ماذا بعد العدوان الإسرائيلي على الدوحة؟ وهل الرد سيكتفي بالزيارات التضامنية لبعض الزعماء وعقد قمة إسلامية عربية روتينية بلا لون او طعم او رائحة؟ وما هي الخطوات الأربع التي نطالب باتخاذها فورا؟

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
العدوان الإسرائيلي على قطر الذي نفذته 15 طائرة حربية تحت عنوان اغتيال المجاهد خليل الحية رئيس وفد “حماس” المفاوض ورفاقه يجب ان يكون بداية مرحلة ونهاية أخرى من حيث اتخاذ قرار عربي خليجي استراتيجي بالعودة الى المقاومة، واستعادة هيبة العرب والمسلمين، والخطوة الأولى يجب ان تبدأ بالخروج من تحت الخيمة الامريكية، والتخلي عن ما يسمى بسياسة “الحكمة والتعقل، وضبط النفس” بأسرع وقت ممكن والاعتماد على الذات وتوظيف كل الإمكانيات المادية والبشرية في مواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني الذي يهدف الى تحويل جميع الدول العربية الى مستعمرات تحت مسمى “إسرائيل الكبرى التوراتية”.
كان وما زال عارا على الحكومات العربية، ورؤسائها، ان تمر الطائرات الاسرائيلية المعتدية من أجواء اربع دول عربية، وتعود دون أي اعتراض، بعد تنفيذ مهمتها في محاولة اغتيال ممثلي اشرف حركة مقاومة عربية إسلامية تقدم مئات الآلاف من الشهداء والجرحى دفاعا عن الامة والعقيدة، وتُفشل بصمودها وبطولاتها معظم، ان لم يكن كل، اهداف ومخططات هذا العدو.
دونالد ترامب صديق معظم القادة العرب ودولهم الذي يتباهى بإحتقارهم وشعوبهم ودينهم، ويتعمد اهانتهم واذلالهم وحلبهم، كان على علم مسبق بهذا العدوان، ولم يتردد مطلقا في مباركته، وتوظيف جميع القواعد الامريكية في المنطقة لإنجاح مهمته، لانه يدرك جيدا ان العرب، وبالتحديد الذين يفرشون السجاد الأحمر له وجنرالاته، “اجبن” من ان يردوا على هذا العدوان او حتى يحتجوا عليه، و”سيبلعون” الإهانة والاذلال، مثلما فعلوا دائما، ولعل صمتهم، بل ودعم بعضهم طوال عامين على حرب الإبادة والتجويع، وربما التهجير القسري الوشيك لخيرة العرب والمسلمين في قطاع غزة.
فعندما يقول ترامب انه جمع خمسة تريليون دولار في ثلاث ساعات من ثلاث دول عربية في زيارته الأخيرة، وحمولة شاحنة من الهدايا الثمينة الأخرى، ويعيد التأكيد بأنهم يدفعون هذه الأموال لحمايتهم، (نتعفف عن قوله كلامه المعيب حرفيا) فان الإهانة مكتوبة على الحائط العربي بأحرف كبيرة.
لعل بنيامين نتنياهو يستند في احتقاره للعرب والمسلمين الى هذه الحقيقة المذكورة آنفا عندما يقول وبكل غطرسة في تعليق على العدوان الذي شنته طائراته على الدوحة العاصمة القطرية “أقول لقطر وجميع الدول التي تؤوي الإرهابيين عليكم ان تسارعوا بطردهم فورا، والا سنقوم نحن بذلك”، أي ان ما حدث من انتهاك لسيادة الدوحة سيتكرر فيها، وفي عواصم عربية أخرى، فلا حصانة لاحد، والطائرات والصواريخ الإسرائيلية جاهزة للتحرك، والقواعد الامريكية جاهزة أيضا لتسهيل مهماتها العدوانية، وبعض الأجواء العربية جاهزة أيضا لمرور صواريخها، وتزويدها بالوقود أيضا.
لا فائدة من الزيارات التي يقوم بها بعض القادة العرب الى الدوحة لتقديم كل أشكال التضامن مع السلطات القطرية، التي جرى انتهاك سيادتها وكرامتها، والشيء نفسه نقوله عن الدعوات المتصاعدة لعقد قمة إسلامية عربية مشتركة للغرض نفسه، تكرر كلمات الإدانة بأشد البيانات والعبارات الكالحة والممجوجة، فبدون مواقف عملية جادة للتصدي للغطرسة الامريكية والإسرائيلية المتصاعدة، ستستمر الاهانات والاذلال والعدوانات، فبالامس كانت بيروت، وطهران، وغزة، والدوحة، وسورية، وغدا قد تكون القاهرة، وعمان، والرياض، فسياسة الإذعان الرضوخ، بل والتواطؤ مع المخططات الامريكية والإسرائيلية لم تعد تعطي أكلها وتحمي أصحابها.
أربع خطوات رئيسية يجب إتخاذها فورا في إطار أي استراتيجية عربية إسلامية جديدة نتطلع اليها:
أولا: وقف الجسر البري العربي الخليجي الذي يزود إسرائيل بكل احتياجاتها من الطعام والفواكه والخضار الطازجة، وربما الأسلحة الذي رأسه في الامارات ويمر عبر الاراضي السعودية فالاردنية وصولا الى تل ابيب، فالضحية هذه المرة ليس الشعب الفلسطيني، وانما دول خليجية،، والقادم أسوأ.
ثانيا: ست دول عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال، اثنتان منها خليجية (الامارات والبحرين)، وترفرف الاعلام الإسرائيلية في وسط عواصمها يجب ان تبادر فورا بقطع العلاقات، واغلاق السفارات، اسوة بدول في أمريكا اللاتينية.
ثالثا: عدم اهدار ثروات الامة في شراء أسلحة أمريكية، بعد ان تبين انها مبرمجة بعدم الانطلاق للتصدي لاي عدوان إسرائيلي مثلما حدث للأنظمة الدفاعية الجوية القطرية التي نجحت بكفاءة عالية في اسقاط الصواريخ الإيرانية القاصفة لقاعدة “العيديد” الامريكية بالدوحة، ولم تنطلق للتصدي لنظيراتها التي اطلقتها الطائرات الإسرائيلية المغيرة.
رابعا: توجيه انذار عربي إسلامي الى الولايات المتحدة بحتمية الوقف الفوري لحرب الابادة والتجويع، والتهجير القسري، والا مواجهة تحرك مشترك في الميادين كافة، ودعم المقاومة في غزة والضفة ولبنان واليمن العظيم.
ختاما نتقدم بالشكر للشعبين الافغاني واليمني، فالأول هزم أمريكا وأجبرها على الهروب المذل مهزوما من أراضيه، والثاني، أي اليمن، الذي وقف وما زال في خندق اهل القطاع، واعاد للامة كرامتها بالتضامن معهم عمليا، بإغلاق البحر الأحمر في وجه الملاحة الامريكية الصهيونية التجارية والعسكرية، ولم يتوقف مطلقا عن قصف العمق الإسرائيلي بالمسيّرات والصواريخ الفرط صوتية وذات الرؤوس الانشطارية التي أرعبت الشعب والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ولم يتراجع مطلقا رغم الغارات الإسرائيلية والأمريكية واغتيال رئيس وزرائه ومجموعة من زملائه.
ولا ننس في هذه العجالة ان نشكر القيادة الإيرانية التي لقنت مؤسستها العسكرية العصرية الحافلة بالصواريخ الحديثة، الإسرائيليين درسا لن ينسوه مطلقا في حرب الأيام الـ 12، عندما دمرت الصواريخ الايرانية جنوب تل ابيب، واهدافا وقواعد عسكرية في حيفا، وبئر السبع، وصفد، ومعهد وايزمان، اهم الاكاديميات العسكرية التكنولوجية في العالم.
للمرة الألف نقول ان أمريكا ليست “معصومة” من الهزيمة، والشيء نفسه يقال عن “إسرائيل” التي ما زالت تعاني من أكبر هزيمة في تاريخها على ايدي ابطال “غزوة “طوفان الأقصى” التي تصادف ذكراها السنوية الثانية في غضون بضعة أسابيع.
إسرائيل الكبرى ستظل حلما مستحيلا، وإسرائيل الصغرى تقف على حافة الانهيار والزوال والفضل في ذلك يعود للرجال الرجال الذين يحققون المعجزات في ميادين القتال في غزة واليمن، وقريبا في لبنان والعراق وسورية “الاصيلة”.. والأيام بيننا.