كنعان النشرة الإلكترونية 2 آذار (مارس) 2023

كنعان النشرة الإلكترونية

2 آذار (مارس) 2023

في هذا العدد:

مؤتمر العقبة، عادل سماره

  • الاندماج المهيمن للكيان الصهيوني

عام على حرب أوكرانيا: تقدّم المسار النووي وتوسّع نطاق الحرب، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

حرب أوكرانيا في عامها الثاني: بين الواقع والمحتمل، د. أمين محمد حطيط

✺ ✺ ✺

مؤتمر العقبة

عادل سماره

حتى الآن لم يصدر نصاً صريحاً بما تم. ولكن مجرد جلوس أنظمة عربية لمحاورة الكيان عموماً وعلى أرض فلسطين خصوصاً فذلك يعني أن الكيان أصبح مندمجاً بشكل مهيمن على وفي الوطن العربي.

وبانتظار النص، إن حصل، ما يلي ما أعنيه بالاندماج المهيمن، وهذا من كتابي الخاص بالمصطلحات التي وضعتها وتعرض كثير منها للسرقة وعنوانه: ” في نحت المصطلح وتحرير المعنى”.

■ ■ ■

الاندماج المهيمن للكيان الصهيوني

كانت بداية حديثي في هذا الأمر إثر عقد منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق “إعلان المبادئ مع الكيان، المسمى اتفاقات أوسلو، والذي تعترف بموجبه م.ت.ف. بالكيان على المحتل من فلسطين 1948 بينما يسمح الكيان لهذه المنظمة بأن تنشط في المحتل 1967 كحركة سياسية خاضعة للدولة، للسلطة المركزية الصهيونية في تل أبيب. أي لا دولة فلسطينية ولا سيادة ولا من يحزنون، بل دولة واحدة لكل مستوطنيها والفلسطينيون طارئون إلى يوم محدد ليتم طردهم حين يكون ذلك ممكنًا. وحيث أُلحقت اتفاقات أوسلو ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي أكد تبعية اقتصاد المحتل 1967 للكيان، وبقاء جيش الاحتلال في المحتل 1967، وبقاء السوق المحلية مفتوحة لمنتجات الكيان مع تقييد دخول منتجات المحتل 1967 للكيان، فقد لاحظت أن هذا ربط للبنية التحتية المحلية بالكيان، وهذه المرة بالرضى من القيادة الفلسطينية. وأضفت على هذا بأن هذا هو بداية اندماج الكيان في الوطن العربي اندماجا مهيمنًا وأساس هذه الهيمنة اعتراف كل من يعترف بالكيان أن المحتل من فلسطين 1948 هو للكيان.

نقصد هنا تلك الخطط والمحاولات من الثورة المضادة لجعل الكيان الصهيوني كيانًا “طبيعيا” في الوطن العربي. ومن أجل ذلك يتم اعتماد التطبيع والتخلي عن مقاطعة الكيان وعقد اتفاقات تسوية معه، وإشراك الكيان في بنى تحتية مع الأقطار العربية، وخاصة المحيطة بفلسطين المحتلة (دول الطوق) مثل الكهرباء والطرق والاتصالات…الخ.

والاندماج المهيمن يعني التوصل إلى استسلام عربي تجاه الكيان؛ أي التخلي عن حق العودة وعن المقاومة وعن شن أيّة حرب تحريرية لتحرير فلسطين.

وفي حين أنه من الطبيعي أن يكون هذا مخطط الكيان والمركز الرأسمالي المعولم من أجل هذا الاندماج، فإن الآليات الخطرة في تنفيذ هذا المخطط هي:

• الأنظمة العربية الحاكمة والتابعة والتي هي جزء من الثورة المضادة.

• القوى السياسية التي اعترفت وتدعو للاعتراف بالكيان الصهيوني وهي:

• كثير من التنظيمات الشيوعية العربية بجناحيها الموسكوفي والتروتسكي.

• كثير من القوى والمثقفين اللبراليين المتغربنين والمتخارجين.

• الكثير من قوى الدين السياسي مثل حزب النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر وليبيا…الخ.

البرجوازية الكمبرادورية والطفيلية في الوطن العربي.

