حمد حسن التميمي: الشيروفوبيا.. لماذا يخشى البعض شعور الفرح؟

 حمد حسن التميمي: الشيروفوبيا.. لماذا يخشى البعض شعور الفرح؟

الإنتشار العربي :حمد حسن التميمي
كل إنسان على وجه الأرض مدفوع بطاقتين: طاقة السعي خلف اللذة، وطاقة الهروب من الألم. ربما شهدت أشخاصاً يستمتعون بالألم، لكن حتى هؤلاء مدمنون على ما يسمى «لذة الألم» أي أنهم في النهاية يطلبون اللذة لكن مفهومها بالنسبة إليهم مختلف، حيث تصبح الأحزان وكل ما يثير الأشجان جالباً للذة خاصة يدمنونها، بينما يبتعدون عن البهجة والفرح لأنه يثير في دواخلهم الخوف والإحساس بالضيق، وبأن الأمور لا تسير بشكل صحيح.
بعض الناس يجتاحهم شعور مريب إذا وجدوا أن كل شيء في حياتهم يسير بصورة جيدة، إلى درجة أنهم يخترعون المشاكل وينبّشون عن الآلام حتى يشعروا أن كل شيء على ما يرام! أما مرد ذلك فيرجع إلى شعورهم بالخوف الذي يصل إلى حد الرهاب من الفرح والبهجة، الأمر الذي يخلق في أذهانهم نفوراً عقلانياً من الإحساس بالسعادة، وخوفاً من المشاركة في أي نشاط يجلب المتعة والغبطة، يتطور شيئاً فشيئاً ليصبح حالة مرضية تسمى «الشيروفوبيا» أو «رهاب السعادة».
صحيح أن الفرح مطلب عالمي، حتى أن الأمم المتحدة جعلت 20 مارس اليوم العالمي للسعادة، لكن يجب ألا ننسى أن هناك من يخشى السعادة، فيتجنب المواقف المبهجة والتجارب السعيدة، مثلما يتجنب الأسوياء المواقف السيئة والتجارب الأليمة.
بناء على ذلك، يتشكل لدى الأشخاص الذين يعانون من رهاب السعادة نفور من أي شيء يشعرهم بالسرور، لأنهم يخافون أن يحدث شيء سيء في حياتهم إن هم شعروا بالفرح من خلال القيام بأنشطة ممتعة.
يعد الأطباء النفسيون الشيروفوبيا شكلاً من أشكال اضطراب القلق، يتمثل في الخوف غير المنطقي من خطر وهمي يدفع الشخص إلى الامتناع عن الأنشطة الممتعة خشية أن يصيبه مكروه.
بعض الاختصاصيين يرجحون أن منشأ مثل هذا الاعتقاد هو الطفولة، حيث يحدث خلل لدى الطفل في الربط بين السعادة والعقاب، خصوصاً إذا اعتاد على حدوث شيء سيء مباشرة عقب حدث سعيد.
ولهذا، فإن الأشخاص الانطوائيين هم الأكثر عرضة للشيرفوبيا كونهم يمارسون الأنشطة عادة لوحدهم، وكذلك الأشخاص الكماليون الذين ينشدون المثالية، مما يدفعهم إلى الاعتقاد بأن السعادة هي صفة من صفات الأشخاص غير المنتجين والكسالى، وبالتالي يتجنبون الأنشطة الباعثة على السعادة، لأنها في نظرهم تخلو من أي فائدة.
بصرف النظر عن الأسباب الكامنة وراء رهاب السعادة، إلا أن العلاج السلوكي، وتعليم الإنسان كيف يفكر بإيجابية وعقلانية هو خير علاج لهذه الظاهرة. ويمكن في بعض الحالات غير المستعصية أن يعالج المرء نفسه بنفسه من خلال تأصيل التفاؤل في داخله، ومحاربة الأفكار السامة، والإيمان بالقضاء والقدر. كما أن ممارسة التمرينات الرياضية، وتدريبات الاسترخاء القائمة على التنفس العميق، إلى جانب كتابة اليوميات يمكن أن تكون ذات فائدة عظيمة.
من الأشياء المساعدة أيضاً هو التعرض لأحداث ومواقف تبعث على السعادة، لإقناع الشخص بأن الفرح لا ينطوي على آثار سلبية سيئة بالضرورة، مما يساعده على تغيير نمط تفكيره، والخروج من دائرة القلق والتفكير السلبي.
تفيد بعض الدراسات أن أفضل مكان تبدأ منه عملية التشافي هو الماضي، حيث يمكن للشخص المصاب بالشيروفوبيا أن يكتشف أسباب معاناته، ويتعلم مسامحة نفسه على أخطائه السابقة، متقبلاً العثرات والسقطات الماضية على اعتبارها جزءاً من رحلة النمو والنجاح.
إن التعامل مع هذه الظاهرة أو الحالة يحتاج إلى بعض الوقت، لهذا يجب أن نكون صبورين خلال رحلة الشفاء، وألا نتعجل النتائج، ونثق في قدرتنا أو قدرة الشخص الذي يعاني من رهاب السعادة على تجاوز هذا التحدي في نهاية المطاف وصولاً إلى الاستمتاع باللحظات السعيدة، دون التفكير بما يحمله الغد من مفاجآت.
كاتب قطري

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *