيّة ومؤشر استهلاك الفرد تحطّم
الإنتشار العربي :اعتمادًا على بروتوكولاتٍ إسرائيليّةٍ سريّةٍ كُشِف النقاب عن أنّ أحد أهم أهداف اتفاق (أوسلو) كان وما زال إفشال المقاطعة العربية الكبرى التي تسببت بمعاناة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، ومنع تطور الاقتصاد الفلسطيني بما يضمن عدم تشكل أيّ منافسة فلسطينية، وذلك بحسب تحقيقٍ نشرته صحيفة (هآرتس) العبريّة بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على توقيع الاتفاق.
وأوضحت الصحيفة، استنادًا لشهادات من مسؤولين إسرائيليين شاركوا في الاتفاق أنّ “خلف اتفاق أوسلو السياسيّ، وقف جبابرة لهم مصالح اقتصادية خاصة، من نخبة رجال الأعمال في الكيان، الذين أيّدوا الاتفاق واستثمروا فيه بأموالهم من أجل الدفع قدمًا بمشروع السلام”.
وشدّدّت الصحيفة على أنّ “سبب ذلك ليس سرًا، ففي أعقاب المقاطعة العربيّة الكبرى، عانى الاقتصاد الإسرائيليّ من العزلة ومن عدم القدرة على الوصول إلى السوق العالميّة ورؤوس الأموال الأجنبيّة، وفي عصر العولمة وتوسيع السوق العالميّة فقد احتاج كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، وخاصّةً أولئك الذين لديهم نوايا لتطوير التصدير مثلما في صناعة (الهايتك) التي كانت في حينه في المهد، إلى اتفاقٍ سياسيٍّ مع الفلسطينيين سيؤدّي لرفع المقاطعة ويمكن من الوصول إلى أسواقٍ جديدةٍ واستثماراتٍ أجنبيّةٍ“.
وأشارت الصحيفة، إلى أنّ “الطريق لاتفاق سياسي شملت ضفدعًا صعبًا على الابتلاع بالنسبة لجزء من النخبة المالية؛ وهو تطوير اقتصاد فلسطيني مستقل قابل للعيش، الذي اتفق طاقم الاستشارة الاقتصادي في المفاوضات السياسية على أنّه شرط رئيسي للسلام“.
وأضافت: “خلال سنوات الاحتلال قامت إسرائيل بشكل متعمد بقمع تطوير الصناعة الفلسطينية واستغلت السوق الفلسطينية وقوة العمل الفلسطينية المأسورة، وهذه الشروط شكلت دفيئة لنمو صناعة إسرائيلية تقوم على علاقات استغلال كولونيالية، التي تفتقد القدرة على مواجهة منافسة حقيقية في السوق المحلية”.
وتابعت: “لذلك، رجال الصناعة في إسرائيل الذين قاموا بالإنتاج للسوق المحلية، حرصوا على ألّا تتطوّر في المناطق الفلسطينية صناعات محلية مزدهرة، مع سياسة جمارك مستقلة، تنافس الصناعة الإسرائيلية، وبالتالي إغراق السوق الإسرائيلية بمنتجات رخيصة مصدرها المناطق الفلسطينية أوْ دول من العالم الثالث، التي لم يكن لإسرائيل أي اتفاقات تجارية معها، وحذروا في حينه حكومة إسحق رابين، من أنّ هذا سيؤدي لفقدان الدخل وموجة إقالات للعاملين، واستمعت لهم الحكومة“.
وأكّدت الصحيفة أنّ “رجال الصناعة في إسرائيل، ضغطوا بشكلٍ شديدٍ قبل المفاوضات الاقتصادية في باريس، من أجل منع تطور منافسة فلسطينية، وفي الحقيقة وثائق ومحاضر جلسات ومراسلات بين رجال الصناعة والسياسيين في أرشيف الدولة غير متاحة لمعظم الجمهور، ولكن نظرة على اتفاق باريس تكفي كي تشكل الدليل والشهادة على علاقات رأس المال مع السلطة“.
وأفادت أنّ “إسرائيل فرضت في الاتفاق على السلطة الفلسطينية سياسة استيراد استغلالية، كانت ملائمة لاحتياجات رجال الصناعة في إسرائيل؛ فبدلا من السماح بالاستيراد والتصدير بحرية، أجبرت إسرائيل السلطة على إخضاع منتجات فيها إمكانية كامنة لمنافسة الصناعة الإسرائيلية لقانون الجمارك الإسرائيلي، والمنتجات التي سمحت إسرائيل للسلطة فيها بوضع سياسة جمرك مستقلة ورخيصة، لا سيما من مصر والأردن، كانت مقيدة بحصص لمنع وصولها إلى السوق الإسرائيلية، والمثال البارز على ذلك الإسمنت، وهو منتج رئيسي للتنمية الاقتصادية“.
وفي كانون الثاني (يناير) 1994، بعد نحو عام على اتفاق أوسلو، عقدت في الكنيست جلسة للجنة المتابعة تمّ فيها مناقشة الملحق الاقتصادي في اتفاق باريس، ونقلت عن نائب منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة، تأكيده في تلك الجلسة أنّه “تم وضع قيود على الإسمنت، والمنتجات الإشكالية تم تقييدها“.
ولفتت الصحيفة إلى أنّه “في السنوات التالية، على الفور بعد التوقيع على اتفاق باريس، ارتفعت نسبة البطالة في المناطق الفلسطينية ومؤشر استهلاك الفرد تحطم، وَمَنْ يبحث عن سبب فشل اتفاقات أوسلو يجب عليه النظر إلى التشويه الاقتصاديّ لاتفاق باريس”.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إنّ “اتفاق باريس فشل في السعي لتحقيق النمو للصناعة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة (المحاصر)، ورغم المصالح المتبادلة المعلنة للنخبة الاقتصادية والنخبة السياسية في الطرفين، أنّ العملية السلمية ستنجح، فإنّ المركب الأساسي الذي كان يمكنه ضمان نجاحه، ازدهار اقتصادي في المناطق الفلسطينية، لم يتحقق، ورجال الصناعة في إسرائيل حققوا مطلبهم، والثمن يدفعه الجمهور الفلسطيني حتى الآن والإسرائيلي أيضًا”، على حدّ تعبيرها.
ربّما لهذا السبب وأسبابٍ أخرى، يُواصِل اليمين الإسرائيليّ الرافِض لاتفاق (أوسلو) التمسّك بالاتفاق لأنّه يجلِب الفوائد للكيان ويُحقق مصالحه الأمنيّة، وبالمُقابِل يمنع أيّ فرصةٍ لإقامة دويلةٍ فلسطينيّةٍ في مناطق تمّ احتلالها في عدوان 1967، والأخطر من ذلك أنّ فلسطين تبقى متعلقةً بالاقتصاد الإسرائيليّ، دون إمكانية تطويرٍ اقتصاديٍّ مُستقّلٍ.