مجموعة العشرين القادمة: بين تحالفات العالم ومنافساته… هل يتجه العالم نحو الحل أم الانقسام؟
الإنتشار العربي :مع اقتراب موعد اجتماعات مجموعة العشرين في الهند، نجد أن الشعار “أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد” يبدو وكأنه يعكس آمالًا كبيرة في تحقيق التعاون الدولي والتنمية المستدامة. ولكن هل يمكن أن تكون هذه الاجتماعات هي الحلاقة الجديدة التي تغير مسار الاقتصاد العالمي بشكل حقيقي؟
التنمية المستدامة هي مفهوم جوهري في هذا الاجتماع، ولكن هل سيتم تحقيقها فعلاً من خلال التدابير والالتزامات التي ستُعلن في نيودلهي؟ وما هي الخطوات العملية التي ستتخذها الدول الأعضاء للتصدي للتحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه العالم؟
من ناحية أخرى، ستسلط هذه الاجتماعات الضوء على موضوعات مثل تمويل المناخ والتجارة والاستثمارات. هل ستتخذ الدول إجراءات جدية لمواجهة تغير المناخ وتخفيف آثاره؟ وهل ستتمكن من معالجة قضايا التجارة العالمية بشكل يعزز من التعاون بين الدول؟
بالإضافة إلى ذلك، التحول الرقمي يعتبر عاملاً مهمًا في الاقتصاد العالمي الحديث. هل ستسعى الدول لتعزيز قدرتها التكنولوجية والرقمية خلال هذه الاجتماعات؟ وما هي التحديات والفرص المرتبطة بالتحول الرقمي وكيف سيتعامل مجتمع العشرين معها؟
أخيرًا، حماية السلام الدولي هي قضية حساسة جداً. هل ستتمكن مجموعة العشرين من العمل بشكل فعّال على تحقيق الاستقرار الدولي ومنع النزاعات والأزمات العالمية؟ وكيف ستتعاون الدول لضمان السلام والأمان العالميين؟
إن هذه التساؤلات تعكس التحديات الكبيرة التي تواجه العالم اليوم وتجعل اجتماعات مجموعة العشرين في نيودلهي محور اهتمام عالمي. سنراقب عن كثب كيف ستتطور الأمور وما إذا كانت هذه الاجتماعات ستكون بالفعل نقطة تحول في تشكيل مستقبل اقتصادي واقتصادي عالمي أكثر استدامة وازدهارًا.
رئاسة الهند مجموعة العشرين
في فترة من الأوقات التي يعيش فيها العالم تحديات كبيرة ومتنوعة، تتولى الهند رئاسة مجموعة العشرين من 1 ديسمبر 2022 إلى 30 نوفمبر 2023. تأتي هذه الفترة بشعار مميز يحمل عبء رسالة عالمية: “أرض واحدة · عائلة واحدة · مستقبل واحد”. هذا الشعار يعكس التطلعات إلى تحقيق نمو عادل ومنصف للجميع في وقت تعصف به الاضطرابات العالمية، ويسعى إلى تحقيق هذا النمو بشكل مستدام وشامل ومسؤول.
نبذة عن مجموعة العشرين
مجموعة العشرين تمثل منتدى حكومي دولي يضم الاقتصادات الكبرى في العالم، وتضم أعضاءً بارزين من بينهم الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وجمهورية كوريا، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، وتركيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وتمتد دعوة لإسبانيا للمشاركة كضيف دائم.
وفي العام 2022، تمت استضافة قمة مجموعة العشرين بفخر في بالي تحت رئاسة إندونيسيا. استمرت هذه القمة لمدة يومين، وكانت مناسبة هامة لمناقشة تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي.
بالتركيز على القضايا العالمية الحيوية، ناقش الزعماء تحديات كبيرة أثرت على الأمان الغذائي والطاقة. تم تسليط الضوء بشكل خاص على أمن الغذاء والطاقة وكيف يمكن التعامل مع التقلبات الاقتصادية الناجمة عن الأحداث الدولية.
هذه القمة تجسدت فيها جهود مجموعة العشرين للتعاون الدولي ومعالجة التحديات العالمية الملحة. وقد أظهرت القمة تفهمًا عميقًا للضرورة الماسة للعمل المشترك والبحث عن حلول مبتكرة للمشكلات العالمية، وذلك في سبيل تحقيق استقرار اقتصادي أكبر وتعزيز أمن العالم.
لماذا يجب الانتباه لاجتماع مجموعة العشرين 2023 ؟
ستشهد الهند في نهاية هذا الأسبوع حدثًا عالميًا استثنائيًا حيث ستجتمع أقوى زعماء العالم في نيودلهي لمناقشة قضايا تحمل أوزانًا ثقيلة على مستقبل البشرية. إنها قمة مجموعة العشرين، والتي أعدت لها العاصمة الهندية بعناية فائقة.
شهدت نيودلهي استعدادات مذهلة لاستقبال هذا الحدث الدولي. تمت إعادة رصف شوارعها المزدحمة لضمان سهولة تنقل الزعماء، واكتست مباني المدينة بالجدران الزاهية والجداريات الفنية، وفي كل مكان توجد حدائق وزهور تزين المناظر العامة.
ومع ذلك، يظل هناك تحدي كبير ينتظر القادة، حيث تجتمع الاختلافات والاشتباكات بين الدول الأعضاء حول كيفية حل قضايا العالم الكبرى. منذ تولت الهند رئاسة مجموعة العشرين لعام 2023، لم تتمكن بعد من تحقيق توافق جاد على مواضيع رئيسية مثل التصدي للتوترات الجيوسياسية، حيث اعترضت بعض الدول على الصياغة المتعلقة بالأحداث الجارية في أوكرانيا.
قد يكون من المتوقع أن تنتهي القمة بإعلان بيان مشترك قليل الجرأة، لكن هذا يزيد من التوتر ويزيد من أهمية مراقبة ما سيحدث خلال هذه الأيام القليلة في العاصمة الهندية. إنها فرصة لا تُفوَّت لمراقبة توجهات العلاقات الدولية ولرصد كيف سيتعامل الزعماء مع تحدياتنا العالمية المشتركة.
ومع توجيه الضوء نحو قمة مجموعة العشرين، يمكن أن يشكل الانضمام الجديد للدول في مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) تحولًا في توازن القوى العالمية. وقد يكون لهؤلاء المشتركين الجدد دورًا حاسمًا في تغيير الديناميات المعتادة للنفوذ بعيدًا عن الغرب.
مجموعة البريكس تأسست لتمكين الاقتصادات الناشئة وزيادة تأثيرها على الساحة العالمية، وتعزيز التعاون والتجارة والتنمية بينها. وبما أن هذه المجموعة تزداد بقوة مع انضمام المزيد من الدول مثل المملكة العربية السعودية وإيران وإثيوبيا ومصر والأرجنتين والإمارات العربية المتحدة، فإن تأثيرها المتزايد قد يكون حاضرًا بشكل كبير على مائدة قمة مجموعة العشرين.
ومع ذلك، هناك قلق كبير من أن يتسبب الانقسام في العالم إلى كتل منفصلة تتنافس بدلاً من التعاون على قضايا عالمية ملحة. فقد يؤدي ذلك إلى تخلي القضايا العالمية مثل تغير المناخ، والأمن السيبراني، ونزع السلاح النووي إلى مكان ثانوي.
من الضروري أن ندرك أن البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء ضرورية لحل هذه المشكلات. إن العالم بحاجة إلى تعاون دولي فعّال بين هذه الكتل لتحقيق الصالح العام العالمي.
على الرغم من الصراعات والتوترات القائمة، لا يجب أن يفوت على القادة الفرصة للتوصل إلى توافق في الآراء خلال قمة مجموعة العشرين. فالتحالف والتعاون هما المفتاح لمعالجة قضايا العالم بفعالية وتحقيق مستقبل أفضل للجميع.
الحرب في أوكرانيا
الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها الطويلة على اجتماعات مجموعة العشرين، وتشكل قضية ملحة تهدد بتصاعد التوترات العالمية.
هذا الصراع القائم بين أوكرانيا وروسيا أثر بشكل كبير على العلاقات الدولية وألقى بظلاله الطويلة على اجتماعات القادة العالميين. من جهة، تتلقى أوكرانيا دعمًا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فيما تقف روسيا بجانبها، مدعومة بقوة من الصين، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين القوى العالمية.
على الرغم من أهمية هذا الصراع، إلا أنه يجب على الدول العاملة معًا للبحث عن حلول تعاونية لقضايا عالمية أخرى. يجب على الزعماء أن يفهموا أن الجيل القادم لن يسامح إذا تم تجاهل التحديات الملحة مثل تغير المناخ بسبب الصراع في أوكرانيا.
من جانب آخر، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يشارك في قمة مجموعة العشرين في الهند، وذلك بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا. كما أعلنت الصين أيضًا أن الرئيس شي جين بينغ لن يحضر الحدث، مما قد يكون مرتبطًا برغبة بكين في البقاء على نفس الصفحة مع روسيا في هذا الصدد.
ويُشدد على أنه ليس دائمًا يجب أن يكون كل شيء أو لا شيء عندما يتعلق الأمر بقمة مجموعة العشرين. قد يحدث عدم التوافق في بعض الأحيان، ولكن هذا لا يعني نهاية العالم. في السابق، كان من المفترض أن يتم التوصل إلى توافق دائم على جميع القضايا في مجموعة العشرين، ولكن هذا لم يعد الحال.
من الجدير بالذكر أن ألمانيا نجحت خلال فترة رئاستها لمجموعة العشرين في دمج اتفاق باريس للمناخ في سياسات الكتلة والحفاظ على الحوار مع الولايات المتحدة. حتى عندما انحرفت الولايات المتحدة عن الالتزام باتفاق باريس، استمرت 19 عضوًا آخرين في الالتزام بجهود مكافحة تغير المناخ.
في هذه القمة القادمة، يمكن للهند، على الرغم من تواجهها التحديات من روسيا والصين، أن تستغل التضامن بين باقي الأعضاء (18 دولة) للتركيز على قضايا عالمية أخرى بدون تشتيت انتباههم بالقضايا التي تفصل بينهم. على الرغم من وجود خلافات، إلا أنها لن تكون نهاية العالم، والتعاون الدولي ما زال أمرًا ممكنًا حتى في وجود التحديات.
في نهاية المطاف، يظل مستقبل مجموعة العشرين ملتبسًا وغامضًا. مع بروز التحديات العالمية واشتداد الصراعات بين الدول الكبرى، يتساءل العالم عما إذا كانت هذه الكتلة ستكون قادرة على التوصل إلى توافق في الآراء والتعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات أم ستتجه نحو المنافسة والانقسام. يبدو أن الغموض يلف مستقبل هذه المنظمة الدولية، وسيظل على القادة في مجموعة العشرين تحديد الاتجاه الذي ستسلكه في السنوات القادمة. هل سيتمكنون من تشكيل تحالفات جديدة أم سيستمر العالم في متابعة هذه القصة الغامضة؟ تبقى الأيام القادمة لتكشف لنا إجابة هذا اللغز.