التطهير العرقي في مخيمات فلسطين المحتلة منذ العدوان العسكري الأخير مطلع عام ٢٠٢٥

 التطهير العرقي في مخيمات فلسطين المحتلة منذ العدوان العسكري الأخير مطلع عام ٢٠٢٥

لا تزال اسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، تسعى منذ قيامها الى تنفيذ مخططها المدروس لتهجير شعبنا قسرًاوإلغاء الوجود الوطني الفلسطيني على أرضه وإحلال المستوطنين اليهود محلهم، وإسقاط حق العودة.

بعد محاولات حثيثة امتدت لعقود في إستهداف المنظمة الدولية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتحريض عليها باعتبارها الشاهد والدليل القانوني على نكبة 1948، أقر كنيست الاحتلال في أكتوبر 2024 قانونين “لحظر أنشطة وعمل الأونروا في القدس الشرقية المحتلة وإخلاء مقر عملها، وحظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفي الاونروا”. 

واُستكملت هذه الخطوة غير القانونية، التي تخالف التزامات إسرائيل الدولية، باستهداف المخيمات الفلسطينية في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، بإعتبارها الشاهد المادي على النكبة، سواء في قطاع غالتطهير العرقي في مخيمات فلسطين المحتلة”منذ العدوان العسكري الأخير مطلع عام 2025“تهجير قسري ثالث وإلغاء حق العودةزة بالإبادة الجماعية أو في شمال الضفة الغربية، وخاصة مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، ومخيمات أخرى مثل مخيم الفارعة في طوباس، ومخيمات نابلس، كمخيمي عسكر وبلاطة.

في الضفة الغربية تحديدًا، اقتحمت سلطات الاحتلال هذه المخيمات بشكل متواصل، ودمرت البنى التحتية فيها بما فيها شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات، وهجّرت نحو 45 الف لاجئ  بقوة السلاح في عمليات عسكرية واسعة في مخيمات شمال الضفة الغربية، وأوقفت عمليات الأونروا فيها. رافق هذه الجرائم عمليات هدم للمنازل وجرف للشوارع والتهديد بإحراق المنازل بمن فيها. وقد حولت سلطة الاحتلال هذه المخيمات إلى أماكن غير صالحة للسكن ودمرتها لضمان عدم عودة اللاجئين إليها على غرار نكبة 1948 التي هُجِّر خلالها ما يقارب مليون  فلسطيني ومنعتهم من العودة إلى ديارهم الأصلية، وحرب حزيران 1967 التي هُجِّر خلالها نحو نصف مليون فلسطيني، أجبروا على ترك أراضيهم والعيش في المخيمات مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد المخيمات الموجودة في فلسطين 27 مخيم، 19 مخيم في الضفة الغربية و 8 في قطاع غزة حيث أن 80% من سكان القطاع هم لاجئين.

وقد ترافق هذا التهجير القسري مع تداعيات كارثية نتيجة توقف عمليات وكالة الأونروا، لا سيما ما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليمية والمساعدات الإنسانية الأساسية. فقد أدّى هذا التهجير القسري وغير القانوني إلى حرمان عشرات الآلاف من اللاجئين من الحصول على الرعاية الصحية، وتعطيل العملية التعليمية لأجيال بأكملها، وغياب برامج الدعم الغذائي والنفسي، مما فاقم من معاناة السكان وأدخل آلاف العائلات في دوامة الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي.

كما يواجه النازحون يوميًا إشكاليات كبيرة تتعلق بالحصول على سكن ملائم بعد تدمير منازلهم، واضطرارهم للعيش في ظروف مأساوية في شقق مستأجرة أو لدى أقارب، دون توفر أبسط مقومات الحياة الكريمة أو الخصوصية، في ظل غياب أي تدخل إنساني فاعل نتيجة القيود الإسرائيلية على عمل المنظمات الدولية. وقد تزايدت حالات الحرمان من العلاج، خاصة بين المرضى المزمنين وكبار السن والنساء والأطفال، بسبب توقف العيادات الميدانية التابعة للأونروا وصعوبة الوصول إلى المستشفيات. إنّ هذا التدهور الخطير في الظروف الإنسانية والمعيشية للاجئين الفلسطينيين يرقى إلى جريمة متكاملة الأركان ترمي إلى خلق بيئة طاردة تؤدي إلى تهجيرهم القسري مجددًا، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتهديدًا وجوديًا لحقهم في العودة. 

هذا المخطط المركب والمتدحرج انسجم تمامًا مع مخطط الضم الإسرائيلي وخطة (سموتيرتش)، حيث قضت تعليمات المستوى الرسمي الإسرائيلي بإبقاء هذه المخيمات تحت سيطرة الاحتلال المباشرة استعدادًا لتوسيع العدوان وصولًا إلى مخيمات وسط الضفة وجنوبها، وفي المحصلة العمل على تهجير الفلسطينيين وشطب حق العودة وضم الضفة الغربية وإعلان السيادة الإسرائيلية عليها. 

إن استهداف الاحتلال للاجئين الفلسطينيين ووكالة الأونروا وإنشاء ما يسمى “هيئة الهجرة الطوعية” هي محاولة مكشوفة وتعبير إسرائيلي صريح عن مخططه لتهجيرشعبنا قسرًا للمرة الثالثة  تحت مسميات الحل الإنساني في قطاع غزة بالإبادة الجماعية أو في الضفة الغربية بعدوان عسكري غاشم.  

يركز هذا الملخص الإعلامي على أحد أبرز نماذج التطهير العرقي في مخيمات شمال الضفة الغربية، وما يحويه من تهجير قسري وفرض الحصار ومنع الحركة والتنقل حول المخيمات وإليها. ويسلط الضوء على مخيم جنين، ومخيمي طولكرم ونور شمس، كأمثلة حية وواقعية على ما تعانيه المخيمات الفلسطينية في فلسطين المحتلة من جرائم وممارسات إسرائيلية عنصرية تجاه الفلسطينيين عامة واللاجئين خاصة.  

مخيمات تحت التطهير العرقي: من مخيم جنين إلى مخيمي طولكرم ونور شمس

“أطول عملية وأكثرها تدميرًا في الضفة الغربية المحتلة منذ الانتفاضة الثانية”

المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني

مخيم جنين الصامد  

تأسس مخيم جنين عام 1953، وذلك بعد أن دمّر المخيم الأصلي في المنطقة بفعل عاصفة ثلجية. يقع المخيم ضمن حدود بلدية محافظة جنين، ويُعد أبعد مخيم في شمال الضفة الغربية المحتلة.  عانى المخيم من ظروف قاسية، وتضرر بشكل كبير في الانتفاضة الثانية، لا سيما خلال اجتياح المخيم عام 2002 حيث احتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي ودمرت ما يقارب 400 منزل. 

في مشهد مشابه لِما جرى عام 2002، شنت قوات الاحتلال منذ مطلع عام 2025 وتحديدًا بتاريخ 21 كانون ثاني، عدوان عسكري واسع أطلقت عليه اسم عملية “الجدار الحديدي”، أسفرت عن استشهاد 42 مواطنًا من بينهم نساء وأطفال، 88 إصابة، وما لا يقل عن 600 حالة اعتقال ودمَّر الاحتلال خلال العملية عشرات المنازل والبنى التحتية حيث تضررت أكثر من 600 وحدة سكنية وأصبحت غير صالحة للسكن، إضافة الى إصدار أوامر عسكرية بهدم 66 منزلًا، مما يهدد 280 أسرة. هذا المشهد يكرر وقائع اجتياح عام 2002، لكن هذه المرة على مدى زمني أطول وبطابع عنصري أشد في التعامل مع الفلسطينيين. 

في السياق ذاته، نزح ما يقارب 21 ألف فلسطيني، منهم حوالي 18ألف من داخل المخيم (أي ما معدله   3500عائلة)، بينما نزح 3200 مواطن قسرًا من الأحياء المحيطة بالمخيم (نحو 400 عائلة)، أُجبروا على ترك بيوتهم واللجوء إلى بيوت أقاربهم أو استئجار بيوت خارج المخيم في 70 بلدة وقرية في بمحافظة جنين.

شهادة حيّة على النزوح القسري والتطهير العرقي”هدم منزلنا عام 2002، وأعادوا هدمه عام 2023، والآن لم يعد صالحًا للعيش، لكنني سأفترش البيت ولو كان حطامًا ولا بديل عن المخيم سوى العودة إلى حيفا” 

أحمد حواشين

في 21 كانون ثاني 2025، هرع أحمد لإنقاذ والدته وأخواته وتأمين خروجهم من المخيم بعد إعلان جيش الاحتلال ضرورة الإخلاء الفوري، وسط وابلٍ من الرصاص وقنابل الصوت والغاز. أكد أحمد أن مشهد خروج السكان من المخيم كان صعبًا ومأساويًا، حيث لم يسمح جنود الاحتلال لأغلب السكان بجمع أمتعتهم وممتلكاتهم وأجبروا على المغادرة بشكل فوري وبطريقة وحشية.  لم يتمكن أحمد من الحصول على هويته الشخصية وأوراقه الثبوتية، فاضطر للدخول إلى المخيم سرًا واستعادة هذه الأوراق مقامرًا بحياته بين نيران القناصة، وعندما وصل منزله وجده مفخخًا بالمتفجرات. وقد عبّر أحمد عن استيائه من الحالة الاقتصادية في مدينة جنين، وما آلت إليه بسبب الاقتحامات المستمرة، مؤكدًا أن اقتحام المخيم يعني شل الحركة الاقتصادية في المدينة بأكملها.

مخيما طولكرم ونور شمس: نموذجان للتهجير القسري

يقع مخيم طولكرم على الحافة الغربية للضفة الغربية المحتلة، ضمن حدود بلدية طولكرم، على أرض مساحتها 18 كيلومتر مربع. تأسس مخيم طولكرم عام 1950 ليأوي اللاجئين من القرى والمدن التابعة لحيفا ويافا وقيسارية، ويبلغ عدد اللاجئين في المخيم حوالي 28 ألفًا حتى عام 2023، ويضم 4  مدارس تتبع لوكالة الغوث. 

أما مخيم نور شمس فهو يقع إلى الشمال الغربي من الضفة الغربية المحتلة، بالقرب من مركز محافظة طولكرم، وقد أنشئ بعد العاصفة الثلجية التي دمرت مخيم جنين، ما أرغم اللاجئين للانتقال إليه. 

منذ 27 شباط الماضي، يخضع المخيمان لعدوان عسكري واسع النطاق، ووفقًا لمحافظ طولكرم د.عبد الله كميل، فقد نزح ما يقارب 24 ألف مواطن فلسطيني من المخيمين بعد أن أخلتهما قوات الاحتلال، إضافة إلى تحويلهم ل7 بنايات سكنية داخل المدينة إلى ثكنات عسكرية وإخلائها من سكانها. إضافة إلى ذلك، فقد أفضت تداعيات العدوان العسكري على محافظة طولكرم إلى استشهاد 13 مواطنًا وإصابة 35 آخرين ، بينما أعتقلت قوات الاحتلال 250 مواطنا . أما الخسائر المادية فظهرت جليًا في تعمد قوات الاحتلال تفجير وتجريف وتدمير البنية التحتية في المدينة والمخيمين بما في ذلك هدم ما لا يقل عن 40 منزلًا في المخيمين.

أدت العمليات العسكرية في شمال الضفة إلى تعطيل استمرار عملية التعليم في المخيمين، حيث أغلقت 4  مدارس في مخيم طولكرم ومدرستين في مخيم نور شمس، مع العلم أنها تتبع لوكالة الأونروا.  كذلك تعتمد 40 مدرسة حكومية على التعليم عن بعد منذ بدء العدوان، منها 32 مدرسة في مدينة طولكرم و8 مدارس في مدينة جنين، وذلك بسبب انعدام الأمن في المدينة ونزوح الأهالي قسراً إلى تلك المناطق بحثًا عن مأوى.”ما الذنب الذي يقترفه الإنسان حتى ينزح مرتان تحت تهديد السلاح خلال أقل من أسبوع” “لن نقبل بمقترح الكرڤانات، ولن نعيد الكرَّة بسيناريو الخيام عام “1948   

تسنيم سليط

اتعيش تسنيم في مخيم طولكرم مع زوجها وابنتها آيلا (4 سنوات)، تنحدر تسنيم من عائلة سليط المهجّرة قسرًا من قرية خبيزة قضاء حيفا بعد نكبة 1948. وتقارن ما حدث مع عائلتها في الماضي وتصف مشاهد النازحين قسرًا من مخيمي نور شمس وطولكرم بأنها اسوأ بكثير مما سمعته من أجدادها، وبأن جرائم وهمجية الاحتلال قد تفاقمت، حيث لم تسمح لهم قوات الاحتلال بأخذ امتعتهم وطالبتهم بالإخلاء الفوري للبيوت والمخيم. ذكرت تسنيم بأنها قد حاولت الدخول إلى المخيم خلسة دون علم الجنود، ونجت من إعدام محتم بعد تعرضها ل4 رصاصات من قناص على سطح إحدى البنايات.

أُجبرت تسنيم للنزوح قسرًا واستئجار شقة خارج المخيم في السابع والعشرين من شباط، لكن سرعان ما أجبرتها قوات الاحتلال على النزوح مرة أخرى من المنزل المُستأجر تحت تهديد السلاح، وأرغمت على اللجوء للعيش مع عائلتها في شقة صغيرة مع ابنتها بعيدًا عن زوجها لحين انتهاء العدوان العسكري. وأكدت تسنيم أن التعليم متوقف في المخيمين منذ بدء العدوان، وتوقفت ابنتها مثل آلاف الأطفال عن الذهاب إلى الرياض، مشيرة إلى المخاطر الجمة التي تحيق بالمواطنين لدى محاولتهم الوصول إلى الشوارع التي تربط المخيم بالمدينة الأمر الذي يعرض حياتهم وحياة ابنتها لموت محتم.ورغم تداول الحديث عن توفير “كراڤانات للاجئين” ، ترفض تسنيم هذا الخيار رفضًا قاطعًا، معتبرة أنه تكرار لسيناريو النكبة عام 1948، وأن القبول بهذه الكرافانات يعني التخلي عن بيوتهم في المخيم، وبالتالي استحالة العودة إليها. وطالبت تسنيم المجتمع الدولي بالتدخل فورًا لايقاف النكبة المستمرة. 

مخيم الفارعة في محافظة طوباس

تأسس مخيم الفارعة عام 1949 على مساحة 26 كيلومتر مربع بالقرب من عين الفارعة. ويعود أصل اللاجئين فيه من 30 قرية تتبع للمناطق الشمالية الشرقية من مدينة يافا. ومع توسع العمليات العسكرية الاسرائيلية لتشمل محافظة طوباس في 29 كانون الثاني 2025 ، استشهد 15 مواطنًا من المحافظة، 3 منهم من مخيم الفارعة، وأصيب 47 مواطنًا آخر واعتقال ما لا يقل عن 200فلسطينيبعد اقتحام المخيم وإطلاق قذيفة ”أنيرجا“  وقد احتجزت قوات الاحتلال جثامينهم. كما جرفت قوات الاحتلال شارع السوق الرئيسي ودمرت البنية التحتية في المخيم. 

انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي 

بالاستناد إلى الفتوى القانونية الصادرة عن محكمة العدل الدولية في تموز 2024 في ما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، خلصت المحكمة إلى أن التهجير القسري للفلسطينيين يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وخلصت الفتوى إلى أن الترحيل القسري، والاستيلاء على الممتلكات الخاصة، وتدمير المنازل والبنى التحتية، جميعها تشكل أفعالاً غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتتنافى مع التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال. كما شددت المحكمة على حق الفلسطينيين في التعويض، وفي استعادة ممتلكاتهم، وحقهم في العودة إلى منازلهم وأراضيهم الأصلية.

كما يواصل الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته للقانون الدولي، خاصة القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها، فقد أجبر المواطنين على مغادرة منازلهم قسرًا، بالإضافة إلى قتل عشرات المواطنين في المخيمات، وفرض الحصار عليهم ومنع الحركة والتنقل بين المدن والمخيمات، حيث يعرض كل من يُحاول الدخول إلى المخيمات للاعتقال أو القتل. 

إن استهداف قوات الاحتلال المتعمد للمدنيين، يُعتبر خرقًا واضحًا للمادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف، والتي تمنع “الإعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب”. إضافة إلى ذلك، تعتبر هذه العملية العسكرية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، كما تشكل خرقًا للمادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة التي خُصصت لحماية المدنيين، والتي أكدت على ضرورة حماية واحترام الجرحى والمرضى والحوامل والمسنين والأطفال، وهو ما لا تقم به إسرائيل.

كما يعتبر إجبار السكان على إخلاء بيوتهم والخروج من المخيمات تهجيرًا قسريًا محظورًا بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، حيث ترقى هذه الخروقات إلى جرائم حرب وفقًا لاتفاقية روما، التي تنص على ”إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها يعتبر جريمة حرب“، كما ويعد جريمة ضد الانسانية بموجب المادة 7 من الاتفاقية ذاتها.

من جهة أخرى، يعتبر استهداف الاحتلال للمنشآت العامة والممتلكات الخاصة ومن ضمنها المنازل انتهاكًا للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تمنع استهداف وتدمير أي ممتلكات تخص الدولة أو الأفراد، حيث دمّر الاحتلال ما لا يقل عن 640 منزلًا في مخيمات شمال الضفة المحتلة خلال العملية العسكرية الأخيرة. إضافة إلى محاصرة المستشفيات واحتجاز مركبات الإسعاف في خرق صريح لقوانين الحرب بحسب نظام محكمة الجنايات الدولية “نظام روما1998“. 

فيما يتعلق بحق العودة وإلغاء فكرة المخيمات، فإن ما يخطط له الاحتلال بمحي المخيمات والوجود الفلسطيني على الأرض، يتنافى مع حق العودة المحمي في القانون الدولي، حيث يستمد اللاجئ الفلسطيني مشروعية حقه في العودة إلى أراضيه على قرارات عدة، أهمها القرار 194 عليه فإن مسح المخيمات يعني القضاء على حق العودة وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين. 

الخاتمة

تستدعي الجرائم الإسرئيلية المتواصلة منذ نكبة عام 1948 حتى اليوم من أعضاء المجتمع الدولي تحركًا جماعيًا عاجلًا،  يتجاوز حدود البيانات السياسية والإدانة اللفظية، نحو خطوات حاسمة وعملية. إنّ ما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون اليوم، خاصة في شمال الضفة الغربية وقطاع غزة، من تهجير قسري وتطهير عرقي ممنهج، هو استمرار مباشر للمشروع الاستعماري الإسرائيلي الرامي إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين ومحو هويتهم الوطنية والجغرافية، وهو ما يُشكل خرقًا صارخًا للمعايير الدولية التي وُضعت لحماية حقوق الإنسان ومنع الجرائم ضد الإنسانية.

لقد أصبحت المخيمات الفلسطينية، التي ظلت لعقود شاهداً حيًّا على النكبة، هدفًا مباشرًا لهذا المشروع، عبر تدميرها بشكل ممنهج، وفرض ظروف معيشية غير إنسانية على سكانها، وقطع الخدمات الأساسية، وخاصة بعد وقف عمليات وكالة الأونروا. إن انهيار القطاعين الصحي والتعليمي، وغياب المساعدات الإنسانية، إلى جانب التهديد المستمر بالحرب والقتل والاعتقال، شكّل بيئة طاردة قسرية، تستهدف دفع اللاجئين نحو خيار “الهجرة الطوعية” تحت الضغط والإكراه، في مخالفة فاضحة للقانون الدولي.

إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأرض الفلسطينية، وسياسات التهجير والاستيطان والتطهير العرقي، لا يشكّل فقط انتهاكاً صارخاً للحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، بل يُهدد كذلك أسس النظام الدولي القائم على العدالة واحترام القانون. إن إنقاذ ما تبقى من فرص للسلام العادل والشامل يبدأ بمساءلة المعتدي، لا بمكافأته، وينطلق من الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير، وقيام دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم الأصلية.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *