باحثٌ إسرائيليّ: “مونديال قطر أثبت الطريق لما بعد القوميّة طويلةً”.. د. سمارة: “الكاتب وأمثاله يهدِفون لتمتّع الكيان بفلسطين واليهود بثروة العالم وانتقاله لبعد القوميّة دون عقابٍ وتجاهل عذابات الأمم”
الإنتشار العربي :قال الباحث الإسرائيليّ د. شلومو تسادوك، إنّ “المشاهدات العالية لمباريات المونديال مع مئات الملايين من المشاهدين يوميًا أظهرت مرّةً أُخرى أنّ المونديال ليس منافسة على لعبة كرة القدم فحسب، بل هو محرك لنمو الهوية الوطنية بصورة كبيرة، على عكس فكرة العولمة الوطنية والثقافية”.
ورأى في مقالٍ تحليليٍّ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة أنّه “خلال الأسابيع الأخيرة، جرى نقل 4 مباريات في كل مساء، وعرضت القنوات احتفالات الجماهير المؤيدة لبلادها وأوطانها. وحتى الصمت المدوي تحول إلى تعبير عن موقف وطني. على سبيل المثال، عندما قرر لاعبو المنتخب الإيراني عدم المشاركة في إنشاد النشيد الوطني الإيراني، تعبيرًا عن تضامنهم مع المتظاهرين في بلدهم”.
ولفت إلى أنّه “في المونديال، هناك رابحون وخاسرون، لكن هناك هزيمة واحدة موجودة في الخلفية: هزيمة سياسية أيديولوجية للرومانسيين الأيديولوجيين، مناصري اتجاه ما بعد القومية، الذين يريدون خلق نظامٍ عالميٍّ جديدٍ من دون قوميات. كما هُزم معهم المتحمسون للعولمة الذين يرون في صعود القوميات أداة يمينية محافظة يجب محاربتها بصورة لا هوادة فيها.”
وطبقًا له فإنّ “الحجة المركزية للرومانسيين هي أنّ العالم الجديد يجب أنْ يكون عالم ما بعد القومية، حيث لا توجد هوية جماعية خاصة توحد الشعوب، بل هناك “مواطنون عالميون” يتواصلون مع بعضهم البعض من خلال وسائل تواصل ثقافية وعالمية، وعبر الاقتصاد العالميّ”.
وأشار إلى أنّه “بحسب رؤيتهم، في عالم ما بعد القومية، لا أهمية للجغرافيا كمكوّن في الهوية الوطنية، لذلك، لا وجود للتوترات بين الشعوب، وبين العشائر والجماعات الإثنية – الثقافية على أراضيهم. في مثل هذا العالم، لن يكون هناك حروب، ولا إرهاب، وسيزدهر الاقتصاد، وسيُغلق ثقب الأوزون، وسيملك كل عامل سيارة. باختصار، سيولد عالم جديد بالكامل. لكن جاء المونديال فقلب حياتهم، وبدلاً من العولمة، نحن نشهد مظاهر حب الوطن”.
وأوضح الباحث الإسرائيليّ أنّه “من بين التعابير المثيرة للاهتمام وللمشاعر الوطنية التغطية الإعلامية لأحداث المونديال. من المثير للإعجاب رؤية مذيعين ومعلّقين يخرجون عن القواعد التي يفرضها العمل الصحافي الموضوعي، الذي من المفترض أنْ يكون واسطة بين المُشاهد والحدث، ويصبحون، حرفيًا، مواطنين يرفعون أعلام أوطانهم، ويحملون ميكروفونًا. يُضاف إلى ذلك، الحكومات القومية التي تضخّم الإنجاز الرياضيّ وتجعله سردية وطنية”.
وشدّدّ د. تسادوك على أنّ “المونديال في قطر يثبت أنّ الطريق إلى ما بعد القومية لا تزال طويلة للغاية، هذا إذا كان لا يزال هناك فرصة في ذلك. وهو يشكل تحديًا لأنصار اليوتوبيا التعددية وتعدد الثقافات وعالم من دون قوميات، وهذا مهم جدًا بالنسبة لمنطقتنا: هناك مَنْ يدّعي أنّ الثنائية القومية ممكنة في أراضي إسرائيل إذا تنازل فقط اليهود عن قوميتهم من أجل إنشاء دولةٍ مدنيّةٍ كجزءٍ من مسار ما بعد القومية العالميّ، والذي لا يزال يفكر بهذه الطريقة، ننصحه بإلقاء نظرة على مباريات المونديال”، على حدّ تعبيره
وقال الباحث والمفكّر الفلسطينيّ د. عادل سمارة، ردًا على مقال الكاتب الصهيونيّ، وذلك بطلبٍ من (رأي اليوم)، قال: “السؤال المركزي هو، أيّة مدرسة لما بعد القومية نختار؟ هناك المدرسة الثقافوية/ الهوياتية التي اسست لها مدرسة فرانكفورت المسماة “النقدية”، وهي في أغلب نتاجها خدمة أوْ دعاية للصهيونيّة بل لليهود، الهولوكوست…الخ، وهناك المدرسة الأمميّة التي تقوم على الوصول إلى الاشتراكية والشيوعية، أيْ إلغاء الملكية الخاصة والعملة والدولة”.
وتابع: “ما يدعو له الكاتب لا يمسّ كلّ هذه الأمور الهامّة ومن هنا هو وأمثاله طوباويون أوْ خبثاء صهاينة يهدفون إلى تمتع الكيان بفلسطين وتمتع اليهود بثروة العالم وانتقال العالم لما بعد القومية دون أنْ يُعاقبوا، أيْ غضّ الطرف عن تاريخ طويل من عذابات الأمم”.
وتساءل د. سمارة: مَنْ قال إنّ العالم يمكن أنْ ينتقل إلى عولمة كما يحلم هؤلاء بينما هو عالم رأسمالي؟ هل يمكن أنْ تتخلى الرأسمالية عن سيطرتها واملاكها؟ هكذا في حالة حلم؟ هل ينتقل العالم من مرحلة إلى أخرى دون صراع؟ لماذا توجد الهوية الوطنية ومحركها؟ أليس لأنّ عليها عدوانًا من غيرها؟ وهل يمكن بوجود العدوان وجود أو تبلور عولمة ثقافية…الخ”.
وأردف: “لماذا أصر على ذكر فريق إيران وليس الفرق العربيّة والمشجعين لفلسطين؟ فهذا مثال أوضح؟ من عالم راس المال لا يمكن توليد طبيعي وسلس وناعم، أيْ خلق نظام عالميّ جديد من دون قوميات! من قال إنّ صعود القوميات هو “أداة يمينية محافظة يجب محاربتها بصورة لا هوادة فيها”؟ القومية هي شعور أمة بوجودها في دفاعها في عصر رأس المال ضدّ عدوان غيرها. وحدها القومية في اوروبا بعد تبلور دولها انتقلت للاستعمار، والقومية مرحلة في التاريخ تقدمية في فترة ثم تحولت إلى قومياتٍ استعماريةٍ بسبب راس المال، أيْ انتقلت من التقدمية إلى العدوان، كما أنّ القومية في فترة الاستعمار والاستيطان هي أداة وإيديولوجيا ثورية وتقدمية. ولذا هكذا كانت القومية في بلدان المحيط/العالم الثالث، ولهذا السبب يرى الصهاينة أنّ الخطر الحقيقيّ عليهم هو القومية العربيّة وليس الشيوعيين العرب.
يقول الباحث الصهيونيّ: “في عالم ما بعد القومية، لا أهمية للجغرافيا كمكوّن في الهوية الوطنية، لذلك، لا وجود للتوترات بين الشعوب، وبين العشائر والجماعات الإثنية- الثقافية على أراضيهم. في مثل هذا العالم، لن يكون هناك حروب، ولا إرهاب، وسيزدهر الاقتصاد”، ولكن، لماذا الجغرافيا مهمة؟ لأنّ أحدًا يحتل أوْ يستعمر أوْ يستغل جغرافيا غيره، إذن وراء هذا تكمن الرأسمالية أيْ الرأسماليون.وخلُص د. سمارة إلى القول: “هل تحصل التوترات لأنّ هذا أبيض وهذا أصفر أمْ لأنّ هذا يغتصب ثروات ذاك، كلّما اشتدت مظاهر حبّ الوطن، فذلك لأنّ هناك أهل وطن يعتدون على وطن غيرهم، ويبقى بيت القصيد، لن يكون هناك عالمًا مختلفًا جذريًا إلّا بسقوط الرأسمالية وإلغائها، وحينها تكون الشيوعيّة وليست العولمة بمضمونٍ ثقافيٍّ شكلانيٍّ بلْ أممية بلا طبقات ولا استغلال، حينها لا داعي للقومية، أيْ أنّ مصير العالم في تحقيق المصالح المادية لكلّ البشر، وهنا الثقافة الحقيقية هي التي تنتج عن عالمٍ أمميٍّ جديدٍ”.