بين قمة ضد العرب وقمة عن العرب: أين العرب!

 بين قمة ضد العرب وقمة عن العرب: أين العرب!

د. عادل سماره

قاد تدهور الوضع العربي وتواصل تدهوره إلى تكريس التعاطي، حتى من عديد المثقفين العرب مع كل قطر عربي على حدة كما لو كان أمة منفصلة عن جوارها وكأن تجاور قطرين ليس سوى صدفة جغرافية!

ولا شك أن لهذا أسباب أو جدلية سوداء/ ديالكتيك القاع سواء بسبب الاستعمار أو تخليقاته المحلية أو حتى لجوء مثقفين عرب لردِّ هذا إلى تاريخ من الصراع والاقتتال السلطوي العربي حتى من ما قبل الإسلام، وكأن الأمم الأخرى كانت  قبل الفي سنة كما هي اليوم وأفضل!

كما أشرنا في مقال[1] قبل بضعة ايام أن غزوة بايدن كانت بقيادة امريكا نيابة عن الكيان والغرب وباستدعاء تسعة حكام عرب وبهدف بالنتيجة ضد الأمة العربية وخاصة فلسطين وسوريا وهي بالمعيار الأمريكي ناجحة لأن ما يهم راس المال وخاصة الإمبريالي هو المصالح وليس التصافح. وبالمقال اغتبط آخرون بوهم أنها غزوة فاشلة.

ثم كانت قمة طهران بين روسيا ويران وتركيا، بغياب العرب بينما موضوعها الأساسي هو العرب من حيث مواقف ومصالح المؤتمرين تجاه العرب وخاصة سوريا. وعليه، فإن الأخطر في هذه القمة هو غياب العرب عن قمة هم أولى أجنداتها وبالتالي ليمثلهم غيرهم بغض النظر عن العلاقة به.

وفي هذا يسمح المرء لنفسه، بل يجب، ان لا يرتبط ولا يرتهن ولا ينشبك تحليله وموقفه من اي أمر مع موقف نظام عربي تقدمي وحتى عروبي لأن حسابات الأنظمة ليس بالضرورة أن تعبر عن حسابات الأمة. اي يجب أن يكون المثقف الثوري المشتبك ضمير الأمة لا سياسة الدولة. فإذا كان مطلب النظام التابع هو عنق المثقف فمطلب النظام الوطني/ القومي القريب منه هو ولائه وعقله وموقفه.

ما نود التأكيد عليه والتمسك به هو أن الوضع الطبيعي والحق والواجب هو تمثيل عروبي للعرب لا تمثيل اصدقاء وحلفاء للعرب لأن أمة لا تمثل  نفسها هي تابعة بلا مواربة. ندرك أن كثيرين يرون هذا حلماً، ولكنه ليس بحلم إنما هو مشروع.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، علينا الحذر من استرجاع/إستدعاء تراث ولاءات عربية لغير العروبة وخاصة حزبية وثقافية كما كان البعض على أولوية ولاء للاتحاد السوفييتي بعيدا عن العروبة بل حتى إنكاراً لها لينتهي هذا الاسترجاع إلى ولاءات لإيران أو روسيا لأن في هذا ضياع للشخصية العربية التي هي فعلا قيد الاستهداف. هذا ناهيك عن ولاءات ما بعد الحداثة وما هو ضد السرديات الكبرى…الخ.

وعليه، فهذا التقوُّل من جانبنا ليس موجها ضد إيران أو روسيا ولكنه موجه لتجليس العلاقة بكل منهما في موضعها الصحيح النِدِّيْ تحديداً. وإذا رأى البعض أن العرب ليسوا نداً فالمطلوب الشغل ليعودوا نداً.

قد يصح القول بأن هذه القمة أساساً لمعالجة استكمال العدوان التركي ضد سوريا وليس فقط العدوان المتوقع. وهذا يردنا إلى أوانٍ ماضٍ لكن قريب أي اعوام 1956-58 حينما كان التهديد التركي ضد سوريا مما دفع مصر عبد الناصر لحماية سوريا بالوحدة، وبالمناسبة شهدت سنوات الوحدة الثلاثة أقل نسبة استجلاب مستوطنين إلى فلسطين المحتلة مقارنة بتاريخ الاغتصاب الصهيوني لفلسطين.

أنت مضطر للمقارنة اليوم لترى الانحدار العربي من حماية ذاتية إلى حماية اصدقاء. وهذا يعني أننا محمية لا حامية لذاتها، ولذا شبهنا الوطن الكبير بأنه إجهاض ضخم!

وإذا كانت سوريا قمة أجندة هذه القمة، فإن فلسطين غائبة بينما في قمة الرياض مستهدَفة بالمحو.

من ناحية رسمية لا يوجد أي محور رسمي عربي بالمعنى المستقل، هناك أنظمة  فقط لا تجمُّعا أو محورا، هناك سوريا، الجزائر، لكنهما ليسا في محور. هذا الواقع المر يدفع إلى الشغل لوجوب المحور الشعبي العربي لأن المصير والنهوض هو فقط بوطن عربي موحد وبالتالي بالضرورة قوي. وهذا يعني وجوب التوعية لإنجاز الطلاق بين الشعبي  والرسمي العربي كخطوة أولى لاستعادة أو استرداد الشارع العربي من تبعيات عديدة:

·       تبعية قُطْرية

·       تبعية ثقافية

·       تبعية للإمبريالية

·       صهينة

·       تبعية للدين السياسي

·       وتبعية لأصدقاء.

صحيح أن ما تهدف إليه روسيا وإيران هو لجم العدو التركي وهذا موقف عظيم لحماية سوريا وليس لدينا بديلاً  ولا مُكمِّلا له، ومع ذلك لا بد من التحشيد من أجل واقع عربي أفضل وموحد.

وهنا نتسائل: ما الذي قيل لأردوغان وما الذي يدور في راسه؟

لا شك: أن إيران وروسيا أفهمتا أردوغان بأن ما قامت به وستقوم به تركيا ضد سوريأ حتى بعيدا عن دورها في ليبيا وقطر…الخ، لا يمكن أن يستمر، ولا شك أن أردوغان طلب مقابل ذلك وبالطبع طرح دور الكر-صهاينة والذين قياداتهم خائنة وعدوة لسوريا أكثر من عدائها لتركيا.ولا شك أن اردوغان يعقد في ذهنه مفاضلة بين دخوله حلف روسي إيراني صيني…الخ وبين ما يتموضع فيه( بل يتموضع كل تركيا أي تيار الدين/سياسي والتيار العلماني وحتى معظم الشعب المحتقن بالحقد على العرب غضباً لأن العرب رفضوا 400 عامٍ من الاستعمار باسم الدين الذي هو عربي اصلا)  أي الناتو والكيان الصهيوني.

الحلف أو المحور الإيراني الروسي لا يحقق لتركيا يداً مطلقة ضد الأمة العربية بداية بسوريا. بينما المحور الغربي الصهيوني يحقق ذلك ويدفعه إلى هناك.

لكن اردوغان يدرك أن للدور التركي الذي لم يتوقف بعد حدوده، وربما هذا ما دفعه إلى قمة طهران ليقوم بشكل من اشكال الاستدارة باقل كلفة ممكنة لأن ما كانت تبغية تركيا في الحقيقة وليس فقط أردوغان هو فعلا إعادة تتريك الوطن العربي.

وهنا لا يمكننا تجاهل الميزة/الموهوبية الجغرافية لتركيا حيث الموقع يجعل منها مطلوبة للمحورين ولا بد أن تستثمر ذلك حتى النقطة الأخيرة. وقد حاولت تركيا ذلك ويبدو وصلت إلى أن الإناطة الناتوية الصهيوينة لتركيا وصلت حدها وخاصة على ضوء الصعود القطبي الروسي الصيني عالميا والإيراني مناطقيا وهي تطورات ملموسة لم يتمكن المحور الغربي من لجمها وبأنها تفرض نفسها عالمياً وهذا يرغم اردوغان على تفكير براجماتي على الأساسين المصلحي والاستراتيجي.

هنا يجد المرء أن عليه توليد عدة سيناريوهات:

·       هل يميل التركي لفهم الدرس الإيراني في العلاقة بالعرب بمعنى أن الحرب العراقية الإيرانية، بغض النظر عمَّن بدأها بان سبق الآخر لأن كليهما كان يتربص بالآخر، أفهمت إيران أن الصراع ليس المدخل، ولذا اتخذت نهجاً جديدا، هو التصالح والعمل مع العرب المقاومين للكيان والغرب ولها في ذلك مصلحة، والارتكاز على الإسلام إلى جانب الأساس القومي اي كون إيران دولة قومية،ولذا ركزت مصالحها في العراق على حساب العراق ولكن ساهمت وأنجزت في المقاومة اللبنانية وحماية سوريا.

وهنا يجب التأكيد أن تركيا لن تصل هذا المستوى من العلاقة بالعرب ابداً. وهذا كان عنوان ردنا في “كنعان الإلكترونية” (https://kanaanonline.org/) على الراحل أنيس النقاش بعنوان “إزدراءالعروبة من على فضائية العروبة! أنيس نقاش: العروبة وحدها عنصرية ويجب شطبها” (نشر على ثلاث حلقات بتاريخ بتاريخ 25 و26 و 27 سبتمبر 2013)، وذلك منذ سنوات في دعوته إلى  تحالف المشرقية (إيراني، تركي سوري عراقي) ووصفه العرب بالعنصرية حيث اقتطع هذين القطرين من الأمة! من جهة، وحيث توقع تركيا غير تركيا من جهة ثانية. وهذا الفارق بين إيران كأمة قديمة بجوارنا وبين تركيا وإثيوبيا.

·       هذا قد يغري أردوغان بأن يفهم أن تركيا مرفوضة من الغرب وبأن من مصلحتها التركيز على السوق العربي لها؟

·       وهذا يدفع للتساؤل هل ستتناقض مصالح تركيا وإيران في المدى الحيوي والسوق العربي أم يتقاسمان ذلك في غياب كتلة عربية إنتاجية بعد تقويض القاعدة الإنتاجية المصرية وغياب وحدة عربية استقلالية على الأقل؟

·       وهل يُغرى أردوغان بتخفيف عدائه لسوريا مع إطلاق يده في ليبيا والحصول على حصة من نفط المتوسط وفي الصومال ناهيك عن علاقته بقطر…الخ؟

·       هل يختار اردوغان الاصطفاف ضد الأمة العربية كليا فينضم لمحور العداء الثلاثي ضد العرب: أنظمة التبعية، الكيان والغرب بقيادة أمريكا؟ ربما حاول هذا لكن قمة الرياض بقيادة امريكا لم تدع له مقعداً ولم تبارك عدوانه على سوريا حماية من أمريكا لعميلها الكردي السوري.

·       هل يختار أدوغان إذن تراجع تدريجي عن عدوان تركيا ضد سوريا إلى جانب نصف صداقة مع روسيا ونصف صداقة مع إيران أي تناقض تحالفي؟ إلى جانب بقاء تركيا في المحور الغربي الصهيوني. لعل هذا هو الأقرب إلى الواقع القريب وذلك بحكم المصلحة واملاء المكان/الموقع ولأن تركيا جرى ابتنائها ضد العرب والشيوعية السوفييتية ومن ثم روسيا الحالية. وهذا ما إتضح في تصريحاته الملتبسة والمتناقضة بعد قمة طهران.

إن قمة طهران تحدٍ كبير لتركيا إلى حد يمكن القول معه بأنها بين مكسب كبير على المدى المتوسط أو خسارة كبيرة حالياً وعلى ضوء أن اردوغان يصر أن لا يخرج بلا مكسب؟ ليس في الوطن العربي فقط بل كذلك في دور تركي  ومصالح مع روسيا فيما يخص مصبات النفط والسياحة الروسية…الخ.

هذا عن تركيا، فماذا عن تأثير قمة طهران على عرب أمريكا؟

هل سيقود وهج هذه القمة إلى:

·       تصلب الخليج امريكيا

·       تراخي الخليج أمريكيا

·       هل يطمح بوتين في مصالحة ايران والخليج

لا يمكن لعاقل أن يتوقع أي تصلب خليجي ومن كافة  التوابع العرب ضد أمريكا لأن هذه الأنظمة تموضعت ضد الأمة، ولذا يستميت هؤلاء في خدمة أمريكا والكيان، وإن كان لهذا نصيب في الحصول فالأمر مبكراً من جهة وسيقانهم التابعة لا تقوى ببساطة على ذلك.

ولكن، عودة إلى موقف روسيا من محور المقاومة بمعنى:

·       هل ستتبع روسيا نهج الاتحاد السوفييتي في الاعتراف بالكيان والقول للعرب لا مباشرة إن تمكنتم من هزيمة الكيان فلن نقف ضدكم.

·       أم سوف تسلك روسيا طريق إضعاف ناعم ولا مباشر لمحور المقاومة وسحبه إلى التطبيع بدءا بتاثير روسي على سوريا؟ وهذا يتضمن بالطبع تغييب فلسطين مع خطورة هذا التغييب لأن فلسطين تشكل ناظما ومادة لاصقة للنهوض العروبي.

معظم هذه السيناريوهات مفتوحة، ولكن ما هو محسوم أن أي تحسن في العلاقة بتركيا لا يعني نسيان الأرض المحتلة منذ 1934 من قبل تركيا. وبأن اي نهوض عربي كما يبدو هو في تناقض مع تركيا وإثيوبيا كإضافات تحالفية للعدوين الغربي والصهيونية.

لعل العدوان أمس ضد العراق وتصريح أردوغان بأن الغزو المتوقع ضد سوريا لا يزال على الأجندة يوضحان كل من مأزق ونوايا تركيا.

من هنا وجوب إعادة إدارة الخطاب والإعلام العروبي بحيث يأخذ كل هذا بالاعتبار وهذه مهمة صعبة، لكن لا خيار. ولعل ما يجعلها اشد صعوبة هو أن الأنظمة الرسمالية العربية بطابعها أو جوهرها ما بين كمبرادوري وطفيلي ومحاسيبي وبيروقراطي وبالطبع تابع يؤكد أن الطبقة/ات البرجوازية العربية ليست الناقلة الموثوقة للمستقبل لأن المشروع النهضوي يشترط أن تكون حاملته هي الطبقات الشعبية العربية بقيادة حركة تحرر عربية ربما على شكل تحالف تاريخي باتجاه الوحدة والتحرير والتحرر والإشتراكية.

ملحق:

عادت بي الذكرة لقصيدة علمونا إيَّاها في المرحلة الابتدائية للشاعر والفيلسوف اللبناني العربي ميخائيل نُعيمة المسمى/ناسك الشخروب إثر نهاية الحرب الإمبريالية الثانية،تطابق وضعنا الحالي:

“أخي، إن ضجّ  بعد الحرب غربيٌ بأعماله

وقدَّس ذكر من ماتوا وعظَّم مجد ابطاله

 فلا تهزج لمن سادوا

ولا تشمت بمن دانا

بل اركع صامتاً مثلي

بقلبٍ خاشع دامٍ

لنبكي حظ موتانا

أخي من نحن لا أهل ولا وطن ولا دارُ

إذا قمنا ، إذا نمنا، رِدانا الخزي والعارُ

لقد خمَّت بنا الدنيا  كما خمت بموتانا،

فهات الرفش واتبعني

لنحفر خندقاً آخر، نواري فيه احيانا”

في النهاية فقط نخالف الشاعر بان الرفش لنحفر خندقاً للفاسدين والتوابع والأعداء.  فما من خيارٍ آخر.

_________

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *