نشرة “كنعان”، 6 يونيو 2023

كنعان النشرة الإلكترونية

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6560

6 حزيران (يونيو) 2023

في هذا العدد:

“كنعان” تتابع نشر كتاب “صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي ودور الثلاثي الثوري”

لمؤلفه د. عادل سماره

الحلقة 26

الفصل الخامس

خلاصة النتائج… ما هي الصين

وإلى أين هي والعالم؟

كان هذا سؤال البداية في هذا العمل، وها هو سؤال النهاية ايضاً، وهل يجوز ذلك؟ هذا من جهة، ومن جهة ثانية، هل من داعٍ لهذا الفصل الختامي ايضاً سيما وأن تعقيبنا قد أُقرن في متن و/أو نهاية معظم ما عُرض من مواقف أو أُطروحات. لذا، سنحاول هنا تلافي التكرار ما خلا حالات ومواضِع الضرورة.

ورغم أن سؤال البداية هو سؤال النهاية بل أسئلة هي: أيٌ نظام في الصين، أي صين، وهل ستسبق امريكا بغض النظر عن نظامها؟ أم السؤال: ما دور وموقع الصين في أممية جديدة، كما كتب سمير أمين، أو تجديد الأممية ؟

ليس ويجب أن لا يكون سؤال البشرية اليوم محصور في :ما هي الصين بل يجب أن يُوظَّف ويمتد السؤال نفسه إلى اي عالم نريد وموضع الصين فيه وموقع ودور أطراف ثلاثة فيه بمعنى دورها في لجم عوامل الثورة المضادة الموجودة في الصين نفسها وهي:

الماركسيون الصينيون

الماركسيون في العالم

الأنظمة التقدمية التي تتعاون مع الصين

وسؤال آخر، يُساعد بدوره في إجابة ما يفرض نفسه بالضرورة والقطع وهو: لماذا يُصرُّ الغرب الراسمالي على قطع تطور الصين[1]، وإن صعُب فلجمُها وتتبيعها إقتصادياً فما بالك بالإجهاز العدواني عليها! وبكلمة أخرى:  لماذا لا يفكر الغرب الرأسمالي سوى في الحرب بل الحروب؟

سنعالج في هذا الفصل عدة قضايا رغم تباعدها عن بعضها عسى أن يكون في تجميعها تكوين يوضح الصورة المتوقعة والمرغوبة.

صحيح القول بأن الصين فريدة في تجاربها إلى حد القول بأنها اشبه بعالم مستقل وقادر على الحياة بذاته ورؤيته هو، وهذا ما يوحي بالقول أو السؤال: هل تجربة الصين الحالية، ما بعد الماوية، هي ايضاً تجربة خاصة؟ وهو ما يوحي به شعار النظام الحالي “الاشتراكية بخصائص صينية” خاصة بخصوصية الصين نفسها أي الأمة/الثورة/الحزب التي أكدت التقاطع الإيجابي بين النظرية الماركسية-اللينينية والقومية والتحالف الحتمي بين العمال والفلاحين والمثقفين المنشبكين، بل وفي لحظة معينة بعض أجنحة البرجوازية. هذا الإبداع الميداني صدَّ التحجر الإيديولوجي الذي تكرَّس في التجربة السوفييتية في لحظة ذبولها وصدَّ العشق التروتسكي للصهيونية في عدائه المطلق للقومية وصد الأستذة الماركسيانية الغربية التي تصر على دور المعلِّم رغم هرمها وخرَفها إلا من رحم ربي.

وإذا كان بوسع الصين الانعزال مكتفية بنفسها فبِمَ الانخراط في السوق العالمية؟  سيما وأن الإنخراط يخدم أصحاب نظرية  أن الصين إمبريالية وليست راسمالية فقط بمعنى: إذا كانت قادرة على الانعزال، فإن انخراطها يشي بأنها تتجه إمبريالياً.  وهذا يعيد للذهن قدرة الولايات المتحدة على الانعزال والجدل الخاص بذلك في امريكا نفسها وخاصة ما كتبه الاقتصادي الألماني/الأمريكي جوزيف شومبيتر، لكنها لم تفعل، بل ذهبت باتجاه عدواني هائل ومتواصل وهو نفسه الذي وضعها موضع قتال الصين بمختلف الوسائل، فهل حافز امريكا الراسمالية /الإمبريالية هو حافز الصين الاشتراكية أو الإشترسمالية؟.

ولكن، إذا كانت الصين راسمالية فمن الطبيعي إنخراطها في النظام الراسمالي العالمي وهو ما اتضح، اي قرار الانخراط، إثر انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وإذا كانت الصين إشتراكية، فمن الطبيعي ايضاً عدم إنعزالها لأن هدف الماركسية عالم اشتراكي ومن ثم شيوعي وليس بلدا إشتراكيا معزولا منعزلا سواء كان كبيرا أم صغيرا. ولا ننسى أنه لم يعد بوسع أحد أن ينعزل/يتقوقع  في هذا العصر في زاوية من الكوكب وقد وصل راس المال بالقوة والغزو كل موضع راس إبرة.

 وهذا يفتح على سؤال آخر: هل تهدف الصين أخذ العالم باتجاه نموذجها الاشتراكي الخاص بها؟ بمعنى أن يقوم كل بلد بتطوير إشتراكيته بسماته هو على أن يتم ذلك بمساعدة الصين ” إقتصاديا وسلمياً” كما يبدو من علاقات الصين الدولية أو كما تزعم الصين نفسها. إن صح هذا، فهو يقلل من مدى اشتراكية أو ثورية الصين  بمعنى أنها تتعاطى مع الأنظمة القائمة وليس مع القوى الثورية. وهي بهذا اشبه بالأمم المتحدة وتحديدا بفرعها يو.أن. دي. بي التي لا تتعاطى سوى مع الدول(وهذه خبرتي الشخصية في عملي لثلاث سنوات في مكتب هذه المؤسسة في القدس المحتلة)[2].

في هذا الصدد  يتسائل ألكسندر نورتون:

“…  أين كوبا الصين؟ في الواقع – أين دعمهم للمتمردين والاشتراكيين في جميع أنحاء العالم، سواء حركات حرب العصابات أو الدول الاشتراكية؟ أعلم أن الصين تقدم الكثير من الدعم لفنزويلا ولديها علاقات جيدة مع كوبا وكوريا الشمالية. أما فيما يتعلق بحرب العصابات، فهذا في الخلف( يقصد الكاتب ان هذا مُستثنىً كما أعتقد –ع.س)  لقد اختارت الصين مسارًا مختلفًا، مسارًا يسعى إلى العمل مع رأس المال العالمي. بالطبع إنه أمر خطير. مثلما يمكن للصين استخدام رأس المال لتحقيق غاياتها الخاصة، يظل هناك دائمًا خطر أن الصين يمكن أن يتم احتواؤها من قبل رأس المال. هذا هو جوهر حملة شي لمكافحة الفساد. الحجة الأخرى بالطبع هي أنه يقوم فقط بتطهير منافسيه. الصين لديها سياسة عدم التدخل – سواء كانت ستتبع هذا دائما أم لا فهو أمر آخر”.[3]

في أفضل الأحوال، فإن هذا الطريق الصيني هو طريق وسط ليس طريقا ثوريا، علماً بأن توحش راس المال يقتضي الثورة. قد يرى البعض بأن الصين في مشروعها لاختراق النظام الراسمالي العالمي ذاهبة في طريق السباق الراسمالي إلى حين. وسواء صح هذا أم لا، فإن الصين ستواجه بلا شك الاضطرار للصراع مع الثورة المضادة بمجموعها، حتى لو دفاعياً،  فهجوم الإمبريالية ضد الصين إتضح أكثر منذ أوباما وكرسه ترامب وسار على دربه بايدن.

قد يحاجج بعض أنصار النظام الصيني اليوم بالقول بأن الصين ما زالت في طور التنمية وأنها تهدف الوصول إلى وضعية البلدان ذات مستوى الدخل المتوسط، ولذا، فالنظام أو الحزب حريص على أو يتبع تكتيك حفظ راس المال في البلد بل ويحرص على استمالة راس المال الأجنبي الذي يتركز عموماً في أعلى مستويات الاقتصاد، في القمم الاقتصادية.

زعم بعض الكتاب أن جميع الصناعات الكبرى/الشركات محتكرة بيد الدولة، وزعم آخرون أن ملكية الدولة لها تتراجع إلى مستوى شكلي! في جانب آخر، يسمح للبرجوازية بالاحتفاظ بقدر كبير من أرباحها بحيث لا يتم تشجيع راس المال على الهروب. يتمّ تزويد البرجوازية الصغيرة الصينيّة بسوق منفتحة للغاية بشكل يفوق بكثير تلك الموجودة في الغرب.

هذا التكتيك يقتضي عدم الصراع مع الثورة المضادة بل مهادنتها من داخل نظامها. وكما اشرنا اعلاه، فإن هذا نجح في فترة سابقة اي ما بين 1978 وحتى بضع سنوات خلت، ولكن الثورة  المضادة،لم تعد كما يبدو، راغبة في غض الطرف عن التكتيك الصيني وهذا يطرح تحدِّ قاس على الصين يدفعها إلى اتخاذ خيارات أكثر جذرية وثورية، فهل سيحصل هذا؟

لقد قيل الكثير عن الماوية بأنها مدرسة ثورة الفلاحين، وليس العمال، والقومية لا الماركسية ولا الإشتراكية، وبأنها تجربة “الأوتاركية” القطيعة مع العالم عموما وليس فقط مع النظام الرأسمالي العالمي…الخ.  وبغض النظر عن كل هذا،  تهمنا هنا الإشارة إلى أن الصين الحالية هي الأشد انفتاحا على العالم بل بأكثر من انفتاح الأنظمة الراسمالية الإمبريالية حتى وهي تغوص في السوق العالمية التي إنتهت إلى النيو-لبرالية وتعجُّ كتابات كثير من إيديولوجييها ب “الوعظ حتى بحكومة عالمية”! وإذا صح أن صين ماو كانت أوتاركية التوجه وأنجزت معدلات نمو بل تنمية عالية جدا، فكيف أمكن للصين المنفتحة على مصراعيها أن تنجز نفس معدلات النمو وربما أعلى؟ وهل يمكن اشتراء قول الصين أنها بهذا الانخراط تعزز بنائها الإشتراكي كما أشرنا في غير موضع! وإذا كان النمو العالي ممكناً في النظام الإشتراكي، فإن الأحجية/اللغز في تحقيق الصين بالرأسمالية المندمجة ب “الاشتراكية”  نفس النمو وأكثر أي  في ظل الراسمالية براي البعض واشتراكية السوق براي البعض الآخر؟ هل النجاح في ظل الراسمالية هو بمحركات ذاتية داخلية صينية أم بمهارة تجميع تجارب الآخرين ايضاً بغض النظر عن موقفنا من تلكم التجارب ومن انتقاء الصين منها، إن حصل كما نُقدِّر، ولكن نورد بعضاً منها لتكبير الصورة وخدمة النص.

في عرض ريتشارد فيدلر لمقالات كاتس التي اوردناها سابقاً يقول: أثار اندماج الصين في النظام الرأسمالي العالمي العديد من التحليلات النقدية بين اليسار الماركسي. السؤال الأكثر مناقشة هو بسيط ولكنه أساسي: هل الصين اشتراكية أم رأسمالية؟ بعضها لا لبس فيه. على سبيل المثال، ينص “بيان” تم نشره مؤخرًا لمجموعة تركزت في جامعة مانيتوبا بشكل كبير على أنه “لا يوجد بلد يمثل تقدم الشعب العامل – اقتصاديًا وتكنولوجيًا وبيئيًا واجتماعيًا – أكثر من الصين…” الحزب الشيوعي الحاكم فيها “جعل الصين الدولة التي لا غنى عنها في نضال البشرية من أجل الاشتراكية، حيث قدم المساعدة والإلهام كمثال جدير ببلد يسعى إلى الاشتراكية”، وبشكل أكثر دقة، شكل من أشكال “اشتراكية السوق”.[4]

لكن هذه المنجزات وهي حقيقية، لا تتعدى كونها سياسات دولة وطنية بقيادة حزب واحد. وليس بقيادة الشعب العامل نفسه. وبالطبع لن ندخل مجددا في الحديث عن المليارديرات               وسحبهم العجلة أو شدَّهم إياها باتجاه الراسمالية ومتى تصل الأمور إلى الحسم بين الحزب إذا كان شيوعيا حقيقياً وبين الراسماليين الحقيقيين؟. أو هل سيستمر تعايش المجتمع الصيني على اساس قلة مليارديرية وأكثرية شعبية في وضع مقبول؟

يعيدنا ما اقتطفه فيدلر هذا إلى تفاؤلية جيوفاني اريغي بأن الصين تأخذ العالم إلى ما لن يكن راسمالية.جميل تفاؤل هذا الشيخ، ولكنه يستدعي دور الأطراف الثلاثة: اي الشيوعيين الصينيين، والشيوعيين في العالم والأنظمة التقدمية المتعاونة مع الصين لضبط الإيقاع الإشتراكي الأممي. أي لا مجال لأحد أن يُحايد لبناء الأممية من جديد.

كما يعيدنا ايضاً إلى سياسة ال “نيب” التي اتبعها لينين في فترة مبكرة من انتصار الثورة الاشتراكية من حيث  السماح للسوق واعتماد قانون القيمة. ولكن، لماذا كانت أل نيب مؤقتة في الاتحاد السوفييتي وتم تجاوزها دون انحراف النظام الاشتراكي؟ هل هذا لقدرة الحزب الشيوعي السوفييتي على حسم الوضعين الاقتصادي الاجتماعي والسياسي لأنه كان شيوعي حقاً؟ وهل بالمقابل، هذه أل “نيب” الصينية الطويلة، عشرة اضعاف الزمن مقارنة مع  زمن أل نيب السوفييتية هي  اشتراكية التوجه على الأقل؟ هل يتحكم الحزب بها، أم أفلتت الأمور من يده فأدخل السوق في الاشتراكية حيث لم يجد خياراً آخر ومن ثم بدأ في البحث عن تفسيرات ماركسية لاعتماد السوق؟

لم يقتصر تعاطي الصين مع سياسة شبيهة ب “نيب” ومع السوق وذهابها فيهما بعيدا وعميقاً وطويلاً، بل ذهبت الصين باتجاه تكرار، أو الأخذ، بسياسة التعايش السلمي في الاتحاد السوفييتي بعد ستالين. وهنا ايضاً ذهبت الصين بعيدا في هذا التعايش بل ابعد جدا من السوفييت فانخرطت في السوق العالمية حتى قبل عضويتها في منظمة التجارة العالمية ووصلت حد المحاججة بضرورة الانفتاج الاقتصادي المعولم بينما أخذ المركز الإمبريالي في تبني سياسة الحماية الاقتصادية. هل هذا الهجوم الصيني تأكيد على  تبادل المواقع أم التنافس في الموقع الواحد؟

هنا لا يمكن للمرء إلا أن يشير إلى “انقلاب ” المواقف. فهل السبب في هذا الانفتاح الصيني هو:

غزارة منتجاتها

الثقة بالقوة مقابل تراجع الخصم

الاحتفاظ بالقدرة على حماية الاشتراكية في حال الضرورة والخطر

مقاتلة الخصم في ميدانه اي العودة بالاقتصاد العالمي إلى التنافس الكتلوي هذه المرة وليس تنافس المشروعات الفردية.

وهل عوامل القوة الصينية  او تعاملها السلمي مع الإمبريالية واستمرارها فيه هو نتيجة للاقتدار وهل هذه هي التي تدفع المركز الإمبريالي إلى اعتماد تعميق التناقض وربما التوجه للحرب.

لنتناول مسألة عدوان الثورة المضادة من باب آخر. لا يسع المرء تجاهل بأن هناك مستوى من الحرب تشنه الإمبريالية ضد الصين، حرب التجارة وحرب التكنولوجيا  والإيديولوجيا، حتى الآن وهذا لا يغطي على الطبيعة العسكرية العدوانية التي تحشدها الإمبريالية.

وهذا يطرح التساؤل التالي:

إذا كان النظام الصيني راسمالياً وحتى إمبرياليا، فلماذا لا تتعامل معه راسمالية المركز كما تعاملت مع بعضها منذ التحول من الإقطاع إلى الراسمالية أي:

رغم الحروب الشرسة بين دول أوروبا الغربية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، كان نقل التكنولوجيا بين هذه البلدان سهلا وسلساً عبر المنافسة الحرة. بينما تم حجز التكنولوجيا عن بقية العالم ولذا قيل: “لا يابان بعد اليابان” على اعتبار أن اليابان قفزت إلى التصنيع “خلسة” إوفي غفلة أو/بل لأن النظام الرأسمالي العالمي لم يكن قد هيمن استعماريا ومن ثم إمبرياليا كي يقطع تطور الصين، وإن كان الغرب قد فعلها عام 1840 ضد نهضة مصر بقيادة محمد علي  بعدوان ثلاثي تركي فرنسي بريطاني؟

 كما جرى نقل كامل للتكنولوجيا من المتروبول إلى المستوطنات البيضاء :الولايات المتحدة وكندا واـستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا سابقاً  وحتى الكيان الصهيوني. بل وكانت دول المتروبول تنهب من المستعمرات وتمول المستوطنات البيضاء[5].

أي، إذا كانت الصين راسمالية، فطبقاً للمحاججة أعلاه، لا بد للغرب أن يتعاطى معها ويحتويها؟ أم هل وصل الأمر إلى صعوبة أو استحالة الاحتواء وبالتالي فإن الصين بنظرهم هي إحدى حالتين:

دخول منافس راسمالي قوي لا يمكن التقاسم معه

أو دخول نظام اشتراكي اي عدو وبالتالي لا يمكن التعايش معه ايضاً.

بينما يدور الجدل حول صين راسمالية و/أو اشتراكية، هناك من يرى الصين أقل من ذلك  من حيث مستوى التطور. في كتابه، الذي اشرنا إليه في المتن،   (John Smith, whose views are expressed in his book Imperialism in the Twenty-First Century. ).

قال سميث في مقابلة،إنه يميل إلى تصنيف الصين ضمن  أو اقرب  إلى الجنوب العالمي، أي في فضاء يتعرض للنهب من قبل الشركات متعددة الجنسيات من البلدان الإمبريالية. وبينما يدرك إمكانات الصين التي يمكن أن تتجاوز هذا الموقف، فإنه يميل إلى التقليل من حصولها بسرعة كبيرة.2 Ideas de Izquierda، 5 أغسطس 2018.

يبدأ سميث من الدور المهيمن الذي لعبه رأس المال الأجنبي ولا يزال يلعبه في التجارة الخارجية للبلاد، والذي يعد في الوقت نفسه مفتاحًا أساسيًا للقوة الاقتصادية للصين وقد حول البلاد إلى “الدائن” العظيم لكوكب الأرض. تعمل الشركات متعددة الجنسيات إما مع الشركات التابعة لها أو عن طريق التعاقد مع شركات التوريد ؛ بطريقة أو بأخرى، فإنهم يشاركون في استغلال القوة العاملة الصينية التي يدفعون لها أجورًا أقل مما تدفعه للطبقة العاملة في بلدانهم الأصلية أو حتى في بلدان أخرى تابعة وشبه مستعمرة.

بهذا المعنى، فإن سميث يأخذنا بعيدا عن الجدل حول إمبريالية الصين، بل حتى مدى رسملتها.

أما لي[6]، فيذهب ابعد من سميث ليضع الصين في وضع التبعية كمحيط للنظام الراسمالي العالمي، ومع ذلك يصف تقدمها بأنه لا يمكن كبته ويذكر أن النظام لا يمكنه معالجته وفقًا للشروط الحالية، وبأن نظامها  لا يمكنه الذهاب لأبعد مما هي عليه. فنظرا لحجمها الهائل اقتصاديا وديمغرافياً، فإن انتقالها إلى وضعية شبه المحيط يتضمن تاثيرات اساسية على عمليات النظام الراسمالي العالمي وقد تفتح على الجزم بأن هذا النظام وصل حده، أي أنها ستحدث عدم استقرار للنظام إلى حد  أو درجة التهديد بانهياره. ورغم أن لي يضع الصين في موضع تابع ولكنه يصف تقدمها على أنه لا رادَّ أو كابح له وبأن هذا النظام لا يمكنه  التعاطي مع وضع الصين أي معالجتها واحتوائها ضمن الشروط  الجارية حالياً.

الاقتصادات شبه المحيطية (الوضعية الوسطى بين المركز والمحيط حسب تعبير إيمانويل وولرشتين. ع.س) سوف تصبح الصين دولة شبه محيط في عمليات النظام العالمي الرأسمالي وقد توحي بأن… النظام العالمي الرأسمالي قد وصل إلى أقصى حد له. ”  وفي حين أن لي، على عكس سميث، يضع الصين في وضع التبعية، فإنه يصف تقدمها بأنه لا يمكن كبته ويذكر أن النظام العالمي لا يمكنه معالجته/احتوائه، اي نظام الصين،  وفقًا للشروط الحالية.

ياخذنا هذا إلى النظرية القائلة بأن الصين لا تصعد بالفعل بشكل لا يمكن كبته فحسب، بل إنها تفعل ذلك من خلال لعب دور حميد في النظام العالمي – أي بشكل “التخريب الفعَّال” للنظام الإمبريالي. هذا ما يقترحه جيوفاني أريغي في (آدم سميث في بكين (لندن: فيرسو، 2007) كما ألمعنا أعلاه. لقد حدد أريغي عناصر في تاريخ الصين قبل الغزوات الأوروبية، وجود اقتصاد السوق غير الرأسمالي – أي غير الاستغلالي -. وهو يجادل بأن هذا، وليس الإصلاح البرجوازي، هو ما يمكن أن يطفو على السطح الآن وهو ما ستعرضه الصين على بقية العالم. على مدى عقود. لقد وضع أريغي أطروحة حول الخلافة المهيمنة التي تؤكد أن الرأسمالية تطورت من خلال دورات متزايدة بشكل متزايد، حيث هيمنت، على التوالي، دول المدن الإيطالية، وهولندا، وبريطانيا العظمى، والولايات المتحدة في نهاية المطاف، وفرض كل منها مجموعات مختلفة من التنظيم الاقتصادي.[7]  ويخلص اريغي، إلى أن “الخلافة” الجديدة ستغلق الدورة لأنها لن تكون رأسمالية. والسؤال هنا، هل ترك أريغي الباب مفتوحاً على أكثر من إحتمال مع تأكيده بأن الآتي لن يكون راسمالياً؟

يذهب يو إلى التذكير بنقاط قوة وضعف الصين في نفس الوقت مشيرا إلى مشكلة تايوان ووجوب توحدها مع الصين. ويرى أنه قبل الحديث عن طموح عالمي للصين يجب على بكين أولاً التغلب على نقاط الضعف المستمرة للصين، خاصة في مجال التكنولوجيا واقتصادها وافتقارها إلى الحلفاء الدوليين… ويرى في نفس الوقت  أن الصين هي راسمالية الدولة، وهي قوة مميزة وتوسعية، وبالتالي ليست على استعداد لأن تكون شريكًا من الدرجة الثانية للولايات المتحدة. تعد الصين جزءًا من الليبرالية الجديدة العالمية وأيضًا قوة رأسمالية للدولة، والتي تقف بمعزل عنها. هذا المزيج الغريب يعني أنه يستفيد في نفس الوقت من النظام الليبرالي الجديد ويمثل تحديًا له “.

لعل أشد التقييمات تضاداً مع الصين هي أدبيات التروتسكيين الذين يقطعون سلفا ومباشرة بأن الصين إمبريالية على قدم المساواة في الاستغلال مع الإمبرياليات الغربية. أما الحزب الماركسي اللينيني الماوي/نكسلايت في الهند فيرى أن الصين إمبريالية اجتماعية ونظام فاشي.

هل نحن أمام أحجية تتعدد المواقف منها وتتناقض ربما أكثر من اية قضية غيرها. طبيعي أن يختلف اليمين واليسار في تقييم الصين، ولكن ايضاً يختلف اللبراليون مع  أو عن بعضهم، ويختلف الماركسيون مع أو عن بعضهم، ويختلف  حتى الماويون عن بعضهم ايضاً!

ولكننا نميل إلى ما هو مختلف. فالصين ماضية في طريقها، ولا يفيد كثيرا الانشغال المتمترس في برزخ وصف الصين:إشتراكية، راسمالية، إمبريالية، محيط، شبه محيط، لا تدعم الثورات، تقاتل الإمبريالية بالاقتصاد…الخ. فالمطلوب هو تفعيل وتفاعل الأطراف الثلاثة “الشيوعيين الصينيين، الشيوعيين في العالم، والبلدان ذات الأنظمة التقدمية المتعاونة مع الصين” في تعزيز الثورة العالمية ولجم تورط الصين باتجاه مغادرة الإشتراكية و/أو التوجه إمبريالياً، بمعنى أننا لسنا مراقبين ولا مجرد قاذفي حجارة ضد الصين. وهنا يجوز لنا القول بأن في الصين حرباً وبأنها تخوض حرباً:

حرب طبقية داخل الصين وإن كانت تُدار بحنكة وهدوء

وحرب مقاومة الإمبريالية.

إضاءات أخرى

وحيث نواصل التحري والتحليل لطبيعة النظام الصيني ومآلاته، نورد أدناه عدة عناوين لم يتناولها كثيرون، أو لمسها البعض بخفة، وهدفنا مقارنة اوسع  وإلقاء مزيد من الضوء على حدود أخذ الصين الحالية بعضاً من سلبيات  التجربة السوفييتية وتجارب دول أخرى، وعلاقة أو تاثر الصين الحالية بالماوية هل هي امتداد أم قطيعة.

أولاً: الصين وقوانين حركة رأس المال

ثانياً: هل الصين إمبريالية

ثالثاً: التشابه والإختلاف في تبني الحوافز المادية الصين والاتحاد السوفييتي.

رابعاً: وضع البنك المركزي…اختلاف  الصين عن روسيا

خامساً: هل من سمات ماوية في النظام الصيني الحالي؟

سادساً: سباق وصف الصين

الصين وقوانين حركة راس المال

استكمالاً للحديث عن رسملة الاقتصاد الصيني  فيما يخص التراكم الأولي أو البدائي ووقوع الاستغلال الطبقي، من المفيد بعض الحديث عن قوانين الحركة في نمط الإنتاج الراسمالي وهي بالطبع وثيقة الصلة بالتراكم بل هي محرك هذا النمط وذلك كي نضيىء أكثر على التجربة الصينية كي نقف على أرضية فهم هذه التجربة قدر المستطاع. وبالمناسبة، نكرر أن المقصود بهذه الإضاءة هو المساهمة في تكوين تيار عروبي أممي دون تبعية من جهة ودون رفض الصداقة العربية الصينية من جهة ثانية هذا إلى جانب التنبه بأن هناك صداقة صهيونية صينية ما كانت لتحصل في مرحلة الماوية.

المقصود بقوانين حركة نمط الإنتاج الراسمالي هو كشف وشرح طبيعة هذه القوانين وآليات عملها متضافرة بالطبع بما هي ايضاً قوانين تطور هذا النمط وعمله في مستوى قوى الإنتاج وتجليها في علاقات الإنتاج الاجتماعية وهي التي تُظهر موضع وتموضع الطبقات واصطفافها في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الراسمالية التي يهيمن فيها نمط الإنتاج الراسمالي.  فلا بد من فهم هذه القوانين  لتفكيك هذا النمط بما هي متأصلة في طبيعته:

اولا: تركُّز وتمركز راس المال : وهذه درجة من فعالية نمط الانتاج الرأسمالي عملياً في بلد معين، اي درجة من تطور الاقتصاد الراسمالي في ذلك البلد متمظهر في فائض كبير، وهو بالطبع نتاج عمل قوة العمل اي مجموع جهد المنتجين وقد تبلور في فائض تضع الطبقة الرأسمالية يدها على معظمه وبنسب متزايدة كلما تطورت التقنية.  وهذا يفتح على سمة اساسية للاقتصاد الراسمالي وهي المنافسة التي يُنظر إليها دائما من زاويتين مختلفتين:

فهي من وجهة نظر إيديولوجيا السوق سمة هامة تقود إلى التطور حيث يتبارى الرأسماليون في إنتاج الأفضل بزعم أن الهدف أو الحافز هو تقديم أفضل السلع للمستهلك في حين أن حقيقة الأمر هي إنتاج الأفضل كإشهار لمنتجات كل رأسمالي على حدة كي يأخذ حصة رأسمالي آخر من السوق وصولا إلى المنافسة الشرسة حيث يتم التهام سمك القرش للأسماك الأصغر. بقول آخر، فإن المنافسة هي حرب من أجل الربح مولد التراكم وهذا اساس بربرية الرأسمالية التي إن كان قد قيل سابقا بأنها سوف تصل البربرية كما قال ماركس وكررت روزا لكسمبورغ، فها هي في إدارة ترامب تتفاخر بذلك. وكل هذا يقود إلى الاحتكار المعمَّم بمعنى أن المنافسة تلِد قاتلها اي الاحتكار.

ربما تفيد معترضة هنا مفادها، أن الراسمالي مهما بدا مظهره أنيقاً وسيارته فارهة أو حتى طائرته فهو في قلق دائم كيف يحافظ على حصته من السوق من أجل تراكم لا حد له  في هجومه ودفاعه ضد راسماليين آخرين.  لذا، يرى الاشتراكيون بأن المنافسة علاقات/حالة صراع بين الأقوياء والضعفاء بل بين الجميع  في مرحلة رأسمالية المنافسة التي تقود بالضرورة إلى مرحلة رأسمالية الاحتكارات حيث تقود المنافسة إلى الاحتكار بتدمير الصغار وإخراجهم من السوق عبر  تركُّز راس المال الذي يزيد  كلفة المشاريع وخاصة بتجديد الماكينات مما يحذف الطبقة الوسطى والعمال عن فرص الملْكية.

وفي حين يقود التركز “تركز راس المال اي الثروة” في اقل ايدي متمكنة تترتب على ذلك مركزية القرار حيث يُحصر ايضا في ايدي أقل عدد ممكن. وهنا تتضح العلاقة بين رأس المال/الشركاتي والسلطة السياسية حيث الاندغام بينهما ليكون القرار السياسي الاجتماعي نتاجاً، وإن بدا غير مباشر، لتركُّز الثروة. وهذا يفتح على المقولة المركزية لماركس بأن الدولة/السلطة هي أداة طبقية في خدمة طبقة معينة بغض النظر إذا اتضح هذا بشكل فج لنقُل بالسيطرة أو بشكل ناعم أي بالهيمنة (غرامشي). وقد يكون المثال على ذلك في الصراع الطبقي الجاري الآن في فرنسا بين اصحاب السترات الصفراء وبين سلطة البنوك والشركات حيث تتركز الثروة وتتمركز السلطة في أيدي نخبة محدودة العدد واسعة الثروة.

وسؤالنا هنا، هل يوجد تركز وتمركز ثروة في الصين؟ والإجابة نعم. هذا وإن كانت حصة الدولة لا تزال قوية في الاقتصاد اي في مشاريع تديرها الدولة. ولكن هذا لا يمنع تركز وتمركز رأس المال في أيدي القطاع الخاص علاوة على علاقاته الدولية ووجود استثمارات أجنبية محضة، بل هوحاصل حقاً، ومع ذلك لا يرضى أباطرة رأس المال في الغرب كما تكتب مؤسساته وصحفه عن درجة الترسمل الخاص في الصين أي يريدون إخراج الدولة من حصتها في “ملكية” المشاريع/الشركات بل قطاع الإنتاج خاصة.

 ويكون سؤالنا الثاني، هل يمكن أن يغير رأس المال الخاص وجهته أي ان يتحول إشتراكياً؟، والرد: لا، على الأقل بموجب قوانين حركة راس المال. وهل سوف تتمكن السلطة من لجمه، والجواب متروك لتطور الصراع الطبقي هناك بمعزل عن شدته أو مرونته وهذا ما يؤكد أهمية أطروحتنا عن دور الأطراف الثورية  الثلاثة للجم تحول الصين إلى راسمالية.

ثانيا: البرتلة (من كلمة بروليتاريا) المتسارعة لقوة العمل : كلما اتسعت الرسملة اي سيطر أو طوَّع  نمط الإنتاج الراسمالي أنماط الإنتاج الأخرى في مجتمع معين، كلما جرى رحيل أو ترحيل المزيد من قوة العمل باتجاه العمل المأجور في المشاريع الراسمالية أي تتزايد البرتلة والتي تعني ببساطة تكاثر من يعمل ولا يملك اي يبيع قوة عمله كي يعيش رغم أنه هو الذي ينتج السلع.

 مع تركز وتمركز رأ س المال تتراكم الثروة أكثر وتشتد المنافسة فيتم استثمار أكثر غزارة في تطوير وسائل الإنتاج إلى درجة إضطرار المتنافسين إلى إلقاء ماكينات في الخردة رغم عدم استهلاكها كليا، اي قبل انتهاءعمرها الافتراضي وذلك كي يطرد راسمالي رأسمالياً آخر من السوق. إن  تطُّور قوى الإنتاج مثابة ارغام العمال على بيع قوة عملهم وهذا  يتزايد مع هيمنة نمط الإنتاج الراسمالي وإلحاق الأنماط الأخرى به او تمفصلها التابع معه وبالتالي تتزايد وضعية من يملك ولا يعمل وهذا مُولِّد التراكم، تراكم الفائض.

تزعم الراسمالية أنها تقدمت إلى الأمام عن الإقطاع فيما يخص قوة العمل بمعنى أن  العامل حر في بيع قوة عمله مقارنة بأقنان الإقطاع. وهذا صحيح وخبيث معاً. فالعامل في الاقتصادات الرأسمالية  حالة مركَّبة اي: هو حر في بيع قوة عمله، ولكنه عبد لأنه مضطر لهذا البيع فهو لا يملك غيرها، ودون بيعها لن يحصل على لقمة العيش لنفسه أو لأسرته، لا سوق لبضاعته غير مشروع الراسمالي. إنه حر في البيع، وفي الوقت نفسه عبد لاضطراره للبيع. اما اصحاب العمل فيتصاغر عددهم وتنتفخ حساباتهم البنكية ويندغم لديهم راسَيْ المال الصناعي والمالي، إنهم يُراكمون.

لكن البرتلة لا تعني بالضرورة التشغيل لكل عامل، فكثيراً ما تكسد البضاعة البشرية كما البضاعة التي ينتجونها وذلك لحلول الآلة محل العامل وبشكل متسارع لأن هذا أحد اهداف راس المال لمراكمة الربح الأعلى أو اللامحدود، لذا يتم الحديث مثلا اليوم، بل الإجراءات الراسمالية عن ” صَغِّر هذا Down-size This” حيث يُحال عمال كثيرون خارج العمل وتكون البطالة الأعلى. ومع ذلك يبقى هؤلاء العمال بروليتاريا. ومن مفاعيل هذه التطورات حصول تفارق في بنية قوة العمل بين عمال الاقتصاد الجديد، وعمال الصناعات الكلاسيكية وعمال الخدمات والعاطلين عن العمل.

وهنا نسأل كذلك، هل تتم البرتلة لقوة العمل الصينية، ولنقل الفلاحين بعد تفكيك الكميونات الزراعية  وهم بمآت الملايين، هي نتاج ترسمل الاقتصاد الصيني حيث العمل المأجور مقابل را س المال في القطاع الخاص؟. والإجابة نعم. هذا حتى دون أن نطرح الأسئلة عن ساعات العمل وتدني الأجور إلى حد يجعل منتجات الشركات الأجنبية والمحلية في الصين الأقل على صعيد عالمي.

ثالثا: تنامي التركيب العضوي لراس المال: يقسم الراسماليون راسمالهم إلى قسمين الاول لشراء الماكينات والمباني  والمواد الخام وهذا القسم  تبقى قيمته ثابتة في عملية الانتاج  حيث يتم الاحتفاظ بها بواسطة قوة العمل التي تنقل جزءا منها لقيمة المنتجات  التي تم تصنيعها.

والقسم الثاني من راس المال يخصص لشراء قوة العمل اي ما يسميه ماركس راس المال المتحول.  وهذا القسم الذي يولد القيمة بما فيها القيمة الزائدة التي يضع الراسمالي يده عليها.

يقصد بالتركيب العضوي لراس المال العلاقة بين راس المال الثابت وراس المال المتحول في مجموع راس المال المستثمر. ويمكن التعبير عن هذه العلاقة كما يلي

التركيب العضوي لراس المال = (راس المال الثــابت)/ ( راس المال المتحول)

أما راس المال العامل فهو عبارة عن احتياجات المشروع عند الانتهاء من التنفيذ وبداية التشغيل، ويتضمن المواد الخام، وقطع الغيار اللازمة لمدة سنة او أكثر، أجور العمال،، بالإضافة الى المصاريف الإدارية والعمومية، ومصاريف الصيانة والتأمين، وتسهيلات للعملاء.

إن التركيب العضوي لراس المال هو نسبة قيمة الرأسمال الثابت الى قيمة الرأسمال المتحول، باعتبار أن هذه النسبة تعكس التركيب التقني لراس المال، أي نسبة كتلة وسائل الإنتاج الى كمية العمل الحي الذي يسيّرها.

مع التطور والتقدم، تزداد كتلة وسائل الإنتاج المستخدمة في المؤسسات بصورة أسرع من ازدياد عدد العمال، وينتج عن ذلك أن الرأسمال الثابت ينمو بوتيرة أسرع من نمو الرأسمال المستثمَر.

المهم اجتماعيا في هذا السياق هو إن معدل الربح يتناسب تناسبا عكسيا مع زيادة التركيب العضوي لراس المال. إن نمو التركيب العضوي لراس المال يؤدي الى تراكم الرأسمال وتمركزه، ويفاقم التناقضات بين الطبقات الإجتماعية للمجتمع، بمعنى أن أعدادا متزايدة من العمال تغدو بلا فرص عمل على الرغم من تدني الأجور حيث تحل الماكينة محل قوة العمل دون أن تقوم السلطة باستحداث فرص تشغيل للعمالة الزائدة، وغالباً هذا لا يعنيها لا سيما في غياب قطاع عام.

تجدر الإشارة إلى أن التناسب العكسي بين الربح وراس المال وخاصة مع اضطرار الراسمالي لاستخدام ماكينات جديدة ومكلفة يؤدي إلى:

  • تقليص عدد العمال
  • زيادة ساعات العمل أو تكثيف الاستغلال للعمال. وكل هذا ليعوض تدني معدل الربح.

بتوضيح آخر،  ان العلاقة بين راس المال الثابت والمتحول هي علاقة تقنية  فلكي يتم وضع ماكينات في حالة الجاهزية للربح  لا بد من تزويدها  بكمية من  المواد الخام  ويجب ان يتم استخدامها  من قبل عدد من العمال.

تزداد الإنتاجية في النظام الراسمالي وكلما زادت الانتاجية انتاجية الماكينات اي جلب ماكينات جديدة كلما صار لا بد من تقليل عدد العمال بالنسبة لوسائل الانتاج التي يعملون بها اي يشغلونها. ان معدل او نسبة وسائل الانتاج الى العمل المطلوب لتشغيلها هو المكون التقني لراس المال.   عرف ماركس المكون العضوي لراس المال بانه المكون الفني لراس المال  بالمعنى القيمي.

يكون السؤال هنا، طالما تصل العلاقة في ميدان الإنتاج إلى “حق” الرأسمالي في إدخال ماكينات جديدة لتحل محل العامل وتسلخ منه قيمة زائدة مطلقة و/أو نسبية، فنحن أمام حالة من الراسمالية المتقدمة وهذا امر واضح في الصين. ولكن إدخال التقنية الجديدة ملجومة آثاره بكوْن الدولة هي المالك الأكبر والمتعهدة بحماية ما للعمال. هذه إشكالية أمام ناقدي الصين بمعى أن الغطاء السلطوي موجود وإشكالية أمام مؤيدي الصين ايضاً بمعنى أن الغطاء السلطوي مشوب باستغلال طبقي.

رابعا: ميل معدل الربح للانخفاض: اذا زادت كلفة التركيب العضوي لرأس المال يقل الربح في علاقته  براس المال الكلي ذلك لأن راس المال المتحول اي قوة العمل هي التي تنتج قيمة  زائدة، تنتج ربحاً. وهذا يختلف عن المسار الخطي لكل من تركز راس المال او  تزايد البرتلة في حالة قوة العمل.   هناك عدة عوامل تقطع/تتجاوز هذا  الميل ومنها خاصة  زيادة معدل الاستغلال  الواقع على  كسبة الأجور، ارتفاع معدل القيمة الزائدة  (اي العلاقة بين المقدار الكلي للقيمة الزائدة والمقدار الكلي للأجور). ان الميل الهبوطي  لمتوسط معدل الربح  لا يمكن ان يتم تحييده دائما بنمو معدل القيمة الزائدة.  فهناك في الحقيقة  حدٌّ للهبوط  لا يمكن للآجور  الحقيقية او النسبية  ان تهبط إليه دون ان تستدعي امكانية او حتى رغبة  قوة العمل كي تنتج،  بينما لا توجد هناك اية حدود  لنمو المركب العضوي لراس المال أي تجديد الآلات لتحل المخترعات الجديدة محل سابقاتها.

نلاحظ أن هذا القانون مركب حيث يتواشج فيه قانونَيْ التركز والتمركز والمركب العضوي لراس المال.

لا شك بأن المركب العضوي لراس المال يتزايد ايضا في الصين سواء في الشركات المحلية أو الأجنبية، وبالتالي فإن هذا يهدد معدل الربح لهذه الشركات الأمر الذي ينعكس على معدل الأجور وشروط العمل من حيث ساعاته وأمانه وحتى إخراج كثير من العمال من عملية الإنتاج وخاصة بعد ان أُخرجوا من الكميونات الفلاحية إلى حواف المدن للعمل في الصناعة. وهذه بالطبع علاقات راسمالية بحتة.

خامساً: اجتماعية الانتاج موضوعيا: الإنتاج اجتماعي موضوعي بالضرورة: مع بدء الانتاج الصناعي  كان  كل مشروع مستقلا  عن الوحدات الاخرى ولا يقيم سوى علاقات عابرة  مع مزوديه وزبائنه.

 ومع تطور النظام الراسمالي فإن روابط ثابتة من علاقات تقنية واجتماعية من الاعتماد المتبادل تنشأ بين الشركات  وقطاعات الانتاج  في اعداد متزايدة من  البلدان والقارات.

 وعليه حين تحصل ازمة في قطاع  تؤثر تداعياتها على القطاعات الاخرى  سواء في فترات التطور او الازمات.

لعل هذا ما نراه حالياً  في مختلف بلدان العالم إثر أزمة 2007-08 الممتدة حتى الآن والتي لامست الاقتصاد الصيني كذلك.

لقد عرضنا قوانين حركة رأس المال كي نرى بأنها تعمل هناك في الصين ايضا. ولم نشأ التطرق إلى دور  قانون القيمة والذي طالما حذرت منه الصين في فترة الماوية وهي تطبقه طبعاً والذي يعمل الآن في الصين ويشكل مأخذاً على النظام الصيني  لصالح ناقدي الصين. ويليق في هذا المستوى التنبيه إلى أن المواقف السياسية والطرح النظري للحزب الشيوعي الصيني وحتى النقلة الملموسة للرئيس الحالي شي جينببنغ لا تحسم بمقدار ما تحسم البنية الاقتصادية متجلية في إعادة صياغة أو تركيب البنية الاجتماعية في البلد. وهذا يردنا مجدداً إلى :ايها هو العامل الحاسم في المجتمعات والذي نوقش مطولاً في فترة ماو ليرسو الجواب على أهمية الاستقلال النسبي لمختلف العوامل الأخرى، أي السياسي والثقافي والنفسي…الخ، إلى ان يقف الاقتصادي بمضمونه المادي ويحسم فتكون تلكم العوامل مثابة حاملات الطيب له.

وعَوْدُ على البدء، فإن من المفيد للعروبيين في نضالهم لأجل التغيير والتحول في الوطن العربي أن يأخذوا تجربة الصين على محمل النقد لا التسليم. وقد يكون عامل وحدة الصين والمضمون القومي للاشتراكية الصينية وحتى أخذ البنية الفلاحية بالاعتبار الكبير هي الأكثر فائدة للمشروع العروبي من كل من:

  • الأعجاب بالنمو في الصين
  • ومن تجديد الشعارات الماركسية قبل اختبار جديتها أو جدية ماويتها.

المهم، أن لا يتم تجديد التبعية. 

[In reply to Adel Samara]

سيد البدري مصر:

رائع ومركز وثاقب،  لكن هناك نقطتان اود الإشارة إليهما : الاولى هي ارتفاع معدل متوسط/ معدل الأجور فى الصين بما يقارب المراكز الرأسمالية مع احتفاظ الطبقة العاملة والفلاحين بمكتسبات التنمية – وهى حالة تختلف عن حالة عمال المراكز فى فترة دولة الرفاة-، والثانية هى أن معدل تطور ونمو التركيب العضوى للراس مال فى الصين مازال بعيدا عن نسبته فى المراكز، نظرا لاحتفاظ المراكز بالقطاعات الأكثر تطور، والأكثر كثافة من حيث تطور أدوات الإنتاج، الا انه من ناحية اخرى توجد قطاعات قد تتساوى فيها الصين مع المركز من حيث تطور أدوات الإنتاج، وعلى الرغم من ذلك فإن قانون ميل معدل الربح للهبوط يدفع رأسمالية الاحتكارات الكبرى- رأسمالية الصين غائبة عنها اللهم فى قطاع الحديد والصلب – إلى تحويل بنية الاقتصاد الراسمالي المادية،  إلى منحى جديد، لا يسوده التشبع والمنافسة فيه مازالت فى بدايتها، وذلك لاقصاء الصين وابقائها طرفا لا يستطيع التحول إلى مركز، وهذا سينعكس داخليا على بنية النظام الرأسمالي فى الصين- بصرف النظر عن ملكيته للدولة – ليصبح فى مفترق طرق.

صحيح مع الشكر رفيقي سيد البدري، لكن كما لاحظت في الشغل على الموضوع أن متوسط/معدل الأجور في الصين لا يزال بعيدا عن ما هو في المركز، وهذا أحد مسببات او مغريات الاستثمار الأجنبي المباشر، كما ان تفكيك الكميونات  أدى إلى اندفاع قرابة 350 مليون عامل من الريف إلى المدينة. لاحظ تعاكس المسار حيث كانت ريفنة الشباب المديني  جزء من الماوية. أما فيما يخص المكون العضوي وجوهره التقني فهذا صحيح تماماً، وصحيح ايضا حجب ال Know-how عن الصين، وهذا يعيدني إلى مسألة ناقشتها كثيرا ولم أجد لها تفسيرا يرضيني وهي:

في حقبة الثورة الصناعية في غرب أوروبا وهي حقبة الاحترابات فيما بينها ولكن تسييل التقنية لم يتوقف بين البلدان المقتتلة!!! لذا كان تطورها بأقل درجة من اللاتكافؤ!!! وهذا مخالف لمقولة تنموية اعتدنا على سماعها “لا يابان بعد اليابان” حيث أراها لا أوروبا بعد أوروبا.

هناك عامل في مسار التطور الصيني اساسه في الماوية وهو تطبيق سياسة التكنولوجيا الوسيطة لاستيعاب اكبر عدد ممكن من العمل كثافة العمل بأقل من كثافة راس المال الثابت، واعتقد أن الصين بصدد تجاوز هذا لأن الانحصار في هذا يُبقي على الصين كملحق بالمركز الراسمالي الإمبريالي، ولو كان ملحقاً ضخماً.

تبقى الأحجية الكبيرة: مفترق الطرق وهي المسألة التي إما حقيقية وإما أننا نستخدمها كي لا نتخذ موقفا حاداً منها: (الإشتراكية بسمات صينية).

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
https://kanaanonline.org/
  • توتير:
  • فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org

[1] China, 2049 A Climate Disaster Zone, Not a Military Superpower 

https://portside.org/2021-08-24/china-2049-climate-disaster-zone-not-military-superpower

Source URL: https://portside.org/2021-08-24/china-2049-climate-disaster-zone-not-military-superpower

Portside Date: August 24, 2021 

Author: Michael Klare 

Date of source: August 24, 2021

Tom Dispatch 

[2] لذا، كانت هذه المؤسسة متقيدة بسياسات الكيان الصهيوني (بما هو دولة) وليس بحاجات الأرض المحتلة، وذلك قبل اتفقات أوسلو المشؤومة 1993  هذا رغم ان عملها في الأرض المحتلة 1967، وهذا ما دفعني للاستقالة.

[3] Originally published: Challenge by Alexander Norton and Keith Lamb  | – Posted May 27, 2021

https://mronline.org/2021/05/27/all-the-questions-socialists-have-about-china-but-were-too-afraid-to-ask/

[4] https://lifeonleft.blogspot.com/2021/09/china-neither-im Imperialist-nor-part-of.html

[5] على سبيل المثال، كانت بريطانيا تنهب من الهند وتستثمر في امريكا الشمالية اي المستوطنة البيضاء التي أصبحت تسمى الولايات المتحدة، وكانت بريطانيا نفسها تنهب الفلاحين الفلسطينيين بفرض ضرائب عالية جداً  في فترة استعمارها لفلسطين (1917-1948) المسماة “إنتدابا” وتدعم المستوطنات الصهيونية في فلسطين.

[6] Minqi Li characterizes China’s situation along the same lines.4China and the Twenty-first Century Crisis (New York: Pluto Press, 2016)

[7]  The Long Twentieth Century by Giovanni Arrighi and Empire by Toni Negri and Michael Hardt “]، Estrategia Internacional، Autumn 2001. On Arrighi’s Paula Bach،” China: de Giovanni Arrighi al General norteamericano Clark ” La Izquierda Diario، 15th of October 2014.

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *