نشرة “كنعان”، 9 مارس 2023

كنعان النشرة الإلكترونية

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6496

9 آذار (مارس) 2023

في هذا العدد:

قصفُ إيران؛ من السعودية أم من أذربيجان؟ د. جميل م. شاهين

“كنعان” تتابع نشر كتاب “صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي ودور الثلاثي الثوري”، لمؤلفه د. عادل سماره، الحلقة 19

  • مواقف نقدية ومضادة للنظام الصيني

✺ ✺ ✺

قصفُ إيران؛ من السعودية أم من أذربيجان؟

الدكتور جميل م. شاهين

تحركاتٌ محمومة هذه الأيام حول وداخل طهران، ترافقت مع بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA حول اكتشفها جزيئات يورانيوم مخصب بدرجة قريبة من 90%. نشاطاتٌ عسكرية في السعودية ومصر والأردن والكيان، والأخطر وصولها إلى تركيا ثم أذربيجان، فما هي النوايا والتوقعات؟ وهل من جديد أم مجرد تهديدات وزوبعة في فناجين القهوة الفارغة حتّى من كرم الضيافة؟

ذريعة قصف إيران باتت جاهزة

في نهاية شباط الماضي صرّحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّ تخصيب اليورانيوم وصل إلى 83,7%، أي على مقربة من الدرجة اللازمة لصنع أسلحة نووية. المكان منشأة Fordow النووية جنوب مدينة “قم”.

التبرير الإيراني كان أنّ السبب هو مصاعب تقنية في أجهزة الطرد المركزي! طبعاً لم يقتنع أحد بهذا التبرير. بالإضافة لقرب وصول صفقة طائرات سوخوي الروسية ومعها دفاعات جوية SA-21 Growler كما يسميها الناتو. إيران زوّدت روسيا بمسيرات في حربها ضد أوكرانيا وأنشأت مصنعاً لها قرب موسكو، حسب الإعلام الغربي، ملف إيران الصاروخي. ملفاتٌ كثيرة أخرى كدعم المعارضة المسلحة أو ميليشيات وتزويدها بالأسلحة.

كلّ ما ورد قدّم ساعة ضرب إيران غداً، بالمعنى المجازي، أو التخلي عن هذه الفكرة نهائياً، فدخولها نادي الدول النووية يعني أنّ قصفها سيصبحُ ضرباً من الجنون.

هنا تحرّك أعداء طهران في العالم خاصة في المنطقة، وكلٌّ له دوافعه الداخلية قبلَ الخارجية. حتى جو بايدن؛ قد يجدُ نفسهُ أمام خيار واحد هو قصف إيران، ولكن كيف ومَنْ سيساعده؟

السعودية ومصر والأردن أول المساعدين

نرى أن التمنيات العربية بقصف إيران ودرء خطرها نهائياً أو على الأقل جزئياً، قد خرجت من نطاق التمني إلى العمل والآن اقتربت من التنفيذ وإن كان بالسرّ. أكثر ما تخشاهُ الدول العربية المحاذية لإيران هو ردة فعلها على أية مساعدة لوجستية أو حتى إعلامية، لهذا لن تُشارك دول “التمني” بدعم أي تحرّك أميركي أو إسرائيلي عسكرياً بشكل صريح، وسنجد أنّ “الحماس العربي” محصور بمجملهِ بالدعم المالي، هذا إنْ قرر البيت الأبيض أو جُرَّ لهكذا قرار جرّاً.

اجتمع في العاصمة عمان الأحد الماضي، الملك عبد الله الثاني الأحد بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن. صحيحٌ أنهما تحدثا عن تصاعد العنف في فلسطين، وشدّدا على “التهدئة” بالإضافة لكلام مكرر ممل عن “حقنة تخدير” إطلاق مفاوضات السلام وحل الدولتين، لكن حسب معلومات مركز فيريل للدراسات؛ كان لإيران نصيب كبير من المباحثات ودور الأردن في أية عملية عسكرية “محتملة”.

التصريحات الأميركية أشارت بطريقة ما لما ورد؛ فماذا تعني طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط في المجالات الدفاعية، والشراكة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة؟ التعاون الدفاعي بين واشنطن والرياض وعمّان والقاهرة، ضدّ مَنْ؟ بالتأكيد ليس ضد تل أبيب؟

للسبب ذاته زار أوستن القاهرة، مع “ديباجة” التأكيد على ضرورة احترام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحقوق الإنسان، و “قلق” البيت الأبيض وانشغالهُ بهذا الموضوع! وزار تل أبيب، وبالتأكيد لم يتحدثوا عن المناخ، واليوم في بغداد مع حديث عن الأكراد ودورهم القادم.

أيضاً للسبب ذاته، زار يوم السبت 04 آذار 2023، رئيسُ هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي المناطق التي تحتلها القوات الأميركية ومعها ميليشيات قسد الانفصالية، بذريعة تقييم الجهود المبذولة لمنع عودة ظهور “داعش”! لكنه استحضرَ إيران بالقول أنه هناك لدراسة حماية قواته من هجمات المسيرات الإيرانية.

من اليمن تبدأ القصة

السعودية تُطلق برعاية الولايات المتحدة مناورة “الرمال الحمراء”، الهدف الرئيسي هو “التصدي للمسيرات الإيرانية” وباستخدام أحدث الطرق العسكرية. الأسلحة الأميركية هذه تخرج للمرة الأولة خارج الولايات المتحدة. التصريحات الأميركية كانت واضحة حتى إن حاولت بعض العواصم العربية إخفاء الهدف من هذه التحركات، فتصريح وزارة الدفاع الأميركية عن مناورات الرمال الحمراء كان: (لقد فشِلَ الاعتماد على الطرق التقليدية في ردع هجمات إيران) كما أنّ فشل المفوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية الأخيرة في مسقط، قد يقود لجولة جديدة من الحرب في اليمن ستطالُ السعودية، لهذا فالضربة، إن حصلت، قد تبدأ باليمن…

الجنرال الأميركي Kenneth Franklin McKenzie Jr. ، القائد العام للقيادة المركزية للجيش الأميركي في الشرق الأوسط حتى نيسان 2022 قال: أحد أسباب وجود أوستن في الشرق الأوسط هو دور الصين المتنامي.  كما أنّ الزيارة ركّزت على التهديد المتزايد الذي تشكله إيران على استقرار المنطقة، وعلى تعزيز التعاون الأمني متعدد الأطراف بأنظمة دفاع جوية وصاروخية متكاملة.

ماذا عن الأخطر؛ أذربيجان؟

علاقة أذربيجان، الدولة الإسلامية الشيعية، بإسرائيل متينة جداً، فبعد حصولها على استقلالها 18 تشرين الأول 1991 عن الاتحاد السوفيتي، كان أول ما قامت به بعد أقل من ستة أشهر بزعامة رئيسها إلهام علييف، هو افتتاح سفارتها في تل أبيب وانتداب الوزير مختار محمدوف سفيراً لها.

منذ ذلك الحين، وعلاقات باكو بتل أبيب تزداد متانة بكافة النواحي الاقتصادية والسياحية وطبعاً العسكرية. فمنذ 1997 وبعد زيارة بنيامين نتنياهو لأذربيجان، وصلتها شحنات أسلحة ثقيلة شملت طائرات وأنظمة دفاع جوي ومدفعية، لتتصدر إسرائيل قائمة أكثر الدول التي تُصدّر أسلحة لأذربيجان.  

تحالف عسكري إسرائيلي أذربيجاني

العلاقات بين باكو وتل أبيب ترقى لدرجة التحالف، وهذا ما لا يمكن إخفاؤه. فالتعاون العسكري لا يشمل استيراد الأسلحة فقط بل وصل إلى إنشاء المصانع ومنذ 14 عاماً، فشركة Aeronautics Defense Systems Ltd الإسرائيلية، المتخصصة بتصنيع المسيرات، بنت مصنعاً لها في أذربيجان منذ عام 2009. أثناء عدوان أذربيجان على أرمينيا، ظهرت طائرات IAI Harpy الإسرائيلية الانتحارية بكثافة ضد الجيش الأرمني، ولعبت دوراً هاماً في سير المعارك.

تُعتبرُ تل أبيب أكبر مُصدّر للأسلحة إلى أذربيجان. معهد Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI) في السويد والمختص بالأسلحة، ذكرَ في تقريره السنوي أنّ السلاح الاسرائيلي يُشكّلُ  69,4% من الأسلحة الرئيسية في أذربيجان، حيثُ تستورد سنوياً بمئات الملايين من الدولارات من تل أبيب.  

تشرين الأول 2020 وجهت منظمة العفو الدولية في لندن، التهمة لجيش أذربيجان باستخدام قنابل عنقودية ضد المدنيين في مدينة Step’anakert الأرمنية، هذه القنابل صناعة إسرائيلية.

صحيفة Haaretz الإسرائيلية في تقريرها الاستقصائي الأحد 05 آذار 2023: (قامت طائرات  Iljuschin Il-76 الأذربيجانية بـ 92 رحلة، على مدى 6 سنوات، إلى مطار عوفدا شمالي إيلات وجنوب فلسطين، حاملةً معها شحنات أسلحة إسرائيلية الصنع إلى باكو).

طائرات حربية إسرائيلية في أذربيجان، ماذا يجري؟

رُغم أنّ الأخبار الحالية تتحدث بكثير من الاندهاش عن تعاون عسكري جوي بين تل أبيب وباكو، إلا أنّ هذا التعاون عمرهُ 11 عاماً. ففي 29 آذار 2012 وقّع الطرفان اتفاقية عسكرية يُسمح بموجبها للطيران الحربي الإسرائيلي استخدام القواعد الجوية الأذرية، والكلام للإعلام الإسرائيلي ولصحيفة Haaretz الإسرائيلية في نفس المقالة التي باتت شغل الإعلام العالمي والعربي. أما معلوماتنا فتقول أنّ عدة قواعد جوية تتواجد فيها الآن وسابقاً قوات إسرائيلية. ليست فقط قاعدة Sitalchay Military Airbase، البعيدة نوعاً ما عن حدود إيران، بل في قاعدة Kurdamir Air Base وسط البلاد، وقاعدة Dallar Air Base.

العلاقات العسكرية وصلت إلى التنسيق الكامل في مجال الاتصالات والمراقبة الجوية، ويمكن للطائرات الحربية الإسرائيلية منذ 2012 أن تقصف طهران، وبرنامج إيران النووي لكن الضوء الأخضر الأميركي لم يسطع، ولا ضمانة لعواقب هكذا عمل طائش.

تحدثنا في 04 آذار الحالي قاعدة عسكرية خطيرة أسسها الناتو 2010 بعد مؤتمره في لشبونة عاصمة البرتغال، القاعدة كورجيك Kürecik و هي خط دفاع أول عن إسرائيل. في القاعدة رادارات إسرائيلية حسب المقالة، راجعوها على الرابط. أذربيجان دولة تابعة لتركيا، ولهذا فالدور التركي ضد إيران واضح. لكن ماذا عن الدور السعودي التركي؟

السعودية تدفعُ فاتورة الحرب لأردوغان ونتنياهو سلفاً

قبل يومين نشرنا على صفحة مركز فيريل على الفيس بوك “بوست موجز” حول تقارب سوري سعودي بوساطة خليجية مصرية. لكن هذا التقارب يصطدم بطلبات سعودية لا تنتهي من سوريا، أول هذه الطلبات وأهمها التخلي التام عن أية علاقات مع طهران، وبهذا تكون:

أهداف ومطالب السعودية وإسرائيل من سوريا واحدة!

العالم كلّهُ لاحظ أنّ آخر دولة ساعدت ضحايا الزلزال في سوريا هي السعودية، لكنها بنفس الوقت هبّت لمساعدة تركيا بنخوة منقطعة النظير! وبدون حساب وبكرم مبالغ فيه وصل إلى المليارات. نعم مليارات من الدولارات!

الصندوق السعودي للتنمية، وهو القناة الرسمية التي تقدم عبره السعودية مساعداتها الإنمائية للدول، وقّع البارحة الإثنين، اتفاقاً مع تركيا يودع بموجبه 5 مليار دولار في البنك المركزي التركي.

السبب حسب الرياض؛ أنّ هذه الوديعة هي امتداد للعلاقات التاريخية وأواصر التعاون الوثيقة التي تجمع السعودية مع تركيا وشعبها الشقيق! يبدو أن السوريين من كوكب آخر.

أما السبب الحقيقي برأي مركز فيريل؛ فهو دعم أردوغان، والأصح شراءهُ في أية عملية عسكرية قد تقوم بها تل أبيب وواشنطن عبر الأراضي التركية وصولاً لأذربيجان ثم طهران. والعدوان الأخير بقصفُ مطار حلب ما كان إسرائيلياً، بل مشتركاً ومقدمةً لما قد يقومُ به “الأشقاء” قبل الأعداء.

هل هناك إذاً ضربة عسكرية لإيران؟

هو التهديد ربما رقم ثلاثين بقصف إيران، وهذا ذكرتهُ بتاريخ 21 أيار 2022 ولم يحدث شيء وقبله كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية الأحدث في العالم F-35  موجودة في مطار ات أذربيجان قبل تشرين الأول 2021. راجعوا المقالة.

الجديد هنا أكثر من أيّ وقت مضى:

إيران على مرمى أسبوعين فقط من تغييرات خطيرة. شحنات أسلحة روسية حديثة وصلت وتصلُ تباعاً، التخصيب دخل مرحلة نهائية قبل تصنيع قنبلة أو رؤوس نووية. وبالتالي، إما أن يوقفوا إيران اليوم أو عليهم أن ينسوا الأمر ويقبلوا بالواقع.

أيضاً؛ الولايات المتحدة في وضع سياسي وعسكري هو الأضعف منذ الحرب العالمية الأولى، ودورها تراجع بشكل كبير. هي عاجزة، نعم عاجزة، عن الدخول في حرب مباشرة مع روسيا والصين، ليس لأنها أضعف منهما عسكرياً، فقد لا تخسر هكذا حرب لكنها بالتأكيد لن تنتصرَ فيها، وسيلحق بها دمار هائل. ما العمل إذاً؟ حرب إقليمية كبيرة قد تُنقذُ “جو بايدن” والديموقراطيين ومعهم نتنياهو صديق ترامب. طبعاً دوافع دول الخليج وإسرائيل معروفة ولا داعي لتكرارها.

مقابل هذه الدوافع، هناك الكثير من المحاذير التي تُدركها أية دولة ستشارك بهكذا حرب، وليست مجرد قصف. وسواء كانت طائرات F-35 وصلت مطارات أذربيجان ومعها عشرات الطائرات والصواريخ التي قد تنطلقُ من هنا وهناك، الحرب ستكون بعد القصف وليس قبلهُ أو أثناءهُ، هذا إن قرر المغامرون خوض المغامرة، والفأس ستقع بالرأس سواء غامروا أم لا.

:::::

مركز فيريل للدراسات. إدارة التحرير

Firil Center For Studies

7 مارس 2023

✺ ✺ ✺

“كنعان” تتابع نشر كتاب “صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي ودور الثلاثي الثوري”

لمؤلفه د. عادل سماره

الحلقة 19

الفصل الرابع

نقد و/أو ضد النظام الصيني

موقف نقدي: مونثلي ريفيو

موقف مضاد الاتجاه التروتسكي

موقف عدواني: استراليا

موقف رفضي الحزب الماركسي-اللينيني-الماوي/الهند

مدرسة مونثلي ريفيو: موقف نقدي[1]

مدخل التحليل الطبقي:

“… اعتمد النمو الاقتصادي الصيني في العقدين الماضيين بشكل متزايد على الاستثمار، وللحفاظ على نمو الاستثمار بحيث تحافظ الصين على معدل مرتفع من الدخل، وتدني في حصة جميع العمال باعتباره عنصرا حاسما للحفاظ على استمرارية الربح.

فقد انخفضت تعويضات العمال كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي… حيث شهدنا انخفاضًا كبيرًا بعد ان كانت الحصة هذه 51.4 في المائة في عام 1995 هبطت إلى 42.4 في المائة في عام 2007.

بعد اندلاع الأزمة العالمية في عام 2007، تباطىء النمو في الصين وازدادت نضالات العمال ضد ظروف العمل والمعيشة السيئة. إن إضراب شركة تونغهوا للصلب هو مثال معبر. ونتيجة لذلك، عادت حصة العمالة إلى 45.6 في المئة في عام 2012.

على الرغم من أن اقتصاديي التيار السائد قد اعترفوا على نطاق واسع بوجود اتجاه تنازلي لحصة العمالة في الصين إلا أنهم يفسرون هذا الاتجاه بقصة لا علاقة لها بالصراع الطبقي. تتضمن هذه القصة بأن التراجع في نصيب العمالة ناتج عن التغيرات القطاعية، وخاصة انخفاض الزراعة وزيادة الصناعة والخدمات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في فترة الإصلاح منذ 1978 حتى الوقت الحاضر، والذي فهمه هؤلاء الاقتصاديون بشكل شكلاني، على أنه تحديث اقتصادي.  علاوة على ذلك، نظرا لكون الانتاج الزراعي الصيني المنظم بشكل أساسي من قبل الأسر الريفية، صار لا يمكن تمييز الربح والأجور في الإحصاءات ولذا فإن حصة العمالة في الزراعة أعلى بكثير من تلك التي في القطاعات الأخرى.

يزعم التيار السائد بأن التغير القطاعي يقود اوتوماتيكيا إلى تدني في حصة العمالة  بشكل عام، وايضا فإنه طالما تُسمى التغيرات القطاعية “تحديثا”، فإن تدني حصة العمال لابد أن تُرى على أنها نتيجة حتمية.

هل تدني حصة العمال ناتج عن تغيرات قطاعية؟ لا بد من تناول هذه المسألة من منظور طبقي، والذي يتم تجاهله في رواية التيار السائد.

نبيِّن في ما يلي، بأن تقلص حصة العمال هو نتيجة فقدان القوة لدى الطبقة العاملة خلال الفترة الانتقالية. وعليه، فإن التغيرات القطاعية قد موهت الصراعات الطبقية في هذه الفترة التاريخية”.

تعرية الرواية السائدة:

“…  إن الرواية التي قبل بها الحزب الشيوعي الصيني والواردة في تقرير المؤتمر الثامن عشر للحزب عام 2012، بأن رفع حصة العمل في الدخل القومي كان قد أُرسِيَ على أنه هدف إصلاح توزيع الدخل القومي.  وعلى أية حال فالسياسات التي اقترحت بعده قد ركزت بشكل مجرد على حث مهارات العمال (مأخوذة من النظرية النيوكلاسيكية لرأس المال البشري) وخلق وظائف أكثر للعمال بحفز تنمية قطاع الخدمات والمشاريع الصغيرة المتصفة بكثافة العمل. لم توضع أية سياسات لتعزيز قوة الطبقة العاملة. يرى اقتصاديو التيار السائد وصناع السياسات بأن هناك منحنى دائري يربط حصة العمال بتشكيل مختلف القطاعات. فحسب رايهم بأنه في حال تحديث البنية الاقتصادية كليا وفي حال توقف حصة الزراعة عن التضاؤل وأخذ قطاع الخدمات حصة متزايدة من الاقتصاد، فإن حصة العمال ستأخذ في الازدياد، حيث أن الطريقة الفعالة الوحيدة لزيادة حصة العمال هي في حث تغير الحجم النسبي للقطاعات. وعلى اية حال، فإن رواية التيار السائد قائمة فقط على تعريف حصة العمل والتي لا علاقة لها بالعلاقات السببية لتوزيع الدخل ضمن عمل التغيرات القطاعية وهي لا تعادل التحديث الاقتصادي كعملية تنمية اقتصادية. إن التغيرات القطاعية تشتمل على إعادة توزيع قوة العمل من قطاعات  زراعية إلى غير زراعية ومن الصناعة إلى الخدمات.

لا يمكن في الصين تقزيم تدفق العمل المهاجر إلى المناطق المدينية لمجرد استجابة عقلانية  الفلاحين لفجوة الدخل بين الريف والمدينة  وفقدان التقييدات على الهجرة حيث ان المشاريع المدينية لا بد أن تكون مجهزة بشروط اجتماعية اقتصادية محددة لاستعياب العمال المهاجرين. وأحد هذه الشروط هو علاقة القوة/ الطبقة: فإذا كانت الطبقة العاملة المدينية  في القطاع المملوك للدولة قوية بما يكفي فإن جميع فرص التشغيل في ذلك القطاع لا بد أن تكون  مخصصة للطبقة العاملة بدل أن تكون للعمال المهاجرين. وفي الحقيقة فإن ابناء العمال المدينيين هم المصدر الرئيسي للتشغيل الجديد في المشاريع المملوكة للدولة قبل حصول الإحالات عن العمل بشكل واسع في منتصف التسعينات. ولا تستوعب المشاريع المملوكة للدولة عمالا مهاجرين إلا حين تقويض قوة الطبقة العاملة المدينية.  وأحد الأمثلة الواضحة على هذا هو الاستعانة بمصادر خارجية للعمالة في شركة Tonghua Steel Company. من عام 1996 إلى عام 2000، كان هناك أكثر من ثمانية آلاف شخص، حيث ادعت الشركة أنها وظفت “عددًا كبيرًا جدًا” من العمال. وخلال تلك الفترة لم يتم اقتراح أي سياسة لتقوية سلطة الطبقة العاملة. لقد اخذت تلك الشركة في تشغيل عمال من الخارج ومعظمهم مهاجرين لأن أجورهم هي نصف الأجور التي تدفعها لعمالها وبالطبع فقد أضعفت الشركة قوة العمال خلال الإحالات.”.

ليس أمراً مقنعا تبرير حصة العمل بالتغير في مبنى القطاعات لأن هذا حقا يخفي العلاقات الطبقية. هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإن نقل الصين من الاشتراكية إلى الحالة الجديدة سواء الراسمالية أو المختلطة يقتضي إضعاف قوة ومن ثم مقاومة طبقتين وهما الرئيسيتين:

  • الطبقة العاملة
  • والفلاحين التعاونيين

واذن كان تقويض الجَماعيات والسماح بتدفق القوة العاملة الريفية إلى المدينة الأمر الذي يقود بالضرورة إلى تنافر قوة العمل الجديدة من الريف مع قوة العمل المدينية وهذا أمر طبقي في الأساس وليس قطاعي سوى بالنتيجة. وهو في الوقت نفسه إضعاف لمن تبقى في الريف حيث اصبح إشغال الأرض رأسياً لا تعاونياً.

من هنا فالتركيز على مسألة القوة الطبقية أمر هام عموما وهام لفهم آليات رسملة الصين.

ومما يزيد تقليص قوة العمل أو العمل على تنفيس قوتها الاعتراضية استجلاب عمالة خارجية كعامل مؤثر إضافي ضد الموقف الطبقي للعمال”.

مسألة العمالة الخارجية تردنا لطرح بعض من عالجنا مواقفهم في هذا الكتاب عن “هرم” الطبقة العاملة الصينية من جهة وارتفاع درجة مطالبها الأجورية مما يدفع لاستبدالها، لكن هذه تبقى سيناريوهات قد تصح في سنوات مقبلة.

“… لم تنتج هذه الإحالات عن تحويل العمالة المهاجرة فقط، بل ايضا عن توسع قطاع الخدمات. فخلال الفترة ما بين 1996-2003، فإن حصة الصناعة من التشغيل الكلي تراجعت من 23.5 %  إلى 21.6%. لقد كانت هذه الفترة الوحيدة في الإصلاح التي شهدت تراجعا في حصة الصناعة في التشغيل.

وخلال الفترة نفسها، فإن حصة قطاع الخدمات من التشغيل الكلي قد ازدادت من 26.0 إلى 29.3. وقد تسببت هذه التغيرات عن طريق إعادة توزيع العمال المحالين.

في احصاء عن الإحالة من العمال المدينيين الصينيين سجل تغيرات في الوظائف  لعينة من 949 عاملا كان 42.1 % من العينة  يعملون في المصانع و 21.5 يعملون في الخدمات،  وبعد إحالتهم فإن 14.4%  يعملون في المصانع و 44.3 يعملون في الخدمات.

تبين هذه الأمثلة كيف تتداخل تغيرات القطاعات مع دينامية الصراع الطبقي في الصين. إن تدني حصة العمل في الصين لم يكن نتيجة اوتوماتيكية لتغيرات القطاعات، حيث ان هذه التغيرات تخفي وتموه الصراعات الطبقية”.

صحيح أن هذا التغير في مواقع توزيع قوة العمل وتحديداً تراجع نسبة التشغيل في الصناعة، ليس أمراً اوتوماتيكيا، ولكنه ليس تآمرياً ايضاً، بمعنى أن اي نظام اقتصادي يدخل الرسملة فإن ذلك يوسع حصة قطاع الخدمات، وهذا بحد ذاته إضعاف لقوة العمل في مستويات عدة منها ضعف الميل النقابي، وضعف النضال من أجل أجور أفضل، وضعف النضال الطبقي عموماً. وسواء كان ذلك مقصوداً أم لا، فالنتيجة هي مسألة طبقية حقاً.

“… في هذا المشهد  فإن هذه العلاقات مشابهة لتاريخ تلكم العلاقات في العالم الراسمالي: التصنيع في الفترة المبكرة في الأقطار الراسمالية التقلدية حيث تم فصل وسائل الإنتاج عن العمال وتم الفرض على العمال المبرتلين  بالعمل في المعامل كعمل حر.

أدت الممولنة في بلدان الراسمالية الاحتكارية المتأخرة إلى تقوية قوة رأس المال المالي وجر كامل الاقتصاد  إلى دورة القاع والعطالة. وإلى جانب التصنيع،  والممولنة، حدثت تغيرات كبيرة في التوزيع، ولكن هذه التغيرات نتجت عن الصراع الطبقي وليس عن تغيرات قطاعية.

في عملية تقويض الجَماعيات في الاقتصاد الريفي في أوائل الثمانينات فإن المشاريع الجماعية قد تم تحويلها إلى مشاريع بلدات وقرى  والتي تمت لاحقا السيطرة عليها وخصخصتها للأفراد. “

يبقى هذا الطرح صحيحاً إلى أن يصل إلى الجزم في ما يخص خصخصة المشاريع في البلدات والقرى حيث تنفي ذلك أطروحات النظام نفسه وآخرين ليسوا من موقف النظام!!

“…في عام 2011 وصل عدد العمال المهاجرين إلى 129 مليون شخص  أو 44% من مجمل العمالة الريفية  المشغلة. ولكن نظرا لكلفة المساكن والتعليم والعناية الطبية في المناطق المدينية والتدني النسبي للأجور التي يحصل عليها العمال المهاجرين، لم يتمكن معظمهم من العيش مع اسرهم في المناطق المدينية.

ففي حالة أسرة ريفية ممثِّلة للعيِّنة فإن الأجرة من العمل في البلدة والقرية أو في المناطق المدينية تشكل جزءا كبيرا من دخل الأسرة، بينما بعض أعضاء الأسرة (خاصة الوالدين كبار العمر والأولاد الصغار) لا يزالوا مضطرين للعمل في الإنتاج الزراعي ويعيشون في المناطق الريفية حيث أن كلف المعيشة هناك أقل بكثير.

في هذا السياق، لا يُطلب من الراسماليين دفع اجور كافية للعمال ليعيدوا إنتاج قوة العمل في المناطق المدينية وبأن الدخل الزراعي والمجتمع الريفي يصبح لا مناص منه لإعادة إنتاج قوة عمل أسرهم والتي هي بوضوح تبين اتجاها هبوطيا  بدأ منذ 1990.

لتوضيح ذلك لا بد من تحليل الأداء/ الوظيفة الاجتماعية للدخل الزراعي في الصين.ورغم ان الزراعة منظمة على أساس العمل الأسري، لكنها ليست معزولة عن الإنتاج الراسمالي  الذي يسيطر على القطاعات غير الرأسمالية.

فهناك سبب حاسم هو ان الزراعة والمجتمع الريفي يزود ويوفر شروط اعادة انتاج قوة العمل. فبالنسبة للأسر الريفية فإن الزراعة هي في معظم الحالات أحد مصادر دخلها. فالحيازات الأسرية  الريفية هي شبه مبرتلة حيث تشارك  في كلٍّ من تنظيم الانتاج الزراعي الأسري والتشغيل بأجر.

ففي عملية إنهاء الجَماعيات في الاقتصاد الريفي في بداية الثمانينات، تم تحويل المشاريع الجَماعية إلى مشاريع بلدات وقرى والتي تمت السيطرة عليها لاحقاً من قبل أفراد.”

يُفيد هذا التحويل للزراعة سواء من حيث تفكيك الجماعيات أو “خصخصتها” إن حصل فعلاً، والأهم مساهمة الزراعة في ميزانية الأسرة مما يقلل الضغط على اصحاب العمل لزيادة أجور العمال، كل هذا في تقصي حدود رسملة الصين وتشابه النظام الجديد مع الأنظمة الراسمالية الكلاسيكية حيث تلعب الزراعة دور تعويض فارق  أو تقصير أجرة العمال عن حاجات الأسرة فتغطيها بمدخولها من الزراعة.

“… إن استثناء الدخل الزراعي من حساب نصيب العمالة مبالغة في تبسيط عملية التوزيع لأنها تتجاهل العلاقة الداخلية بين العاملين والفلاحين  في إعادة إنتاج قوة العمل واعتماد الطبقة العاملة على المجتمع الريفي.

المشكلة الأخيرة في قياس نصيب العمالة هي رواتب المديرين. كان  يتم الإحصاء خلال النظام الاشتراكي في الصين  الاشتراكية بجمع بيانات عن رواتب الكوادر في الوحدات منذ أن حاولت الدولة السيطرة على فجوة الدخل بين الكوادر والعمال، ولكن منذ  استبدلت الصين الحالية نظام الإحصاء الاشتراكي بـنظام محاسبة الناتج المحلي الإجمالي في أوائل التسعينيات، لم يعد يتم جمع هذه البيانات. ومع ذلك، ومن البيانات من الشركات المدرجة في أسواق الأسهم المحلية الصينية، يمكننا مقارنة متوسط ​​رواتب المديرين، بما في ذلك أعضاء مجلس الإدارة والمشرفين والمديرين التنفيذيين، مع متوسط ​​أجر العاملين في المناطق الحضرية في القطاع الرسمي.”

هنا يجري الحديث بوضوح عن نظامين:

النظام الاشتراكي الذي يعمل على إلغاء  أو تقليص فوارق الأجور وخاصة بين المدراء والعمال واعتبار ذلك الإلغاء من اسس النظام الاشتراكي

وبين النظام الراسمالي الذي يتحاشى ملامسة المسألة الطبقية ذاهبا إلى نظام محاسبة يعتمد الناتج المحلي الإجمالي.

قوة الطبقة وحصة العمل:

“… تُسخدم حصة العمل بشكل واسع في الاقتصادات الماركسية  كبديل لقوة الطبقة العاملة. ترتبط حصة العمل في الصين كنتيجة للتوزيع ارتباطًا وثيقًا بالتحول إلى الرأسمالية، وهذا يمكن ملاحظتة من خلال العلاقة في انتقال أنظمة الحوافز  shop f loor[2].

كان هناك في الفترة الماوية نقاش متكرر حول “الحوافز المادية”، و “القيادة للسياسة ” خلال تحويل نظم الحوافز.

 على الرغم من إنشاء نظام الأجور السوفياتي في عام 1956، لم يكن هناك إجماع  بيد القيادة على كيفية إدارة نظام الأجور. وبشكل خاص، أخذا بالاعتبار دور الاتحاد السوفييتي في  تبني الحوافز المادية، كان هناك جدل في: هل يمكن تشجيع الحوافز المادية مثل المكافآت والأجور على القطعة  لتطبيقها في الصين؟ (انظر الفصل الأخير الاستخلاص، ع.س)

انتقد ماو تسي تونغ هذا، واقترح أن التركيز على الحوافز المادية كان تفسيرا لـ الجهل بالعمل السياسي والأيديولوجي وجادل ماو بأن هذه الحوافز تؤكد فقط التوزيع حسب العمل، لكن لا تبرز مساهمة الأفراد في الاشتراكية.

وهكذا فإن أنصار “السياسة في القيادة” اقترحوا مسارًا جديدًا تمامًا لتوليد حوافز العمل. مفتاح المسار الجديد هو جعل العمال يدركون أنهم هم أنفسهم أسياد المصانع، وأن الهدف من الإنتاج هو ان يكون متسقا مع المصالح طويلة المدى للطبقة العاملة. لهذا الهدف، فالحوافز المادية التي كانت تتعلق فقط بمساهمة العمال وتقديم فوائد اقتصادية  لهم على المدى القصير قد أُزيحت وتم تشجيع العمال على المشاركة في إدارة المصانع بطرق متعددة وكانت الفجوة في الدخل بين العمال والكوادر قد أُخضعت للرقابة والسيطرة  لأن التفاوت الكبير سيكون متناقضًا مع وضع العمال كأسياد للمصانع.

تم في تعديل عام 1982 في الدستور الصيني حظر الحقوق الأربعة العظمى: حق القول الحر والقول مباشرة على الهواء، وكتابة بوسترات عن الكبار، وعقد حوارات عظيمة، وحث القيام بإضرابات ) التشديد من المؤلف). لذا، لا يمكن للعمال اليوم نقد الكوادر.  وبدون مشاركة العمال في الإدارة فإن نظام الحافز الماوي قد فقد أساسه وحل محله نظام الحافز المادي.”

كما تم الإلتفاف على الجَماعيات بالوحدات الأسرية، تم الالتفاف على العامل الفكري الثقافي التربوي في تحفيز العمال إلى جانب إغلاق فجوة تفاوت الأجور بأن تم اعتماد الحوافز المادية. وأثر هذه الحوافز ليس فقط في مغادرة القناعة الاشتراكية بل كذلك في فقدان التماسك النضالي الطبقي للعمال ومغادرة الثقافة الاشتراكية التي تبلورت في فترة الاشتراكية”

اللافت أن هذا التحول يتقاطع مع  ما حصل في تجرية الاتحاد السوفييتي في الخمسينات والستينات وما عُرف ب “نظرية ليبرمان”  والتي قادت إلى تعزيز دور المدراء على حساب العمال بل على حساب الاشتراكية كما لاحظنا مآل الاتحاد السوفييتي إلى التدهور امتداداً من فنرة خروتشوف وصولا إلى جورباتشوف. (أنظر الفصل الأخير من الكتاب).

“… من وجهة نظر الإصلاحين، يمكن لنظام الحوافز المادية أن يلعب أدوارًا مهمة. بادئ ذي بدء فالحوافز المادية تعويض عن خسارة العمال للحقوق السياسية حيث حولت اهتمام العمال عن الحقوق السياسية إلى الفوائد الاقتصادية. وثانيًا، حاول الإصلاحيون من خلال الحوافز المادية ترسيخ تصور بأنهم بعكس القيادة في فترة ماو، فإنهم يهتمون أكثر بالظروف المعيشية للعمال وبتوزيع أفضل.

ثالثًا، عززت الحوافز المادية قوة الكوادر في الإدارة منذ ذلك الحين.

يمكن للكوادر أن تقرر كيفية توزيع المكافآت بين العمال. استفاد العمال من نظام الحوافز المادية على المدى القصير مقابل التضحية بمصالحهم طويلة الأجل. يمكن أن تنمو الأجور (بما فيها المكافآت) بحيث تصل إلى مستوى زيادة إنتاجية العمل وهذا تأشير ضمنًا إلى أن إجمالي أجور العمال (بما في ذلك المكافآت) يمكن أن يلحق بإنتاجية العمل. وكلما تزايد دخل العمال اعتمادًا على المكافآت يصبحون أكثر طاعة للكوادر المشرفين على الإنتاج، وهذا بدوره يعني أن العمال أصبحوا في وضع غير مقبول فيما يتعلق بالتوزيع. وهكذا، إذا لم تعمل الجزرة بما هي حافز مادي فستحل استراتيجية العصا مكانها – سيخلق الرأسماليون البطالة لتأديب العمال. (أنظر شبيه هذا في الفصل الثالث، حديث جوزيف ستجلتز عن الولايات المتحدة. ع.س)

في بداية التسعينات، لم تكن لدى إدارة المشاريع الخاصة بالدولة سلطة فصل العمال ما لم يقم العامل بأخطاء جسيمة مثل الجريمة. كان من المستحيل ترويض العمال لأن لديهم خبرة اشتراكية منذ الحقبة الماوية، لذا كانت الاستراتيجية العقلانية للمشاريع في التمييز في سوق العمل بحثا عن مصادر جديدة لقوة العمل وهو المحدد الذي استجابت له الدولة.

شهدت بداية التسعينات سياسات قللت حواجز تدفق العمالة المهاجرة إلى المناطق المدينية. وعليه، شهد العقدين التاليين معاناة الطبقة العاملة الصينية من ساعات عمل أطول وشروط عمل سيئة. كما شهدت أوائل التسعينيات تغيرات سلبية في السياسة:

أظهر مسح عام 2009 عن المكتب الوطني للإحصاء أن المهاجرين يعملون في المتوسط ​​58.4 ساعة في الأسبوع، أكثر بكثيرمن 44 ساعة المنصوص عليها في قانون العمل الصيني. كما أن ما يقرب من 60 في المائة من العمال المهاجرين لم يوقعوا على أي عقد عمل، و 87 في المئة منهم لا يحصلون على التأمين الصحي.

خلق التمييز في سوق العمل في أوائل التسعينيات من القرن الماضي فرصة للمشاريع بتوفير قوة عمل كثيرة ولكن بدون عصا البطالة فإن المشاريع المملوكة للدولة  لا يمكنها تقويض قوة عمل عمالها.

أطلقت الصين في منتصف التسعينات خصخصة واسعة النطاق للشركات المملوكة للدولة وعبر ذلك أحالت إلى البطالة 30 مليون عامل وكانت هذه نقطة تحول حاسمة في الرأسمالية الصينية التي غيرت بشكل جوهري علاقات القوة بين العمال والرأسماليين حيث تم إجبار العمال ذوي الخبرة الاشتراكية على مغادرة المصانع وعليه اصبح العمال الشباب الذين ليست لديهم خبرة اشتراكية غالبية العاملين في الشركات المملوكة للدولة. (التشديد من المؤلف)

نتيجة لهذا التغيير، بدأت المؤسسات في الشركات المملوكة للدولة في التقارب مع تلك الموجودة في المؤسسات الخاصة: عقود عمل قصيرة الأجل، وأصبح العمال المرفوضين والعمل الإضافي أمرًا روتينيًا في كل من الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات الخاصة.

بعد الأصلاح، على الرغم من تقارب المؤسسات من shop floor، فإن سوق العمل على العكس أصبح أكثر تمييزا. في وسط سوق العمل كانت هناك مجموعة من العمال المهرة في الشركات المملوكة للدولة الذين تمتعوا بأجور مرتفعة نسبيًا، واستفادوا منها ومن أمنها الوظيفي بينما في الأطراف تم وضع العمال والعمال المهاجرين الذين يتقاضون أجوراً منخفضة ويستفيدون منها بأمان وظيفي أقل.

لوحظ التمييز في سوق العمل بوضوح في الإحصائيات. في عام 2011، كان هناك 359 مليون موظف في المناطق الحضرية في المجموع؛ من بينهم 19 في المائة فقط يعملون في القطاع المملوك للدولة؛ وعمل 21 في المائة آخرون في قطاع رسمي باستثناء القطاع المملوك للدولة ؛ 34 في المائة يعملون في قطاع المعلومات وعلم الأورام – سواء في المؤسسات الخاصة أو في قطاع العمالة الذاتية. ومن المفارقات أن نسبة 26 في المائة المتبقية من العاملين في المناطق الحضرية (أو 97 مليون موظف) تبين أنها “غير مرئية” أو لأن مكتب الإحصاء الوطني  لم يعرف لأي قطاع ينتمي هؤلاء.

كان معظم الموظفين “غير المرئيين” من العمال المهاجرين الذين يعملون في القطاع الخاص

الشركات أو في قطاع العمل الحر ؛ كانت وظائفهم غير وافية لدرجة أنهم لم يتم تسجيلهم بأي شكل من الأشكال”.

خلاصة

 “… خلال انتقال البلاد إلى الرأسمالية، حيث لم يكفي نظام الحوافز المتمحور حول المكافآت

 احتاجت الشركات كي تحافظ على نفسها إلى وجود:

  • جيش احتياطي لتأديب العمال.
  • والعمل المنفصل كسوق لتقسيم وقهر الطبقة العاملة.

حصل تدفق مستمر للعمال المهاجرين وعليه تم تسريح 30 مليون عامل  طالما قام عمال القطاع المملوك للدولة بشكل مشترك بتوسيع جيش احتياطي العمل في غضون بضع سنوات في التسعينات. لقد أدى جيش الاحتياط بشكل ملحوظ إلى كبت قوة الطبقة العاملة ككل، كما أدى الفصل في سوق العمل إلى إضعاف تضامن الطبقة العاملة. هذا هو سبب وجود انخفاضً كبيرً في نصيب العمالة منذ أوائل التسعينات.

هناك نقطة تحول جديدة بالنسبة للطبقة العاملة الصينية، فبعد اندلاع الأزمة الرأسمالية العالمية بدأت حصة العمالة في الصين في الانتعاش. إلى جانب هذه الحقيقة،، يمكن للمرء أيضًا ملاحظة أن مستوى الأجر الاسمي حقق نموًا أعلى من المستوى الإسمي للناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2008، وفي عام 2012 انخفض عدد السكان في سن العمل في الصين بمقدار أعلى من معدل نموه  أول مرة في فترة الإصلاح مما يعني ضمناً أن جيش احتياطي العمالة سوف يتقلص في المستقبل القريب. والأهم من ذلك، أن هناك نضالًا للعمال يتطور للحصول على أجر معيشي لائق يكون مناسبًا للتكلفة في حالة  الذين يعيشون في المناطق الحضرية. إن الجيل الجديد من العمال المهاجرين الذين ولدوا في الغالب في الثمانينات و التسعينات يصرون على العيش في المناطق الحضرية. وقد أدى ذلك إلى صراعات من أجل الحصول على أجور أعلى أو زيادات. إن نضال العمال و/أو حصة أكبر من الدخل القومي ستنهي في نهاية المطاف حقبة الربح المرتفع للرأسماليين وبالتالي تفتح على فترة جديدة للاقتصاد الصيني.

ملاحظة أخرى

مشكلة المقال أنه لا يناقش العلاقة بين الطبقة العاملة والاشتراكية، فالانحصار في حقوق العمال هو موقف محصور في المطالب، وهذا لا يرتقي إلى الموقف الطبقي بمعنى الوعي الطبقي للنضال من أجل التحول إلى الاشتراكية، أو العودة إليها في حالة الصين. ونقصد تحديداً بأن لجم توجه النظام الصيني إلى الرأسمالية وربما الإمبريالية يقتضي تضافر ثلاثة أطراف على الأقل:

الجناح الماوي داخل الحزب الشيوعي الصيني

القوى الماركسية –اللينينية على صعيد عالمي

الأنظمة التقدمية الأخرى التي تتعاون مع الصين الشعبية.

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
https://kanaanonline.org/
  • توتير:
  • فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org

[1]Mont hly Review.o rg http://monthlyreview.o rg/2014/01/01/labo r-share-questio n-china Hao Qi more on Economics , Labor

The Labor Share Question in Chinaز Monthly Review

[2] أرضية المتجر: هي منطقة المصنع أو ورشة الآلات وما إلى ذلك حيث يعمل الناس على الآلات أو المساحة في مؤسسة البيع بالتجزئة حيث تُباع البضائع للمستهلكين. يتناقض مصطلح أرضية المتجر مع المكتب، وهو عبارة عن مساحة توفر الإقامة لإدارة العمل. ويكيبيديا

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *