التعذيب بالماء الساخن والإجبار على شرب الخمر: شهادات مروعة لتعذيب الاحتلال معتقلي غزة

نشرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ، شهادات جديدة لمجموعة من معتقلي قطاع غزة الذين تمت زيارتهم خلال شهر تموز/ يوليو 2025، عكست مجددًا مستوى الجرائم غير المسبوقة التي تعرّضوا لها خلال اعتقالهم والتحقيق معهم، بالإضافة إلى ظروف احتجازهم الحالية، وما يواجهونه من جرائم طبية، وتجويع ممنهج، وحرمان وسلب مستمر داخل المعتقلات والمعسكرات. وقد حصلت الطواقم القانونية على هذه الشهادات المقتضبة خلال زيارات إلى معتقلات: النقب، عوفر، سديه تيمان، والمسكوبية.
ومرة أخرى، تؤكد هذه الشهادات المستمرة أنها تمثّل جزءًا من مئات الإفادات التي وثّقها معتقلو غزة، ممن تعرّضوا لجرائم تعذيب وتنكيل وإذلال، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، ما أسفر عن استشهاد العشرات، بينما لا يزال عدد آخر منهم رهن الإخفاء القسري. إحدى الشهادات تضمنت قيام السجّانين بسكب الماء الساخن على جسد أحد المعتقلين، وأخرى تحدثت عن إجبار معتقلين على خلع ملابسهم والاعتداء عليهم بالضرب المبرّح. كما أفاد معتقل بتعرضه للإجبار على شرب الخمر، وآخر تعرّض لتعذيب نفسي دفعه لمحاولة الانتحار بعد أن أبلغه المحقق باستشهاد أفراد عائلته. وتبيّن خلال زيارته أن عائلته بخير. كما تعرّض معتقل آخر لهجوم من كلب بوليسي تسبب بإصابته.
شهادات من داخل المعتقلات:
المعتقل (م.ي): “سكبوا الماء الساخن على جسدي”
قال المعتقل (م.ي): “اعتُقلت في شباط/ فبراير 2024، وتعرّضت لتحقيق ميداني، ثم نُقلت إلى معسكر سديه تيمان لمدة 25 يومًا، ثم إلى معسكر قرب القدس، ولاحقًا إلى سجن “عوفر”، ثم إلى سجن “النقب”. طوال هذه الفترة، تعرّضت لجميع صنوف التعذيب، وحتى عند نقلي إلى سجن “النقب”، سُكب الماء الساخن على جسدي. اليوم أُحتجز في قسم الخيام داخل سجن النقب، حيث يُحتجز 27 معتقلًا في كل خيمة في ظروف غاية في القسوة. نعاني من اعتداءات مستمرة، وتجويع وإذلال يومي. الطعام غير صالح للأكل، فنضطر إلى الصوم وجمعه في وجبة واحدة مساءً. كما نُحرم من العلاج، حتى من مرض الجرب الذي أصيب به المعتقلون وتفاقم بسبب انعدام النظافة وعدم توفّر سبل الوقاية والعلاج.”
المعتقل (م.ي): “عُريت بالكامل وأُجبرت على شرب الخمر”
قال المعتقل (م.ي): “اعتُقلت في شباط/ فبراير 2024، من الممر الآمن، ثم نُقلت إلى غلاف غزة لمدة 25 يومًا، وبعدها إلى معسكر قرب القدس، ثم إلى معسكر عوفر، حيث بقيت 60 يومًا، ثم إلى سجن “النقب”. في غلاف غزة، ضُربت بأداة حادة، واحتاج جرحي إلى غرز معدنية بقيت في رأسي 119 يومًا ما تسبب بالتهاب في فروة الرأس. وفي المعسكر قرب القدس، عُريت بالكامل وأُجبرت على شرب الخمر.”
المعتقل (ح.ن): “حاولت الانتحار بعد أن أبلغني المحقق بمقتل عائلتي”
قال المعتقل (ح.ن): “اعتُقلت في كانون الأول/ ديسمبر 2024، عبر حاجز الإدارة المدنية، وتعرّضت للضرب المبرّح، وتم تجريدي من ملابسي. أخبرني المحقق أن جيش الاحتلال قتل جميع أفراد عائلتي، مما سبب لي أزمة نفسية حادة دفعتني لمحاولة الانتحار داخل الزنزانة، لولا تدخل زملائي. خلال زيارتي، أخبرني المحامي أن عائلتي بخير، فانهرت بالبكاء ولم أصدق ما سمعته.”
المعتقل (ه.د): “نعيش حالة رعب وخوف على مدار الساعة”
قال المعتقل (ه.د): “اعتُقلت في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عبر حاجز الإدارة المدنية، وتعرّضت لتحقيق ميداني، ثم احتُجزت في البركسات في غلاف غزة لمدة 110 أيام، قبل نقلي إلى سجن “النقب”. ما نزال نعيش ظروفًا قاسية للغاية، ونتعرض يوميًا للتفتيش، والاعتداء، والإذلال. يُجبرونا على الجلوس على الركبتين وأيدينا إلى الخلف خلال ما يسمى “بالعدد- الفحص الأمني”. الأمراض منتشرة، والخوف والرعب لا يفارقاننا، إلى جانب حرماننا من العلاج وتجويعنا المتعمّد.”
المعتقل (أ.و): “أُصبت بضرر بالغ في النظر نتيجة الضرب”
قال المعتقل (أ.و): “اعتُقلت في شباط/ فبراير 2024، من مدرسة في خان يونس، حيث اعتقل جيش الاحتلال أكثر من 100 مواطن. نُقلت إلى البركسات لمدة 23 يومًا، ثم إلى معتقل قرب القدس، ثم إلى سجن “عوفر”، ولاحقًا إلى سجن “النقب”. خلال عملية نقلي من “عوفر” إلى “النقب”، ضُربت بالقيود على رأسي، ما أدى إلى ضعف حاد في نظري بالعين اليسرى، وصداع دائم، وفقدان للتوازن. كما أُصبت بمرض الجرب، وعاد إليّ بعد شفائي بسبب الظروف غير الصحية.”
المعتقل (خ.ي): “كُسرت ساقي ولم أتلقّ أي علاج”
قال المعتقل (خ.ي): “اعتُقلت في كانون الأول/ ديسمبر 2023، من مدرسة في حي الشجاعية بعد النزوح. نُقلت إلى البركسات في غلاف غزة، ثم إلى سجن “النقب”. خلال الاعتقال، تعرّضت للضرب المبرّح ما تسبب بكسر في مفصل ساقي اليمنى، ولم أتلقّ أي علاج رغم الأوجاع الشديدة، حتى المسكنات لم تُعطَ لي. أعاني من صعوبة بالمشي وألم دائم.”
المعتقل (ه.ر): “هاجمني كلب بوليسي ونهش قدمي”
قال المعتقل (ه.ر): “اعتُقلت في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، من رفح، وتعرّضت للتحقيق الميداني، ثم تم تجريدي من ملابسي. هاجمني كلب بوليسي ونهش قدمي. نُقلت لاحقًا إلى غلاف غزة، حيث تعرضت لتحقيق “الديسكو” وتحقيقات أخرى من قبل المخابرات، ثم إلى معسكر عوفر، ثم إلى زنازين “المسكوبية”، حيث تم عزلي انفراديًا لمدة أربعة شهور، وتعرضت لتحقيقات عسكرية في “عسقلان”. قبل أسبوع فقط، تعرّضت للضرب الوحشي بالهراوات.”
أبرز الحقائق حول معتقلي غزة:
منذ بدء حرب الإبادة، لم تتمكن المؤسسات الحقوقية من الحصول على رقم دقيق لعدد من تم اعتقالهم في غزة نتيجة لجريمة الإخفاء القسري، إلا أن العدد يُقدّر بالآلاف.
تُعدّ شهادات معتقلي غزة من الشهادات الأشد قسوة، نظرًا لحجم الجرائم المرتكبة بحقهم.
أقام الاحتلال معسكرات جديدة خصيصًا لاحتجاز معتقلي غزة، أبرزها: سديه تيمان، عناتوت، معسكر عوفر، نفتالي، وقسم ركيفت تحت سجن الرملة.
يُحتجز الجزء الأكبر من معتقلي غزة في سجن “النقب” وسجن/معسكر “عوفر”.
وفق ما أعلنت عنه إدارة سجون الاحتلال حتى مطلع تموز/ يوليو 2025، بلغ عدد معتقلي غزة المصنّفين “مقاتلين غير شرعيين” (2454) معتقلًا، وهو أعلى رقم سُجّل منذ بدء الإبادة. ولا يشمل هذا الرقم المعتقلين المحتجزين في معسكرات الجيش، بل فقط من هم تحت إدارة مصلحة السجون.
يشكّل “قانون المقاتل غير الشرعي” أداة رئيسية في شرعنة جريمة الإخفاء القسري، إضافة إلى كونه ينتهك القانون الدولي من حيث الجوهر والبنية، ويعزز استخدام التعذيب على نطاق واسع بحق معتقلي غزة.
في هذا السياق تؤكّد هيئة الأسرى ونادي الأسير، أن الاحتلال ماض في إبادته وجرائمه على مرأى ومسمع من العالم، دون أي تغيير حقيقي يساهم في وقف الإبادة، والعدوان الشامل على شعبنا، وأحد أشكاله الجرائم المستمرة بحقّ الأسرى والمعتقلين، بل إن مرور المزيد من الوقت على استمرار الإبادة، يعني أنّ حالة العجز التي تعاني منها المنظمات الحقوقية قد تجاوز هذا التعبير، وأصبح التساؤل عن جدوى وجود منظومة حقوقية واجب علينا، مع اتساع مفهوم حالة الاستثناء التي يتمتع بها الاحتلال الإسرائيلي على الصعيد الدوليّ.