تجارب الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية في حرب غزة تثير مخاوف أخلاقية

 تجارب الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية في حرب غزة تثير مخاوف أخلاقية

واشنطن – سعيد عريقات 

ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” غي تحقيق لها نشر يوم السبت، 26 نيسان 2025، أنه في أواخر عام 2023، كانت إسرائيل تهدف إلى اغتيال إبراهيم البياري، أحد كبار قادة حماس في شمال قطاع غزة، والذي ساعد في التخطيط لهجوم 7 تشرين الأول 2. لكن المخابرات الإسرائيلية لم تتمكن من العثور على البياري، الذي اعتقدت أنه مختبئ في شبكة الأنفاق تحت غزة.

لذلك، بحسب الصحيفة، “لجأ الضباط الإسرائيليون إلى تقنية عسكرية جديدة مُعززة بالذكاء الاصطناعي، وفقًا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين مُطلعين على الأحداث”، مشيرة إلى أن “هذه التقنية طورت قبل عقد من الزمان، لكنها لم تُستخدم في المعارك.و شكّل العثور على البياري حافزًا جديدًا لتحسين الأداة، لذلك سارع مهندسو الوحدة 8200 الإسرائيلية، وهي النظير الإسرائيلي لوكالة الأمن القومي الأميركية، إلى دمج الذكاء الاصطناعي فيها، وفقًا لما ذكره هؤلاء الأشخاص”.

وبعد ذلك بوقت قصير، استمعت إسرائيل إلى مكالمات البياري واختبرت أداة الذكاء الاصطناعي الصوتية، التي أعطت موقعًا تقريبيًا لمكان إجرائه لمكالماته. باستخدام هذه المعلومات، أمرت إسرائيل بشن غارات جوية لاستهداف المنطقة في 31 تشرين الأول 2023، مما أسفر عن مقتل بياري. كما قُتل أكثر من 125 مدنياً في الهجوم، وفقاً لمنظمة Airwars، وهي منظمة تراقب الصراعات ومقرها لندن.

وكانت الأداة الصوتية مجرد مثال واحد على كيفية استخدام إسرائيل للحرب في غزة لاختبار ونشر التقنيات العسكرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي بسرعة إلى درجة لم يسبق لها مثيل، وفقاً لمقابلات مع تسعة مسؤولين دفاعيين أميركيين وإسرائيليين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأن العمل سري.

وبحسب الصحيفة قال شخصان مطلعان على البرامج إن العديد من هذه الجهود كانت شراكة بين الجنود المجندين في الوحدة 8200 وجنود الاحتياط الذين يعملون في شركات التكنولوجيا مثل جوجل ومايكروسوفت وميتا (فيسبوك). وأنشأت الوحدة 8200 ما أصبح يُعرف باسم “الاستوديو”، وهو مركز ابتكار ومكان لمطابقة الخبراء مع مشاريع الذكاء الاصطناعي، حسبما ذكر الأشخاص.

ومع ذلك، حتى مع تسابق إسرائيل لتطوير ترسانة الذكاء الاصطناعي، أدى نشر التقنيات أحيانًا إلى تحديد هويات خاطئة واعتقالات، بالإضافة إلى وفيات مدنية، حسبما قال المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون. وقد عانى بعض المسؤولين من الآثار الأخلاقية لأدوات الذكاء الاصطناعي، والتي قد تؤدي إلى زيادة المراقبة وقتل المدنيين الآخرين.

وقال مسؤولون في وزارات الدفاع الأوروبية والأميركية إنه لم تكن أي دولة أخرى نشطة مثل إسرائيل في تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي في المعارك في الوقت الفعلي، مما أعطى لمحة عن كيفية استخدام هذه التقنيات في الحروب المستقبلية – وكيف يمكن أن تسوء أيضًا.

وقالت هاداس لوربر، رئيسة معهد الأبحاث التطبيقية في الذكاء الاصطناعي المسؤول في معهد حولون للتكنولوجيا الإسرائيلي والمديرة الأولى السابقة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي للصحيفة: “لقد أدت الحاجة الملحة للتعامل مع الأزمة إلى تسريع الابتكار، ومعظمه مدعوم بالذكاء الاصطناعي”. لقد أدى ذلك إلى تطوير تقنياتٍ غيّرت قواعد اللعبة في ساحة المعركة، ومزايا أثبتت أهميتها في القتال.

لكن لوربر قالت إن هذه التقنيات “تثير أيضًا تساؤلاتٍ أخلاقيةً خطيرة”. وحذّرت من أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى ضوابط وتوازنات، مضيفةً أن البشر هم من يتخذ القرارات النهائية.

وقالت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي إنها لا تستطيع التعليق على تقنياتٍ محددة نظرًا “لطبيعتها السرية”. وأضافت أن إسرائيل “ملتزمة بالاستخدام القانوني والمسؤول لأدوات تكنولوجيا البيانات”، مضيفةً أن الجيش يحقق في الغارة على بياري، وأنه “غير قادر على تقديم أي معلوماتٍ إضافية حتى اكتمال التحقيق”.

ورفضت ميتا ومايكروسوفت التعليق للصحيفة، وادعت جوجل إن لديها “موظفين يؤدون خدمة الاحتياط في دولٍ مختلفة حول العالم. إن العمل الذي يقوم به هؤلاء الموظفون كاحتياطيين ليس مرتبطًا بجوجل”.

وسبق وأن استخدمت إسرائيل النزاعات في غزة ولبنان لتجربة وتطوير أدواتٍ تقنيةٍ لجيشها، مثل الطائرات بدون طيار، وأدوات اختراق الهواتف، ونظام القبة الحديدية الدفاعي، الذي يُمكن أن يُساعد في اعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة المدى.

وتقول الصحيفة : “بعد أن شنّت حماس هجمات عبر الحدود على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة، سُمح بسرعة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفقًا لأربعة مسؤولين إسرائيليين. وأضافوا أن ذلك أدى إلى تعاون بين الوحدة 8200 وجنود الاحتياط في “الاستوديو” لتطوير قدرات ذكاء اصطناعي جديدة بسرعة”.

وتنسب الصحيفة إلى آفي حسون، الرئيس التنفيذي لشركة ستارت أب نيشن سنترال، وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تربط المستثمرين بالشركات، قوله إن جنود الاحتياط من ميتا وجوجل ومايكروسوفت أصبحوا عنصرًا أساسيًا في دفع عجلة الابتكار في مجال الطائرات المسيرة ودمج البيانات. وأضاف: “لقد جلب جنود الاحتياط المعرفة الفنية وإمكانية الوصول إلى تقنيات رئيسية لم تكن متاحة في الجيش”.

سرعان ما استخدم الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي لتعزيز أسطول طائراته المسيرة. وقال أفيف شابيرا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إكستيند، وهي شركة برمجيات وطائرات مسيرة تعمل مع الجيش الإسرائيلي، إن خوارزميات مدعومة بالذكاء الاصطناعي استُخدمت لبناء طائرات مسيرة لتحديد الأهداف وتتبعها عن بُعد.

وقال: “في الماضي، اعتمدت قدرات التوجيه على التركيز على صورة الهدف. أما الآن، فيمكن للذكاء الاصطناعي التعرف على الجسم نفسه وتتبعه – سواء كان سيارة متحركة أو شخصًا – بدقة متناهية”. وقال شابيرا إن عملاءه الرئيسيين، الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع الأميركية، كانوا على دراية بالآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في الحرب وناقشوا الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا.

وصرح ثلاثة ضباط إسرائيليين مطلعين على البرنامج بأن إحدى الأدوات التي طورتها “ذا ستوديو” كانت نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية يُعرف باسم نموذج اللغة الكبير. (وقد سبق لموقع Plus 972، وهو موقع إخباري إسرائيلي فلسطيني، أن أشار إلى نموذج اللغة الكبير).

وواجه المطورون صعوبة في إنشاء مثل هذا النموذج بسبب ندرة البيانات باللغة العربية لتدريب التكنولوجيا. وعندما كانت هذه البيانات متاحة، كانت في الغالب باللغة العربية الفصحى المكتوبة، وهي لغة أكثر رسمية من عشرات اللهجات المستخدمة في اللغة العربية المنطوقة.

وقال الضباط الثلاثة إن الجيش الإسرائيلي لم يواجه هذه المشكلة. فقد شهدت البلاد عقودًا من الرسائل النصية التي تم اعتراضها، والمكالمات الهاتفية المكتوبة، والمنشورات التي تم جمعها من وسائل التواصل الاجتماعي باللهجات العربية المنطوقة. لذلك، أنشأ الضباط الإسرائيليون نموذج اللغة الكبير في الأشهر القليلة الأولى من الحرب، وبنوا روبوت دردشة لإجراء الاستعلامات باللغة العربية. قال أربعة مسؤولين إسرائيليين إنهم دمجوا الأداة مع قواعد بيانات الوسائط المتعددة، مما سمح للمحللين بإجراء عمليات بحث معقدة عبر الصور ومقاطع الفيديو.

وقال ثلاثة ضباط إسرائيليين للصحيفة إنه عندما اغتالت إسرائيل زعيم حزب الله حسن نصر الله في شهر أيلول الماضي ، قام روبوت المحادثة بتحليل الردود في جميع أنحاء العالم الناطق بالعربية. وقد ميزت التكنولوجيا بين اللهجات المختلفة في لبنان لقياس رد الفعل العام، مما ساعد إسرائيل على تقييم ما إذا كان هناك ضغط شعبي لشن ضربة مضادة.

وقال ضابطان إن روبوت المحادثة لم يتمكن في بعض الأحيان من تحديد بعض المصطلحات العامية الحديثة والكلمات التي تم ترجمتها من الإنجليزية إلى العربية. وقال أحد الضابطين إن ذلك تطلب من ضباط مخابرات إسرائيليين ذوي خبرة في لهجات مختلفة مراجعة عمله وتصحيحه.

وقال ضابطان في المخابرات الإسرائيلية إن روبوت المحادثة قدم أيضًا في بعض الأحيان إجابات خاطئة – على سبيل المثال، إعادة صور الأنابيب بدلاً من البنادق. ومع ذلك، قالا إن أداة الذكاء الاصطناعي سرّعت بشكل كبير البحث والتحليل.

عند نقاط التفتيش المؤقتة التي أقيمت بين شمال وجنوب قطاع غزة، بدأت إسرائيل أيضًا بتجهيز كاميرات بعد هجمات 7 تشرين الأول بقدرة مسح وإرسال صور عالية الدقة للفلسطينيين إلى برنامج التعرف على الوجوه المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وفق الصحيفة.

وواجه هذا النظام أيضًا صعوبة في بعض الأحيان في تحديد الأشخاص الذين حُجبت وجوههم. وأدى ذلك إلى اعتقال واستجواب فلسطينيين تم تحديدهم عن طريق الخطأ بواسطة نظام التعرف على الوجوه، وفقًا لضابطي مخابرات إسرائيليين.

كما استخدمت إسرائيل الذكاء الاصطناعي لغربلة البيانات التي جمعها مسؤولو المخابرات عن أعضاء حماس. قبل الحرب، بنت إسرائيل خوارزمية تعلم آلي – تحمل الاسم الرمزي “لافندر” – يمكنها فرز البيانات بسرعة للبحث عن مسلحين من المستوى المنخفض. تم تدريبها على قاعدة بيانات لأعضاء حماس المؤكدين، وكان الهدف منها التنبؤ بمن قد يكون جزءًا من المجموعة. وعلى الرغم من أن تنبؤات النظام كانت غير دقيقة، فقد استخدمتها إسرائيل في بداية الحرب في غزة للمساعدة في اختيار أهداف الهجوم.

ولم يكن هناك أهداف أكبر من العثور على القيادة العليا لحماس والقضاء عليها. كان بياري، قائد حماس الذي يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه لعب دورًا محوريًا في التخطيط لهجمات 7 تشرين الأول ، على رأس القائمة. واعترضت المخابرات العسكرية الإسرائيلية مكالمات بياري مع أعضاء آخرين في حماس بسرعة، لكنها لم تتمكن من تحديد موقعه. لذلك لجأوا إلى أداة الصوت المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي حللت أصواتًا مختلفة، مثل القنابل الصوتية والغارات الجوية. وقال ضابطان في المخابرات إنه بعد استنتاج موقع تقريبي لمكان إجراء بياري لمكالماته، تم تحذير المسؤولين العسكريين الإسرائيليين من أن المنطقة، التي تضم العديد من المجمعات السكنية، مكتظة بالسكان. وقالا إن الغارة الجوية ستحتاج إلى استهداف عدة مبانٍ لضمان اغتيال البياري. وقد أُعطيت الموافقة على العملية. ومنذ ذلك الحين، استخدمت المخابرات الإسرائيلية أيضًا أداة الصوت إلى جانب خرائط وصور لمتاهة أنفاق غزة تحت الأرض لتحديد مواقع الرهائن. وقال ضابطان إسرائيليان إنه بمرور الوقت، تم تحسين الأداة للعثور على الأفراد بدقة أكبر.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *