ما تحقق في الشيخ جراح انتصار يبنى عليه

 ما تحقق في الشيخ جراح انتصار يبنى عليه

راسم عبيدات

قرار رفض قبول مقترح التسوية الذي عرضته محكمة “العدل” العليا الإسرائيلية، بخصوص بيوت عائلات (القاسم والكرد والجاعوني والسكافي)، من قبل تلك العائلات وأهالي حي الشيخ جراح “كرم الجاعوني” والقوى والمؤسسات واللجان والحراكات الشبابية والمستوى السياسي الفلسطيني في الثالث من شهر تشرين ثاني/2021، هذا الرفض جاء لأن هذا المقترح يجعل من سكان تلك المنازل وغيرها من منازل حي الشيخ جراح الشرقي بمثابة (مستأجرين محميين) عند الجمعية الاستيطانية (نحلات شمعون) ويمهد تدريجيًا لمصادرة حقهم في أراضيهم. وكذلك أتى هذا الرفص انطلاقًا من إيمان تلك العائلات بعدالة قضيّتهم وحقهم في بيوتهم ووطنهم. 
ما حدث في الأول من آذار/2022، وقرار محكمة “العدل” العليا الإسرائيلية، والذي جاء في 96 صفحة، كما قال محاميي سكان الحي حسني أـبو حسين وسامي ارشيد، شكل نقلة نوعية، حيث لأول مرة يقوم قضاة المحكمة بفتح ملف الملكية، الذي كانت المحاكم الإسرائيلية بدرجاتها الثلاثة صلح ومركزية وعليا، ترفض فتحه والبت فيه، وتصر على أن الأرض المقامة عليها بيوت أهالي حي الشيخ جراح “كرم الجاعوني”، هي ملك للجمعية الاستيطانية “نحلات شمعون”، والتي قامت بتسجيل تلك الأرض في الطابو عبر أوراق ومستندات عثمانية مزيفة وخداع المحامي الإسرائيلي توسيا كوهين لسكان الحي.
القرار الذي تضمن نصاً واضحاً، بإلغاء أوامر الإخلاء بشكل كامل ضد العائلات الأربعة (جاعوني وكرد واسكافي وقاسم)، والذي يمكن أن ينسحب على بقية عائلات الشيخ جزاح، لم يأتِ من الفراغ، ولكن هناك عدة عوامل ساهمت في صدوره، يقف في المقدمة منها حالة الحراك والاشتباك الشعبي المستمرة والمتواصلة، والتي استطاعت أن تحول قضية الشيخ جراح إلى قضية سياسية عالمية، حيث تشكلت جبهة عالمية واسعة، ليس فقط تجند فيها نشطاء وأحزاب وقوى مناصرة للشعب الفلسطيني وقضيته وقضية الشيخ جراح خاصة، بل هذا طال المستوى السياسي في العديد من الدول التي تشكل حاضنة سياسية لدولة الاحتلال أمريكا، بريطانيا، فرنسا وألمانيا وغيرها، تتبنى مواقفها وتبرر لها قمعها وتنكيلها بشعبنا الفلسطيني وما ترتكبه بحقه من جرائم، حيث دعت إلى وقف طرد وترحيل سكان حي الشيخ جراح، وهنا علينا أن لا نغفل عامل هام في تحقيق الانتصار، وهو دور المجموعات والحراكات الشبابية عبر منصات التواصل الاجتماعي  والصفحات الإلكترونية، في اختراق الفضائين الإعلامي والسياسي  عالمياً، ونقل صورة حية عما يحدث في حي الشيخ جراح، وخاصة ما يمارسه المستوطنين المتطرفين من قمع وتنكيل واستفزاز بحق أهالي حي الشيخ جراح، وكذلك ساهمت القنوات الإعلامية ووسائل الإعلام في فضح وتعرية دولة الاحتلال كدولة عنصرية تمارس “الأبارتهايد” والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، ولا ننسى كذلك بأن دخول  المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على خط دعم وإسناد  هبات القدس الثلاث (باب العامود، الأقصى والشيخ جراح)، وما ترتب عليها من شهداء وأسرى ومبعدين، وما بذل من جهود سياسية وإعلامية وحقوقية من قبل المستوى السياسي الفلسطيني وزارة شؤون القدس ووزارة الخارجية ومحافظة قدس، ولعل المساعدة التي قدمتها الحكومة الأردنية، بتوفير المستندات في 29/4/2021، وفرت الأرضية لصدور مثل هذا القرار، حيث تؤكد تلك المستندات على أن الحكومة الأردنية، هي من ملكت السكان لتلك الأرض ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير الأردنية في تلك الفترة، بالإتفاق مع وكالة الغوث واللاجئين “الأونروا”، مقابل تنازلهم عن حقوقهم كلاجئين.
كل هذه العوامل، ما كان لها أن تثمر عن صدور مثل هذا القرار، لو أن تلك العائلات وسكان الحي لم يصمدوا في بيوتهم، أو أنهم قبلوا مقترح التسوية المقدم من قبل محكمة “العدل” العليا الإسرائيلية الصادر في 2/11/2021 الذي يعتبرهم مستأجرين محميين لأرضهم من قبل جمعية ” نحلات هشمعون” الاستيطانية.
نحن نقول بعيداً عن المزايدات والمناكفات والتطير وتسجيل المواقف، بأن هذا القرار شكل تطور مهم ولافت، في منع  إخلاء سكان حي الشيخ جراح، ولكن هذا القرار لا يعني بأن قضية سكان حي الشيخ جراح “كرم الجاعوني”، قد انتهت وأغلقت، بل ما زالت المعركة طويلة، وتحتاج إلى الصمود والتكاتف والدعم والإسناد والوقوف إلى جانب سكان حي الشيخ جراح، فهذا القرار ينطوي على مخاطر، فالجمعيات الاستيطانية لن تسلم بمثل هذا القرار، والمسيرة التي قامت بها الجمعيات الاستيطانية مساء الأربعاء 2/3/2022 في حي الشيخ الغربي “كبانية أم هارون”، يعبر عن عمق أزمتها ورفضها للقرار، ومن خلال رصد الشعارات التي رفعتها وأطلقتها تلك الجمعيات الاستيطانية، بأنه لا يمكن لها السيطرة على الأرض والشيخ جراح، بدون كسب معركة السيادة والهوية على القدس، والسيطرة على الأقصى.
صحيح بأن القرار لا يسلم بحق سكان الشيخ جراح بملكيتهم لأرضهم، ويطلب منهم دفع أجرة سنوية مقدارها 2400 شيكل لكل عائلة في صندوق خاص يشرف عليه محامي سكان الحي ومحامي سكان جمعية “نحلات شمعون” الاستيطانية، لحين إجراء عمليات التسوية والبت في الملكية، فمحكمة “العدل” ليست صاحبة الاختصاص للبت في الملكية، بل هذا يتم في إطار تسوية الحقوق، والذي يتم من خلال سلطة الأراضي والتقرير بذلك.
نعم القرار قد يكون واحد من أهدافه “تنفيس” الحالة الجماهيرية والالتفاف على الحراك الشعبي، والعمل على “تبريده” مع اقتراب شهر رمضان الفضيل، ولكن عملية التفجير للوضع، ليس فقط عنوانها قضية حي الشيخ جراح، بل هناك الكثير من العناوين، الأقصى، “المجازر” بحق الحجر الفلسطيني، وبالذات في جبل المكبر وغيرها.
القرار والمعركة القانونية والجهد الذي بذل من قبل المحاميان حسني أبو حسين وسامي ارشيد، يستحق التقدير والتثمين، فهؤلاء عملوا بانتماء وإخلاص، ولا ننسى بأن هذا القرار يفتح الطريق نحو استعادة البيوت التي استولت عليها الجمعيات الاستيطانية في عام 2009، حنون والغاوي والكرد، إذا ما جرى الاعتراف بملكية سكان حي الشيخ جراح لأرضهم، وكذلك فهذا القرار يمنع تنفيذ المشروع الاستيطاني لإقامة كتلة ضخمة من المشاريع والأحزمة الاستيطانية، تحكم الطوق على البلدة القديمة من القدس وما يسمونه بالحوض المقدس، وكذلك تفشل عملية عزل قرى شمال مدينة القدس واد الجوز والشيخ جراح وشعفاط والعيسوية عن قلب المدينة.

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *