إسرائيل تُقامر بأمنها
ليليان معروف
مَن يُتابع وسائل الإعلام الإسرائيليّة منذ بداية الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة يراها تدسّ السّم في العسل تارةً، وتارةً أُخرى تُجاهر بوقوفها مع أوكرانيا ضد روسيا واصفةً الحرب بالغزو الرّوسي, دون موقف حكومي رسمي يُدين روسيا, خوفاً من انقلاب الأخيرة على إسرائيل في سوريا وتهديد أمنها.
لم تصبر إسرائيل طويلاً على صمتها وبدأت تجاهر علانيةً بدعمها لأوكرانيا دعماً إعلامياً ودعماً عسكرياً, غير أبهة بردّة فعل روسيا مستغلين انشغال الرّوس بالحرب في أوكرانيا والعقوبات عليهم, وعلى هذا الأمر تخاطر إسرائيل بأمنها, فيما لم يحسب له الإسرائيلي حساب هو إعلان شبه رسمي لاستخدام روسيا جبهة المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل من جهة, و محافظتها على رعب التّحرك في الأرض السّورية من جهة ثانية.
في الوقت الّذي انتقد فيه دبلوماسي أوروبي محاولة إسرائيل تحقيق التّوازن في موقفها بشأن الحرب الرّوسية الأوكرانية ، لم يطل صمت إسرائيل لتدين الهجوم الرّوسي على أوكرانيا في 24 شباط وتعتبره انتهاكاً صارخاً للنّظام الدّولي, إضافة إلى ذلك تعهّد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في 14 أذار ألّا تكون إسرائيل ممراً للعقوبات على روسيا, وفي 24 نيسان دعت الولايات المتحدة إسرائيل إلى المشاركة بمؤتمر طارئ لتقديم مساعدات لأوكرانيا, لتلبّي إسرائيل الدعوة بعد يومين.
ولم يدم هذا التّأرجح في المواقف والحذر الإسرائيلي طويلاً حتى كشفت روسيا عن تزويد إسرائيل لأوكرانيا بالأسلحة، والتّأكد من مشاركة مجندين إسرائيليين في أوكرانيا ليصرّح لافروف على إثر ذلك بأنّ لهتلر أصول يهودية, ويثير التّصريح ضجة كبيرة في الأروقة, حيث استدعت إسرائيل في الثّاني من هذا الشّهر السّفير الرّوسي لتقديم توضيح حول تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف بشأن النّازية في أوكرانيا, واعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها أنّ تصريحات لافروف التي انتقد فيها حجج الرّئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، مشينة”, كما وصف لابيد تصريحات وزير الخارجية الروسي بأنها “لا تغتفر ومشينة، فضلاً عن أنها تمثل خطأً تاريخياً فادحاً.
وكما ذكرتُ في مقالٍ سابقٍ عن سياسة بوتين الهادئة، يتابع القيصر الرّوسي بسياسته هذه, ليدخل مرحلةً ثانيةً وغير متوقعة من الدّعم الرّوسي للمقاومة الفلسطينية وحماس تحديداً، وينتقل من التّصريحات الدّاعمة للقدس إلى التّنفيذ الفعلي، ودعوة حماس مرّتين لزيارة روسيا ،وتلبية الأخيرة للدّعوة في المرّة الأولى وانتظار الزّيارة الثّانية ،ومن المتوقّع تقديم روسيا دعم عسكري للمقاومة في فلسطين إذا اضطر الأمر، وهذا لن يعجب إسرائيل حتماً.
أمّا عن العلاقات الإسرائيليّة الرّوسية المتوترة مؤخراً والتّورط الإسرائيلي بالحرب في أوكرانيا يؤكّد رئيس المركز الدّولي للتّحليل السّياسي والتّنبؤ الرّوسي دينيس كوركودينوف لرأي اليوم أنّ القيادة الرّوسية تدرك جيّداً أنّ سياسة حكومة بينيت بشأن روسيا متناقضة, ولدى موسكو بيانات استخباراتية موضوعية تفيد بأنّ تل أبيب الّتي تأخذ موقفاً محايداً تقدّم دعماً غير مباشر لـ” كييف”, وتطوّر أيضاّ تعاوناً عسكرياً مع أوكرانيا ومع ذلك، فإنّ هذا الوضع لا يشير على الإطلاق إلى نيّة الكرملين قطع العلاقات تماماً مع إسرائيل، لأنّ معظم مصالح الدّول مترابطة في سلسلة من المشاريع الإقليمية، بما في ذلك تلك المتعلّقة بسوريا, بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تل أبيب ليست في حالةٍ مزاجيّةٍ تجعل العلاقات مع موسكو تصل إلى حد العداء الشّديد, مؤكّداً أنّ الكرملين سيواصل تزويد سوريا بالأسلحة، بغضّ النّظر عن كيفية تطوّر العلاقات مع إسرائيل.
وبحسب وجهة النّظر الرّوسية الّتي تجد من مصلحة إسرائيل إبقائها على علاقات متوازنة مع روسيا يجد دينيس أنّ التّنسيق العسكري مع إسرائيل سوف يستمر في سوريا, حيث تعتبر موسكو أنّ الملف السوري مقاربة أساسية لأنشطتها في الشرق الأوسط ، والتي من أجلها يكون الكرملين على استعداد لتقديم تضحيات معينة والتفاوض مع اللّاعبين الإقليميين.
وبشأن الانحياز العلني لإسرائيل تجاه أوكرانيا يرى دينيس أنّ آراء القيادتين الرّوسية والإسرائيلية فيما يتعلق بحل الأزمة الأوكرانية متعارضة تماماً, ومع ذلك يصعب على إسرائيل أن تنأى بنفسها عن روسيا في الملفات الإقليمية الأخرى، حيث يتمتّع الكرملين بموقف مستقر للغاية, وهذا يتعلق أولاً وقبل كل شيء بسوريا حيث تكون قدرات الجيش الإسرائيلي محدودة للغاية, مبيّناً أنّ موسكو وتل أبيب لن توقف التّعاون فيما بينهما في إطار الملف السّوري.
وعلى هذا فإنّ موسكو حريصة جداً رغم الحرب الدائرة في أوكرانيا على التّنسيق مع إسرائيل والحفاظ على مصالحها في سوريا من جهة, وعلى عدم ترك إسرائيل آمنة تماماً من جهة أُخرى, واستمرار الحرب الباردة الدائرة بينهما إن صحّ التعبير, حيث أكّد مصدر روسي آخر أنّ التنسيقَ مستمرٌ لكن يشوبه عدم ثقة, وسيتراجع بعض الشيء إذا استمرّت إسرائيل في تقديم المزيد من التّسليح إلى أوكرانيا أو إذا واصلت إرسال مرتزقتها إلى أوكرانيا, وعلى غرار ما ذكرتُ عن دعم روسيا للمقاومة الفلسطينية ضدّ إسرائيل أكدّ المصدر لرأي اليوم أنّ موسكو سوف تستمر بالوقوف إلى جانب الصّف الفلسطيني في جولة قادمة من المقاومة والعصيان ردّاً على أحداث الأقصى, وأنّ روسيا سوف تكتفي بالإدانة لحوادث الاعتداء على الإسرائيليين وحوادث قتلهم على يد فدائيين فلسطينيين هذا من جهة, ومن جهةٍ أُخرى ستواصل موسكو تقديم الدّعم العسكري لسوريا وإسناد الدّفاعات الجويّة لزيادة فاعلية التّصدي للغارات الجويّة الإسرائيلية القادمة.
ومع اختلاف الآراء في موسكو إلا أنّها أجمعت على تغيّر السّياسة تجاه إسرائيل ولعب روسيا دوراً مضادّاً من خلال استخدام الأراضي السّورية و الفلسطينية لحالة دفاعية ضد اسرائيل في حال تمادت في دعمها لأوكرانيا, وبهذا تصرّ الأخيرة على أن تقامرَ في أمنها.
كاتبة سورية