الصهاينة الأغيار… من الصهيونية المسيحية إلى المطبعين العرب الجدد

 الصهاينة الأغيار… من الصهيونية المسيحية إلى المطبعين العرب الجدد

د. مها المصري

بقلم: د. مها المصري

الجزء الأول

بداية سنقوم بتعريف مصطلح الصهاينة الأغيار بشكل عام، فالصهيونية أولا حركة سياسية يهودية ظهرت في وسط وشرق قارة اوروبا في أواخر القرن التاسع عشر،ووجهت نداءها ليهود العالم للهجرة الى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد ، رافضة اندماج اليهود في المجتمعات الاوروبية للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد.

أما كلمة اغيار كمصطلح ديني يهودي، فيرمز الى غير اليهود ،ويعتبر المقابل العربي للكلمة العبرية (جوييم).

وبداية انتشار مصطلح صهيونية الأغيار شاعت في اللغات الأوروبية كإشارة الى غير اليهود الذين يتبنون الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة والتي مفادها:اليهود شعب عضوي منبوذ ، يجب نقله من اوروبا ليتحول الى شعب عضوي نافع ، الى أي بقعه خارج اوروبا (قبل استقرار الرأي على فلسطين)، ليوطن فيها وليحل محل سكانها الأصليين الذين لا بد من ابادتهم وطردهم ، ويتم توظيفه لصالح العالم الغربي الذي سيقوم بدعمه وضمان بقائه واستمراره داخل اطار الدولة الوظيفية في فلسطين.

بموجب ما ذكر، فإن صهيونية الاغيار هي صهيونية الذين ينظرون الى اليهود باعتبارهم مادة بشرية تنقل وتوظف لصالح الغرب، أي أنهم موضوع أو وسيلة لا قيمة لها في حد ذاتها.

واليوم، يظهر ما بات يعرف بالصهيونية العربية ممثلة بمسؤولين ومثقفين واعلاميين ورجال دين جعلوا من وهم المشروع الصهيوني واقعا يتم الترويج له،بعد ان وقفوا على أتم الاستعداد وبشكل علني في وجه الحقوق الوطنية الفلسطينية.

وعليه، فصفة صهيوني يحملها كل من يدعم المشروع الصهيوني لدولة الاحتلال،ويوفر له الامكانات، بغض النظر عن أصله وقوميته ودينه. فهي على شاكلة “ملكي أكثر من الملك” والتي تقال في حالة تحمس الشخص لمسألة أكثر من صاحبها.

وكما أوضحنا في مقال سابق، ظهرت الصهيونية اول ما ظهرت بين غير اليهود، وعبرت في مضمونها الايديلوجي والسياسي والاقتصادي عن الاطماع الاستعمارية للقوى الغربية منذ القرن الثامن عشر في الوطن العربي وبخاصه قلبه- فلسطين.

من هنا قامت صهيونية الأغيار على مساندة الحركة الصهيونية وتبني مشروعها الاستعماري العنصري، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ،وكانت مقتصرة على المسيحية والغربيين، حيث ظهرت الصهيونية المسيحيةالتي مثلت قناعات وسياسات وتطلعات دول ومجتمعات مسيحية استعمارية، وجدت سندا لها في كتبها الدينية، ونتجت من ارث تاريخي لصراع ديني يعود لأيام الحروب الصليبية استمر الى مرحلة التهافت الاستعماري في القرنين التاسع عشر والعشرين،بعد أنوظفت الدين لدعم الصهيونية كما هو حاصل اليوم ،بعد أن بلغ الأمر بوزير الخارجية الامريكي بامبيو للقول: أنه يسير مع المسيح لشرعنة الاستيطان والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وضم الأراضي الفلسطينية.

وقد ترجم الغرب المسيحي تبنيه للمشروع الصهيوني من خلال الوعود البلفورية -وكمصطلح تستخدم للاشارة الى مجموعة التصريحات التي أصدرها بعض رجال السياسة في الغرب،شجعوا فيها اليهود لاقامة وطن قومي لهم في فلسطين ووعدوا بدعمه وحمايته، نظير أن يقوم اليهود على خدمة مصالح الدولة الراعية، فهي أشبه بعقد بين القوى الغربية والمنظمة الصهيونية.وقد صدر معظمها في القرنالتاسع عشر واستمرت حتى صدور وعد بلفورعام 1917،ويعتبر نابليون بونابرت أول القادة الذين أصدروا وعدا بلفوريا لتلحق به المانيا وروسيا القيصرية فيما بعد.

الحركات الاسترجاعية

إذا كانت الصهيونية تاريخيا مدينة للامبريالية بتحولها من مجرد فكرة الى دولة ذات قوة عسكرية ضخمة ، فإنها مدينة بوجودها كما هي فكرتها أساسا للمناخ الالاستعماري الغربي، وللأفكار الاسترجاعية التي سادت أوروبا منذ القرن السادس عشر. فقبل ظهورفكرة الشعب اليهودي بالمعنى السياسي(الصهيونية السياسية)، وفكرة الدولة اليهودية ككيان سياسي يسعى الى حل المسألة اليهودية، ظهر ضرب من الصهيونية غير اليهودية (صهيونية الأغيار) أو الصهيونية المسيحية،أو مايسمىبالحركات الاسترجاعية المسيحية، التي طالبت بإعادة اليهود الى أرضهم الأم، حتى يتسنى الاسراع في هدايتهم قبل تنصيرهم وتحويلهم الى المسيحية.

وقد انتعشت الحركات الاسترجاعية في القرنين السادس عشر والسابع عشر- عصورالتنافس الاستعماري ،والنشاط التجاري، والاستكشافات الجغرافية،لتصل الى ذروتها في القرن التاسع عشر- عصر القوميات والطموح الامبريالي، حيث شهد هذا العصرفورة في ما بات يعرفبحمى الحركات الاسترجاعيةخاصة في انجلترا، بسبب ظهور المسألة الشرقية والمطامع الاوروبية في توزيع تركة الدولة العثمانية، بعدما شهدته من تراجع وضعف،مما يبين أن أصحاب الفكر الاسترجاعي قد ساهموا في تحديد معالم التفكير والمصطلح السياسي لهذه الفترة بين غير اليهود في البداية ثم بين اليهود أنفسهم. من هنا تحولت الافكار الدينية التي كانت تدعو الى عودة اليهود الى فلسطين لتحقيق النبوءة الانجيلية، لتصبح برنامجا استعماريا يؤكد على عودة اليهود الاستيطانية لفتح اسواق الشرق وموانئه بعيدا عن مسألة الهداية والتنصير.بعد أن نظر الاسترجاعيون الى اليهود كجماعة دينية يمكن تنصيرها، ولكنهم في ذات الوقت نظروا اليهم على أنهم جماعة أيضا يمكن توطينها في فلسطينأو في غيرها من الاماكن لخدمة مصالحهم الاستعمارية.

وحسب الزعيم الصهيوني البولندي الأصل حاييم وايزمان1864-1952 – أول رئيس للدولة الصهيونية،فإن بعض كبار القادة العسكريين مثل يوليوس قيصر، والاسكندر، ونابليون، أدركوا أهمية فلسطين بالنسبة لخططهم الشرقية، وأنهم لهذا السبب كانوا موالين لليهود في سياستهم الخارجية بشكل ملحوظ.

كما وصف حاييم وايزمان نابليون بونابرت– أول أوروبي غزا الشرق العربي في الأزمنة الحديثة –بأنه ” أول الصهاينة العصريين من الأغيار” رغم أن البعض يرى مثل الكاتب عبد الوهاب المسيري أنه أول الصهاينة على الاطلاق، لأنه لم يكن هناك من أثر لأي فكر صهيوني بين اليهود في تلك الفترة.

وقد وجه نابليون نداءه الى يهود آسيا وافريقيا عام 1799 حثهم فيه على السير وراء القيادة الفرنسية حتى تتسنى استعادة العظمة الأصلية “لبيت المقدس”، ووعد بأنه سيعيد اليهود الى الارض المقدسة اذا ساعدوا قواته ومولوا حملته، لهذايعتبر نداء نابليون الاسترجاعي اول وعد بلفوري.

وفي عام 1860 بين ارنست لاهاران سكرتير نابليون الثالث الخاص في كتيب بعنوان المسألة الشرقية الجديدة ،المكاسب الاقتصادية التي ستعود على اوروبا إن هي ساعدت على استقرار اليهود في فلسطين، خدمة للصناعة الأوروبية التي كانت تبحث عن أسواق جديدة لتكون منفذا لمنتجاتها،ولذا كان من الضروري عودة الدولة اليهودية القديمة للحياة ، لذا كان يرى أن اوروبا ستؤيد استيلاء اليهود على فلسطين من الأتراك.

أما انجلترا أكبر قوة استعمارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرفقد كانت موطنا للافكار الاسترجاعية، ومن أهم الصهاينة غير اليهودالمستشار القانوني الاول في انجلترا هنري فنش، الذي نشر دراسة عام 1622 دعا فيها الى استعادة امبرطورية الأمة اليهودية، كما قدم اللورد شافتسبري عام 1840 مشروع أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، داعيا لندن أن تتبنى اعادة اليهود الى فلسطين واقامة دولة خاصة بهم.

كما ظل الكولونيل جورج جاولر 1869-1976 حاكم جنوب استراليا ينادي لفترة طويلة باعادة استيطان اليهود في فلسطين لحماية خطوط الاتصال بين أنحاء الامبرطورية المختلفة.

الشيء اللافت الذي جمع الاسترجاعيون ،أنهم كما هم الصهاينة اليوم قدموا وجهات نظرهم استنادا الى رؤية مقدسة للتاريخ ،فمثلا من أقوال جاولر: من الضروري” امتداد نفوذ بريطانيا الى سوريا (يعني فلسطين )،حان الوقت لان تستعيد فلسطين شبابها عن طريق استيطان أطفال الارض الحقيقيين ابناء اسرائيل”.

والحديث عن إعادة اليهود الى فلسطين ظل مستمراقبل ظهور الصهيونية بين اليهود بفترة طويلة ، حيث قرر اللورد بالمرستون1784-1865 حينما كان يشغل منصب وزير خارجية بريطانيا استخدام اليهود لقمع العرب،معلنا في رسالته الى السفير البريطاني في اسطنبول عاصمة الامبرطورية العثمانية 1840 “اذا عاد أفراد الشعب اليهودي الى فلسطين ” تحت حماية السلطان العثماني وبناء على دعوة منه فانهم سيقومون بكبح جماح أي مخطط شرير قد يدبره محمد على أو من سيخلفه في المستقبل، خاصة أن وصول محمد علي الى السلطة جعل مصر محط اهتمام اوروبا وبسببه تصاعدت حدة الاطماع الاسترجاعية.

ويليام هكلر 1845-1931 رجل الدين في السفارة البريطانية في فيينا ،وصديق هيرتسل المقرب، الذي قدمه لعدة شخصيات هامة
في اوروبا مثل الدوق بادنالذي قدمه بدوره لقيصر المانيا، ورغم انشغال هكلر بالحسابات القبالية الخاصة بنهاية العالم وبتحقيق الامل المنشود في تنصير اليهود، لم تخلو انشغالاته الصوفية من المضمون السياسي الاستعماري،وتأكيدا على ذلك ناقش هكلر في مؤتمر عقد عام 1882 موضوع استيطان المهاجرين اليهود من رومانيا وروسيا، ويظهر كيف أن تاريخ انعقاد المؤتمر كان سابقا على تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ودعوة هيرتزل الى انشاء الدولة اليهودية

الجزء الثاني

وكما نرى،كل الافكار والمصطلحات والحلول الصهيونية ظهرت في أدبيات المفكرين الاسترجاعيين قبل ظهور الصهيونية بين اليهود.
من الصهاينة غير اليهود الانجليز أيضا لورانس اوليفانت1829-1888 المولود في جنوب افريقيا ، وهو كما القس هكلر، أيد فكرة استيطان اليهود في فلسطين ،وبعد ارساله في مهمة الى فلسطين برفقة احد الموظفين الرسميين البريطانيين لإجراء دراسة تتعلق بفكرة الاستيطان المقترح ،انتهى الى ان خطة إنشاء الدولة اليهودية في هذه المنطقة سيضمن تغلغل بريطانيا الاقتصادي والسياسي فيها.

وفي عام 1880 نشر أوليفانت وبمبادرة شخصيه كتابا نادى فيه بالاستيطان اليهودي،حتى انتهى به المطاف للاستقرار بفلسطين منذ عام 1882 حتى وفاته بعد ان رافقه سكرتيره اليهودي نافتالي هيرزامبير مؤلف نشيد الهاتكفا(الأمل) الذي أصبح النشيد الوطني الصهيوني قبل أن يصبح النشيد الوطني الاسرائيلي فيما بعد،وقد قضى أوليفانت بقية حياته في فلسطين مروجا لفكرة الاستيطان اليهودي.

ومن اغرب الشخصيات الكولونيل ج.ب.ويدجود1872-1943 الذي طالب بتوطين أبناء موسى والأنبياء في فلسطين ” لتستفيد منهم الامبرطورية سياسيا واقتصاديا” وكان يرى ثمة رابط أساسي بين البريطانيين واليهود ،فكلا الشعبين يعملون بالربا ويتجولون بين الشعوب الاخرى تجارا ويكنون الاحتقار لمن يتعاملون معهم ،وكلاهما لا يتمتعون بمحبة الآخرين، وأنهم على استعداد تام لاستخدام كتبهم المقدسة لتبرير كل ما يحتاجون الى تبريره في علاقتهم بالجنس البشري.

ومن أشد الشخصيات كراهية للإسلام والقرآن اللورد وينجيت1903-1944الذي ولد في الهند لوالدين يعملان بالتبشير وقد التحق بخدمة الجيش البريطاني، وبعد رحيله الى فلسطين عام 1936 عمل ضابط مخابرات مدة ثلاث سنوات منحته فرصة التعاون مع المستوطنين الصهاينة، وقد كان مقتنعا بأنه مرسل في مهمة دينية مقدسة ومحددة لانقاذ اسرائيل بسبب تفسيراته للعهد القديم بشكل حرفي تفسيرا عسكريا، وقد ساهم في تطوير التكتيكات التي استخدمها الصهاينة في حملاتهم الارهابية ضد الفلاحين العرب في فلسطين، وفي وضع أسس الجيش الصهيوني على حد قوله.

كما فسر الصحفي والكاتب الصهيوني البولندي ناحوم سوكولوف1859-1931 في كتاب تاريخ الصهيونية، تعاطف بريطانيا وتفهمها للحركة الصهيونية على اساس الطابع الانجيلي للشعب الانجليزي، والحب الذي يكنه الشعب الانجليزي لفلسطين بالمعنى الانجيلي أيضا، والسياسة الانجليزية في الشرق الأدنى دون ذكر الانجيل في هذا السبب.

وعليه، نلحظ الملامح والموضوعات الاساسية للفكر الصهيوني كفكر استعماري استيطاني في كتابات الصهاينة غير اليهود التي استفاد الصهاينة اليهود منها بعد أن صبغوها باللون اليهودي، لتبدو أفكارا تعود للتراث اليهودي او ما يدعونه بالتاريخ اليهودي، فضلا عن أنها خدمت الصهاينة اليهود في مناوراتهم السياسية للحصول على تصريحات ووعود رسمية وغير رسمية.

وكان أبرز من تبنى الفكرة الصهيونية في كتاباته من اليهود هيرتزل، والمفكرين الصهاينة الروس مثل الحاخام والفيلسوف الصهيوني آحاد هعام 1856-1927، ودوفبوروخوف1881-1917،وفلاديميرجابوتنسكي1880-1940 ، حيث ظلت مجرد فكرة أو مخطط نظري لحل المسألة اليهودية دون أن تساندها جماهير يهودية ،فضلا عن عدم استنادها الى أي ساس من القوة وقد اعترف الصهاينة اليهود بذلك.
فمثلا، اعترف وايزمان أن وعد بلفور كان مبنيا على الهواء،وروى أنه في عام 1927 كان يرتعد خشية أن تسأله الحكومة البريطانية عن مدى تأييد اليهود للحركة الصهيونية”هي كانت تعلم أن اليهود ضدنا …كنا وحدنا نقف على جزيرة صغيرة من اليهود لهم ماض أجنبي”.

ونظرا لافتقار الصهاينة اليهود الى أي قاعدة قوية من الجماهير اليهودية، كان عليهم أن يعتمدوا على قوة كبيرة غير يهودية يمكنها الاستفادة منهم ومن خدماتهم، فقدموا أنفسهم على أنهم الوسيط المناسب بين القوى الاستعمارية من جهة واليهود من جهة أخرى لتجنيدهم وتوطينهم في أحد المواقع التي تهم تلك القوى،وبعد أن نال الصهاينة اليهود الموافقة على خطتهم توجهوا الى الجماعات اليهودية معلنين شرعيتهم وقيادتهم لها.

وقد حدث وايزمان صديق له عام 1914 عن أن مطلب الشعب اليهودي بأن يكون له وطن أصبحت بمتناول اليد، الا أن الصهاينة اليهود لا يستطيعون التقدم بأي مطلب لأن اليهود مشتتون بدرجة كبيرة، مقترحا حل المشكلة من أعلى (من ناحية المصالح الامبريالية) وليس من أسفل(من ناحية الجماهير اليهودية). حيث حدد استراتيجيته على النحو التالي”إذا دخلت فلسطين في نطاق النفوذ البريطاني ، وإذا شجعت بريطانيا عملية استيطان اليهود هناك، وأصبحت دولة خاضعة لبريطانيا، فسيصبح هناك- من عشرين الى ثلاثين عاما-مليون يهودي يقومون بخدمة المصالح الامبريالية”.

أي أنه عن طريق كسب ود القوى الامبريالية يمكن للحركة الصهيونية أن تفرض نفسها على الجماهير اليهودية، لذلك كان وايزمن يصر دائما على أن ينظر الى مشروع الاستيطان الصهيوني في ضوء المصالح الامبريالية،وليس في ضوء الرؤى الانجيلية أو التاريخ اليهودي” لو لم توجد فلسطين لكان من الضروري خلقها من أجل مصلحة الامبريالية”.

وبسبب إدراك هيرتزل التام للطبيعة الاستعمارية للمشروع الصهيوني، نجده يعدد في مذكراته/ 1902 أسماء بعض الشخصيات الاستعمارية التي اعتقد أنه كان يتلاعب بها كما لو كانت قطع شطرنج: سيسل رودس، الرئيس تيودور روزفلت، ملك انجلترا، قيصر روسيا.

وقد عرف عن هيرتزل إعجابه الشديد بالحضارة الالمانية والعسكرية البروسية، لذا كان يفكر في إنشاء الدولة اليهودية كمحمية ألمانية،كما كان القيصر ويلهلم الثاني المعروف بمعاداته للسامية يدرك المزايا الكامنة لالمانيا إذا ما تبنت المشروع الصهيوني لأنه سيستفيد من قوة الرأسمال اليهودي.كذلك الامر بالنسبة لبسمارك حين فكرأيضا في توطين اليهود في المنطقة المحاذية لخط بغداد-برلين ،حتى النازيون فقد أبدوا اهتماما كبيرا بالمشروع الصهيوني وتعاونوا في وضع هذا المخطط موضع التنفيذ.

ولعلم هيرتزل أن اسس الاستعمار البريطاني أكثر ثباتا واستقرارا من أسس الاستعمار الفرنسي أو البلجيكي أو الالماني، اتجه بناظريه نحو انجلترامنذ اللحظة الأولى.

من هنا ظل الصهاينة اليهود الذين وقفوا دون جماهير يهودية خلفهم في أشد الحاجة الى الدعم والتأييد من قوة استعمارية أوروبية تمدهم بغطاء عسكري وسياسي واقتصادي لبناء مستعمراتهم.

وكان الزعيم الفاشي موسوليني قد أظهر أثناء اجتماعاته المتكررة مع وايزمان وناحوم جولدمان تعاطفا وتفهما لفكرة الدولة الصهيونية واصفا نفسهبالصهيوني غير اليهودي.

ومن نماذج التبني الامريكي للفكرة الصهيونية، دعوة الرئيس الامريكي جون آدمز عام 1818 الى استعادة اليهود فلسطين واقامة حكومة مستقلة لهم.

الشخصية الأكثر جدلا ودعما كما يعلم الجميع تمثلت بشخص الرئيس ترامب، الذي قام بنقل السفارة الامريكية الى القدس، واعترف بسيادة اسرائيل على الجولان السوري،وأحاط نفسه ببطانة مماثلة مثل مايك بومبيو الذي أيد فكرة أن يكون الله قد أرسل ترامب لانقاذ اسرائيل من التهديدات كما قال،وشغفي لاسرائيل ينبع من ايماني المسيحي والحديث لمايك بنس.
مما سبق نستدل على أن العلاقة بين الصهيونية والامبريالية علاقة وجودية ومصيرية، لان الحركة الصهيونية نفسها حركة استعمارية إحلالية عنصرية تقوم على استعمار الارض واستيطانها ،وفعليا تشكل جزءا لا يتجزأمن الرأسمالية العالمية التي تعتبر الامبريالية أعلى مراحلها، أما من ناحية المصالح فالصهيونية كحركة عنصرية دينية تقوم على مبادىء الاستغلال والعدوان وتوظيف الدين،وتستند الى فكرة التوسع والسيطرة وتلجأ الى أساليب العنف والارهاب.

الجزء الثالث
المطبعون العرب الجدد

لعقود عديدة ،أعتبرت الدول العربية اسرائيل دولة عدوة، والتزمت رفض كل أشكال التطبيع معها قبل التوصل الى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ،الى أن فتحت مصر طريق التطبيع بتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979 على نحو منفرد، من دون اشتراط السلام بحل القضية الفلسطينية جوهر الصراع مع الاحتلال الصهيوني.

وفي عام1994 ، وقع الاردن اتفاق سلام مع اسرائيل ،رغم ذلك، لم يسهم السلام الاردني أوالمصري مع اسرائيل في حل القضية الفلسطينية ولا اتفاق أوسلو أيضا، بل زادت اسرائيل تطرفها وزادت ممارساتها الاحتلالية لتصبح لا علاقة للتطبيع بحل القضية الفلسطينية ،بل على العكس تعاطت اسرائيل معه على أنه قبول لها بصهيونيتها وعنصريتها وسياستها الاستيطانية.

وما هو معروف أيضا وجود تاريخ طويل من العلاقات السرية بين دول عربية عديدة واسرائيل، الا أن خطوات التطبيع في الآونة الأخيرة أخذت منحى متسارع وعلني، والتي تم تقديمها تحت مسمى “اتفاقيات ابراهام”،وهي في نظر البعض صفقات عربية مع الولايات المتحدة أكثر منها مع اسرائيل، معتبرين التطبيع مع اسرائيل ثمنا للوصول للاعتراف الامريكي بالمطالب في بعض الاراضي كما هو الحال بالنسبة للمغرب ،أولإزالة اسم بلد ا من القائمة السوداء مثل السودان، أو للحصول على أسلحة متطورة بالنسبة للامارات، لتأتي على نحو منفصل في علاقاتها التطبيعية مع اسرائيل عن السياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

من جانب آخر هنالك علاقات عربية مع اسرائيل مثل السعودية تجاوزت التطبيع، لتصل الى مستوى التحالف والخدمات المتبادلة في المجالات الدبلوماسية والثقافية وغيرها.كل ذلك يجري من بوابة التهديد الايراني، حيث زادت علاقات اسرائيل مع بعض دول الخليج العربي بعد تصريح ملك السعودية محمد بن سلمان عام 2018 لمجلة التايم الامريكية عند سؤاله عن مدى توافق مصالح السعودية مع اسرائيل قائلا”لدينا عدو مشترك ويبدو أن لدينا الكثير من المجالات المحتملة للتعاون”.

المميز لمشوار التطبيع العربي مع اسرائيل منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، أنه ظل فاترا حتى عام 2020 وفيه التحقت اربع دول بقطار التطبيع وصل ببعضها الى حد التحالف وهي:

الامارات: في الوقت الذي ظل التطبيع الاردني والمصري وإن كان على المستوى العلني تهيمن عليه القضايا الاقتصادية والامنية، نجده وصل حد التحالف بين الامارات واسرائيل، فضلا عن أنه يمثل اول اتفاق سلام يجمع اسرائيل مع دولة عربية لم تدخل معها في حرب ولا نزاعات حدودية متذرعا بالتهديد الايراني.

وقعت الامارات اتفاق أبراهام في البيت الابيض يوم 15 سبتمبر/2020، والذي تم الترويج له على الصعيد الرسمي والشعبي وحتى الديني عبر دعاة يسوقونه شرعيا ،حيث تجاوز التطبيع المستوى الرسمي أو الاقتصادي أو الامني ليصل الى مستويات أسقطت معها الخطوط الحمراء في العلاقة مع دولة احتلال، بل ووصل حد التعاقد مع شركات لاستيراد منتجات المستوطنات المقامة على الاراضي المحتلة عام 1967 والتي يعتبرها القانون الدولي غير شرعية ، فضلا عن الزيارات لاسرائيل وقصد الكنس اليهودية في المستوطنات،ونشر فيديوهات تشيدباسرائيل وتهنأتها بيوم استقلالها، وهو اليوم الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى نكبتهم عام 1948
الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين شملت : تسيير رحلات جوية، اعفاء من التأشيرات، تعاون في مجالات العلوم والتكنلوجيا والاستثمار،كما وقعت اتفاقية تقضي ببيع 50% من أسهم فريق كرة القدم بيتار يروشاليم ” بيتار القدس” لرجل أعمال من العائلة الحاكمة الاماراتية.وفي أغسطس2020 سمحت دولة الامارات لاول مرة باتصالات هاتفية مباشرة مع اسرائبل من خلال إلغاء حظر الاتصال برمز الدولة الاسرائيلية.

أما الزيارات المتبادلة لشخصيات بمستويات مختلفة، فتوجت بزيارة السفير الاماراتي في اسرائيل محمد آل خاجه أواخر ايار الماضي للزعيم الروحي لحركة شاس الدينية الحاخام شلومو كوهين في القدس المحتلة. وفي 12 مارس/2021 أعلنت الامارات عن تأسيس صندوق لدعم الاستثمار في اسرائيل بقيمة عشر مليارات دولار.

وخلال الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني خلال شهري نيسان وأيار الماضيين ،جرى توقيع اتفاقيات في مجالات الذكاء الاصطناعي وحلول البيانات الضخمة، الغاز ، تداول الاوراق المالية، واطلاق منصة اعلامية عربية –عبرية داخل اسرائيل، كما جرى اطلاق برامج لتبادل البعثات الطلابية في مجال التعليم،وآخر ما تم توقيعه من اتفاقيات بين الطرفين تعلق بمجال الفضاء.
وكان المكتب الاعلاني لحكومة دبي قد نشر أن التبادل التجاري مع اسرائيل بلغ نحو 27203 مليون دولار خلال الفترة من سبتمبر2020-كانون ثاني 2021.

ومنذ أيام قريبة وصف سفير الامارات لدى اسرائيل محمد آل خاجه زيارة رئيس دولة اسرائيل هرتسوغ يوم الأحد 30/1/2022 بالتاريخية”.

وكتب في تغريدة له على منصة “تويتر” “تستقبل دولة الامارات الرئيس الاسرائيلي إسحاق هرتسوغ اليوم الاحد في زيارة رسمية” و سيشارك هيرتسوغ في احتفالية اليوم الوطني الاسرائيلي التي تصادف 31 من الشهر الجاري في معرض إكسبو الدولي،مضيفا
“نتطلع لهذه الزيارة التاريخية، أن تعزز من العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث نسعى لتوقيع اتفاقيات اقتصدية وتجارية مهمة بين البلدين في المستقبل القريب”.

الجدير بالذكر أن التقارب الاماراتي الاسرائيلي بأشكاله المختلفة سبق توقيع اتقاق التطبيع بسنوات،فبعد تنصيب الرئيس أوباما عام 2009 أطلق سفراء اسرائيل والامارات المتحدة نداءا مشتركا في اجتماع مع مستشار الشرق الاوسط للادارة القادمة ، لحث الولايات المتحدة على تبني موقفا أكثر حزما فيما يتعلق بايران، وفي 2010 تم الاعلان عن زيارة أول وزير اسرائيلي للإمارات.

كما التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير خارجية الامارات عبد الله بن زايد آل نهيان عام 2012 لتحسين العلاقات مع اسرائيل بدون احراز تقدم في عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية.

وعلمت وكالات الاستخبارات الامريكية بالاتصال الهاتفي بين البلدين في ولاية أوباما الثانية، واجتماع بين نتنياهو والقادة الاماراتيين في قبرص ركزت على التعاون ضد ايران والذي استمر بعد مجىء ترامب لذات الغرض.

وفي عام 2015 افتتحت اسرائيل البعثة الدبلوماسية الرسمية في ابوظبي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة
وعلى صعيد الشأن الليبي عقد في يوليو 2017 اجتماع بين الاستخبارات الاسرائيلية وخليفة حفتر الذي تدعمه الامارات توسطت فيه الأخيرة في الحرب الاهلية الليبية الثانية من أجل التفاوض على المساعدات العسكرية الاسرائيلية لقوات حفتر.

يبقى القول بان لا أكثر صهيونية من تصريح علي النعيمي رئيس لجنة الدفاع والعلاقات الخارجية الاماراتية في 8 سبتمبر2020حين قال:أن الفلسطينيين لا زالوا يعيشون في الماضي ، وطالبهم العودة الى المفاوضات مؤكدا” في حال اندلعت حرب في غزة فإن العلاقات بين الامارات واسرائيل لن تتأثر”.

البحرين: جرى توقيع اتفاقية التطبيع بين البحرين واسرائيل في حديقة البيت الابيض بتاريخ 15 سبتمبر/2021 وهو ما اعتبره ملك البحرين حمد بن عيسى انجازا تاريخيا.

وقد سبقت ذلك علاقات، وزيارات حيث استقبلت المنامة في 25و26 حزيران/2019 ورشة” السلام من أجل الازدهار” بمشاركة اسرائيليين، تبعها لقاءات بين وزيري الخارجية البحريني والاسرائيلي في واشنطن خلال تموز/2019.

وكان مؤتمر البحرين للسلام الاقتصادي حول فلسطين قد نظم في يونيو2019،حيث عرضت ادارة ترامب الجزء الاقتصادي من صفقة القرن والذي قاطعته السلطة الوطنية الفلسطينية مع تواجد اسرائيلي غير رسمي بحضور صحفي إسرائيلي.

وفي تصريح له في شباط/2019 قبيل التطبيع تحدث الوزير نفسه قائلا”إن مواجهة التهديد الايراني تعد أهم من القضية الفلسطينية”
وقد تناول اتفاق التطبيع جوانب الاستثمار والسياحة والرحلات المباشرة والامن والاتصالات والتكنلوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وفتح متبادل للسفارات.

وزير خارجية البحرين السابق خالد بن محمد آل خليفه اعتبر اتفاق السلام مع اسرائيل والذي جرى التوصل اليه رسالة ايجابية للشعب الاسرتئيلي،مؤكدا على أن التعايش والانفتاح بين مختلف الاعراق والاديان هو الطريق لان يسود السلام العادل والشامل مع الفلسطينيين!!.

السودان: أعلنت وزارة الخارجية السودانية بتاريخ 23 اكتوبر/2020 أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع اسرائيل، وفي نفس اليوم أعلن البيت الابيض أن ترامب أبلغ الكونغرس نيته رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي ادرج عليها منذ عام 1993 لاستضافته زعيم القاعدة الراحل اسامه بن لادن، حيث نصت الاتفاقية على بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية مع التركيز مبدئيا على الزراعة.كما نصت على لقاءات بشأن اتفاقات في مجالات التكنلوجيا والطيران وقضايا الهجرة.

يذكر أن المراحل التأسيسية للتطبيع مع اسرائيل قد ارتبطت بالعام 2016، بعد لقاءات ومحادثات أبرزها ربط وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور ورئيسها عمر البشيرتطبيع العلاقات مع اسرائيل بشرط رفع الحكومة الامريكية العقوبات الاقتصادية عن السودان.
السودان الذي خاض حروبا ضد اسرائيل،وشهدت عاصمته الخرطوم اتخاذ قرار اللاءات الثلاث: لاصلح لا تفاوض لا اعتراف باسرائيل، وارسل قواته لمحاربة اسرائيل في جميع الحروب العربية الاسرائيلية،وظل يعد اسرائيل عدوا للعرب مثلما كان هو بالنسبة اسرائيل دولة ارهابية خطيرة.

الجزء الرابع والأخير

المغرب: أعلن العاهل المغربي محمد السادس يوم 10 ديسمبر/2020 استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل في أقرب الآجال. و الاتفاق على اعادة فتح مكاتب اتصال في كل من تل أبيب والرباط بعد أن أغلقت عام 2000 أبان انتفاضة الاقصى ومن ثم تبادل فتح السفارات في كلا البلدين واستئناف الرحلات الجوية المباشرة.

وقد جرى توقيع أربع اتفاقيات بين البلدين في مجالات الاقتصاد والتجارة والسياحة والطيران، و لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية أعلن المغرب عن توقيع اتفاقية شراكه استراتيجية بين رجال الاعمال المغاربة والاسرائيليين العاملين في القطاع الخاص.
ووفق المكتب المركزي للاحصاء الاسرائيلي بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 4 ملايين دولار شهريا ،حيث تسعى الاتفاقات الى رفعه الى 500 مليون سنوي.

وقد تضمن الاعلان الثلاثي الى جانب تطوير العلاقات المغربية الاسرائيلية التزاما امريكيا بسيادة المغرب على صحرائه، وهو الاعتراف الذي أقره ترامب ولا يزال ساريا بالنسبة لبايدن.

الجدير بالذكر أن العلاقات مع اسرائيل ظل المغرب يعزوها للروابط الخاصة التي تجمع اليهود المغاربة في اسرائيل بالمملكة، والذين يفوق عددهم المليون..

الصهيونية العربية

يوضح مقال للكاتب أندرياس كريغ المحاضر بكلية الدراسات الامنية في كينغز كوليدج البريطانية،أن الفجوة بين الواقع على الأرض بالقدس وكيفية قيام اسرائيل بتدويرها تتسع يوما بعد يوم،بسبب شبكة العلاقات العامة الواسعة في اسرائيل،التي تلقى الدعم من جهات تبدو غير متوقعه (الامارات) وأضاف أن عنف الشرطة الاسرائيلية المفرط ضد المتظاهرين الشرعيين ليس من قبيل الصدفة ، فقد أظهرت الامارات حتى قبل اتفاقات أبراهام تآزرها ايديلوجيا مع المواقف الاسرائيلية اليمينية المتطرفة، والسرديات القائمة على الخوف التي تهدف الى تبرير قمع المجتمع العربي المدني.

وأضاف أن اسرائيل نجحت لعقود في كسب العقول والعقول في الغرب لدعم احتلالها الذي أصبح من الصعب تبريره ،فقد كانت تصف النشطاء بأنهم ارهابيون، والمنتقدين لها بأنهم معادون للسامية ،و الأدلة على العنف الاسرائيلي ضد النساء والأطفال على أنها”اخبار مزيفة”.

وأشار الى أن قلة هم الذين انطلت عليهم خدعة ان اتفاقيات أبراهام ستوفر للامارات نفوذا على اسرائيل لمساعدة القضية الفلسطينية، وتوقع معظم المحللين ان أبوظبي تستمر في غض الطرف عن معاناة الفليسطينيين، لكن المفاجأة أن الاماراتيون ذهبوا الى حد تبني الدعاية الصهيونية ضد الفلسطينيين بعد أن تحولت الامارات الى ذراع دعائي للعدوان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
وهذا حقيقة ما نشهد، فلم يكتف هؤلاء بالاعتراف بالكيان الصهيوني، بل باتوا يروجون لروايته، ويبررون كل ممارساته الاحتلالية، ويشككون بالرواية الفلسطينية بشكل تجاوز وتفوق على مواقف الصهيونية المسيحية نفسها.

وهؤلاء خلطوا ما بين السلام مع اسرائيل وقبولها كدولة من دول المنطقة ،والتنكر للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
وما نشهده اليوم من تمجيد باسرائيل ،وحريتها، ورقيها ،وصل بالبعض للقول (اسرائيل حليفة وفيه) ، مما يجعلنا ندعي أن اتفاقيات التطبيع لاتخرج عن كونهامكافأة لاسرائيل على ضمها القدس والجولان واستمرار الاستيطان وجرائم الحرب التي ترتكب بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

ولو عدنا الى بدايات القرن العشرين، لوجدنا أن خلق اسرئيل على يد القوى الاستعمارية الغربية لم يكن بمعزل عن مساعدات الزعماء العرب وتواطئهم، دلالاته كثيرة ابتداءا باتفاقية فيصل وايزمن/1919 ،مرورا بمواقف الزعامات العربية أثناء الثورة الكبرى/1936 المعارضة للعمل الثوري المقاوم للاحتلال،وأشكال الخيانة في حرب عام1948 ،ودور القيادات السياسية واجراءاتها المتخذة والتي أقل ما قيل فيها اعتمادها سوء النوايا تجاه مجريات الحرب،وما تضمنته مذكرات القادة الذين شاركوا في حرب عام 1967عنواقع عربي مأزوم شكل الارضية المشجعة على العدوان ،ولم يتوقف الامر عند ذلك بل أصبح العرب يتراكضون باتجاه اسرائيل والجلوس الى جانب قادتها في المؤتمرات الدولية’.

وعليه ،لانبالغ إن قلنا بان الحكام العرب اليوم قد تفوقوا على بلفور الذي وعد وبريطانيا التي منحت، بعد أن بات المطبعون العربيروجون للرواية الصهيونية، ومن يتبنى الرواية الصهيونية يصبح صهيونيا وان كان غير يهوديا.

كما أن أخطر تداعيات الاتفاقيات الموقعة أن بات الحديث عن نزاع فلسطيني اسرائيلي بعدما كان الحديث عن نزاع عربي اسرائيلي ، كيف لا ومصر تعلق (بالتثمين) والبحرين تعقب بأنها تعزز من فرص السلام.

وأقل ما يقال في الاتفاقات أنها خروج عن المبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2002، وتبنتها قمة بيروت العربية التي طرحت سلاما كاملا بين الدول العربية واسرائيل بشرط انسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي العربية المحتلة عام 1967 بما في ذلك الجولان، والتوصل الى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ،وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

كما أنها وسعت نطاق الشرعية العربية لتحقيق فكرة اسرائيل الكبرى،فبينما رفض العربتطبيع مصر مع اسرائيل وقاطعوها ونقلوا مقر الجامعة العربية منها الى تونس، لم يحظ تطبيع 2020 برفض أغلبية الانظمة العربية الا الفلسطينيين الذين اعتبروه خيانه وطعنه في الظهر.في الوقت الذي اعتبره المطبعوننهجا للواقعية السياسية وخدمة لمصالح الاطراف الموقعة، فالمصالح هي التي تحكم العلاقات بين الدول! متناسين أن وضع القضية الفلسطينية والتعامل مع اسرائيل،معناه تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني العادلة التي يقرها الغرب والامم المتحدة، التي أصدرت عشرات القرارات التي تؤكد على أن اسرائيل دولة احتلال ،وعلى حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها اقامة دولته على اراض عام 1967 ،وفي هذا صهيونية غير يهودية جديدة بعد موجة الصهيونية المسيحية.

محاضرة في قسم العلوم السياسية/ جامعة النجاح الوطنية

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *