أمر رئاسي جديد: ترامب يطلق معركة الهيمنة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي
الانتشار العربي – فاطمة عطية
في خطوة تعكس رؤيته للصراع العالمي على التكنولوجيا المتقدمة، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا شاملًا يهدف إلى ترسيخ الهيمنة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، باعتباره ركيزة أساسية للأمن القومي والاقتصاد والسيادة التكنولوجية للولايات المتحدة.
الأمر التنفيذي لا يقتصر على تشجيع الابتكار، بل يفتح جبهة سياسية وقانونية مباشرة مع الولايات الأمريكية، واضعًا حدًا لما تصفه الإدارة بـ”الفوضى التنظيمية” التي تهدد تفوق الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطنا
ينطلق القرار من قناعة مركزية مفادها أن الذكاء الاصطناعي لم يعد قطاعًا تقنيًا محايدًا، بل أداة استراتيجية تحدد موازين القوة الدولية. ويؤكد ترامب في نص الأمر التنفيذي أن الولايات المتحدة تخوض سباقًا مع خصومها الدوليين، وأن أي تباطؤ أو قيود تنظيمية مفرطة قد تمنح المنافسين فرصة التفوق.
من هذا المنطلق، ترى الإدارة أن الشركات الأمريكية يجب أن تكون “حرة في الابتكار” دون قيود معقّدة، خصوصًا تلك المفروضة على مستوى الولايات
يهاجم الأمر التنفيذي بشكل واضح القوانين الصادرة عن بعض الولايات، معتبرًا أنها:
• تفرض أنظمة تنظيمية متناقضة بين ولاية وأخرى
• تُلزم نماذج الذكاء الاصطناعي بتضمين توجهات أيديولوجية
• قد تجبر الأنظمة الذكية على تقديم مخرجات غير دقيقة تفاديًا لاتهامات التمييز
• تتعدّى على صلاحيات الحكومة الفيدرالية في تنظيم التجارة بين الولايات
ويشير القرار إلى قوانين “مكافحة التمييز الخوارزمي” كمثال على تشريعات قد تُجبر الذكاء الاصطناعي على تحريف الحقيقة بدلًا من تقديم نتائج موضوعية.
سلاح القانون والتمويل: أدوات الضغط الجديدة
لم يكتفِ ترامب بالتوصيف السياسي، بل انتقل إلى التنفيذ العملي عبر:
• إنشاء فريق تقاضٍ خاص في وزارة العدل لملاحقة قوانين الولايات المخالفة
• تكليف وزارة التجارة بإعداد قائمة بالقوانين “المرهقة” أو المخالفة للدستور
• ربط التمويل الفيدرالي، خاصة في برامج البنية التحتية الرقمية، بمدى التزام الولايات بالسياسة الفيدرالية الجديدة
بذلك يتحول التمويل الفيدرالي إلى أداة ضغط مباشرة لإجبار الولايات على التراجع أو التجميد
حرية التعبير في مواجهة التنظيم
يمنح الأمر التنفيذي بُعدًا دستوريًا للنقاش، إذ يربط بين تنظيم الذكاء الاصطناعي وحرية التعبير المكفولة بالتعديل الأول للدستور الأمريكي. ويرى أن إجبار النماذج الذكية على تغيير مخرجاتها “الحقيقية” يُعد شكلًا من أشكال التضليل القسري، وقد يندرج ضمن الممارسات الخادعة التي يحظرها القانون الفيدرالي.
وهنا، يتم تكليف لجنة التجارة الفيدرالية بوضع سياسة تمنع الولايات من فرض ما تعتبره الحكومة “سلوكًا مضللًا” على أنظمة
يمهّد الأمر التنفيذي لتشريع فيدرالي شامل يفرض إطارًا وطنيًا موحدًا لتنظيم الذكاء الاصطناعي، مع استثناءات محددة تشمل:
• حماية الأطفال
• البنية التحتية لمراكز البيانات
• استخدام الذكاء الاصطناعي داخل حكومات الولايات
وهي محاولة لتحقيق توازن بين التوحيد التنظيمي والخصوصية المحلية في بعض الملفات الحساسة
ما وراء القرار: قراءة سياسية أوسع
يعكس هذا القرار فلسفة ترامب المعهودة:
تقليص التنظيم، تعزيز سلطة المركز، ودعم القطاع الخاص باعتباره المحرك الأساسي للتفوق الأمريكي. لكنه في الوقت ذاته يفتح مواجهة محتملة مع جماعات الحقوق المدنية، ونقابات التكنولوجيا، وحكومات الولايات ذات التوجهات التنظيمية الصارمة.
الذكاء الاصطناعي، في هذا السياق، لم يعد مجرد ابتكار، بل ساحة صراع على القيم، والسلطة، ومن يملك تعريف “الحقيقة” في العصر الرقمي.
الأمر التنفيذي الخاص بالذكاء الاصطناعي يمثل إعلانًا صريحًا بأن الولايات المتحدة، في عهد ترامب، لا تنوي تنظيم هذه التكنولوجيا بقدر ما تنوي السيطرة على مستقبلها. وبينما ترى الإدارة في القرار ضرورة استراتيجية، يرى منتقدوه أنه قد يفتح الباب أمام تغليب مصالح الشركات على حقوق المجتمعات والأفراد.
وفي الحالتين، يبدو أن معركة الذكاء الاصطناعي في أمريكا لم تبدأ بعد… لكنها دخلت رسميًا مرحلة المواجهة.