تقصد الصهيونية من تحقيق هذا الاندماج، أن تصبح دولة طبيعية في الوطن العربي لكي تتغلغل اقتصاديًا في الأسواق العربية فتصبح هي القوة الأقوى عسكريًا واقتصاديًا وخاصة تكنولوجيًا في الوطن العربي.

ويشارك في تحقيق هذا الهدف، إن لم يكن المخطِّط له، المركز الرأسمالي الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة التي تعتبر وجود الكيان الصهيوني في فلسطين أداة له وحليفا بينما تعتبر التوابع العرب أدوات من الدرجة الثانية وحلفاء شكليا لذر الرماد في العيون.

لكن تطورات المقاومة والممانعة أرست وجود معسكرين في الوطن العربي بعد أن كان المسيطر فيه فقط معسكر التوابع، أي:

• تمظهر معسكر أو حلف المقاومة بمعزل عن التفصيل في مكوناته

• وتمظهر محور المساومة والتطبيع

وهذا تطور هام في الوطن العربي، ليس حاسما ولا كافيًا بعد ولكنه مهم وتاريخي.

فالمقاومة وضعت الوطن العربي أمام مشهد من ضِدَّيْن، وسحبت من الكيان تفرُّده وسيطرته الحربية، فلم يعد قادرًا على إشعال الحرب أنَّى شاء. ولذا، يزيد تركيزه بدعم من المركز الرأسمالي المعولم على التغلغل الاقتصادي عبر متاجرة واستثمارات مشتركة مع أكثر عدد من البلدان العربية.

لذا يُعوض محور التبعية لجم التوسع الجغرافي الصهيوني بالتطبيع حيث يتوسع الكيان اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ودينيا على حساب الأمة العربية بتواطؤ الأنظمة العربية. وكما أشرنا سابقًا، فإن الإبراهيمية هي إحدى آليات توسع الكيان ثقافيا ودينيا. كما أن تشكيل ناتو عربي بقيادة الكيان، رغم إنكار من أعدُّوا له، هو أيضاَ لتوسيع هيمنة بل سيطرة الكيان وترفيع درجته ودوره كي يملأ بعض الفراغ الذي يُحدثه تخفيف الإمبريالية الأمريكية لاحتلالها الوطن العربي، سواء الاحتلال المباشر أو بالوكالة من أنظمة عربية. وضمن ترفيع دور الكيان وهم وتوهيم التوابع، وخاصة الحكام الخلايجة، بأن الكيان يمكن أن يشكل لهذه الكيانات غطاء حماية من إيران!

إنَّ مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي صممته الولايات المتحدة 1994، ولاحقًا تحوله إلى الشرق الأوسط الجديد والكبير، هي آليات لتحقيق هذا الاندماج المهيمن. ولعل أوضح مثال على ذلك اتفاقات الـ كويز QIZ التي عقدتها الولايات المتحدة مع مصر والأردن بحيث تستقبل الولايات المتحدة منتجات من هذه الدول شريطة أن تحتوي ما لا يقل عن 10 بالمئة من مكونات صادراتها إلى الولايات المتحدة من الكيان الصهيوني.

تهدف سياسة، أو مخطط، الاندماج المهيمن إلى خلق واقع يشتمل على تشارك مصالح قاعدية مع الكيان الصهيوني بحيث فيما لو قُطعت تتضرر قطاعات مجتمعية مما يدفعها إلى الاعتراض على وقف هذه المصالح المشتركة. فإقامة شركات كهرباء مشتركة أو خطوط اتصالات يقود وقفها في حالة تجدد وجدِّية الصراع إلى احتجاج المتضررين لأن هذا تشريك للبنية التحتية بين البلدان العربية وخاصة المحيطة بالكيان وبين الكيان نفسه. وهذا التشريك هو تشريك الحياة اليومية ومصالح الناس مع الكيان أي تبعيتها له كقطاعات شعبية عربية.

إن الهدف من الاندماج المهيمن في التحليل الأخير هو شطب حق العودة، واعتراف العرب بالكيان وكل ذلك لإبقاء السيطرة الرأسمالية الغربية على هذا الوطن وبقائه مجزًّا وبقاء الكيان الصهيوني حارسًا لتأبيد هذه التجزئة.

✺ ✺ ✺

عام على حرب أوكرانيا:

تقدّم المسار النووي وتوسّع نطاق الحرب

د. منذر سليمان

جعفر الجعفري

            حلّت الذكرى الأولى للحرب في أوكرانيا بنظرة أميركية مشبّعة بالتشاؤم، واكبتها رؤى أشد قسوة وسوداوية بين حلفائها الأوروبيين على مستقبلهم، تميّزت بتصعيد مطّرد لتوسيع رقعة الحرب ورفدها بسيل متواصل من المعدّات العسكرية، فضلاً عن تخصيص عدة مليارات من الدولارات الإضافية لتعويض كلفة الحرب ودفع رواتب الطواقم العسكرية الأميركية التي يزداد تعدادها بالقرب من الحدود الروسية.

            التشاؤم المقصود من آفاق المرحلة المقبلة أوضحته نشرة “أتلانتيك” الأميركية المقربة إلى قيادة حلف الأطلسي، جراء استفتاء أراء مكثّف أجرته بين النخب الفكرية والسياسية الأميركية، شملت ” كبار المؤرخين، واختصاصيي العلوم السياسية والخبراء في التطورات الجيوسياسية والمسؤلين السابقين”، إعداداً لدخول الحرب عامها الثاني. وقد أجمعوا فيه على قتامة المستقبل المنظور والإعداد لحرب طويلة الأجل “ربما تستمر لعقد أو أكثر من الزمن” (نشرة “أتلانتيك”، 23 شباط/فبراير 2023).

            تجدُد الجدل، بل صراع النخب، حول الاستراتيجية الأميركية في المرحلة الراهنة يأتي على خلفية تراجع الخيارات السابقة المتاحة أمام صنّاع القرار في انفتاح أكبر على المجتمعات الدولية، تليه هزائم متواصلة لمغامرات الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال، ناهيك بتعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني، وصعود من ينادي بينهم بأنّ العالم اليوم “لم يعد يتقبّل الإملاءات الأميركية”، وما أنتجته من تحوّلات داخلية تحابي توجهات أقل تشدداً في العلاقات الدولية.

            الثابت أنّ ذلك “الصراع” الفكري بين النخب الأميركية بين تياري التشدد والانفتاح لم يعمّر طويلاً مع اندلاع الحرب الأوكرانية. وسرعان ما انضمت غالبية الفريق المطالب بأخذ العبرة من المغامرات الحربية الأميركية في الخارج إلى النسق العام لدعم “المغامرة” الجديدة في أوكرانيا، مع بعض الاستثناءات المهمة، يتصدرهم أستاذ العلوم الاقتصادية والسياسة العامة في جامعة كولومبيا جيفري ساكس، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، والأستاذ الجامعي في التاريخ آندرو باسيفيتش.

            يسجّل للبروفيسور جيفري ساكس اتهامه المباشر لحكومة الولايات المتحدة بتفجير خط أنابيب الغاز الروسية إلى ألمانيا “وربما تورط بولندا معها”. واستطرد في انتقاده الثابت لتوجهات واشنطن بأن آراءه “تسير بعكس بوصلة السردية الرسمية، ولا يجوز للمرء التلفظ بتلك الاتهامات في الغرب عموماً، لكن مراسلي كبار الصحف الأميركية، الذين تواصلت معهم، أكّدوا مسؤولية الولايات المتحدة عن التفجير، بيد أن تقاريرهم الموضوعية تغيب عن التغطية الإعلامية” (مقابلة مع شبكة “بلومبيرغ”، 22 شباط/فبراير 2023).

            في الشق المقابل من تحولات النخب الأميركية بشأن مواصلة تأييد أوكرانيا، يمكن تسجيل بعض الاحتجاجات داخل قيادات التيار اليميني في الحزبين، وبشكل أكثر صرامة داخل الحزب الجمهوري الذي يعرب قادته عن قلقهم من “تراجع أولويات الأجندة الأميركية أمام نزعة التصعيد العسكري ضد روسيا” (“معهد كوينسي” الليبرالي، 28 شباط/فبراير 2023).

            من أبرز “الاحتجاجات” المرصودة جهود تصدّرها عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، التيار الليبرتاري المحافظ، راند بول الذي استطاع “تعطيل” موافقة المجلس على صرف “حزمة مساعدات لأوكرانيا” (إلى حين)، تبلغ قيمتها 40 مليار دولار، في شهر أيار/مايو من العام الماضي، وانضم إليه 10 أعضاء من الحزب نفسه.

وعلّل بول اعتراضه على الحزمة الضخمة بأنها “تهدّد أمننا القومي”. وقد جرى نقاشها في مجلس الشيوخ على خلفية مشهد نقص إمداد حليب الأطفال وتوفره في الأسواق الأميركية.

            ووصف أحد أبرز المحللين السياسيين في شؤون أوروبا الشرقية، داليبور روهاك، الذي يتبع لفريق المحافظين الجدد، ظاهرة “بدء التصدع” في تماسك قيادة الحزب الجمهوري بأن “انشطار الحزب الجمهوري على خلفية توجهات السياسة الخارجية الأميركية كان جلياً أمام الجميع” منذئذ. وقد جسّده تصويت الكونغرس على “مساعدة” أوكرانيا بمبلغ “113 مليار دولار” العام الماضي.

            تتبّع إرهاصات تيارات الحزب الجمهوري وفّر فرصة فريدة، وربما غير مسبوقة، للمهتمين بالتوقف عند خلافات حقيقية بشأن تحديد سلّم الأولويات التي ينبغي معالجتها في الحقبة الحالية، وكذلك على المدى المتوسط. بعض الرموز المعروفة تعارض من موقع “أيديولوجي” كحافز أول، مثل راند بول، ومن ثم تتبلور المعارضة على خلفية الرؤى السياسية المتعددة (“معهد كوينسي”، واشنطن، 23 شباط/فبراير 2023).

وهنا تجدر الإشارة مرة أخرى إلى جسارة بعض ممثلي الحزب في مجلسي الكونغرس في التصدي للتيار التقليدي “المتشدد”، كما يطلق عليه، وخصوصاً من قبل مجموعة ممثلين مؤيّدين للرئيس السابق دونالد ترامب وتسجيل بعض النجاحات الملموسة.

            ولا يجوز التغاضي عن أهمية الجدل السياسي الحاد إبّان انتخاب رئيس مجلس النواب عن الحزب الجمهوري، كيفين مكارثي، وما قدّمه من تنازلات قاسية لكسب تأييد تلك المجموعة محدودة العدد، وما قد يرافقها من مواجهات مقبلة بين تيّارات المؤسسة الحاكمة عند طرح “حزم مساعدات جديدة لأوكرانيا” للتصويت، والتنازلات التي قد تضطر تلك القيادات العليا تقديمها إلى أقلية أثبتت حضورها وثقلها السياسي بشكل أكبر من حجمها العددي.

            علاوة على ذلك، لوحظ “تبدّل” فكري في توجه أحد أبرز مراكز اليمين السياسي الفكري في الآونة الأخيرة، ممثلاً بـ “مؤسسة هاريتاج”، التي أرست معالم توجهات المستقبل، مطالبة بـ “عدم تقديم شيك مفتوح” لأوكرانيا، ومحذرة من نزعة صنّاع القرار في الحزبين إلى “تهميش مصلحة أميركا” لمصلحة أوكرانيا (بيان صحافي، “مؤسسة هاريتاج”، 10 أيار/مايو 2022).

تجدر الإشارة أيضاً إلى تراجع في حماسة المزاج الشعبي العام لتقديم دعم متواصل لأوكرانيا، يقابله انكشاف اهتراء البنى التحتية في الصمود أمام حوادث “شبه عادية” مثل اصطدام قطارات وتسببها بانبعاث غازات سامة ناجمة عن حادثة بلدة “إيست باليستاين” في ولاية أوهايو حديثاً، أودت بالثروة الحيوانية ولوّثت مياه الشرب، مع تحذير الهيئات الصحية من انتشار أمراض سرطان متعددة بين سكان المنطقة.

            بالتزامن مع الذكرى الأولى للحرب في أوكرانيا، قام الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة “مفاجئة” إلى كييف، في سياق استراتيجية واشنطن الثابتة بـ “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”، وُصفت بتصرف رئاسي “متهوّر”، مهّدت لها نشرة مختصة بالشؤون الدولية بأن ” الأوان آن للإعداد (التخطيط) لانهيار روسيا” (نشرة “فورين بوليسي”، 7 كانون الثاني/يناير 2023).

            رحلة بايدن رُتّبت على عجل، وكانت خارج سياق التواصل والتسلسل الإعلامي المعهود، وهي “المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يزور فيها رئيس أميركي منطقة اشتباك مسلّح خارج تغطية حماية عسكرية أميركية”، ما دفع بعض وسائل الإعلام الرئيسية إلى وصفها بأنها “تسلّل من واشنطن إلى كييف تحت جنح الظلام من دون ملاحظة أحد” (موقع “أم أس أن” الإلكتروني، وشبكة “إيه بي سي” للتلفزة، وموقع “ميليتاري تايمز”،  20 شباط/فبراير 2023).

            زيارة عاجلة “تمت بترتيب مسبق مع السلطات الروسية”، حرصاً على سلامة شخص الرئيس، بحسب ما تسرّب من تقارير تباعاً، كانت ترمي إلى “تجسيد التزام الغرب” بدعم أوكرانيا، في ظل “تبخّر وعود المساعدة الغربية في مؤتمر ميونيخ للأمن” (نشرة “ديفينس نيوز”، 23 شباط/فبراير 2023).

            المساعدات المالية والعسكرية الموعودة لأوكرانيا، اصطدمت بجدار صلب من عدم اليقين داخل أروقة مؤتمر ميونيخ، وخصوصاً بين “طواقم الأمن القومي المتعدد الجنسيات، والصحافيين أيضاً”، بحسب نشرة “ديفينس وان”، على الرغم من كلمة متلفزة وجهتها نائب الرئيس الأميركي كمالا هاريس، أعلنت فيها تعهّد بلادها “دعم أوكرانيا مهما طال الأمر”.

            وازداد المطالبون بتحديد دقيق للسياسة الأميركية بشأن أوكرانيا، وخصوصاً من قيادات عسكرية معتبرة ونخب سياسية مرموقة، من بينهم رئيس هيئة الأركان الأميركية مارك ميللي، اشاروا بالمجمل إلى حالة من الجمود العسكري يرافقه تقدّم ميداني حثيث للقوات الروسية، ما يحتّم على الغرب مواجهة مباشرة للحقائق المتجددة.

            وقالت النشرة العسكرية، “ديفينس وان”، نيابةً عن حضور مؤتمر ميونيخ للأمن، أن على زعماء الدول المختلفة “مخاطبة الجمهور بشأن إجماع الرؤى للمرحلة الحالية وما تواجهه أوكرانيا من حقيقة استنزاف متواصلة. وليس هناك من خيار أمام الغرب إلا دخول المعركة مباشرة ضد روسيا انطلاقاً من أوكرانيا، وتوفيره أسلحة ومعدات متطورة مدعومة بأسلحة الجو المختلفة لتلك المهمة”.

ومضت محذرة قادة حلف الناتو من حالة “التردّد اتخاذ القرار المناسب الذي ستنجم عنه إطالة أمد الحرب وازدياد ضحاياها”، وأعربت عن قناعة المجمّع العسكري والاستخباري بهزيمة أوكرانيا، على الرغم من طمأنة رئيس هيئة الأركان، مارك ميللي، أقرانه إلى البدء بهجوم شامل في الربيع المقبل.

ووجّه الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد بيترايوس، خطاب استغاثة إلى الغرب بالتحرك الفوري لتبني “تدريب طواقم طيارين على مقاتلات أف-16 أس”، كدليل على استنتاجه وآخرين بأن “الحرب لن تنتهي مع حلول فصل الصيف المقبل”.

وخلصت النشرة بالقول إن ذلك السيناريو المرئي “سيخدم الرئيس بوتين حصراً، الذي باستطاعته إنهاء الحرب” اتساقاً مع اهدافه المعلنة.

            لا يخفي خبراء الشؤون العسكرية أبعاد التصعيد الخطابي والعسكري الأميركي، ويقولون أنّ أحد أهدافه هو استدراج روسيا إلى استخدام سلاح نووي منخفض القدرة الإشعاعية في المعركة الدائرة، وما يترتب على ذلك من تدخل مباشر لواشنطن وحلفائها لتسديد المزيد من الضربات داخل الأراضي الروسية.

            عند هذا المنعطف الخطر، أعلنت روسيا تجميد التزامها باتفاقية الحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، فيما أعربت واشنطن عن خيبة أملها من القرار الروسي، معلنة استعدادها للتفاوض مجدداً بهذا الشأن.

            التكهن بدخول السلاح النووي من عدمه، في الحرب الأوكرانية ليس مسألة هيّنة، وأركانها غير متوفّرة، باستثناء الخطاب التصعيدي من واشنطن سياسياً وعسكرياً، وهي التي تتخذ من أوكرانيا والأراضي البولندية منصة انطلاق لإدامة أمد الحرب، لكن باستطاعة المرء الاستنتاج بأن البشرية برمتها مقبلة على سباق تسلح نووي يخلو من الضوابط والقيود السابقة، تواكبه سيادة فريق الحرب في صنع القرار الأميركي والتحكّم في مستقبل العالم أجمع.

:::::

مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن

الموقع الإلكتروني:

http://thinktankmonitor.org/

✺ ✺ ✺

حرب أوكرانيا في عامها الثاني: بين الواقع والمحتمل

العميد د. أمين محمد حطيط

عندما وقّعت أوكرانيا مكرهة في العام 2014 ثم في العام 2015 على اتفاقات مينسك ظنّت روسيا أنّ الباب أغلق أمام المخاطر التي تهدّد الروس في الدونباس وأنّ أمنها القومي بات خارج دائرة الخطر على حدودها الغربية وأنها مع هذا المستجدّ تستطيع ان تتحرك بمرونة ورشاقة أكبر على المسرح الدولي.

بيد أنّ الظنون الروسية لم تكن في محلها من الصحة، لأنّ الغرب كان يضمر شيئاً آخر، ويرى في اتفاقات منيسك فرصة تكسبه الوقت لتهيئة المسرح في أوكرانيا ليكون المحلّ الذي تستدرج إليه روسيا وتجبر على حرب استنزاف تفضي الى تدمير قدراتها العسكرية خارج حدودها وتفتح تلك الحدود أمام المدّ الغربي للسيطرة على روسيا ووضع اليد على ثرواتها سواء تمّت المحافظة على هيكلية الاتحاد الروسي الحالية، أو تمّ تقسيم روسيا الى 3 دول في الحدّ الأدنى، وقد كانت المستشارة الألمانية السابقة ميركل والرئيس الفرنسي السابق هولاند صريحين بقولهما «كانت اتفاقات مينسك 2014 خدعة أريدَ بها منح أوكرانيا الوقت اللازم لتستعدّ للحرب ضد روسيا». وبالفعل تأكد هذا مرة أخرى عندما أوقفت أميركا المفاوضات التي عقدت بين موسكو وكييف في الأسابيع الأولى للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أوقفها لأنه يريد «تحطيم روسيا وليس التفاوض الذي يضمن شيئاً من مطالبها» (هذا ما قاله المسؤول الإسرائيلي بيّنت الوسيط بين الطرفين).

إذن ومنذ توقيعها كانت اتفاقات منيسك محلّ خلاف في النظرة إليها بين من يريدها معبراً للهدوء والسلام وحسن الجوار، وبين من ينظر اليها على أنها ف​​رصة لكسب الوقت للاستعداد للحرب.

ويبدو أنّ أوكرانيا، مسيرة بالقرار الغربي (الأميركي الأوربي)، وبعد أن استشعرت جهوزيتها للدخول في مواجهة مع روسيا وفقاً للنظرة الغربية، بادرت إلى استفزاز روسيا في أكثر من عنوان، مبتدئة بالمجاهرة بسعيها للانضمام الى الحلف الأطلسي، ثم القيام بعمليات عسكرية انتقامية ضدّ السكان في الدونباس من أصل روسي خروجاً على اتفاقات منيسك.

وفي المقابل عملت روسيا بكلّ ما في وسعها من أجل تجنّب المواجهة العسكرية وتحقيق مصالحها الأمنية بالتفاوض وطرقت أكثر من باب للوصول الى أهدافها تلك بشكل سلمي، لكن الغرب فسّر السلوك الروسي ضعفاً واستمرّ في الضغط على زيلينسكي لمواصلة استفزاز روسيا الى ان اتخذت الأخيرة قراراً بعملية عسكرية محدودة تعتمد فيها «استراتيجية الضغط الميداني من أجل التفاوض» الذي يضمن امنها القومي وأمن الروس عبر الحدود في الدونباس، وكادت تلك الاستراتيجية أن تحقق أهدافها بعد 3 أسابيع على بدء العملية العسكرية الخاصة التي انطلقت في 24 شباط/ فبراير 2022 ونفذت بسرعة على 3 محاور بلغ أحدها مشارف كييف والآخرين أحدثا توغلاً في الدونباس حيث تقوم ولايتا لوغانسك ودونيتسك اللتين أعلنتا الانفصال عن أوكرانيا وعقدتا معاهدة انضمام الى روسيا تبرّر طلب المساعدة للدفاع عن إقليمهما.

وجد الغرب في الدخول الروسي الى أوكرانيا فرصته لاستنزاف روسيا وتحطيمها، وأعلن فتح مخازنه ومستودعاته لتقديم المساعدات العسكرية الى أوكرانيا بغزارة، مساعدات عوّل عليها لتمكين أوكرانيا من الصمود الدفاعي أولاً ثم التحوّل الى الهجوم المعاكس ثانياً ثم تطوير المواجهة وصولاً الى تحطيم قدرات روسيا لإخضاعها في نهاية المطاف.

هنا أدركت روسيا انّ أبواب التسويات السلمية مع أوكرانيا وبسبب موقف الغرب مقفلة وانّ هذا الغرب مصرّ على استنزاف روسيا في الميدان الأوكراني عبر حرب بالوكالة يكون الأوكران وقودها ومعهم كمّ من المرتزقة الأجانب بما يكفي لخوض حرب طويلة وناجحة، ولذلك كان على روسيا ان تراجع استراتيجيتها في أوكرانيا وتضع لنفسها خطوطاً حمر لا تتعداها منها: تجنّب حرب الاستنزاف، تجنّب الهزيمة مهما كانت الظروف والأثمان، عدم التراجع عن حماية الروس في الدونباس مهما كانت التضحيات، وبمعنى آخر رأت روسيا أنها ملزمة بالتحوّل الى استراتيجية جديدة تغادر فيها «الضغط للتفاوض» الى استراتيجية فرض المطالب عسكرياً ميدانياً، ويكون التفاوض في نهاية الحرب للتسليم بهذا الواقع المفروض.

وفي فترة التحوّل من استراتيجية الضغط الى استراتيجية السيطرة على الأرض في حدود ما يؤمّن الأهداف الاستراتيجية الكبرى لروسيا، اضطر الجيش الروسي الى إعادة الانتشار في أوكرانيا ورسم خطوط المواجهة بشكل استدعى الانسحاب من مناطق وجبهات وتثبيت مناطق وجبهات والعمل الناشط على ما تبقى وبالقدر الذي تسمح به الإمكانات العسكرية المخصصة للعملية الخاصة في أوكرانيا، وأهمّ ما في هذه المرحلة كان التراجع او الانسحاب من بعض المناطق الاستراتيجية شرقاً وجنوباً، انسحاباً فسّره الغرب بأنه «هزيمة أولية» تلحق بروسيا ويجب ان يتبعها هزائم وصولاً للهزيمة الكبرى التي تخطط لها أميركا، التي تسارع ضغطها على حلفائها الأوروبيين من أجل تقديم المزيد من المساعدات العسكرية ومن الأسلحة المتطورة (الدبابات ليوبارد وابرامز ومنظومات الدفاع الجوي أو الصواريخ أرض ـ أرض) أيّ المساعدات التي تعزز قدرات كييف النارية وعنصر الصدم لديها بشكل يكسبها قدرات هجومية مناسبة تمكنها من دحر الجيش الروسي وإنزال الهزيمة الكبرى به التي يدّعي زيلينسكي انها «ستحصل هذا العام».

بيد انّ المشهد من زاوية النظر الروسية كان خلافاً لما تقدّم، حيث انّ روسيا ومع التزامها بالخطوط الحمر المتقدّمة الذكر، اتجهت في مسار يمكنها من تطوير العملية بشكل يتناسب مع التدخل الغربي فيها وهو التدخل الذي جعل منها «حرباً عالمية» الى حدّ ما، حرباً تتعدّى ميدان القتال لتصل الى مواجهة عقيدية وأيديولوجية بين شرق محافظ على الأخلاق والدين والعائلة وغرب متفلت من الدين والأخلاق والعائلة، حرب ترسو في نهايتها أركان نظام عالمي جديد تأمل روسيا ومن معها من أصدقاء ان يكون تعدّدياً.

وبذلك باتت روسيا ومن معها خلف الستار تدرك أهمية هذه الحرب وما سيترتب عليها عالمياً لذلك انطلقت في عملية تحشيد القوى واستدعت دفعة أولى من الاحتياط (300 ألف عسكري) وأعادت تنظيم القيادة العسكرية الميدانية في أوكرانيا، واستعانت بتشكيلات من القوات الخاصة والشركات الأمنية المحترفة (فاغنر) وجهزت قواتها لاستعمال أسلحتها المتطورة الهامة ودعمت منظومتها التسليحية بأسلحة من متطورة من الأصدقاء (مسيرات إيرانية) وعلقت مشاركتها في معاهدة ستارت 3 المعاهدة لتوحي بأنها قد تلجأ الى استعمال السلاح النووي بعيداً عن عين أميركا التي توليها المعاهدة الحق بتفتيش سنوي 18 مرة للمنشآت النووية الروسية ذات الصلة بالأسلحة النووية البعيدة المدى، والآن بين التحضيرين ما هو المرتقب؟

بعيداً عن الحرب النفسية والسجال الإعلامي، فإننا نرى أن حرب أوكرانيا على عتبة الدخول في مرحلة جديدة قاسية قد يكون الربيع المقبل زمانها وقد تكون وطأتها على الجانبين ثقيلة جداً لكن نتائجها ستكون برأينا محكومة بالمحدّدات التالية:
1 ـ صعوبة الحسم العسكري لصالح أيّ من الطرفين خلال الأشهر المقبلة، وأعني الحسم الذي يقتاد الطرف الآخر الى أحد الانهيارين المعنوي الإدراكي او المادي الميداني الذي يضطره الى الخروج من الميدان مستسلماً، وبالتالي فإنّ نهاية هذه الحرب لن تكون إلا بتفاوض يراعي ما يسجل في الميدان.

2 ـ صعوبة استمرار أوروبا بتحمّل تبعات حرب استنزاف مفتوحة، حيث انّ الاتحاد الأوروبي وبعد سنة واحدة فقط بدأ يئنّ من التراجع الاقتصادي ومن ثقل حجم المساعدات التي يفرض عليه تقديمها لكييف، الأمر الذي سيؤثر حتماً على قدرات الأخيرة العسكرية بشكل يحرمها من القدرات الهجومية التي حلمت بها ويبقيها في أطر دفاعية محدودة غير مستقرة.
3 ـ حتمية سعي روسيا لاحتلال موقع «غير المهزوم» على الأقلّ وبشكل يمكنها من الاحتفاظ بمكتسباتها التي حققتها حتى الآن والتي تأمل بتحقيقها حتى الصيف المقبل، وأقلها انتزاع الاعتراف بضمّ القرم والمقاطعات الشرقية والجنوبية الأربع التي أعلنت انضمامها للاتحاد الروسي.

4 ـ اضطرار أميركا في نهاية المطاف وبعد ان تفشل في حرب استنزاف روسيا، لاختيار سلوك من اثنين: القبول بالتفاوض لإنهاء الأزمة، او التدخل العسكري المباشر بعد ان تلمّس خطورة انهيار الجيش الأوكراني مع من يؤازره من مرتزقة، ويبدو أنّ زيلينسكي يتخوّف من هذا الاحتمال ولهذا وصف الوضع منذ يومين بأنه «صعب للغاية». ونحن نرجح الخيار الأول وقد بدأ يمهّد له كلّ من ماكرون وشولتس اللذين أبلغا زيلينسكي أنه «بحاجة لبدء النظر بمحادثات سلام».

5 ـ استعمال السلاح النووي سيبقى أمراً موضوعاً على الطاولة الروسية، كما سيبقى زجّ وحدات وأسلحة روسية جديدة ذات فعالية عالية في ذهن القيادة الروسية بشكل يمنع تحقق أيّ من أهداف أميركا لتحطيم روسيا او تفكيكها.

:::::

“البناء”، بيروت

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
https://kanaanonline.org/
  • توتير:
  • فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *