حمد حسن التميمي: السمكة الغبية

 حمد حسن التميمي: السمكة الغبية

الإنتشار العربي :حمد حسن التميمي
في اختبارات الذكاء يتم قياس أشياء محددة للحكم على مستوى الإنسان العقلي. لكن تبين خلال السنوات الماضية أن هذه الاختبارات تعطي نتائج غير دقيقة، كونها لا تختبر الذكاء العاطفي على سبيل المثال لا الحصر، بل تقتصر على حل المعادلات الرياضية وما شابهها. ومن المعلوم أن هناك من يمتلك ذكاء في الرياضيات، بينما يمتاز شخص آخر بذكاء عاطفي ملحوظ، وثالث يبرع في الفن والأدب.. إلخ.
إذن، فالحكم على شخص ما بناء على اختبارات معينة غير دقيق بالمرة. لا يمكن حقيقة عمل اختبار واحد يستطيع الكشف عن جوانب الذكاء لدى الإنسان. وهذا يعني أن لكل واحد فينا نقاط قوة ونقاط ضعف، جوانب يمكن أن يبرع فيها، وأخرى تكون قدرته فيها أقل من أقرانه، وليس في ذلك انتقاص أو عيب.
إذا لم تكن متفوقاً في الفيزياء مثلاً، فربما أنت موهوب في الرسم. وإذا لم تتقن الرياضيات، فربما تمتلك موهبة أدبية استثنائية. المهم أن كل إنسان فينا لديه طاقات كامنة ومواهب قد تكون مدفونة، وتحتاج إلى من يخرجها للنور.
أما ما نلاحظه في المدارس من إخفاق العديد من الطلاب فمردّه إلى إرغام الطفل على تعلم مواد لا يميل إليها ولا يبرع فيها، بينما نهمل إمكانياته ومهاراته في مواد أو مهارات أخرى. فعندما تحاول إرغام ابنك على دخول الثانوية العامة العلمية بينما ميوله أدبية، فأنت تحكم عليه بالفشل الأكيد، والعكس صحيح.
في بعض الدول المتقدمة تأخذ المدارس على عاتقها مهمة الكشف عن إمكانيات الطفل منذ نعومة أظفاره، ثم وضعه على الطريق الصحيح، كما أن الأسرة تلعب دوراً كبيراً في مساعدة الصغار على اكتشاف مواهبهم وتنميتها.
وبينما يعتقد البعض أن الذكاء محصور في فئة صغيرة من البشر، يرى آخرون من بينهم علماء أننا جميعاً أذكياء، لكن كل واحد فينا ذكي في جانب أو جوانب معينة. فلا تعني عدم قدرتك على الحساب الذكي بأنك غبي، بل تعني أنك ربما لست ممن يتمتعون بموهبة في الرياضيات، في الوقت الذي يمكن أن تكون موهوباً فيه وبشدة في مجال الرياضة كما كان «مايكل جوردان» في كرة السلة على سبيل المثال، أو «ميسي» في كرة القدم.
حكمة صغيرة يمكن أن تلقي الضوء على الفكرة المراد توجيهها من هذا المقال تقول: «إن حكمت على قدرة سمكة في تسلق الشجرة، فستعيش حياتها كلها وهي معتقدة أنها غبية». هذه رسالة إلى كل أب وأم ومدرس، تستوجب مساعدة الطفل على اكتشاف قدراته الأصيلة، ومواهبة المتفردة.
إن مسؤوليتنا اليوم كمربين هي مساعدة النشأ على معرفة مكامن القوة لديهم. ولا يمكن أن يتحقق هذا المسعى إلا إذا أدركنا أن الذكاء ليس محصوراً في جانب معين، بل هناك أشكال لا حصر لها للذكاء.
إذا لاحظت في ابنك القدرة على التحدث بطلاقة وإقناع، فربما يمتلك قدرة فذة في فن الخطابة، وهنا يمكنك أن ترشده إلى الطريق الصحيح. وإذا لاحظت أنه مثلاً يملك صوتاً معبراً، فربما باستطاعتك أن تنمي هذه الموهبة لديه ليصبح معلقاً صوتياً بارعاً في المستقبل. وقد تكون ابنتك موهوبة في مجال الكتابة منذ الصغر، الأمر الذي يعني أنها قد تصبح مع التدريب والمران كاتبة ذات شأن في المستقبل إن أنت شجعتها، ودعمت مسيرتها، ووجهتها بشكل جيد.
يجب أن نركز على تعزيز نقاط القوة لدى أبنائنا بدلاً من إرغامهم على ما نريده نحن. ساعد أبناءك على اكتشاف شغفهم الحقيقي منذ الصغر، ومكامن مواهبهم، وقدم لهم الرعاية اللازمة لتنمية هذا الشغف وتلك المواهب.
وإذا كنت مدرساً فإن أعظم مهمة تقوم بها هي مساعدة طلابك على اكتشاف الأشياء التي يمكن أن يبرعوا فيها، ثم دعمهم بكل الوسائل المتاحة لتطوير إمكانياتهم في المجال أو المجالات التي اختاروها.
تذكر دوماً أن الذكاء لا يتخذ شكلاً واحداً، وليس محصوراً في جانب معين، بل هناك ألف شكل وشكل للذكاء. المهم أن يكتشف الإنسان مكامن قوته، ويعمل على تعزيزها، بدلاً من محاولة فعل أشياء لم ولن يبرع فيها أبداً.
كاتب قطري

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *