العقل الفلسطيني ومواجهة اليوم التالي في غزة !…

اسيا العتروس
اسيا العتروس
اذا لم تتكلم النخب الفلسطينية الان فلتصمت أبد الدهر ..
ليس من حق أحد التفريط في الزخم الدولي الشعبي و الرسمي الحاصل حول القضية الفلسطينية و هو ما يعني أيضا أنه لا أحد يملك حق التفريط في دماء الشهداء الفلسطينيين وفي كل التضحيات التي قدمتها غزة على مدى سنتين من الابادة عندما كتبت بدماء ابنائها كل الشعارات المتضامنة التي ارتفعت في مختلف العواصم وكتبت بنود المعركة الديبلوماسية وطوفان الاعتراف بالدولة الفلسطينية وسجلت صحوة الاكاديميين و الجامعيين والحقوقيين والفنانين و رسمت بكل لغات نظالات الشعب الفلسطيني واسقطت زيف الرواية الاسرائيلية وفضحت أوهام أسطورة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة و كذبت حكاية الجيش الذي لا يقهر بعد أن اثبتت كل الحقائق أنه بدون دعم الدول الاوروبية التي تقودها عقدة الذنب الاوروبية و لا بدون التمويل الاستخباراتي و العسكري واللوجستي الامريكي باعتراف الرئيس الامريكي نفسه أمام الكنيست الاسرائيلي ..
نقول هذا الكلام بعد أيام على دخول اتفاق وقف الحرب حيز التنفيذ , وبعد أن توقف أزيز الطائرات الحربية أو هذا على الاقل ما نتأمله كما نتأمل توقف صوت القنابل على غزة التي عاشت طوال سنتين أطوار أبشع جريمة ابادة في العصر الحديث باستعمال أحدث و أفتك أنواع السلاح كانت تقترف على المباشر تحت أنظار العالم العاجزعن وقف القتل الجماعي الذي ما كان ليستمر لولا مشاركة و تواطؤ و تمويل الحلفاء و تحديدا الحليف الامريكي , فلا مجال لاستمرار صوم أغلب النخب الفلسطينية في الداخل والخارج عن الكلام ولن ليس أي كلام وليس المقصود ما نراه من تصريحات أو بودكاستات أو تحاليل أو قراءات للحدث لفائدة بعض القنوات حول جريمة الابادة ولكن المطلوب صوت فلسطيني مشترك خارق لكل الحواجز والجدران التي صنعت الانقسام الفلسطيني وجعلت منه أحد أسباب تعمق الكارثة في الداخل و الخارج ومنحت كيان الاحتلال أرضية لا تنضب للتمعش من هذا الانقسام واستنزاف الفلسطينيين في معارك طاحنة لا تنتهي حتى كادوا ينسون أن العدو الاول كان و يبقى سرطان الاحتلال ..
وحدة الصف الفلسطيني ليست ترفا و لا خيارا يستوجب المفاضلة و هو ضرورة حتمية لمواجهة المخاطرو التحديات الراهنة و معها حسابات مرحلة اليوم التالي للحرب التي انطلقت من قمة شرم الشيخ بتغييب أصحاب القضية والتوجه الى فرض وصاية دولية بموافقة و دعم عربي اسلامي على غزة وكان الفلسطينيين قصر لا حق لهم في تقرير المصير..
مهمة النخب الفلسطينية في هذه المرحلة أساسية في استعادة البوصلة المفقودة و هي مهمة لا تقبل الا أن تنتصر على كل الصراعات و الخلافات و حروب الاخوة الاعداء التي دفعت الى تهميش القضية و تفاقم الخذلان العربي و الدولي ..و هي مطالبة هذه النخبة بكل مكوناتها و مهما كانت الالوان و الشعارات و الرموز التي تحملها و تتظلل بها أن تكون تحت راية العقل الفلسطيني بكل مكوناته لتقود الرأي العام الفلسطيني في هذه المرحلة التي تتدافع فيها الخناجر للفتك بما بقي من جسم فلسطيني منهك ..في خطاب الرئيس الامريكي ترامب أمام الكنيست الاسرائيلي أكثر من اعتراف بالمشاركة في جرائم الابادة في غزة و بأنه كان على تواصل مع ناتنياهو الذي لم يتوقف عن المطالبة بالسلاح .. وأشار ترامب أن ناتنياهو قام بعمل جيد في استعماله لذلك السلاح الذي حول غزة الى مقبرة مفتوحة وسجلت استشهاد عشرات الالاف دون اعتبار للمصابين والايتام والارامل ولجيل مبتوري الاطراف كل ذلك دون اعتبار لحالة الخراب والدمار الذي لحق بغزة بعد تدمير أكثر من سبعين بالمائة من البنية التحتية لغزة …
ولاشك أنه و في ظل الوضع الراهن أوما يمكن وصفه بحالة الهدنة الراهنة التي لا يشك اثنان أن ما يعتبره ترامب اتفاقا للسلام وضع في الاصل على مقاس ناتنياهو وسيعمد الى اسقاطه والقفزعليه ليعود الى الحرب اذا شعر أنه في مأزق أو أن مصيره بات مهدد .. وعلى أمل أن يلتزم االرباعي الموقع على اتفاقية ترامب بضمان استمرار و صمود الهدنة ومنع كيان الاحتلال من استئناف عمليات القصف والترهيب والتجويع فانه سيكون لزاما في هذه المرحلة أن يكون للنخب الفلسطينية في الداخل والخارج ولكل الحركات الفلسطينية مهما اختلفت انتماءاتها وقناعاتها و توجهاتها أن تضع بينها و بين انقسامات و صراعات الماضي جدارا اسمنتيا عازلا و أن تتحرك عن وعي في كل الاتجاهات للاستثمار في الزخم الذي أحدثه موقف الرأي العام الدولي الذي استنفر في رفضه لجرائم الاحتلال الاسرائيلي بعد سقوط القناع على الرواية الاسرائيلية الزائفة وانهيار صورة ومصداقية و مكانة كيان الاحتلال الذي فضحته ممارساته النازية وتعطشه للدم باستهداف المدارس و المخيمات ومقرات الاونروا والمستشفيات وسيارات الاسعاف الاطفال والنساء والمرضى ولم يستثني الاطباء والاساتذة و المعلمين والمسعفين والفنانين والصحفيين وأحرق البشر والشجر و حرم أهالي غزة حتى من الاقتتات من بحر غزة ..لهذه الاسباب و لغيرها نقول أن التفريط في الزخم الدولي والتعاطف الدولي الانساني الذي بدونه ما كان للرئيس الامريكي أن يتحرك و يضغط من أجل ايقاف الحرب سيكون جريمة لا تغتفر في حق غزة وأن عدم الاستثمار في هذه التحولات الاقليمية والدولية غير المسبوقة التي هزت المؤسسات و حركت العقول والضمائر و بدأت تدفع الى فرض عقوبات عسكرية و اقتصادية و تجارية على الكيان و منعه من المشاركة في دورات دولية رياضية و فنية و أدبية و غيرها و قد بدأت هذه التحركات لعزل الكيان تؤتي أكلها و ظهر رئيس وزراء الكيان مجرم الحرب ناتنياهو خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للامم المتحدة أمام قاعة شبه فارغة بعد انسحاب الحضور احتجاجا على جرائم الابادة في غزة ..
لسنا واهمين و لكن التحكيم الرياضي الدولي رفض السماح لفريق الكيان بالمشاركة في كأس العالم للجمباز في اندونيسا و رفض طلب الكيان نقل مقر الالعاب و هناك ضغوط لمنع مشاركة الكيان في كاس العالم و في مسابقة اوروفيزيون و هناك ملاحقات ضد جنود جيش الاحتلال في كل بلد يدهبون اليه وهناك دعاوى مفتوحة ضد مجرم الحرب ناتنياهو وبن غفير وسموتريتش ولا يمكن أن يكون اتفاق ترامب للسلام ودعوته أمام الكنيست للرئيس الاسرائيلي باصدر عفو عنه فرصة لمنحه صك البراءة أو وسيلة للمقايضة لتبرئة ناتنياهو من كل الجرائم الموثقة التي ارتكبها ..العقل الفلسطيني , و
لا أقول العقل العربي الذي استفحل به داء الرداءة , مطالب اليوم بتجديد صناعة الفكر والعقل والصعود من دائرة اليأس والاحباط الى دائرة الخلق والابداع و ركوب المشهد الدولي فكريا و سياسيا وديبلوماسيا و ثقافيا وتحطيم الركود و كسر كل القيود والاستعداد لليوم التالي حتى لا يملى ء الاحتلال وحده الفراغ وينفرد بالمشهد ..غزة تنحت مصيرها و تبحث عن الحياة بين الركام و تعيد احياء الامل في نفوس الايتام و الارامل و في كل من بترت اطرافهم و سيتعين التعويل على العقل الفلسطيني الذي ما انفك يرسم كل نضالات و تضحيات و صبر الفلسطينيين فلا يحق للنخب الفلسطينية ان تخذلهم أوتتخلى عنهم ..فتلك ستكون جريمة لا تغتفر… ليست العقول ما يفتقده الفلسطينيون لذلك نقول اذا لم تجتمع النخب الفلسطينية و لم تتكلم الان فلتصمت أبد الدهر…
صحفية تونسية وكاتبة