غزة.. أمة.. بين معركة الوعي ومعركة السلاح
![غزة.. أمة.. بين معركة الوعي ومعركة السلاح](https://alentesharnewspaper.com/wp-content/uploads/2025/02/2025-02-10_12-47-43_760400.jpg)
د. مها القصراوي
د. مها القصراوي
غزة أمة، والنبي ابراهيم عليه السلام قال الله عنه أنه أمة قانتا، فالأمة ليست بالعدد والكثرة والجغرافيا، وإنما غزة أمة بإيمانها وصمودها وقوة شعبها ومقاومتها من أجل الحرية وتحرير الإنسان والأرض والمقدسات من غدة سرطانية زرعها الغرب في جسد الجغرافيا العربية والإسلامية حتى لا تقوم لهم قائمة، ولكن حركة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس استطاعت بصبر وأناة امتد عشرات السنين أن تخلق مجتمعا غزيا تميز عن كل المجتمعات بإيمانه وقدرته على الصمود، هذا المجتمع الذي يرى أن الموت يتساوى مع الحياة في سبيل نصرة الحق الذي سلب منهم عبر عقود، وتآمرت كل الدنيا من أجل تغييب هذا الحق لكن الله هيأ الأسباب لهذه الجغرافيا الصغيرة كي تبني أمة تحارب الصهيونية العالمية وتحقق النصر عليها، ولعل مشاهد كل يوم سبت خير دليل على ما أنجزته المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام من انتصارات ستقود إلى انتصارات كبرى ، وقد تكون على مستوى العالمية
إن في سيرة سيدنا محمد عليه السلام نموذجا حين بنى في المدينة مجتمعا قاد العالم لقرون عدة، ويبقى السؤال، كيف حدث ذلك. لم تخض غزة معركة السلاح إلا بعد سنوات عدة من معركة الوعي،فقد أنشأت حماس جيلا مؤمنا بعدالة قضيته، وأن الدفاع عن الحق هو أساس العقيدة، فالله حق وكرامتك التي ميزك الله بها حق، وحريتك حق، والدفاع عن أرضك حق، والموت حق، وأن لا معنى للحياة في ظل احتلال شرس احتل الأرض والمقدسات، وأن الحرية لا توهب إنما تنتزع من عدوك بقوة السلاح، وأن المفاوضات لا تجلب إلا الاستسلام والذل ومزيدا من الضياع.
لم تأت معركة طوفان الأقصى إلا نتيجة حتمية لمعركة وعي خاضها المجتمع الفلسطيني في غزة، وأسست جيلا قويا مؤمنا بالله وعدالة قضيته، ولولا هذا الوعي لما استطاع أهل غزة أن يصمدوا ويحققوا هذا الانجاز التاريخي رغم الدم والدمار والإبادة، وأثبتوا المقولة التاريخية التي رددها كثيرا الشهيد السيد حسن نصرالله أن الدم ينتصر على السيف. لقد هيأ الله لغزة أن تحاصر سنوات طويلة بمنأى عن كل مظاهر المدنية المادية التي فرضها الغرب الاستعماري على العالم، وحول حياة الإنسان إلى سلعة تحكمها المصلحة والمادة. إن هذا النأي منحها فرصة كي تبني مجتمعا قويا في عزيمته وإرادته لا يتطلع إلى أي استحقاق مادي تعيشه الإنسانية، وإنما سعت قيادة حماس إلى بناء إنسان يدافع عن إنسانيته وكرامته في ظل احتلال نازي لا يعرف معنى الإنسانية والوطن والكرامة، ولعل تصريحات ترامب الأخيرة حول غزة وأنها عقار يقبل البيع والشراء خير دليل على الانحطاط الذي وصلت له المدنية الغربية التي فرغت الإنسانية من مضامينها، وصار الإنسان بكل ما يحمله من معاني روحية عظيمة هو سلعة رخيصة في يد الرأسمالية الصهيونية.
لقد أصبحت غزة رمزا عالميا للإنسانية والتحرر من براثن الرأسمالية والصهيونية التي تحاول فرض أجنداتها على كل الدول، لكن هيهات ان ينجح هذا في المجتمع الفلسطيني والعربي، ولعل القيامة العربية على وشك الانفجار في وجه كل المؤامرات التي تحاك ضد شعوب المنطقة، لأن العقل لا يمكن أن يستوعب، كيف لخمسة مليون صهيوني في فلسطين المحتلة أن يتحكم في مصير نصف مليار عربي بكل إرثهم الحضاري وقدراتهم البشرية والاقتصادية.
لقد أثبتت معركة طوفان الأقصى أن القدرة على الانتصار يمكن أن تتحقق حين تكون هناك الإرادة والإيمان والإعداد، فإما أن تعيش بكرامة أو تموت بشرف. وإذا كانت معركة الوعي في غزة قد استغرقت سنوات وتهيئة ربانية، فإن معركة الطوفان أحدثت قفزة عظيمة في الوعي الجمعي العربي والإسلامي والإنساني، وما نشهده من دعم وإسناد جماهيري على المستوى العالمي يؤكد قفزة الوعي الذي أحدثه الطوفان، ومن لا يركب في سفينة الطوفان سوف يغرق
غزة ليست بحجم أمة بل هي أمة تسير نحو التحرر والانبعاث من جديد في خير أمة أخرجت للناس.
كاتبة فلسطينية