حرب إسرائيل على إيران أتت بنتائج عكسية

واشنطن – سعيد عريقات
بحسب الخبراء، فقد خلّفت الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران والتي استمرت اثنتي عشرة يومًا بين إسرائيل وإيران دمارًا واسعًا في كلا البلدين. ولكن أوضح ما يمكن استخلاصه هو أن مغامرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجريئة قد فشلت، “فعلى الرغم من أن الهجمة الإسرائيلية تعد واحدة من أكثر الحملات العسكرية عدوانية وجرأة في تاريخ إسرائيل، كانت الحرب قصيرة ومُؤذية، وفي النهاية لم تُحقّق أهدافها المُعلنة” بحسب مجلة فورين بوليسي.
وفق الخبراء، بدأت الحرب بهجوم إسرائيلي ُخطّط له بدقة. وتُوّجت سنوات من العمل الاستخباراتي بموجة من العمليات السرية – طائرات مُسيّرة مُركّبة داخل إيران، وخلايا نائمة تُفجّر قنابل، واغتيالات مُستهدفة لكبار الشخصيات العسكرية والعلماء. واعقبت ذلك غارات جوية تقليدية على قواعد عسكرية ومنشآت نووية مثل نطنز وفوردو. لكن أهداف إسرائيل امتدت إلى ما هو أبعد من البنية التحتية الإستراتيجية. فقد استُهدفت أيضًا أحياء سكنية وسجون ومكاتب إعلامية ومراكز شرطة، مما يُشير إلى إستراتيجية أوسع نطاقًا تهدف إلى بثّ الفوضى وإشعال فتيل الاضطرابات الداخلية.
وبحسب التقديرات كانت الخسائر البشرية فادحة. في إيران، قُتل ما لا يقل عن 610 أشخاص، من بينهم 49 امرأة و13 طفلاً وخمسة من العاملين في مجال الرعاية الصحية. وأصيب 4746 آخرون، من بينهم 20 من العاملين في مجال الرعاية الصحية. كما لحقت أضرار جسيمة بالبنية التحتية الطبية، حيث تضررت المستشفيات وسيارات الإسعاف ومرافق الطوارئ. في إسرائيل، أسفرت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية عن مقتل 28 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 3200. ونزح أكثر من 9000 إسرائيلي، وتضررت أو دمرت عشرات المنازل والمباني العامة، إلى جانب قواعد عسكرية، ووزارة الدفاع، وميناء حيفا ، وتعطل مطار بن غوريون، الخ.
“ومع انقشاع الغبار، لا يزال المدى الحقيقي للضرر داخل إيران غير واضح. ويكشف هذا الغموض عن معضلة جوهرية لإسرائيل وحلفائها الأميركيين: فالقوة العسكرية وحدها لا تضمن النجاح الاستراتيجي” بحسب سينا توسي، الزميلة غير المقيمة في “مركز السياسة الدولية ” الذي يتخذ من العاصمة الأميركية واشنطن مركزا له.
ورغم تعهد نتنياهو بتفكيك برامج إيران الصاروخية والنووية، وأمله الخفي في أن يتبع ذلك تغيير النظام، تمكنت إيران من الرد بسرعة. فأُطلقت صواريخ على مدن إسرائيلية وأهداف إستراتيجية. بعد انضمام الولايات المتحدة إلى الصراع بقصف المواقع النووية الإيرانية، صعّدت طهران من تصعيدها بضرب قاعدة العديد الجوية، وهي منشأة عسكرية أميركية في قطر، مما جرّ واشنطن إلى عمق الأزمة. ورغم أن الضربة على العديد كانت مُعلنة ومحدودة الأثر، إلا أنها وجّهت رسالةً مُتعمّدة: بإمكان إيران رفع مستوى المخاطر خارج حدودها.
في غضون 12 يومًا فقط من الضربة الإسرائيلية الأولى، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بشروط غامضة، تاركًا المنطقة في حالة من الهدوء المضطرب.
تقول توسي : “لا شك أن إسرائيل حققت نجاحات تكتيكية ملحوظة، مُلحقةً أضرارًا جسيمة بالقيادة العسكرية والبنية التحتية العلمية الإيرانية. لكن الأهداف الإستراتيجية تحمل وزنًا أكبر. بناءً على الأدلة المتاحة، لا تزال أهداف نتنياهو الأساسية – تقويض قوة الردع الإيرانية والتراجع بشكل ملموس عن عناصر برنامجها النووي التي تُشكّل أكبر خطر انتشار – دون تحقيق”.
وبحسب الخبراء، تكمن إحدى أهم الإخفاقات في الملف النووي. ولا يوجد تأكيد على أن قدرة إيران على تحقيق اختراق نووي قد تدهورت بشكل ملموس. بينما أصر مسؤولو إدارة ترمب على أن الضربات أعادت برنامج إيران إلى الوراء لمدة عامين، تشير التقييمات الاستخباراتية الأميركية والأوروبية المبكرة إلى خلاف ذلك. أظهرت صور الأقمار الصناعية الملتقطة قبل الضربات شاحنات ربما تنقل معدات حساسة من مواقع رئيسية، وكانت إيران قد أعلنت بالفعل عن بناء منشأة تخصيب جديدة وسرية ومحصنة قد لا تمس.
وتشرح الباحثة توسي : “الأهم من ذلك، يبدو أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة الخاصة بها – المكونات الأساسية لتطوير سلاح نووي – لا تزال سليمة. وكما حذر العديد من المحللين قبل الحرب، فإن التحقق من الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية النووية الإيرانية أمر مستحيل دون عمليات تفتيش على الأرض أو غزو واسع النطاق. وفي غياب أي منهما، يدخل البرنامج النووي الإيراني مرحلة أكثر غموضًا ولا يمكن التنبؤ بها”.