اذهبوا الى رواندا ففيها “ملك” لا يظلم عنده احد!

 اذهبوا الى رواندا ففيها “ملك” لا يظلم عنده احد!

اسيا العتروس

اسيا العتروس
لان ظاهرة اللجوء في العالم ليست بالامر المستجد وان شعوب الارض قد يدفع للهروب من الارض التي ولدت ونشات عليها بسبب الجوع او الفقر او الاضطهاد او غير ذلك من الاسباب فان في اصرار بريطانيا على ترحيل لاجئين لديها الى رواندا البلد الواقع شرق افريقيا لا يعكس رسوخ تلك العقلية الانتهازية العنصرية رغم زوال زمن الاحتلال والاستعمار البريطاني ولكنها تعكس ايضا هشاشة وازدواجية المعايير عندما يتعلق الامر بالقوانين الدولية ..بريطانيا قررت فتح ابوابها لمواطني دول الخليج دون حاجة لتأشيره والسبب واضح ان اموال هؤلاء من سياح ورجال اعمال وامراء مرحب بها في البنوك البريطانية اما من لا مال له فلا موقع له ..
فرئيس الوزراء البريطاني الذي يسوق لهذا الترحيل القسري سبق له ان انتقد سياسة رواندا وانعدام الحرية والاستقلالية في هذا البلد ولكنه يبشر اليوم في البرلمان البريطاني بان هذا البلد بين اكثر البلدان امانا في العالم …
طبعا لا نريد ان نفسد على البريطانيين احتفالاتهم بمضي سبعين عاما على جلوس الملكة اليزابيث الثانية على العرش ’وقد خرج البريطانيون في هذا الحدث في بريطانيا كما في بلاد الغال واسكتلاندا عن برودهم المعروف للمشاركة في هذه الاحتفالات الساخنة التي طوت معها على الاقل حتى الان الحركات المطالبة باستقلال اسكتلاندا ومعها ايضا طوت الاصوات المطالبة باستقالة رئيس الوزراء البريطاني جونسون بعد ما عرف بفضائح الاحتفالات التي خرقت الحظر خلال الكوفيد كل هذه الملفات فاللحظة تقتضي ان تكون الاحتفالات في حجم الحدث وبعيدا عن كل الشوائب …فالملكة الام التي عاصرت نحو 155 ملكا ورئيسا في العالم تعرف كيف تنحني للعواصف وتغيب عن الانظار وتلوذ بالصمت ولا تتورط فيما يمكن ان يهز صورتها وصورة ابنائها واحفادها ..وهي عندما تتكلم لا تنطق الا بما يسعد البريطانيين ويحول انظارهم نحو قصر باكينغام بكل فخر واعتزاز وعندما يكون الكلام غير مجد فهي لا تظهر ولا تثرثر وخطاباتها في الاعياد والمناسبات الرسمية تعتمد لغة لا تحيد عنها مهما كانت الازمات السياسية وهي لا تقبل بتأجيج الازمات او اثارة النعرات او الانقسامات وفي الحروب كما الجوائح والاوبئة وفي الصراعات السياسية في داونينغ ستريت وغيرها بقيت الصوت الذي ينتظره شعب المملكة المتحدة بمختلف الاجيال وقد كشفت اجواء الاحتفالات بذكرى اليوبيل البلاتيني عن دعم شعبي كبير للملكة اليزابيث التي عرفت دوما كيف تحافظ على هيبة وصورة العائلة الملكية أمام شعبها الذي لم تؤثر كل الازمات والفضائح العائلية ومسلسل الخيانات بين افرادها في هز قناعاته واحترامه للملكة الام وللنظام الملكي …
المثير فعلا انه وفي خضم كل هذه الاجواء الاحتفالية تصر حكومة جونسون على افساد المشهد وتتمسك بترحيل اول دفعة من اللاجئين خلال الايام القليلة القادمة نحو رواندا .. طبعا كان بالامكان القول انه من حق بريطانيا ان تقبل من تشاء من اللاجئين وان ترفض من تشاء لو ان هذا القرار ارتبط بتمكين هؤلاء من العودة الى اوطانهم او اختيار مكان اخر يلوذون به بعد ان انسدت امامهم الابواب والافاق ولكن حكومة جونسون التي كانت وحتى وقت قريب مهددة بسحب الثقة رات غير ذلك وهي تستعد لترحيل اول فوج من اللاجئين الذين غامروا بشق بحر المانش والوصول الى بريطانيا هربا من جحيم الحياة .. نحو مائة مهاجر بينهم سوريين وسودانيين وايرانيين وافغان وغيرهم هي الدفعة الاولى المهددة اليوم بالترحيل الى رواندا كخطوة اولى لردع المهاجرين غير الشرعيين الذين جعلوا بريطانيا وجهتهم ..وبعض هؤلاء حاولوا الانتحار رفضا لهذا القرار الذي سيفرض عليهم الاقامة خمس سنوات في رواندا قبل ان يقرروا الاقامة فيها .. ولا يبدو ان كل الانتقادات من جانب السياسيين والمنظمات الانسانية والحقوقية التي اعتبرت الخطوة متعارضة مع الحقوق والقيم الانسانية تتجه للتأثير على قرار الحكومة البريطانية بل حتى صوت الاساقفة البريطانيين الذين اعتبروا عملية الترحيل ضد طبيعة الرب لم تثن جونسون ووزيرة داخليته ..
طبعا لم تكن بريطانيا اول من توخى هذا الاختيار او الترحيل القسري اللا بلد من اختيارها فقد سبقتها الى ذلك استراليا الخاضعة بدورها للتاج البريطاني وعمدت الى ارسال طالبي اللجوء إلى مراكز احتجاز أنشئت في دولة ناورو في المحيط الهادئ، وجزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة منذ عام 2001…الاكيد ان محنة المهاجرين غير الشرعيين مع التشرد ليست قريبة من نهايتها وان الابواب والحدود الموصدة دونهم لن تفتح انتصارا لحقهم في الحياة و الاستقرار بعيدا عن الازمات والحروب والصراعات التي تغرق فيها اوطانهم وفي كثير من الاحيان بسبب الصراعات التي كانت الدول الكبرى وصناع القرار في العالم وراء تأجيجها.. لا خيار اليوم امام اللاجئين في بريطانيا الا التوجه الى رواندا بعد ان قرر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون انه بلد يطيب فيه العيش …بقي شيء لا بد من استحضاره وهو انه سيتعين على اثرياء الخليج الانتباه جيدا فقد يحدث ما يمكن ان يدفع السلطات البريطانية وغيرها ان تضع يدها على ارصدتهم واموالهم كما تفعل اليوم مع اموال اثرياء روسيا التي لم تكن ملوثة او غير شرعية عندما فتحت لها بنوكها ..نستذكر نصيحة رسول الاسلام الى رفاقه عندما دعاهم ان يشدوا الرحيل الى الحبشة ففيها ملك لا يظلم عنده احد بعد أن اشتد من حولهم الخناق وباتت الدعوة مهددة من كفار قريش.. ملف الهجرة و المهاجرين والمعاناة المستمرة ليست مسؤولية من اختاروا الهجرة حلا فحسب هي مسؤولية من فقروا و من احتلوا و من شردوا و دمروا و افسدوا الاوطان حولها الى مزارع سخية حنون واسعة على الحكام و حاشيتهم ضيقة على المواطنين خانقة لهم ولاحلامهم و ابنائهم ..
كاتبة تونسية

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *