العراق يحتاج للإصلاح الشامل

 العراق يحتاج للإصلاح الشامل

الشيخ اذعار سالم الجربا

هناك مثل صيني جميل يقول: البيوت السعيدة لا صوت لها أما في العراق فلا نسمع إلا الصراخ، صراخ أفقدنا راحة البال، صراخ رجال الدين والسياسة وأغلب أحزاب التفرقة والفساد التي تملك زمام السلطة، تحاول زرع اليأس في كل شبر من أرض البلاد فتثمر الإرهاب والقتل والدمار وتشظّي الرؤى !

وهكذا مصير العراق بعد 2003، حكمته طبقة سياسية موصومة بالفشل الكبير، يعاني العراق من فشل حقيقي، الإرهاب يضرب، الفساد ينخر المؤسسات، الشعب مهجّر، التعليم ضعيف، الشارع منقسم، السيادة الوطنية منتهكة، القضاء غير عادل، وحدة التراب مهددة.

منذ عام 2003 تشكلت العشرات من المشاريع السياسية في العراق، وحرصت هذه المشاريع على العمل كواجهة لأجندة دولية وإقليمية تنفذ مخططاتها على أرض السواد، ولم يجن العراق من مجموع تلك المشاريع سوى المزيد من التخلف وانتشار الفساد والدمار.

لا شكّ في أنّ الإصلاح من الأعمال التي يتفق عليها العقلاء والحكماء، وكذلك النظم والقوانين الإنسانيّة على اعتبار أنّ مآلاته ستصبّ في روافد حياة الوطن والناس وينتج عنها الخير الكثير، والعمل الإصلاحيّ ليس دعوة الضعفاء، بل هو طريق المُصلحين والمفكّرين والوطنيّين.

لأنّه ضرورة حتمية وسبيل من سبل الحلول التدريجيّة لأي معضلة، أو مشكلة سواء على مستوى الدول، أو الكيانات، أو الأفراد. وهذا يعني أنّ الإصلاح عمليّة تنظيف وإزالة للفساد السياسيّ والعمليّ والتربويّ الأخلاقيّ؛ ولهذا فهو عمليّة تغيير بطيئة، ولا تأتي ثمارها بين ليلة وضحاها.

ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ اليوم ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ إﺟﺮﺍﺀ إﺻﻼﺣﺎﺕ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ، ﻭﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺬ، ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺧﻄﻮﺓ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﻋﺼﺮﻳﺔ ﻭﺭﺻﻴﻨﺔ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﻋﺒﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ، ﺑﺤﺎﻻﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ، ﺗﻤﺜّﻠﺖ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﻭﺍﻻﻧﻘﻼﺑﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ والحروب الخارجية والداخلية ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺍﺕٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٍ.

ﺇﻻ ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺁﻟﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ، ﺗﻌﺪّ ﺍﻷﺧﻄﺮ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، ﺣﻴﺚ ﺑﺎﺕ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻣﻬﺪّﺩﺍً ﺑﺒﻘﺎﺋﻪ كيانا ﻭﺩﻭﻟﺔ ﻣﻮﺣﺪﺓ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮّﺭﺓ، ﻭﻋﺪﻡ ﺟﺪﻭﻯ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﺍﻹﺻﻼﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ إلى آﺧﺮ، ﻭﻋﺪﻡ ﺃﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻓﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﺍﺟﺒﺎﺗﻪ، ﻭﺗﺤﻮّﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻠﺒﺔ ﺗﺼﻔﻴﺔ ﺣﺴﺎﺑﺎﺕ ﻭﻣﻬﺎﺗﺮﺍﺕ ﺣﺰﺑﻴﺔ ﺿﻴﻘﺔ، ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻠﺪﻭﺭ ﺍﻟﻤﻌﻬﻮﺩ ﻟﻠﺒﺮﻟﻤﺎﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ.

وﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﻨﺨﺐ ﻭﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ، ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ ﻧﻈﺎﻡ ‏ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﺼﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ‏، ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺜّﻞ ﺍﻟﺮﻛﻴﺰﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻡ 2003، ﻭﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻤﻴﻖ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺣﻠﻬﺎ. ﻭﻋﻠﻴﻪ؛ ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﻤﻨﺎﺻﺐ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻲ.

ﻭﺇﻟﻐﺎﺀ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﺼﺔ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﺭﺿﺎﺀ ﺍﻟﻜﺘﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺣﺮﺓ، ﻷﻥ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﺗﻮﻟﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺍﺭﺓ شؤوﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ، ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ، ﻳﺠﺐ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﻤﻨﺎﺻﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ﻓﻘﻂ، ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍلأﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻄﺎئفي، هذه الخطوات وغيرها يمكن أن تساهم في خطّة الإصلاح الوطني!

وأن عملية الإصلاح تمر بثلاث مراحل مهمة وهي:

ـ أولاً: مرحلة الحوار من اجل إبداء وطرح البدائل الصحيحة.

ـ ثانياً: مرحلة الدخول في عملية تغيير الأنظمة السلبية، ومنها النظام الانتخابي على سبيل المثال.

ـ ثالثاً: مرحلة إعادة بناء المؤسسات السياسية والديمقراطية والدستورية.

وفي كلّ الأحوال فإنّ الإصلاح له دعائم موجودة أصلاً في المجتمع العراقيّ، ومنها الدين الإسلاميّ الذي يحثّ على العفو والمسامحة والصلح، وكذلك الأخلاق النقيّة، وحبّ السلام والتعايش بين عموم المواطنين!

وفي الختام أن التغيير مقبل لا محالة والتاريخ شاهد على كلامنا.
شيخ عراقي

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *