استراتيجية الأمن القومي الأميركي للحلفاء: “تخبزوا بالافراح” – نقاط على الحروف
ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- بعدما خاضت أميركا في نهاية ولاية الرئيس جو بايدن وبداية ولاية الرئيس دونالد ترامب، أم الحروب الي تهربت منها طويلا، وهي حرب تغيير الشرق الأوسط، فنقلت التهديد المزمن بالحرب على ايران الى ساحات الحرب، واستجابت للفرضية التي وضعها أمامها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وفق معادلة إذا هزمنا هزمتم وإذا انتصرنا انتصرتم، فخرجت اميركا للحرب بكل ما لديها لمنع هزيمة اسرائيل التي بدأت تقترب مع الفشل الإسرائيلي في القضاء على المقاومة في غزة وتحرير الأسرى بالقوة،بينما جبهة إسناد لبنان تجعل مدن الشمال مدن أشباح وتضخ المزيد من النازحين الى الوسط، واليمن يقفل ميناء إيلات ويسيطر على البحر الأحمر، الذي كان في حربي عام 1967 و1973 محور الخطط الحربية الاسرائيلية، وعبر ذلك كله تزداد الأزمة الوجودية في الكيان التي فجرها طوفان الأقصى عندما قال إن جيش الاحتلال لا يشكل ضمانة كافية لشعور المستوطنين بالأمن.
- خرحت أميركا للحرب بكل ما لديها من تكنولوجيا وأسلحة وذخائر وخطط جاهزة ومخزون استخباري، وبدأ الهجوم المعاكس بعد اجتماعات تموز 2024 في واشنطن، خلال زيارة نتنياهو وقبيل وضع الحزمة الأميركية القاتلة التي تم تجييرها لإسرائيل، بعمليات اغتيال بدأت برئيس حركة حماس اسماعيل هنية وبلغت سقفها مع اغتيال قائد ومؤسس مقاومة الأهم في لبنان السيد حسن نصرالله، وتضمنت تفجير الباجر واللاسلكي، ورغم نسبتها لاسرائيل بقي السؤال لماذا لم تقم بإسرائيل بتفعيلها قبل ذلك وهي في ذروة أزمتها على كل الجبهات، ولم يفرج عنها إلا بعد زيارة نتنياهو لواشنطن في تموز 2024، لكن عندما جاء دور إسرائيل للقطاف بخوض حرب برية على جبهة لبنان كانت الحصيلة الفشل الذريع، وحاولت أميركا بايدن قيادة مسار الخروج من الحرب وتحديد الخسائر لكن اسرائيل نجحت بالمناورة حتى دخل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتبنى خيار الحرب على اليمن وغزة وايران، وقيادة الحصر على المقاومة في لبنان بتسريع اسقاط النظام السابق في سورية، وإعادة إنتاج مؤسسات السلطة في لبنان بما يضمن خوض معركة إنهاء سلاح المقاومة.
- صمدت المقاومة في لبنان واحسنت إدارة العلاقة بمؤسسات السلطة الجديدة في لبنان، ونجحت المقاومة في غزة بتحمل تبعات حرب الإبادة والتجويع بكل ما فيها من وحشية وأهوال، ووقف شعبها معا، وفشل الرهان على استسلام المقاومة أو استسلام شعبها، لكن اليمن ربح الحرب، وإيران إقامة توازن قوة انتهى بعجز اميركا واسرائيل عن مجاراتها بالاستعداد لمواصلة القتال، بعدما ظهر أن حرب الاستنزاف قاتلة لكل من واشنطن وتل أبيب، وبدأت مساعي وقف النار في غزة بعد وقف النار في اليمن بشروط يمينه، وفي ايران بشروط ايرانية، وبدأت بالتزامن معها مناقشات رسم استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس ترامب، بينما كانت حرب أوكراني ترسم معادلات فشل مشابه يصيب حلفاء واشنطن، والحل نفسه في محاولات ترويض الصين سواء بحرب جمركية او محاولة الحد من مستوى النمو الصيني ورفع مستوى النمو الميركي، لأن الأسواق كانت تقول باستحالة استرداد زمام المبادرة في المنافسة الاقتصادية مع الصين.
- جاءت استراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة قبل يومين تقول أن روسيا ليست تهديدا بل تحد لكيفية صناعة التسويات، والصين ليست عدوا بل منافسا يمكن التوصل معه الى قواعد اشتباك، والشرق الأوسط لا يجوز أن يكون ساحة حروب مفتوحة، وأن الأميركيتين الشمالية والجنوبية هما المدى الحيوي للأمن القومي الأميركي، وأن اعادة صياغة الداخل الأميركية أولوية الأمن القومي، وأن أوروبا وسائر الحلفاء يجب ان يتعلموا الاعتماد على انفسهم، وليس من شك في أن هذه الاستراتيجية هي أهم ثمرات الحرب التي دارت بلحمنا ودمنا، وأن هذه الاستراتيجية بعد التغييرات التي لحقت بالرأي العام العالمي لصالح فلسطين هي أهم ثمرات التضحيات الجسام التي قدمتها شعوب المنطقة وفي طليعتها الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني.
- وفقا لهذه الاستراتيجية معطوفة على ما شهده الرأي العام الغربي والأمريكي خصوصا من تحولات، تخسر إسرائيل أهم ركنين لصناعة السياسة والحرب، رغم كل الضعف العربي والإسلامي الذي يغري قادة إسرائيل بمواصلة لحروب أملا بالنصر المطلق الذي تحدث عنه نتنياهو، لكن دون هذا النصر شروط وأثمان لا تستطيع إسرائيل توفيرها دون استعادة أميركا الى ميادين الحروب ودون استرداد الرأي العام العالمي الى ضفة التأييد، وبغياب فرص واقعية لتحقيق أي من هذين الشرطين، على اسرائيل التواضع والتخلي عن الحلم بنزع سلاح المقاومة، والتوسع وفقا لخرائط المياه والنفط بتغيير الحدود، والبحث عن مخارج من نوع اعتبار النصر محققا بأبعاد التهديد الراهن وليس التهديد الاستراتيجي المتمثل ببقاء المقاومة ومحور المقاومة وايران بقدرات متزايدة، والقبول بإغماض العين عن تهديد استراتيجي يتمثل ببقاء المقاومة ومحور المقاومة وإيران على عقيدة قتال إسرائيل وبقوة قابلة للنمو تحضيرا لجولة جديدة لا تكون امريكا طرفا فيها.
- كلام توماس باراك المكثف خلال يومين بعدة إطلالات مبرمجة، يقول لا فرصة للرهان على قيام الجيش اللبناني بالدخول في مواجهة عسكرية مع المقاومة، ولا قدرة لاسرائيل على سحق المقاومة ونزع سلاحها، و كأنه مكلف بمهمة تسويقية للاستراتيجية الجديدة، فيقول لقد حاولنا مرتين إسقاط النظام في إيران وكانت محاولات فاشلة، وجربنا دفع الجيش اللبناني لقتال شريحة لبنانية عامي 82 و 83 وفشلنا، وكما تحتمي أميركا خلف الأطلسي، على إسرائيل أن تختبئ خلف الجدران
