نصر الله… الرعب الذي لا يغيب عن إسرائيل.. لماذا غاب الرئيس؟

 نصر الله… الرعب الذي لا يغيب عن إسرائيل.. لماذا غاب الرئيس؟

د. لينا الطبال

لبنان بلا قائد … بلا السيد نصرالله …

نصر الله… الكابوس الذي لا يغيب عنهم

د. لينا الطبال

لم يكن تشيعا…. هو تجديد للعهد، وتصميم على مواصلة الطريق، وإعلان صريح للمقاومة وثوابتها.

لم تكن جنازة…. هي استفتاء شعبي وصوت الجماهير التي تعرف طريقها، وتدرك من يمثلها، وتعي جيدا خلف من تقف…

لبنان قال كلمته، الجنوب أسمع صوته، وبيروت سجلت موقفها. زحفت الجماهير في وداع السيد…  بحر بشري يهدر بصوت واحد “لبيك نصرالله”، وأعلام ترفرف كما لو أنها أمواج، العلم الأصفر يعلو بينهم كالشمس الى جانبه يرفرف العلم اللبناني، وأعلام أخرى من رايات الأمة، كل البلاد العربية اجتمعت في هذه اللحظة تحت راية واحدة: راية المقاومة.

الهتافات تهدر كالرعد، والأرض تهتز تحت اقدامنا… هل تسمع وقع خطانا على الدرب؟ هل تلمس راياتنا وهي ترفرف رغم العواصف، رغم الموت، رغم السقوط؟ … “يا لثارات أبنائك يا نصر الله!”

حزن يمتد بامتداد الأرض، يملأ القلوب من بيروت إلى بغداد، من دمشق إلى صنعاء، من فلسطين إلى كل زاوية في هذا العالم. هذا الحزن ليس انكسارا ولا ضعفا انه ثبات وصمود وإرادة.

أعظم حشد شهدته الساحات، وأكبر تجمع في تاريخ لبنان، زحف ليحمل نعش قائده ويؤكد أن المقاومة هي العمود الفقري لهذا الوطن… لحظة تاريخية أخرى يضيفها نصر الله شهيدا إلى تاريخ هذه الأمة.

الذين ودعوك هذا اليوم لم يكونوا جنسية واحدة، ولا حزبا واحدا، كانوا من كل الأطياف، من كل الدول والخلفيات، من كل المذاهب والعقائد، اجتمعوا على حقيقة واحدة: انك لم تكن قائدا لشعب واحد، بل زعيما لأمة بأسرها.

إسرائيل راقبت، وأدركت أن المعركة لم تنته. مخطئ الكيان الذي يعتقد أن غياب القائد يعني نهاية الطريق… أيتوهم أن الجماهير التي زحفت هذا اليوم ستعود أدراجها إلى الصمت؟ صدقني ان إسرائيل تخاف هذا المشهد …. هذا الكيان المسكون بهاجس البقاء، يرتجف أمام هذا الموقف الذي يعكس صلابة خصمه.

الطريق واضح.. الصوت واحد، والاستعداد دائم لكل مواجهة يفرضها العدو… فهل أنتم مستعدون ايضا لما هو قادم؟

لكن أين كان رئيس الجمهورية الجديد؟ أين كان رئيس الحكومة الجديد؟ لم نر وجوههم في التشييع، لم نشاهد منهم سوى عبوس وانزعاج مكتوم من الوفد الإيراني…  إيران التي قدمت السلاح والمال والدم، وأعادت إعمار الجنوب، بنت القرى، رممت الضاحية، مسحت آثار الدمار الذي تخلفه كل مرة غارات العدو.

فخامة الرئيس يشتكي من “حروب الآخرين على أرضنا… حقا؟

بيروت التي قصفها وحرقها العدو ليست حروب الآخرين… شوارع الضاحية التي سوتها اسرائيل بالأرض ليست حروب الآخرين. ارض الجنوب الذي دنسها العدو …الأطفال الذين استُهدفوا في منازلهم، النساء اللواتي نزفن تحت الركام، جثث شبابنا التي حملناها على الأكتاف… ليست حروب الآخرين.

أيها السياديون… هل رأيتم طائرات العدو او كانت شفافة كسيادتكم؟

أيها السياديون يا حماة الاستقلال، ودعاة الحرية، هل رأيتم الطائرات الإسرائيلية في سماء العاصمة بيروت؟ نحن رأيناها… شعرنا بها تهدر فوق رؤوسنا، تحلق بعلو منخفض جدا…جدا… ولم يزيدنا ذلك سوى فخر وعزة… يا لسخافة إسرائيل!

إسرائيل حلقت في السماء لتقول إنها لا تزال هنا، فجاءها الرد من الأرض: نحن هنا أيضا، القبضات ارتفعت والهتافات

علت في الشوارع: “الموت لإسرائيل! لبيك يا نصر الله!”

أيها السياديون هل ظننتم ان هذه الطائرات هي حمائم سلام؟ او ربما خفضتم رؤوسكم وتجاهلتموها حتى لا تفسد عليكم حفلات الولاء للخارج؟

إسرائيل تنتهك سماءنا كأنها صاحبة القرار، تتصرف بحرية كأن الأجواء بلا سيادة. لكن لا بأس، لا نريد أن نزعجكم بهذه التفاصيل الصغيرة، أنتم مشغولون بأشياء أكثر أهمية… مشغولون بمجابهة من يواجه الاحتلال، بدلا من مواجهة الاحتلال نفسه!

كيف لرئيس جمهورية يدعي تمثيل جميع اللبنانيين ان يغيب عن وداع السيد نصرالله الذي قدم للبنان ما لم يقدمه أحد من قبل؟ كيف لرئيس يتجاهل جنازة قائد المقاومة أن يكون رئيسا لكل اللبنانيين؟ كيف لمن يخشى مجرد الوقوف بين شعبه في لحظة وفاء، أن يقف لاحقا في أي معركة استحقاق؟ كيف لرئيس يأتي في لحظة فراغ وطني أن يقود بلده إلى الحرية والسيادة؟ وكيف لمن لا يجرؤ على التصدي لطائرة إسرائيلية في سماء بيروت أن يواجه أي تهديد قادم؟

نحن، استشهد سيدنا وقائدنا من أجل وطن اختارك رئيسا لجمهوريته… فماذا قدمت لهذا الوطن هذا اليوم غير غيابك عنه؟

غيابك يا فخامة الرئيس لم يكن بريئا … صمتك هذا كان موقفا مكشوفا ورهانا على الخاسرين. بالأمس، تخليت عنا … تخليت عن ربع شعبك… كان بإمكانك إثبات أنك رئيس لكل لبنان، لكنك اخترت الصمت… فضلت البقاء رئيسا للقصر، رئيسا لجزء من شعبك.

سيدي الشهيد، لا أحد يسد الفراغ الذي تركته. لا أحد يملأ المساحة التي كنت تشغلها في الوجدان. هذه الحرب انتهت بخدعة، خدعة اسمها القرار 1701. أوقفوا صواريخنا، أوقفوا تقدمنا، وحاولوا أن يسرقوا منا لحظة النصر، ولكن، بالله عليكم، هل ينسحب العدو بإرادته؟ هل يعرف الإسرائيلي طعم التراجع إلا حين يجبره الحديد والنار؟

أما سوريا، قلب العروبة، فقد سقطت، لكنها لم تمت… وسنستردها… هل تستقر هذه المنطقة بدون دمشق؟ هل يُبنى سلام بلا حلب؟ هل يكون للتحرر معنى دون وحما وحمص والجولان؟ … اما غزة فقد بقيت مرفوعة الجبين، لم تساوم على ذرة من ترابها، ولم تتنازل عن شروطها. لقد انتصرت غزة بإرادتها، وأثبتت أن المقاومة هي طريق النصر الوحيد.

نحن مستمرون، لكن نصرنا سيبقى ناقص بغيابك… الطريق طويل، والجراح مفتوحة، ولكننا على العهد. أنت زرعت، ونحن نحصد. سنحيا كما أردتنا أن نحيا: واقفين، منتصرين، لا نعرف الخضوع.

في الأدب العبري، هناك رواية إسرائيلية شهيرة تدعى “إذا كان هناك جنة” للكاتب رون ليشيم، تحكي عن جنود الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وكيف انهارت معنوياتهم تحت ضربات المقاومة، الرواية تسرد كيف أن الجيش الذي قيل إنه لا يُهزم، وجد نفسه في مواجهة رعب مقاتلي نصرالله …

يوم الاحد 23 شباط لم تكن جنازة… بل إعلان مقاومة، إعلان أن الصوت الذي أرعب الأعداء حيّ في القلوب.

السلام على الرعب واسمه نصر الله، والسلام على الشهيد الذي أرعبهم حيا ويرعبهم ميتا… شهيد الله، الذي لا تموت ذكراه.

شكرا يا سيد نحن مدينون لكل ما قدمت لأنك جعلت من جيلنا جيل الانتصارات، لأنك جعلتنا نلامس مجد النصر، ولأنك أحييت فينا روح التضحية، وأريتنا كيف يكون الوفاء، وأريتنا كيف يكون القائد رجلا من نور وكيف يقف الاحرار في وجه الطغاة… لم تكن مجرد قائد، كنت فكرة، كنت نبضا في قلب هذه الأرض، كنت انت الوطن وكل الامة… بأمان الله يا اشرف الناس.

أستاذة جامعية، باحثة في العلاقات الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان – باريس

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *